"الفتنة وئدت"، هذا ما أعلنه العاهل الأردني عبدالله الثاني، في خطاب كتابي نشرته وكالة الأنباء الرسمية "بترا"، مساء الأربعاء 7 أبريل/نيسان، وذلك في أول تصريح له بعد أزمة أخيه غير الشقيق الأمير حمزة بن الحسين، الذي وُجهت له اتهامات بـ"التآمر على سلطات البلاد".
ولم يُخف الملك بخطابه -الذي تحول من مرئي لمكتوب لأسباب غير معروفة- شعوره بـ"صدمة وألم وغضب" بسبب قضية أخيه حمزة التي اندلعت في 3 نيسان/أبريل، بالتزامن مع اعتقال عدد من المقربين من الأمير، بالإضافة إلى رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد.
وقال الملك عبدالله الثاني إن "أطراف الفتنة كانت من داخل بيتنا الواحد وخارجه.. لا شيء يقترب مما شعرت به من صدمة وألم وغضب، كأخ وكولي أمر العائلة الهاشمية، وكقائد لهذا الشعب العزيز". فيما سعى الملك في الوقت نفسه إلى طمأنة الأردنيين، قائلاً "إن البلد آمن ومستقر، وإن الفتنة وئدت". فهل انتهت هذه الأزمة بالفعل، وما الذي يجب على الملك فعله لتجنب تكرارها؟
هل انتهت الأزمة بالفعل لدى الأردنيين بعد خطاب الملك؟
حاول الملك الأردني في خطابه طمأنة الأردنيين الذين يتساءلون منذ أيام، على منصات التواصل، عن مصير الأمير حمزة ذي الشعبية الواسعة، وقال الملك إن "حمزة اليوم مع عائلته في قصره برعايتي"، لكن يبدو أن ذلك لم يُنهِ تساؤلات الأردنيين، الذين أطلقوا بعد خطاب الملك مجدداً "هاشتاغات" تصدرت تويتر بالعربية والإنجليزية: #وين_الامير_حمزه، و #Where_is_prince_Hamza.
وفي قراءة لأبرز ما نُشر على منصات التواصل، يبدو أن الأردنيين كانوا يتوقعون خروج الملك بخطاب مرئي، إلى جانب أخيه الأمير حمزة، للاطمئنان التام بأن الأزمة انتهت بالفعل، لكن غياب حمزة عن منصات التواصل، وعدم مقدرته على الظهور لا يزال يثير الكثير من الشكوك، في حين يرى آخرون أن هذه المصالحة بين الملك وأخيه قد تكون "شكلية".
وكان الأمير حمزة قال يوم 3 أبريل/نيسان في تسجيل مصور إنه يخضع للإقامة الجبرية، وإنه قد يكون هذا آخر ما يصل الجمهور منه، لأن السلطات قامت بقطع الإنترنت عنه وسحب حرسه المحيط بمنزله في غرب العاصمة عمّان.
وأشعل التسريب الصوتي لمواجهة الأمير حمزة مع رئيس أركان الجيش اللواء يوسف الحنيطي تفاعلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، وقوبل بردود فعل مؤيدة للأمير الذي رفض أوامر قائد الجيش بخضوعه للإقامة الجبرية.
وكان الحنيطي قد طلب من الأمير عدم الخروج من بيته وحصر لقاءاته على أفراد العائلة، والتوقف عن انتقاد الحكومة، والتغريد على تويتر. لكن الأمير حمزة كما هو ظاهر في التسجيل المسرب لم يتقبل إملاءات قائد الجيش، قبل أن يطلب منه مغادرة بيته على الفور إلى جانب العناصر التي رافقته.
إذا كانت أزمة الأمير حمزة قد انتهت، فماذا عن مصير المقربين منه المعتقلين؟
وبعد ذلك التسريب، نشرت صحيفة The New York Times الأمريكية تقريراً، الثلاثاء 6 أبريل/نيسان قالت فيه إن مكان الأمير حمزة ما يزال مجهولاً، فضلاً عن أن الموظفين الذي يعلمون لديه، والأشخاص المرتبطين به، لا يزالون محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي، وذلك حسبما أوضح أقاربهم.
وكان الملك قد اكتفى في خطابه الأربعاء بالقول إن "الأمير حمزة التزم أمام الأسرة المالكة بأن يضع مصلحة الأردن ودستوره وقوانينه فوق أي اعتبارات أخرى". ومضى إلى القول: "فيما يتعلق بالجوانب الأخرى، فهي قيد التحقيق، وفقاً للقانون"، دون توضيح المقصود بـ"الجوانب الأخرى".
وهذا أمر آخر ما زال غير واضح بالنسبة للأردنيين، فإذا كانت أزمة الأمير حمزة قد انتهت، لماذا لا يزال العديد من مرافقيه وحرسه ومدير مكتبه الحالي والسابق قيد الاعتقال ومصيرهم غير معلوم؟ فيما لا تزال عائلات هؤلاء المعتقلين تطالب الجهات الرسمية بالكشف عن مصير أبنائها.
وبحسب عائلات المعتقلين، لا يزال مدير مكتب الأمير حمزة، ياسر المجالي، وابن عمه سمير المجالي، محتجزَين في موقع مجهول، وذلك بحسب أسرتهم التي تنحدر من واحدة من أكبر قبائل الأردن.
وقال عبدالله المجالي، شقيق ياسر، لصحيفة نيويورك تايمز: "في كل مرة نتصل بشخص ما، يقولون سوف نعاود الاتصال بكم. ما زلنا لا نعلم أين هما". وأضاف عبدالله أن أخاه كان في فترة نقاهة في البيت بعد نوبة قلبية تعرض لها في أعقاب إصابته بفيروس كورونا، ولم يعمل منذ أسابيع عديدة.
فيما قال هشام المجالي، ابن عم سمير المجالي، إن الأخير لم يقابل الأمير حمزة إلا في مناسبات قليلة لتناول الغداء بحكم وضعه الرسمي، نظراً إلى أنه من كبار أبناء القبيلة، مشيراً إلى أن الرجلين لا تجمعهما علاقات برئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله الذي تم اعتقاله هو الآخر. وقال: "إنهما حتى لا يعرفانه، من غير المعقول أن يُربط اسماهما معاً".
وتظاهر عدد من أبناء عشيرة المجالي في مدينة الكرك جنوب الأردن يوم الأربعاء، مطالبين بالإفراج عن أبنائهم المعتقلين، والكشف عن مصير الأمير حمزة، هاتفين بشعارات مؤيدة لولي العهد الأردني السابق.
من جهتها، نشرت المواطنة الأردنية ضحى مقبل، زوجة العقيد المتقاعد مصطفى أبوعنيز، المرافق السابق للأمير حمزة، والذي تم اعتقاله هو الآخر، فيديو عبر تويتر، طالبت فيه بالإفراج الفوري عن زوجها، مضيفة أنه تم اعتقاله دون تهمة أو سبب واضح، وأن أسرته لا تعرف مكان تواجده، مشيرة إلى أنه يعاني من مرض الشلل الرعاشي.
ماذا عن "الجهات الخارجية" التي اتهمت السلطات الأردنية الأمير حمزة بـ"التآمر معها"؟
أيضاً، لم يوضح الخطاب الملكي شيئاً حول ماهية "الجهات الخارجية" التي اتهم بها أيمن الصفدي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني، الأمير حمزة بالتواطؤ معها، والتي وصفها في مؤتمر صحفي بـ"مؤامرة خبيثة".
وحتى اللحظة، لم يكشف الأردن عن هذه الجهات الخارجية إن كانت دولاً أم أشخاصاً أم "معارضة خارجية" أم غير ذلك، والتي اتهمت "بالانخراط في الكواليس لتدبير مؤامرات لزعزعة الاستقرار في المملكة". ولا يبدو أن أي دولة في المنطقة حاولت تأجيج هذه الأزمة أو استغلالها، بل بدا أن الجميع يقف إلى جانب الملك، من قطر إلى تركيا، ومن إسرائيل إلى السعودية والإمارات.
وكانت تقارير قد تحدثت عن محاولات سعودية حثيثة للإفراج عن باسم عوض الله، رئيس الديوان الملكي الأردني السابق، ومستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وكشفت صحيفة Washington Post الأمريكية، الثلاثاء 6 أبريل/نيسان أن وفداً سعودياً رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية فيصل بن فرحان، وصل الإثنين إلى الأردن، للمطالبة بالإفراج عن عوض الله، لكن الأردن رفض ذلك حتى استكمال التحقيق معه.
وفي الوقت نفسه، لم يوضح الخطاب الملكي الأدوار الحقيقية للأشخاص الآخرين الذين تم اعتقالهم (يصل عددهم لنحو 20 شخصاً) في "التخطيط للتآمر على زعزعة استقرار الأردن"، مما يترك العديد من الأسئلة مفتوحة، والتي لا يزال يبحث الأردنيون عن إجابات لها.
بالرغم من إعلانه "طيّ الصفحة".. الأزمة لم تنتهِ بعد للملك عبدالله الثاني
في مقال نشر الأربعاء 7 أبريل/نيسان بصحيفة واشنطن بوست، حمل عنوان "ليس سهلاً أن تكون ملكاً يرتدي التاج في الأردن"، قال الروائي والصحفي الأمريكي ديفيد إغناتيوس إنه من المؤكد أن "الهاشميين" (العائلة المالكة في الأردن) يعانون من السياسات العائلية الفوضوية الشائعة في غالبية العائلات الملكية.
بيد أن الجانب الأكثر قلقاً، بحسب إغناتيوس، من التحرك المشهود في الأردن، يكمن في أن "الملك عبدالله ربما سيطر عليه هوس الأعداء المُتخيلين على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أرّقت قادة الشرق الأوسط الآخرين، بدءاً من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووصولاً إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي".
وأشار الكاتب إلى أن الأمر الذي كان قد أصدره النائب العام الأردني خلال الأزمة، الذي يقضي بمنع وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي من مناقشة القضية، قائلاً إنه "مجرد أحدث مثال على هلع الملوك والقادة العرب من مواقع التواصل الاجتماعي". وإنه "إذا استمر الوضع، فيمكن أن يكون مؤشراً على تحول يشهده الأردن من حكمٍ لينٍ أوتوقراطي لكنه حميد، إلى شيء آخر أشد شؤماً".
ويقول إغناتيوس: "صحيحٌ أن الأمير حمزة أعلن ولاءه للملك عبدالله في خطاب موقع باسمه صدر يوم الإثنين، لكن منشورات مؤيديه على مواقع التواصل الاجتماعي متواصلة، إضافة إلى تسجيل صوتي مسرب نشره حمزة يوم السبت، توضح جميعها أن الملك انتابه القلق".
ويرى الكاتب أن "القصر الملكي لا يزال محاطاً بمتواطئين من الحاشية وأمراء وأميرات طموحين وطموحات، ومشايخ قبائل متطلبين، وجيران متدخلين، ورؤساء مخابرات ماكرين ينشرون القيل والقال حول وقوع مؤامرات انقلابية: منها ما هو خيالي ومنها ما هو حقيقي. لم يكن لدى الملك قط المال الكافي لملء جميع خزائن الأسرة، ولذا يصير الفساد في المواقع العليا حقيقة حياتية حتمية".
ووفقاً للمقال، يبدو الأمير حمزة لا يزال مصدر تهديد للملك عبدالله، ويُعزى هذا جزئياً إلى أنه أقرب شبهاً بأبيه الراحل. تفاقم هذا القلق من الأمير حمزة خلال العام الماضي بسبب تواصله مع القبائل البدوية التي تعزز الجيش الأردني والأجهزة الاستخباراتية في البلاد، إضافة إلى محافظته على ظهوره في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال الكاتب إن أردنيين في مواقع مرموقة أبلغوه أنهم ساورتهم شكوك من أن "هذا الحدث يرقى إلى عاصفة نارية حقيقية من الفتنة ضد الملك عبدالله، لكنها لم تكن بلا دخان".
واختتم إغناتيوس مقاله بقوله إنه "أيما يكون حديث المؤامرات الذي يُسمع حول عمان الآن، فإن الخطر المحتمل الأكبر الذي يواجهه الملك عبدالله، يكمن في الملك الأردني نفسه، إذا استمر بالإنصات إلى الأصوات التي تخبره بأن يلجم المعارضة ويسحق المنافسين المحتملين ويهدم أسس استقرار الأردن الحديث. فلن يختار ذلك المسار إلا ملك غير حكيم"، بحسب تعبيره.
"يجب على ملك الأردن فهم إشارات السخط الشعبي وتداركها"
وكانت صحيفة "التايمز" البريطانية قد نشرت تقريراً حول الأزمة الملكية قالت فيه إن الأمير حمزة أصبح نقطة محورية لعدد متزايد من الأردنيين غير الراضين عن الصعوبات الاقتصادية والتوترات السياسية في البلاد التي تعاني من قلة الموارد وشح الصادرات، كما يعاني البلد الصغير من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وفي السنوات الأخيرة، تزايدت قصص الفساد وعدم الكفاءة، وظل الملك عبدالله الثاني يعتمد على جهاز استخباراته القوي لتهدئة الاستياء الشعبي حتى أصبح سلطوياً بشكل متزايد في محاولة الحفاظ على استقرار الحكم، بحسب الصحيفة.
في النهاية، وبعد الإعلان الرسمي عن انتهاء الأزمة، تقول الصحيفة: "إنه يجب أن يكون الأمل الآن أن الملك قد فهم إشارات السخط الشعبي الكبير، وإنه يجب عليه كبح جماح المسؤولين المتعجرفين المكروهين من الناس. وفي الوقت نفسه، يجب على الغرب أن يقف على أهبة الاستعداد لتقديم المزيد من المساعدة والدعم للأردن، وإلا فإن هذه الأزمة داخل العائلة المالكة، قد تهدد أسس المملكة الهاشمية واستقرارها".