الآن، وبعد أن أنهت لجنة الانتخابات المركزية في فلسطين المرحلة الأولى من استعداداتها الجارية لإجراء الانتخابات التشريعية، عبر غلق باب التقديم وتسلم القوائم النهائية للمتنافسين رسمياً، بدأ الحديث عن فرص القوى السياسية في الحصول على مقاعد لها في الانتخابات.
وتمكنت 36 قائمة انتخابية ستنافس على مقاعد المجلس التشريعي البالغ عددها 132 مقعداً، من تقديم تسجيل نفسها للانتخابات، في وقت حملت فيه الساعات الأخيرة قبل غلق باب التقديم الكثير من المفاجآت، أبرزها وجود 3 قوائم لحركة فتح ينافس بعضها بعضاً، وهي: القائمة المركزية للحركة، وقائمة الحرية التي يرأسها ناصر القدوة بالتحالف مع مروان البرغوثي، وقائمة المستقبل المحسوبة على التيار الإصلاحي لحركة فتح برئاسة محمد دحلان.
هذا الأمر فتح باب التكهنات حول الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه نتائج الانتخابات القادمة، وإذا ما كان تشتت قوائم فتح يمكن أن يخدم القائمة الموحدة لحركة حماس. وكذلك دور القوائم الأخرى المتنافسة مثل القوائم الأربع المحسوبة على قوى اليسار، و28 قائمة محسوبة على تيار المستقلين والحراكات الشبابية والنقابية.
تكرار سيناريو 2006
وسام عفيفة مدير عام شبكة الأقصى الإعلامية المقربة من حركة حماس، قال لـ"عربي بوست" إن "التقدير الأولي وفقاً لخريطة المنافسة بين القوى السياسية، تضع هامشاً ضيقاً للفوز أمام قوى المستقلين، مقارنة بفرص أعلى للفوز بنسب متوسطة نسبياً للقوائم ذات التوجه الفصائلي، لأن قطبي الحالة الفلسطينية حماس وفتح، سيكونان ضمن دائرة الاهتمام لدى الناخب الفلسطيني".
وأضاف "أن حماس تدخل الانتخابات بقائمة موحدة، وستكون المستفيد الأكبر من تشتت أصوات فتح التي تدخل الانتخابات بثلاث قوائم متنافسة، مما يعني تشتيت الكتلة التصويتية الفتحاوية في ثلاثة اتجاهات منفصلة، مما يضع احتمالية أن نشهد تكراراً لتجربة 2006 بحصول حماس على المرتبة الأولى، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف نسب الفوز، لأن نظام التمثيل النسبي يمنع أي قائمة من الحصول على نسب تفوق 50%".
وفيما بلغ عدد القوائم التي نافست على مقاعد المجلس التشريعي في 2006، 11 قائمة، نجحت 7 قوائم فقط في الفوز، وبلغ عدد من يحق لهم الاقتراع 1.3 مليون فلسطيني، أما في انتخابات 2021 فالوضع مختلف بشكل كبير، إذ تضاعف عدد القوائم المتنافسة لأكثر من 3 أضعاف من 11 إلى 36، ووصل عدد من يحق لهم الاقتراع إلى 2.5 مليون، ووفق قانون الانتخابات الذي حدد نسبة الحسم بـ1.5%، فهذا يعني أن كل مقعد في البرلمان بحاجة إلى 37 ألف صوت.
اليسار يهدر فرصته
نهاد أبوغوش عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية قال لـ"عربي بوست" إن الحالة الفلسطينية أصيبت في سنوات الانقسام بالشلل، وهناك نقمة كبيرة على طريقة إدارة حماس وفتح للحكم في الضفة وغزة، لذلك نشهد رغبة فلسطينية واسعة بالتغيير، لأن جيلاً من الشباب نشأ في فترة الانقسام، ويشكل 40% من القاعدة التصويتية.
وأضاف أن ما يجري من منافسة بين كتل المستقلين وقوى اليسار لا يصب بهذا الاتجاه للتغيير، لكن اليسار الذي يفترض أن يشكل حاضنة للشباب والمستقلين يدخل الانتخابات بفرص فوز شبه معدومة، وفرص تجاوز بعض قواه لنسبة الحسم أو الفوز لا تتعدى 7-9 قوائم، وهذا التنافس وتشتيت الأصوات اليسارية سيصب بصالح حماس وفتح، مع أن فرص التحالف بين أقطاب فتح أقرب للواقع، لتشابه هوياتها السياسية، المتفقة على عدم ترك الساحة السياسية لحماس للتفرد بها.
الانقسام الفتحاوي
بات الانقسام داخل فتح العنوان المركزي لهذه الانتخابات، فما شهدته الحركة في الساعات الأخيرة، أعاد تشكيل خريطة التحالفات الانتخابية، وفتح الباب أمام سيناريوهات ليست متوقعة في السابق، فبعد أن ترشح تيارا محمد دحلان وناصر القدوة عضوا اللجنة المركزية السابقين للحركة، انضم مروان البرغوثي لتحالف مع القدوة في الساعات الأخيرة من إغلاق باب الترشح.
حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، ورئيس قائمة "وطن" قال لـ"عربي بوست" إنه رغم عدد القوائم المتنافسة في الانتخابات إلا أن المنافسة تنحصر بين برنامجين رئيسيين: الأول يؤمن بالمقاومة والاشتباك مع الاحتلال كخيار رئيسي للخروج من الحالة الراهنة، وتقوده حماس والجبهة الشعبية وبعض المستقلين، ومنها قائمته، والثاني تمثله فتح بمركباتها الثلاثة والحراكات الشبابية، يرى أن المرحلة الحالية تستوجب الاستمرار في المفاوضات لتحصيل امتيازات اقتصادية على حساب القضية الفلسطينية.
وفقاً لآخر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أظهر نتائج إمكانية فوز فتح في الانتخابات بنسبة 45%، مقابل 23% لحماس، وحصول قائمة البرغوثي على 28% مقابل 22% لقائمة فتح عباس.
عبدالله عبدالله نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، قال لـ"عربي بوست": "إن المشهد الفتحاوي في هذه الانتخابات تعبير وانعكاس عن حالة طبيعية تمر بها كافة الفصائل والقوى السياسية، ففترة الانقسام التي امتدت لخمسة عشر عاماً أحدثت شرخاً بين قواعد الفصائل والمستوى القيادي، وحركة فتح هي جزء من هذا المشهد، لكن يبدو الأمر مختلفاً بالنسبة لها، نظراً لحضورها الشعبي وما تتمتع به من ثقل سياسي في الرئاسة أو البرلمان، مروراً بمنظمة التحرير، والتجارب السابقة التي مرت بها الحركة تمنحنا إمكانية تجاوز هذه المحطات من الخلاف الداخلي بما يخدم مصلحة الحركة والحالة الفلسطينية بشكل عام، ونحن نشارك في الانتخابات بثقلنا التنظيمي، ونسعى لإخراج الحالة الفلسطينية من مأزقها الحالي".
صدمة عباس
شكل تحالف القدوة-البرغوثي صدمة بالنسبة لحركة فتح ورئيسها عباس، فالبرغوثي الذي أعلن في وقت سابق عبر المقربين منه، أنه لا ينوي الخروج عن إجماع الحركة في الانتخابات التشريعية القادمة، أعاد بتحالفه مع القدوة رسم خريطة سياسية ستنعكس على حظوظ حركة فتح في الفوز بالانتخابات القادمة.
جهاد حرب أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح قال لـ"عربي بوست" إن المتتبع لهوية الأحزاب المتنافسة في هذه الانتخابات يجد تشابهاً كبيراً وقد يصل إلى حد التطابق في البرامج السياسية التي تؤمن بها، بما فيهم حركة حماس إلى جانب القوائم الثلاث لحركة فتح وقوى اليسار والمستقلين، ولكن المختلف هي الرؤية والبرنامج الاقتصادي لهذه القوائم، التي ستكون العنوان الرئيسي للدعاية الانتخابية.
وأضاف أن "الناخب الفلسطيني لديه أربعة محددات لقبول القائمة والتصويت لها: أولها تحسين الأوضاع الاقتصادية، ومدى قدرة القائمة على تقديم حلول لإنهاء الأزمات المالية التي يعاني منها، وثانيها مكافحة الفساد المستشري في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وثالثها طي صفحة الحصار المفروض على غزة، ورابعها إنهاء الاحتلال أو تحجيم سياساته القائمة على نهب الأراضي الفلسطينية، وطرد سكانها".