اعترفت طهران الأربعاء، 7 أبريل/نيسان، بأن سفينة شحن إيرانية والتي يُعتَقَد أنها قاعدةٌ عائمة للحرس الثوري الإيراني، وترسو منذ سنواتٍ في البحر الأحمر قبالة اليمن، تعرَّضَت لهجوم. وأكَّدَت وزارة الخارجية الإيرانية الهجوم على السفينة "سافيز" المُشتَبَه في أن إسرائيل هي من نفَّذَته بحسب عدة تقارير. فما حقيقة هذه السفينة؟
ما حقيقة سفينة "سافيز" الإيرانية؟
جاء الوجود الطويل للسفينة في المنطقة، والذي انتقدته المملكة السعودية مراراً، في الوقت الذي يقول فيه خبراء الغرب والأمم المتحدة إن إيران قدَّمَت الأسلحة والدعم للحوثيين في اليمن، في ظلِّ الحرب المستمرة في ذلك البلد منذ سنوات. وتنفي إيران تسليحها الحوثيين رغم ارتباط المُكوِّنات الموجودة في أسلحة المتمرِّدين بطهران.
ووصلت السفينة سافيز، المملوكة لشركة الشحن الإيرانية التابعة للجمهورية الإسلامية، إلى البحر الأحمر في أواخر عام 2016، وفقاً لبيانات تتبُّع السفن. وفي السنوات اللاحقة انجرفت السفينة تجاه أرخبيل دهلك، وهو سلسلةٌ من الجزر قبالة ساحل دولة إريتريا القريبة في البحر الأحمر. ومن المُحتَمَل أنها تلقَّت إمداداتٍ وبدَّلَت الطاقم عبر السفن الإيرانية المارة في الممر المائي، بحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وأظهرت مواد إحاطة من جانب الجيش السعودي، حصلت عليها وكالة Associated Press الأمريكية في وقتٍ سابق، رجالاً على متن السفينة يرتدون ملابس مُمَوَّهة وزياً عسكرياً، فضلاً عن قوارب صغيرة قادرة على نقل البضائع إلى الساحل اليمني. وتضمَّنَت مواد الإحاطة هذه أيضاً صوراً تُظهِر مجموعةً مُتنوِّعةً من الهوائيات على السفينة، التي وصفتها الحكومة السعودية بأنها "غير مُعتادة بالنسبة لسفينة شحنٍ تجارية، مِمَّا يوحي بأنها أجرت مراقبةً إلكترونية". وأظهرت صورٌ أخرى أن السفينة بها مدافع رشَّاشة من عيار 50.
يُذكر أن المعهد البحري الأمريكي كان قد نشر تقريراً، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أكد فيه أن "سافيز" سفينةٌ عسكرية سرية يديرها الحرس الثوري الإيراني، وذكر التقرير أن رجالاً يرتدون زياً عسكرياً كانوا موجودين على متن السفينة، وأن زورقاً يستخدمه الحرس الثوري الإيراني عادةً، وله هيكل مشابه لزوارق "بوسطن ويلر" الأمريكية، كان على ظهر السفينة.
لكن ماذا يقول الإيرانيون عن سفينة "سافيز"؟
بحسب ما سارعت وكالة أنباء تسنيم شبه الرسمية بإفادته بعد الحادث، فإن "سفينة سافيز الاستراتيجية كانت متمركزة في البحر الأحمر على مدار السنوات القليلة الماضية لدعم الكوماندوز الإيرانيين الذين أرسلوا في مهمات لمرافقة السفن التجارية وحمايتها من القرصنة".
وعلقت الخارجية الإيرانية بالقول، الأربعاء، إن هذه السفينة "محطة دعم لوجيستي لإيران في البحر الأحمر، وتم الإعلان رسمياً عن مواصفات ومهمة هذه السفينة إلى المنظمة البحرية الدولية بصفتها المنظمة المسؤولة عنها، وتتلخص مهمتها في توفير الأمن البحري على طول الممرات الملاحية ومواجهة القراصنة".
ووصف بيانٌ منسوب للمتحدِّث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زادة، السفينة بأنها سفينةٌ تجارية. وقال خطيب زادة: "لحسن الحظ لم ترد أنباءٌ عن سقوط ضحايا… والتحقيقات الفنية جارية، وستتَّخِذ بلادنا جميع الإجراءات اللازمة من خلال السلطات الدولية".
لكن الإسرائيليين الذين تشير إليهم أصابع الاتهام بالوقوف وراء الهجوم، يقولون إن الأدوار التي تلعبها هذه السفينة أكبر من المعلن، إذ يقول المراسل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي إن "سفينة سافيز هي في الواقع قاعدة عائمة للحرس الثوري قرب اليمن، والهجوم المنسوب لإسرائيل تصعيد كبير ضمن الحرب البحرية. حيث تُظهر القوات البحرية قدرات مذهلة، لكن حادثاً واحداً قد يؤدي إلى مواجهة مفتوحة".
"قاعدة استراتيجية للحرس الثوري الإيراني"
وكان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قد أطلق على السفينة "سافيز" اسم "السفينة الإيرانية الأم" في المنطقة، ووصفها بأنها قاعدةٌ لجمع المعلومات الاستخباراتية ومستودعٌ لأسلحة الحرس الثوري. ولا تشرح أوراق المعهد كيف توصَّلَ إلى هذا الاستنتاج، رغم أن مُحلِّليه يمكنهم بشكلٍ روتيني الوصول إلى مصادر عسكرية خليجية وإسرائيلية.
وكانت "سافيز" تخضع لعقوباتٍ دولية حتى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 مع القوى العالمية، ذلك الاتفاق الذي شهد إعفاءً اقتصادياً لطهران مقابل الحدِّ من تخصيبها لليورانيوم. وجدَّدَت إدارة ترامب لاحقاً العقوبات الأمريكية على "سافيز" كجزءٍ من قرارها بالانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق.
وفي يونيو/حزيران 2019، حملت المملكة السعودية أحد أفراد السفينة، الذي كان في حالةٍ صحية حرجة، جواً، بعد أن قدَّمَت طهران طلباً من خلال الأمم المتحدة للحصول على المساعدة.
وألقت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية شبه الرسمية، والتي يُعتَقَد أنها قريبةٌ من الحرس الثوري، باللائمة في الانفجار على متفجِّراتٍ مزروعة في جسم السفينة. فيما قالت القيادة المركزية للجيش الأمريكي، في بيانٍ لها، فقط إنها "على علمٍ بتغطيةٍ إعلامية عن حادثةٍ تتعلَّق بالسفينة سافيز في البحر الأحمر". وأضاف البيان: "يمكننا أن نؤكِّد أنه لم تشارك أيُّ قواتٍ أمريكية في الحادث". و"ليس لدينا معلوماتٌ إضافية لتقديمها".
هل استهدف الكوماندوز الإسرائيلي السفينة الإيرانية؟
وكانت صحيفة The New York Times قد نقلت بعيد الهجوم عن مسؤول أمريكي قوله إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنها هاجمت سفينة إيرانية في البحر الأحمر.
قال المعلق العسكري الإسرائيلي تال ليف رام، الخاص بصحيفة معاريف العبرية، خلال حديث إذاعي صباح الأربعاء، إن "المصادر تتحدث عن أن الكوماندوز الإسرائيلي شايطيت 13 يقف وراء الهجوم على السفينة الإيرانية في البحر الأحمر"، مشيراً إلى أن ما يجري "يعد لعبة دقيقة وحساسة دون أن تصل إلى تصعيد، لكن ربما يحدث تصعيد.
وأضاف ليف رام أن "من النقاط المهمة في هذه اللعبة عدم إغراق السفينة، وأنه لن تكون هناك وفيات، ولن يكون هناك ضرر بيئي ستُلام إسرائيل عليه. إذا كان هناك احتمال أو شك في وقوع إصابات فلن يتم تنفيذ العملية"، بحسب تعبيره.
مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "الإيرانيين لم يهاجموا سابقاً السفن الإسرائيلية وإنما السفن المملوكة لإسرائيل. بعبارة أخرى، هذه أهداف على أدنى مستوى من حيث نوعية العمل العسكري".
في السياق، علق رئيس معهد دراسات الأمن القومي السابق عاموس يدلين على الهجوم على السفينة الإيرانية لإذاعة الجيش الإسرائيلي بالقول، إن هذه حملة إسرائيلية متعددة الجبهات في سوريا وإيران، تشمل ممرات ملاحية وجوية وسيبرانية. ومع ذلك، يحرص الطرفان (إسرائيل وإيران) على عدم الدخول في مواجهة شاملة، ولا حتى إغراق السفن أو التسبب في إصابة شخصية".
من جهته، وفي أول تصريح رسمي حول حادثة السفينة الإيرانية، اكتفى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الأربعاء، بالقول رداً على استفسار من القناة الـ12 الإسرائيلية، إن "تل أبيب مصممة على حماية مصالحها الأمنية"، وإنها "ستواصل التصرف أينما سيتطلب منها ذلك". ممتنعاً في الوقت نفسه عن الاعتراف مباشرة بوقوف إسرائيل وراء الهجوم على السفينة الإيرانية.
إسرائيل عازمة على إفشال العودة للاتفاق النووي الإيراني
أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء الماضي، قضية إيران في خطابٍ ألقاه أمام حزب الليكود، بعد أن طُلِبَ منه تشكيل حكومةٍ في أعقاب الانتخابات الأخيرة. وقال نتنياهو: "يجب ألَّا نعود إلى الاتفاق النووي الخطير مع إيران، لأن إيران النووية تشكِّل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل، وتهديداً كبيراً لأمن العالم بأسره".
فيما وَصَفَ الرئيس الإيراني حسن روحاني محادثات فيينا بأنها "ناجحة" أثناء حديثه إلى مجلس وزرائه أمس الأربعاء. وقال: "اليوم يُسمَع بيانٌ مُوحَّد مفاده أن جميع أطراف الاتفاق النووي توصَّلوا إلى أنه لا يوجد حلٌّ أفضل من الاتفاق".
ووسط التوتُّرات الأوسع نطاقاً بين الولايات المتحدة وإيران، استهدفت سلسلةٌ من الانفجارات الغامضة سفناً في المنطقة، بما في ذلك بعض الانفجارات التي ألقت البحرية الأمريكية باللوم فيها على إيران. ومن بين السفن التي تضرَّرَت مؤخَّراً حاملة سيارات مملوكة لإسرائيل في هجومٍ ألقى نتنياهو باللوم فيه على إيران. وسفينةٌ أخرى تعرَّضَت لهجومٍ كانت سفينةً إيرانية أخرى في البحر المتوسِّط.
وألقت إيران باللوم على إسرائيل في سلسلة الهجمات الأخيرة، بما في ذلك الانفجار الغامض في يوليو/تموز الماضي الذي دمَّر مصنعاً متطوِّراً لتجميع أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز النووية. ومن الأمثلة الأخرى مقتل العالم الإيراني البارز محسن فخري زاده، الذي أسَّسَ البرنامج النووي العسكري للجمهورية الإسلامية قبل عقدين.