يبدو أن توجه التيار المحافظ ومن خلفهم الحرس الثوري الإيراني نحو الهيمنة على الانتخابات المقبلة بات واضحاً للعيان نتيجة تلك الإجراءات التي تم ولا يزال يتم اتخاذها في إيران.
وتحتدم المنافسة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستقام في يونيو/حزيران، على من يخلف الرئيس الحالي حسن روحاني. وتظهر بقوة أسماء من داخل الحرس الثوري أو من الدائرة المقربة من المرشد الأعلى معروفة بتشددها.
يأتي هذا في وقت يحاول فيه التيار المحافظ تشديد قبضته على أبرز مناصب السلطات الثلاث، القضاء والبرلمان والرئاسة. وإذا كان قد نجح بالفعل في السيطرة على أعلى منصب قضائي والبرلمان، فإن ما يتبقى هو الرئاسة.
تشديد الرقابة على الإنترنت
آخر إجراءات الهيمنة على سير الانتخابات الرئاسية القادمة ظهر بعد أعياد الربيع في شهر مارس/آذار 2021، خلال خطاب بمناسبة عيد النوروز (رأس السنة الفارسية)، شدد فيه المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، على أهمية مراقبة الفضاء الإلكتروني الإيراني، وألا يترك الإنترنت أداة لتدخل الأعداء في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على حد تعبيره.
وانتقد خامنئي عدم الرقابة الجدية على الإنترنت في إيران، قائلا "بالرغم من إصراري، وإبداء الملاحظات الهامة، إلا أن الفضاء السيبراني في إيران متروك للأعداء".
وعلى الفور، استجاب الحرس الثوري الإيراني إلى ملاحظات المرشد الأعلى، وأعلن أنه تم إنشاء مقر يضم حوالي 1400 متطوع لمراقبة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الناطقة باللغة الفارسية، وحتى الإنكليزية منها والتي تنقل أخبار إيران.
مصدر مقرب من الحرس الثوري، قال لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "مهمة المقر الأولى والأساسية، مراقبة حسابات النشطاء السياسيين والصحفيين داخل إيران، والذين يتناولون أخبار الانتخابات الرئاسية".
كما قال المصدر ذاته، إن القيادة العليا والحرس الثوري الإيراني، لا يريدون تكرار ما حدث في الانتخابات البرلمانية، والتي شهدت إقبالاً ضعيفاً على التصويت، فيقول "تعتقد القيادة الايرانية، وبعض قادة الحرس الثوري، أن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لعبت دوراً كبيراَ في إضعاف نسبة الناخبين في التصويت للانتخابات البرلمانية".
وكانت الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في فبراير/شباط 2020، شهدت أقل نسبة تصويت في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحينها جادل البعض بأن الأخبار الواردة عن وصول فيروس كوفيد-19 إلى إيران، كانت سبباً رئيسياً في عدم ذهاب الناس إلى التصويت.
بينما جادل البعض الآخر، بأن الشائعات التى كانت تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هي السبب في قلة عدد الناخبين. يقول مسؤول حكومي بارز ومحسوب على التيار المحافظ، لـ"عربي بوست"، "لعبت بعض حسابات على التواصل الاجتماعي، لصحافيين إيرانيين في الخارج، وآخرين في الداخل، دوراً كبيراً في إضعاف عزيمة الإيرانيين للنزول إلى التصويت، وهذا ما نسعى لعدم تكراره في الانتخابات الرئاسية القادمة".
مرسوم جديد لمراقبة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي
بالتزامن مع خطاب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، والمقر الذي أنشأه الحرس الثوري الإيراني، لمراقبة الفضاء السيبراني في إيران قبل الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو/حزيران 2021، أصدر المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، وهو مؤسسة أنشأها آية الله علي خامنئي، مرسوماً لزيادة مراقبة الحسابات الشعبية، أو التي تضم الكثير من المتابعين، على كافة وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أغلبها تم حجبه في إيران، تخضع لإشراف صارم من قبل الحكومة الايرانية، إلا أن المرسوم الجديد، يزيد من الرقابة على الحسابات الشخصية، أو التابعة لمؤسسات صحفية مستقلة داخل إيران.
يقول صحافي مقيم في طهران، ويعمل في مؤسسة صحفية مستقلة، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، "منذ عام 2009، حسابات النشطاء والصحافيين وحتى أناس عاديون تخضع لمراقبة مكثفة من قبل وزارة الاستخبارات والحرس الثوري والداخلية، إلا أن المرسوم الجديد، يغلظ من يد الرقابة الحكومية والأمنية على الحسابات الخاصة بالصحافيين والنشطاء السياسيين قبل الانتخابات الرئاسية".
وبحسب الصحافي الإيراني، فإن مرسوم المجلس الأعلى للفضاء السيبراني الإيراني، ينص على مراقبة جميع الحسابات التى تضم 5 آلاف متابع وأكثر.
ويقول مسؤول في المجلس الأعلى للفضاء السيبراني لـ"عربي بوست"، إن الحسابات البارزة والتي تضم عدداً كبيراً من المتابعين، "من الممكن أن تنشر أخباراً كاذبة تضر بالوحدة الوطنية ومصالح الجمهورية الإسلامية، لذلك لجأنا إلى هذا المرسوم للسيطرة على أصحاب الحسابات البارزة، ويساعدنا في الأمر المقر الجديد التابع للحرس الثوري"، على حد قوله.
وأضاف المسؤول ذاته، أنه سيتم إنشاء قاعدة بيانات بالتعاون مع وزارتي الداخلية والاستخبارات لأصحاب الحسابات البارزة على كافة مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى الحسابات التابعة لمؤسسات صحفية أو إعلامية مستقلة، فيقول "تمتلك بعض المواقع الصحفية الإلكترونية قنوات على تطبيقات المراسلة مثل تيليغرام، وتبث من خلالها الأخبار، سيتم مراقبتها، واستدعاء القائمين عليها في حال القيام ببث أخبار كاذبة خاصة فيما يخص أخبار الانتخابات الرئاسية".
"مهرداد أميري" صحافي إيراني، يدير موقعاً صحافياً إلكترونياً هو ومجموعة من الصحافيين، والموقع مهتم بالشؤون السياسية الداخلية لإيران، يقول لـ"عربي بوست"، "تم استدعائي مرتين خلال أسبوع واحد، لأن حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي تضم أكثر من 205 ألف متابع، وتم التحقيق معي في مبنى خاص بوزارة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري، والاطلاع على السياسة التحريرية للموقع، والتنبيه على بشأن نقل وبث أخبار الانتخابات الرئاسية القادمة".
المستخدمون الأجانب لن يسلموا من الرقابة الإيرانية
وكما نص المرسوم الصادر عن المجلس الأعلى للفضاء السيبراني الإيراني، على مراقبة الحسابات البارزة والتي يكون أصحابها مقيمين داخل إيران، نص أيضاً على مراقبة الحسابات التي تتناول الشأن الإيراني، وأخبار الجمهورية الإسلامية من خارج إيران.
يقول المسؤول في المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، لـ"عربي بوست"، "هناك العديد من المواقع الصحفية، والنشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي سواء كانوا إيرانيين أو أجانب، يخصصون حساباتهم التي تضم الآلاف من المتابعين لبث الأخبار الكاذبة عن الجمهورية الإسلامية، لذلك أصدر المجلس الأعلى للفضاء السيبراني أوامر لوزارة الخارجية الإيرانية لاتخاذ كافة الخطوات القانونية لملاحقة ومقاضاة تلك الحسابات".
ويضيف المسؤول ذاته، "تنشط هذه الحسابات والمواقع في أوقات الانتخابات، مما قد يؤثر على سير العملية الانتخابية، لذلك نحن مهتمون بالتعاون مع مكتب المدعي العام ووزارة الخارجية الإيرانية لتتبع هذه المواقع وحسابات الأجانب على وسائل التواصل الاجتماعي لمقاضاتها".
النموذج الصيني
الجدير بالذكر، أنه منذ عام 2009، وبعد المظاهرات الحاشدة التي تعرف باسم الحركة الخضراء، والتي قامت بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها، والتي أتت بالرئيس المتشدد السابق، محمود أحمدي نجاد، لولاية ثانية، قامت السلطات الإيرانية بحجب العديد من المواقع الإخبارية الأجنبية، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، تويتر، حجب تطبيقات المراسلة، وكان آخرها تطبيق تليغرام الذي كان التطبيق الأكثر شعبية في إيران.
وتسعى الحكومة الإيرانية منذ ذلك الوقت وإلى الآن، لإنشاء شبكة معلومات وطنية منفصلة عن شبكة الإنترنت العالمية، ويطلق عليها في إيران اسم "الإنترنت الحلال"، أو "شبكة الإنترنت الوطنية"، تم إنجاز 80% منها.
وتهدف الشبكة الجديدة إلى فصل الإيرانيين عن الشبكة العنكبوتية العالمية، والتي من شأنها أن تضع إيران على مسار الصين بشان الإنترنت، ويمكن لشبكة المعلومات الوطنية أن تقدم خدمات شبيهة بالإنترنت العالمي.
وتعمل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإيرانية حالياً، على إنشاء خدمات شبيهة بالـ"Gmail"، ومحركات بحث جوجل، كما أن حجب المواقع الأجنبية، وقطع الوصول إليها من خلال هذه الشبكة، سيكون أسهل من حجبها مع استخدام شبكة الإنترنت العالمية، والتي يتم التحايل على الحجب من خلالها بواسطة أدوات تخطي الحجب.
يقول الخبير في مجال الاتصالات والإنترنت، حسن قاسمي، لـ"عربي بوست"، "هناك نسخ إيرانية لأغلب المواقع والتطبيقات الأجنبية، ويجري تحديثها بمساعدة صينية، لتكون متاحة بشكل أكبر للمستخدمين الإيرانيين، الذين سيجدون فيما بعد فصلهم عن شبكة الإنترنت العالمية، أنه لا مفر أمامهم سوى استخدامها".
تعديل قانون الانتخابات الرئاسية لإزاحة المنافسين
في الآونة الاخيرة، استغل التيار المحافظ والمدعوم من الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، والحرس الثوري، سيطرته بشكل كبير على البرلمان، لتمرير مشروع قانون لتعديل بعض المواد الدستورية الخاصة بقانون الانتخابات الرئاسية، لإزاحة المنافسين من التيار الإصلاحي، من السباق الانتخابي.
من أهم البنود التي تم تعديلها، في البرلمان الحادي عشر والذي يسيطر عليه التيار المحافظ بشكل كبير، مسألة وضع حد لسن المترشح للانتخابات الرئاسية، وعليه بموجب التعديل البرلماني، يجب أن يكون المرشحون فوق سن الأربعين.
رأى الكثيرون، أن هذا التعديل ما هو إلا أداة للقضاء على فرص بعض الأسماء المعتدلة أو الإصلاحية التي من الممكن أن تُطرح أسماؤهم كمرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة، وعلى رأسهم، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، آذري جهرمي، الوزير الشاب الوحيد في حكومة حسن روحاني.
يبلغ الوزير الشاب من العمر 39 عاماً، أي أنه لن يتمكن من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبحسب بعض السياسيين الإصلاحيين، الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن الوزير آذري جهرمي كان من ضمن الأسماء التي تم طرحها بقوة في الأسابيع الاخيرة، ليكون مرشحاً عن التيار المعتدل والإصلاحي.
يقول الصحافي الإصلاحي، مهدي ممتاز في حديثه لـ"عربي بوست"، "الوزير آذري جهرمي، لا يتمتع بصلات جيدة مع التيار المحافظ، وبالأخص الدائرة المقربة من آية الله خامنئي، كما أنهم يخشون أن يتم تقديمه كمرشح رئاسي من قبل الدوائر الإصلاحية والمعتدلة، خاصة أنه يتمتع بشعبية جيدة بين الشباب، وقدم نفسه كمحارب للفساد في وزارته، ووقف أمام القوى المحافظة لمنع حجب العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك فإن تعديل سن المرشحين هو ضربة للإطاحة بالوزير الشاب من الانتخابات القادمة".
المزيد من الصلاحيات لمجلس صيانة الدستور والحرس الثوري
من ضمن المواد التي تم إدراجها في قانون تعديل قانون الانتخابات الرئاسية، إسناد المزيد من الصلاحيات لمجلس صيانة الدستور، وهو هيئة مكونة من 12 شخصاً، 6 منهم من رجال الدين يقوم المرشد الأعلى الإيراني، بتعيينهم مباشرة، والـ6 الآخرون فقهاء يتم ترشيحهم من قبل القضاء للبرلمان، ومن ثم الموافقة على ترشيحهم من آية الله علي خامنئي أيضاً، بمعنى آخر، جميع أعضاء مجلس صيانة الدستور يتم تعيينهم بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.
يسيطر على مجلس صيانة الدستور، المحافظون على مر السنوات، وطالما قاموا بإقصاء العديد من المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من جميع الانتخابات في الجمهورية الإسلامية، وفقاً للدستور الإيراني، وتقوم وزارة الداخلية الإيرانية بالإشراف على الانتخابات، بعد أن ينهي مجلس صيانة الدستور فحص أهلية المرشحين، لكن في التعديل البرلماني الأخير، سيواصل مجلس صيانة الدستور مهمته بالإشراف على سير العملية الانتخابية.
ولن يتوقف الأمر عن هذا الحد فقط، بل سيتم إدراج منظمة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري، لمساعدة مجلس صيانة الدستور في عملية التدقيق وفحص أهلية المرشحين.
في حديثه لـ"عربي بوست"، قال النائب البرلماني عن دائرة طهران، أحمد نادري، إنه يعارض هذا التعديل، فيقول "هذا ليس تعديلاً لقانون الانتخابات، بل خطوات لهندسة الانتخابات، وتقييد الدائرة حول المرشحين المحتملين، لا أرى أي حاجة دستورية لإشراك الحرس الثوري في فحص أهلية المرشحين، هذا يعني أن من لا يتمتع بعلاقة جيدة مع الحرس سيتم استبعاده".
محاولات للسيطرة على الانتخابات غير مسبوقة
انتقد العديد من القادة السياسيين الإصلاحيين والمعتدلين، الخطوات الأخيرة التي اتخذها البرلمان الإيراني، واصفين إياها بأنها محاولات حثيثة للسيطرة على الانتخابات الرئاسية وحسم نتائجها لصالح فصيل سياسي واحد.
يقول السياسي الإصلاحي، جلال جلالي زاده لـ"عربي بوست"، "بتلك التعديلات الأخيرة التي أقرها البرلمان، لن يستطيع العديد من المرشحين المعتدلين والإصلاحيين، المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا الأمر لن يكون في مصلحة البلاد، فبدلاً من تحقيق مناخ سياسي يضم جميع الأطياف السياسية للمشاركة في الانتخابات، يتم السيطرة على السلطة من جهة فصيل واحد".
في المقابل، يرى السياسيون المحافظون أن التعديلات البرلمانية الأخيرة على قانون الانتخابات الرئاسية ما هي إلا خطوات لتنظيم العملية الانتخابية، وأن وضع قيود انتخابية أمام المرشحين يضمن سلامة ودقة العملية الانتخابية وليس استبعاد المنافسين.