نجحت السعودية في تحقيق هدفها بارتفاع أسعار النفط العالمية، ولكن هذا النجاح يهدد بمشكلات أخرى تواجه اقتصاد المملكة.
وارتفعت أسعار النفط العالمية بشكلٍ كبير مؤخراً، وعلى الرغم من أن الطلب العالمي يُظهِر بوادر تحسُّن واعدة، فإن السعودية في العالم تكافح من أجل الاستفادة من ذلك، والوصول لمعادلة تضمن زيادة الإيرادات والحفاظ على حصتها في الأسواق، حسبما ورد في تقرير لموقع Oil Price.
هؤلاء يحاولون سرقة الدور السعودي في سوق النفط
لم يؤدِّ ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة الضغط على أوبك وخارجها فحسب، للنظر في إستراتيجيةٍ أكثر مرونة على مدار الأشهر المقبلة، بل إن الأعضاء يتنافسون أيضاً على كسب حصة في السوق وزيادة حجم إنتاجهم.
لقد أثبتت سياسة الرياض، المتمثِّلة في توليد غالبية الإنتاج الراهن، نجاحها، ولكن إذا فشل الآخرون في الامتثال، فقد تجد الرياض نفسها في موقفٍ صعب، حسب تقرير موقع Oil Price.
وروسيا هي المنافس التقليدي الرئيسي للسعودية في مجال تصدير النفط، ولكن مع التزام البلدين بعمليات تخفيض الإنتاج، ظهر منافسون آخرون للرياض.
إذ تبحث إيران وفنزويلا والعراق وليبيا عن أيِّ عذرٍ لضخِّ مزيد من النفط إلى السوق، وكلُّ ذلك على حساب الحصة السوقية للرياض. في الوقت نفسه، لا يزال مستقبل السعودية يعتمد على زيادة عائدات النفط، حيث تعتمد الميزانيات الحكومية بشكلٍ كبير على الذهب الأسود.
وأعلنت مصادر في وزارة النفط والغاز الطبيعي الهندية، أن المصافي المملوكة للدولة تخطط لخفض واردات النفط من السعودية بنحو الربع في مايو/أيار المقبل.
وتأتي خطة مصافي التكرير الحكومية في الهند بتخفيض شراء النفط من السعودية، نتيجة تجاهل "أوبك" دعوة نيودلهي إلى زيادة الإمدادات؛ لتهدئة أسعار النفط الخام الدولية، حسبما ورد في موقع RT الروسي.
وقالت الوزارة لصحيفة "إيكونوميك تايمز" الهندية: "ستتخذ هذه الخطوة، في ظل تفاقم المواجهة مع الرياض بعد قرار (أوبك+) تجاهل دعوات نيودلهي إلى زيادة إنتاج النفط وخفض أسعار الهيدروكربونات". كما أشارت إلى أن وارداتها من السعودية "تعود إلى الحاجة لتنويع مصادر الحصول على هذه المادة الخام، وسببها رغبة الحكومة الهندية في تقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط".
وفي فبراير/شباط، انخفضت حصة الشرق الأوسط من إجمالي واردات النفط الهندية إلى أدنى مستوى لها في 22 شهراً. وفي الشهر نفسه، أصبحت الولايات المتحدة ثاني أكبر مورد للنفط الخام إلى الهند بعد العراق.
المشكلة أن السعودية في حاجة لمزيد من الأموال لتنفيذ رؤية 2030
علاوة على خطر فقدان أسواق التصدير، فإن المملكة في حاجةٍ ماسة إلى عمليات ضخ دفعات مالية إضافية لدعم خطط تنويع الاقتصاد المتواصلة على نطاقٍ واسع، والمعروفة أيضاً باسم "رؤية 2030". وبينما أدَّى حجم وتكلفة هذه الخطة إلى كثير من التقييمات السلبية، فقد حقَّقَت بعضاً من التقدُّم غير المُتوقَّع في الأشهر الأخيرة.
وقُدِّمَت برامج تحفيز تبلغ عدة تريليونات، من أجل تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي هذه. ولكن حتى عند سعر 70 دولاراً للبرميل، فإن عائدات النفط لا تكفي لتمويل كلِّ شيء. وما يزيد الطينة بلة هو أن وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، صرَّح بالفعل علانيةً بأن الشركات السعودية المملوكة للدولة ستضطر إلى خفض توزيعات الأرباح للحكومة؛ لزيادة الإنفاق الرأسمالي الإجمالي.
وستعمل إستراتيجية تقليص أرباح الحكومة على خفض الدخل المالي للرياض بشكلٍ كبير. وأكَّد وليّ العهد أن تخفيضات الأرباح ستنطبق أيضاً على شركة أرامكو السعودية، أكبر مصدر لتوزيعات الأرباح في الرياض، بالنظر إلى توزيعات الأرباح الحالية البالغة 75 مليار دولار. والسبيل الوحيد أمام الحكومة هو البحث عن أسعار نفطٍ أعلى، من أجل زيادة تدفُّقات الإيرادات المباشرة.
وللتعويض عن انخفاض توزيعات الأرباح، ستتطلَّع المملكة السعودية إلى زيادة أسعار النفط، لأن هذا من شأنه أن يعزِّز تحويلات أرامكو من الضرائب. ونظراً إلى غياب خيار آخر لتوليد الأرباح حتى الآن في المملكة، ستضطلع الصناعات الهيدروكربونية بدورٍ محوريٍّ في إستراتيجية الرياض التي تستهدف تخصيص 27 تريليون ريال (7.2 تريليون دولار) للإنفاق المحلي بحلول عام 2030.
بدائل صعبة.. هل تستطيع الحفاظ على حصتها من سوق النفط؟
إن الوضع الحالي للسوق يجعل المملكة السعودية في مواجهةِ عمليةٍ صعبة للغاية في صنع القرار. فللحفاظ على خطط التنويع الاقتصادي لرؤية 2030 قيد التنفيذ، يجب توليد أموال نقدية إضافية أو جذبها من الأسواق المالية العالمية. في الوقت نفسه، ستحتاج الرياض إلى أسعار نفط أعلى؛ للحفاظ على قاعدة إيراداتها الإجمالية كما هي، خاصةً عند خفض توزيعات الأرباح من قبل المؤسسات الحكومية.
وفي الوقت ذاته فإن الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط أمر صعب بالنظر إلى أن الطلب ضعيفٌ نسبياً والمنافسين في تصدير النفط يتنافسون على مستوياتٍ أعلى في الإنتاج.
وبالتالي سيتعيَّن على المملكة الحفاظ على خفض الإنتاج من جانبٍ واحد لفترةٍ أطول.
ولسوء حظ المملكة، فإن استعادة حصتها في السوق لن تكون عمليةً سهلة بمجرد دخول المُصدِّرين الآخرين للحلول بدلاً منها في بعض الأسواق، حسب موقع Oil Price.
وفي الوقت نفسه، ستحتاج أرامكو إلى زيادة طاقتها الإنتاجية لتوليد مزيد من الإنتاج في سوقٍ من المُتوقَّع أن يضعف فيها الطلب في غضون خمس إلى عشر سنوات.
وحتى الآن، كانت الرياض ملتزمةً بالحفاظ على استقرار مجموعة "أوبك+"، حتى مع ارتفاع الأسعار وزيادة الضغط من أجل زيادة الإنتاج.
لن يكون تحقيق التوازن الصحيح بين إنتاج النفط المنخفض للسعودية والفوائد المالية المرتفعة المتحققة من زيادة الأسعار في هذه البيئة بالأمر السهل، وفقاً للموقع.
ليس الوضع المالي للمملكة السعودية سيئاً كما قد يتوقَّع البعض، لكن بعض التقارير تحذّر من مستويات ديون أعلى. في الوقت الحاضر، يتمثَّل ردُّ الرياض على خفض الأرباح وعائدات النفط والغاز في تقليص الميزانية الحكومية. وبالنسبة لعام 2021، خُفِضَت ميزانية الحكومة بنسبة 7%، بسبب ارتفاع العجز في العام الماضي.
وتشير الأرقام إلى أن العجز الحكومي في عام 2020 بلغ 12% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بنحو 4.5% في عام 2019.
في تقريره الصادر في 8 أبريل/نيسان من العام الجاري، بعنوان "صندوق النقد الدولي: إضعاف الميزانيات العمومية أكبر مصدر قلقٍ للأسواق الناشئة بعد عام 2021″، وذَكَرَ البنك الهولندي ING أن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ومنطقة إفريقيا جنوب الصحراء، ستشهد انتعاشاً أكثر صمتاً في عام 2021. ومع ذلك، فقد شهدت كلتا المنطقتين تنقيحاتٍ تصاعدية لعام 2021 يمكننا أن نعزوها إلى انتعاش أسعار النفط وفاعلية طرح اللقاح في بعض الأماكن. ومن بين الاقتصادات الكبرى، كانت نيجيريا والمملكة السعودية مستفيدتين. ويبدو أن النجاح الاقتصادي لهذه البلدان مرتبط بأسعار وعائدات النفط بدلاً من التنويع الاقتصادي.
كيف يمكن للسعودية توفير 10 تريليونات دولار لرؤية 2030؟
عند النظر إلى تصريحات الأمير محمد بن سلمان الأخيرة، التي تستهدف 10 تريليونات دولار من الإنفاق الحكومي بين عامي 2021 و2023، ستظلُّ الميزانيات الحكومية مرتفعةً للغاية، وسيكون الاقتصاد المحلي مرتبطاً بالدولة. وكما قالت وكالة Fitch للتصنيفات في الأيام الأخيرة، فإن الرياض، من أجل الحصول على ميزانية متوازنة، ستكون بحاجةٍ إلى متوسط سعر برميل نفط عند 76 دولاراً، بناءً على نهج الميزانية العادية. ومع وجود تخفيضاتٍ مُحتمَلة في توزيعات الأرباح، تتوقَّع وكالة التصنيفات أن يكون سعر التعادل في الميزانية 60 دولاراً للبرميل أمراً ممكناً.
ومع ذلك، بالنظر إلى خطط الإنفاق المستقبلية الحالية في المملكة السعودية، هناك حاجةٌ إلى مزيد من الإيرادات غير النفطية أو ارتفاع أسعار النفط والإنتاج لتحقيق التوازن المالي. ويجري التخطيط لعمليات طرح عام أوَّلي إضافية، أو بيع مزيد من أسهم أرامكو، لكن هذا لن يكون كافياً أبداً لمواجهة المطالب المالية في السنوات المقبلة.
الخيار الآخر هو جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية. في عام 2020، تلقَّت المملكة السعودية نحو 5.5 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن بالنظر إلى خطط محمد بن سلمان، فإن هناك حاجةً إلى 500 مليار دولار أخرى، وهذه ليست مهمةً سهلة بالنسبة للمملكة.
ولكن مع استمرار انخفاض عائدات النفط والغاز في المملكة السعودية، سوف تتخلَّف الاستثمارات. لا تزال المملكة تكافح من أجل التخلُّص من ريعية الدولة، ويرجع ذلك أيضاً إلى حقيقة أن الشباب السعودي يميل إلى العمل في الحكومة أكثر من القطاع الخاص، بسبب الرواتب المرتفعة.
وتتمثَّل لعنة المملكة في أنه من السهل للغاية البحث عن عائدات نفطية إضافية، وهو نهجٌ سهلٌ للربح، ولكن مع تداعياتٍ سلبية طويلة المدى.
ومع ذلك، لا ينبغي لأعضاء "أوبك+" الاعتماد على استعداد الرياض الحالي لتحمُّل عبء التخفيضات. فإذا كانت برامج رؤية 2030 بحاجةٍ إلى التمويل، وإذا فشل التمويل الدولي، فسوف تضطر المملكة إلى الاستفادة من عائدات النفط مرةً أخرى.
ستكون الأسواق المالية قاسيةً في المطالبة بالسداد في المستقبل. ومن المؤكَّد أن عدم الاستقرار الحكومي بسبب فجوات الميزانية وسداد الديون، ليس بالطريق الذي يتعيَّن على محمد بن سلمان أن يسلكه.