انتهت الأزمة التي شهدها الأردن هذا الأسبوع بإعلان أصدره الديوان الملكي على لسان الأمير حمزة، يعلن فيه دعمه لأخيه الملك عبدالله، لكن العاصفة الملكية النادرة خلَّفت علامات استفهام عالقة دون إجابات، ربما لم يكن كثيرٌ من تلك التساؤلات موجوداً قبل الأحداث المثيرة.
الأزمة التي بدأت السبت 3 أبريل/نيسان من خلال انتشار أنباء عبر منصات التواصل الاجتماعي في البداية بشأن حملة اعتقالات طالت عدداً من مسؤولين كبار سابقين في الأردن ووضع الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني وولي العهد السابق، قيد الإقامة الجبرية، وسرعان ما تحولت تلك الساعات إلى الأكثر سخونة وغموضاً في تاريخ المملكة الهاشمية تزامناً مع مئويتها الأولى.
الحديث عن "محاولة انقلاب" صدر أولاً عن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية مساء السبت، ثم خرج نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية أيمن الصفدي في ندوة صحفية بعد ظهر الأحد 4 أبريل/نيسان وأعلن فيها عن تفاصيل ما حدث من الناحية الرسمية، والإثنين 5 أبريل/نيسان دخل الديوان الملكي على خط الأزمة وأصدر بيانين؛ الأول ذكر أن الملك عبدالله أوكل عمه الأمير الحسن بالتعامل مع الأزمة واحتوائها في نطاق العائلة الهاشمية، وبعدها بساعات صدر البيان الثاني عن القصر الملكي.
البيان الثاني للديوان الملكي نشر رسالة وقّعها الأمير حمزة يؤكد فيها ولاءه لأخيه عاهل البلاد الملك عبدالله، وقال الأمير حمزة، حسب الرسالة، إنه يضع نفسه "بين يدي جلالة الملك"، مؤكداً أنه سيبقى "على عهد الآباء والأجداد، وفياً لإرثهم، سائراً على دربهم… وسأكون دوماً لجلالة الملك وولي عهده عوناً وسنداً".
هل تم إحباط محاولة انقلاب؟
كان المفترض أن تضع رسالة الأمير حمزة كلمة النهاية ويتم إسدال الستار على الأزمة العاصفة التي لم تشهد لها الأسرة الهاشمية مثيلاً، خصوصاً مع إصدار النائب العام الأردني الثلاثاء 6 أبريل/نيسان قراراً بمنع وسائل الإعلام الأردنية ومنصات التواصل الاجتماعي من نشر أي شيء يتعلق بالأزمة، لكن حقيقة الأمر هي أن الغموض لا يزال سيد الموقف والأسئلة التي خلَّفتها تلك الأحداث الساخنة أكثر بكثير من الإجابات التي قدمتها أطراف الأزمة.
وأولى نقاط الغموض بشأن ما حدث يتعلق بالرواية الرسمية التي لمَّحت إلى وجود "مؤامرة" أو "محاولة انقلاب" دون استخدام التوصيف بشكل مباشر، ففي حديثه للصحفيين الأحد قال الصفدي إن الأجهزة الأمنية تابعت "على مدى فترة طويلة نشاطات وتحركات لسمو الأمير حمزة بن الحسين والشريف حسن بن زيد وباسم عوض الله وأشخاص آخرين"، مضيفاً أن تلك النشاطات والتحركات "تستهدف أمن الوطن واستقراره، ورصدت تدخلات واتصالات مع جهات خارجية حول التوقيت الأنسب للبدء بخطوات لزعزعة أمن" الأردن.
وتوقف تقرير شارح لموقع Vox الإخباري الأمريكي عند "الصياغات والكلمات التي استخدمها الصفدي والتي توحي بشكل يصعب تجاهله أن ما حدث من اعتقالات وتقييد لحركة الأمير حمزة كان إحباطاً لمحاولة انقلاب".
وفي نفس السياق، قال الصفدي لصحيفة وول ستريت جورنال – في تقرير نشر الثلاثاء – إن السلطات الأردنية "حيّدت" ما وصفه بـ"تهديد متزايد" يمثله ولي العهد السابق الأمير حمزة، مشيراً إلى أن الأمير كان يهدف إلى تقديم نفسه كـ"حاكم بديل" في المملكة.
ماذا قال الأمير حمزة عن هذا الاتهام؟ منذ بداية الأزمة السبت، نشر الأمير حمزة مقطع فيديو نفى فيه أن يكون جزءاً من أية مؤامرة في الأردن، ومقطع صوتي تحدث فيه عن لقائه العاصف مع رئيس أركان الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي، ولاحقاً تم تسريب تسجيل صوتي للقاء سمع فيه صوت الحنيطي طالباً من الأمير عدم الخروج من بيته وحصر لقاءاته على أفراد العائلة، والتوقف عن انتقاد الحكومة، والتغريد على تويتر، لكن الأمير حمزة كما ظهر التسجيل لم يتقبل إملاءات قائد الجيش، قبل أن يطلب منه مغادرة بيته إلى جانب العناصر التي رافقته.
هل هناك علاقة بين الأمير حمزة وباسم عوض الله؟
أبرز الأسماء التي تم اعتقالها هو باسم عوض الله، الذي يحمل الجنسية السعودية أيضاً وكان وزير تخطيط أسبق، تلقّى تعليمه في الولايات المتحدة، وكان قريباً من العاهل الأردني وترأسَ الديوان الملكي عام 2007، وكان مديراً لمكتب الملك عام 2006. إضافة إلى الشريف حسن بن زيد، الذي يحمل هو الآخر الجنسية السعودية، وشغل سابقاً منصب مبعوث العاهل الأردني إلى السعودية.
وإجمالاً بلغ عدد المعتقلين نحو 20 شخصاً، بعضهم من العاملين لدى الأمير حمزة، وبحسب تقرير لموقع دويتش فيله الألماني، من المستبعد أن يكون الأشخاص المعتقلين قادرين على التخطيط لتنظيم انقلاب في المملكة، وهي الفرضية التي تحدثت عنها الصحافة الأمريكية قبل أن تؤيدها بشكل غير مباشر الرواية الرسمية.
وقال مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي لـ"فرانس برس": "استبعد تماماً محاولة انقلاب والدليل مجموعة الأشخاص التي تم القبض عليها لا تستطيع عمل انقلاب"، مضيفاً: "لا يمكن عمل انقلاب دون تأييد وحدات رئيسية من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمخابرات وهذه كلها كان لها موقف موحد خلف الملك".
أما موقع Vox فقد ألقى الضوء على نقطة أخرى "غريبة" تتعلق بعدم وجود رابط بين عوض الله والأمير حمزة، لكون الرجلين على طرفي نقيض من الأساس، والمقصود أن ولي العهد السابق معروف عنه انتقاداته اللاذعة للفساد في الأردن وهو ما أكسب الأمير شعبية كبيرة في الشارع الأردني، بينما عوض الله الذي لعب دوراً رئيسياً في إدارة الوضع الاقتصادي في المملكة فهو محط انتقادات شديدة لدوره في برنامج الخصخصة، مما جعله مكروهاً بين الأردنيين وليس فقط لا يتمتع بشعبية.
وقد وجَّه الأمير حمزة عام 2018 اتهامات علنية للحكومة الأردنية "بالفشل في إدارة البلاد" بعد تمرير قانون زيادة الضرائب على العاملين واندلاع احتجاجات شعبية كبيرة اعتراضاً على القانون، وفي نفس العام نشر ولي العهد السابق تغريدة يتحسر فيها على أحوال البلاد.
ما الذي تغيَّر إذن وأدى لما حدث؟
إذا كانت انتقادات الأمير حمزة للفساد في الأردن ليست جديدة، وهي كذلك بالفعل وترجع إلى سنوات مضت، وإذا كان الملك عبدالله قد تجاهل انتقادات أخيه غير الشقيق من قبل، فما الذي تغير الآن؟ السيناريو الذي تبناه موقع Vox يتعلق بمدى الشعبية التي بات الأمير حمزة يتمتع بها مؤخراً بين القبائل الأردنية وفي الشارع بشكل عام.
وعلى الرغم من أن القبائل الأردنية تدعم الملك بشكل مطلق ولا يبدو أن هناك تهديداً لسلطة الملك داخلياً أو خارجياً، وهو ما انعكس في بيانات التأييد التي انهالت على المملكة عربياً وإقليمياً ودولياً منذ اللحظة الأولى لبداية الأزمة، فإن متاعب الاقتصاد الأردني التي ازدادت حدة بسبب وباء كورونا والفساد الحكومي قد دفع بعض قادة القبائل إلى التعبير عن استيائهم من الأوضاع خلال لقاءات مع الأمير حمزة الذي أصبح أيقونة لمحاربة الفساد.
وبحسب تقرير الموقع الأمريكي، يبدو أن شعبية الأمير حمزة المتزايدة بين القبائل الأردنية، على خلفية محاربة الفساد وأيضاً لتشبيه الكثيرين لولي العهد السابق بوالده الراحل الملك حسين الذي لا يتمتع بشعبية جارفة في الأردن حتى اليوم، جعل الأمر يبدو وكأن هناك بديلاً هاشمياً للملك عبدالله.
والواضح هنا أن تلك الصورة أزعجت الملك، بحسب تقرير الموقع الأمريكي، لكن بدلاً من التعامل مع الموقف في نطاق خصوصية العائلة المالكة كما كان يحدث عادة بالنسبة للهاشميين، فقد قرر الملك عبدالله أن يكون تحركه علنياً لإرسال رسالة واضحة لجميع الأطراف مفادها أن الانتقادات للأوضاع في الأردن غير مقبولة ولو كان من يقولها أحد أعضاء الأسرة الملكية. وفي هذا السياق تأتي تصريحات الأمير حمزة نفسه فيما نشره عقب تحديد إقامته بقوله إن ما يحدث هو مزيد من التقييد للحريات ولأي محاولة لانتقاد السلطات وكشف الفساد.
هل انتهت الأزمة في الأردن؟
الإجابة المباشرة هنا هي النفي؛ لأن ما أثارته الأزمة من تساؤلات وغموض لا يزال عالقاً، حتى وإن صدر قرار بحظر النشر داخل الأردن، فوسائل الإعلام الغربية تواصل طرح تلك التساؤلات وتسعى للتوصل لإجابات لها من خلال التحليل ومقالات الرأي والمصادر غير المحددة.
والسؤال الأكثر تردداً الآن يتعلق بمكان الأمير حمزة ومصيره، إذ دشّن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن أمس الثلاثاء وسماً بعنوان "#أين_الأمير_حمزة؟"، داعين للاطمئنان عليه، ورفع أي قيود قد تحاصره، ومُعبّرين عن مساندتهم وتضامنهم معه في الأزمة الأخيرة التي هزت الشارع الأردني.
وعبّر البعض عن استغرابهم من تجاهل السلطات الأردنية للأنباء التي تتردد بشأن عدم معرفة مكانه، مؤكدين أنهم ليسوا "دُعاة فتنة، ولا نريد تقويض نظام الحكم، ولا نعمل لصالح أجندات خارجية. فقط نطالب بحرية الأمير حمزة، لحرصنا على حماية دستورنا والحفاظ على استقرار العرش"، حسب قولهم.
وتتعلق نقطة الغموض الأخرى التي تنتظر الإجابة بـ"الجهات الخارجية" التي ذكرتها الرواية الرسمية الأردنية بشأن الأحداث، والتي قال الموقع الأمريكي في تقريره إنها على الأرجح تخص السعودية وإسرائيل، فقد تحدث الشخص الإسرائيلي الذي أشار الصفدي إليه على أنه عميل لأحد الأجهزة الأمنية دون أن يسميه، نافياً ما جاء في الرواية الأردنية.
وفي تقرير لموقع Axios الأمريكي، الأحد، قال رجل أعمال إسرائيلياً اسمه روي شابوشنيك إنه اقترح مساعدة الأمير حمزة وعائلته، لكنه أكد أن مساعدته للعائلة تأتي من كونه صديقاً لها، وقال إنه ليس ضابطاً في الاستخبارات الإسرائيلية الموساد.
أما السعودية وعلاقتها المزعومة بما يجري في الأردن، فتأتي من القبض على باسم عوض الله، وربطت تقارير صحفية أمريكية بين زيارة وفد سعودي برئاسة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان للأردن بتحرك من جانب الرياض لتحرير عوض الله – الذي يحمل الجنسية السعودية بجانب جنسيته الأردنية وهو صديق مقرب لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – وهو الأمر الذي نفته السعودية رسمياً، وقالت إن زيارة الوفد لها هدف واحد هو تقديم الدعم للأردن وعاهلها الملك عبدالله الثاني.
الخلاصة هنا هي أن الأزمة التي عصفت بالأردن خلال الأيام القليلة الماضية ربما تكون قد انتهت – بصورة أو بأخرى – وتم احتواؤها من خلال الأسرة الهاشمية، كما أعلن الديوان الملكي، لكن عاصفة التساؤلات التي أثارتها داخلياً وخارجياً تشير إلى أنه ما ظهر للعلن حتى الآن هو على الأرجح ليس سوى قمة جبل الجليد.
جاء تقرير الموقع بعد ساعات من قول نائب رئيس الوزراء الأردني، أيمن الصفدي، خلال مؤتمر صحفي، إن التحقيقات الأولية بيّنت رصد تدخلات واتصالات مع "جهات خارجية" بشأن التوقيت المناسب لزعزعة استقرار الأردن.