لأول مرة يوجّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تهديداً واضحاً لإثيوبيا، فُهم منه أنه يلوح بتنفيذ عمل عسكري أو استخباراتي ضد أديس أبابا، بسبب أزمة مياه النيل، فهل ينفذ السيسي تهديداته؟ وما هي خيارات مصر في أزمة سد النهضة بعد فشل المفاوضات؟
رغم أن السيسي لم يتحدث عن عمل عسكري بشكل مباشر، فإنه قال إن استقرار المنطقة بأسرها سيتأثر برد فعل مصر في حالة المساس بإمداداتها من المياه بسبب سد النهضة الإثيوبي.
وهو ما يفهم منه أنه تهديد بعمل عسكري أو عمل استخباراتي أمني يؤدي إلى زعزعة استقرار إثيوبيا والمنطقة كلها.
وتفاقمت أزمة "سد النهضة" بين السودان ومصر وإثيوبيا، مع تعثر المفاوضات الفنية بينها، التي بدأت منذ نحو 10 سنوات، ويديرها الاتحاد الإفريقي منذ أشهر.
وبعد سكوت مصر والسودان عن الملء الأول لسد النهضة، العام الماضي، تصر أديس أبابا على الملء الثاني للسد في يوليو/تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه وسط مخاوف من أن يسبب هذا الملء أزمة مياه للخرطوم والقاهرة.
فما هي خيارات مصر في أزمة سد النهضة بعد فشل أسلوب الحل السياسي، وإعلان السودان إخفاق وساطة الاتحاد الإفريقي.
خيارات مصر في أزمة سد النهضة
الخيار الأصعب: الحرب المفتوحة
المقارنة الرقمية البسيطة بين الجيشين المصري والإثيوبي تظهر تفوقاً واضحاً للجيش المصري نوعاً وكماً، حسب موقع "غلوبال فير بور" الأمريكي.
ولا يتجاوز عدد قوات الجيش الإثيوبي 140 ألف شخص، وليس لديهم قوات احتياطية، بينما يصل تعداد القوات العاملة في الجيش المصري إلى 440 ألف فرد، إضافة إلى 480 ألف جندي في قوة الاحتياط.
وتمتلك مصر 2160 دبابة، وأكثر من 5700 مدرعة، حيث تعتبر مصر ثاني أكبر دولة في العالم امتلاكاً للدبابة إم 1 أبرامز ( M 1 – Abrams) بعد الولايات المتحدة، التي هي واحدة من أفضل دبابات القتال الرئيسية في العالم.
بينما تمتلك إثيوبيا 800 دبابة، و800 مدرعة، ومعظم الدبابات التي تمتلكها إثيوبيا هي دبابات سوفيتية طرازات تي 55 وتي 62 التي تعود للستينيات، واستخدمتها مصر في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، إضافة إلى دبابات تي 72 الأحدث قليلاً.
ولكن الحروب ليست مجرد أرقام وعدد أسلحة، ولكنها جغرافيا وظروف مناخية وطبيعة.
فإثيوبيا هي واحدة من أكثر البلدان الجبلية على وجه الأرض، وكانت الهضبة الإثيوبية قلعة عصية دوماً على الغزاة، وقد حاربت مصر إثيوبيا مرتين في عهد الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر، وهُزمت في كلتيهما، علماً أن مصر كانت في ذلك الوقت أكثر تقدماً جداً من إثيوبيا، التي كانت تسمى الحبشة آنذاك، كما أن الجيش المصري كان يقوده ضباط أوروبيون.
وبينما تمكن الجيش المصري في القرن التاسع عشر من السيطرة على السودان، ذي الطبيعة السهلية، إلا أن الهضبة الإثيوبية وقفت أمامه كحائط صد.
ولقد حاولت إيطاليا غزو إثيوبيا وفشلت، في القرن التاسع عشر، وهزمت في معركة عدوة الشهيرة رغم أن روما كانت تحتل آنذاك الصومال وإريتريا المجاورتين، ثم نجحت إيطاليا بتكلفة كبيرة في تحقيق ذلك في ثلاثينيات القرن العشرين قبل الحرب العالمية الثانية. وكان الفارق هائلاً بين جيش إثيوبيا البدائي وبين الجيش الإيطالي الحديث.
إضافة إلى وعورة الجغرافيا الإثيوبية، فإن المشكلة الكبرى أمام الجيش المصري في هذه الحرب هي أنه لا حدود مباشرة تنطلق منها عملياته، كما أن إثيوبيا ليست لديها سواحل، بحيث يمكن قصفها من البحر.
وبالتالي لا قيمة لحاملتي المروحيات اللتين اشترتهما مصر من فرنسا؛ لأن إثيوبيا لا تمتلك سواحل أصلاً.
وبالطبع لا يمتلك الجيش المصري إمكانيات للقيام بعملية إنزال جوي لمحاربة إثيوبيا، وفي الغالب لا يمتلك أي جيش في العالم قدرة على غزو بلد بحجم ووعورة وعدد سكان إثيوبيا عبر إنزال جوي.
وهذا يعني أن أي حرب تستلزم تعاوناً سودانياً، لتكون السودان محطة للتحرك ضد إثيوبيا، وبالتالي فإن تعاون الخرطوم هو ضرورة لتنفيذ تهديد السيسي. وتجدر الملاحظة أن العلاقات المصرية السودانية تحسنت بشكل كبير في الفترة الأخيرة.
ولكن هل يصل الأمر إلى قبول السودان للتعاون مع مصر في هجوم عسكري على إثيوبيا؟ هذا يبدو احتمالاً صعباً، بالنظر إلى أن إثيوبيا أقوى من السودان، والخرطوم التي تشكو من تعنت إثيوبيا بدورها في أزمة النيل، قد تخشى التعرض لانتقام إثيوبي بعد ذلك دون وجود دعم مصري كاف.
كما أن إرسال قوات مصرية لمحاربة إثيوبيا، ليس بالأمر السهل لوجستياً إذ إن الجنود المصريين سيعانون من البيئة المختلفة خاصة طقس المنطقة الحار وطبيعتها الجبلية.
خيار قصف السد.. هل مصر قادرة على تنفيذه؟
تمتلك مصر تفوقاً كبيراً على إثيوبيا في مجال القوة الجوية.
إذ تعتبر مصر رابع دولة في العالم امتلاكاً للطائرات إف 16 الأمريكية بعد الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا، (تمتلك نحو 218 من هذا الطراز ولكن أغلبها قديم نسبياً) إضافة إلى امتلاكها لأكثر من 20 مقاتلة فرنسية من طراز رافال، التي أضافت للقوات الجوية المصرية قدرات جديدة في مجال القصف الجوي بعيد المدى.
كما اشترت القاهرة 46 طائرة روسية من طراز ميغ 29، وتعاقدت على أكثر من 25 طائرة سوخوي 35 الشهيرة، ويعتقد أن خمساً منها قد وصلت لمصر بالفعل.
في المقابل تمتلك إثيوبيا عدداً محدوداً من الطائرات، أغلبها طائرات روسية قديمة منذ العهد السوفيتي، من طرازات ميغ 21 وميغ 25 وسوخوي 25.
كما تمتلك أديس أبابا عدداً محدوداً من طائرات سوخوي 27 (SU 27) الأحدث قليلاً من الطرازات السابقة، وهي طائرات مشهورة بقدرتها على المناورة.
ولكن رغم الفارق الهائل لصالح مصر فإن استخدام القوة الجوية يعد من أصعب خيارات مصر في أزمة سد النهضة، لأن عملية قصف السد ستواجه بعوائق عدة.
فأقرب قاعدة مصرية لإثيوبيا تبعد عن سد النهضة نحو 1500 كم، ولا تمتلك القاهرة سوى عدد قليل من الطائرات القادرة على الوصول لإثيوبيا، منها طائرات رافال الفرنسية التي يبلغ نصف قطرها القتالي 1800 كم إضافة إلى نحو 12 مقاتلة من طراز إف 16 بلوك 52، ولا تمتلك مصر طائرات تزود بالوقود.
ورغم أن الرافال قادرة على تزويد نظيراتها بالوقود فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة محدودة في مداها.
وطائرات سوخوي 35 الروسية تستطيع قصف سد النهضة ولها مدى قريب من الرافال، ولكن يعتقد أن خمساً من هذه الطائرات فقط وصلت للتو لمصر، وما زال بقية الصفقة (21 طائرة) جار تنفيذها، وهذا يعني أنها لن تكون جاهزة بالنظر إلى حاجة الطيارين المصريين للتدريب المكثف عليها للتأهل لمثل هذه المهام الصعبة.
وحتى لو تغلبت مصر على الدفاعات الجوية الإثيوبية (هناك غموض حول قدراتها)، لكن يظل بُعد المسافة وقلة الطائرات المصرية القادرة على الوصول لإثيوبيا أمراً يزيد صعوبة أي محاولة مصرية لقصف السد، خاصة أن الطائرات السوخوي 27 الإثيوبية رغم قدمها وتأخرها في مجال الإلكترونيات والرادارات مقارنة بالرافال والإف 16 بلوك 52 فإنها تظل لديها قدرات مميزة في مجال القتال الجوي التلاحمي، في مقابل أن الطيارين المصريين سيكون عليهم أن يقاتلوا بعيداً عن قواعدهم.
الأهم أن خيار القصف يمكن أن يؤدي إلى إنهيار السودان وانطلاق فيضان من من المياه يدمر الأراضي المحيطة بالنيل في السودان وحتى مصر.
لماذا تحسنت قدرة مصر على قصف السد؟
يمكن القول إنه قبل سنوات كانت عملية قصف مصر سد النهضة شبه مستحيلة، ولكن تدريجياً زادت القاهرة من قدراتها على هذا العمل خصوصاً باقتناء الرافال، (المميزة في الأساس في القصف بعيد المدى وليس القتال الجوي).
كما أن واشنطن سمحت للقاهرة بالحصول على صواريخ كروز مداها 300 كم تحمل على الرافال بعدما كانت تمنعها عن مصر، وأخيراً شراء الطائرات.
إضافة إلى ذلك الدخول التدريجي لطائرات سوخوي 35 يوفر لمصر خياراً إضافياً بجانب الرافال (أو يمكنها أن توفر الحماية الجوية للرافال) ولكن ما زال خيار السوخوي يحتاج إلى وقت لإتمام الصفقة واستيعاب القوات الجوية المصرية لها.
ورغم تراجع الصعوبات الفنية، فما زال خيار قصف السد صعباً من الناحية العسكرية والأصعب محاولة توقع تداعياته السياسية.
فبالإضافة إلى الردود الدولية والإفريقية المتوقعة خاصة أن إثيوبيا لها مكانة في القارة الإفريقية وحتى بين الأفارقة الأمريكيين، فإن تدمير السد قد يثير عداء الشعب الإثيوبي، ويوحده خلف آبي أحمد، وقد يطلق ردود فعل غير متوقعة، وسيظل النيل يأتي من إثيوبيا حتى لو تم تدمير السد.
كما أن من شأن هذه العملية وقف أي احتمال لتفاوض مستقبلي بين البلدين، وقد تثأر أديس أبابا بتلويث أو محاولة منع مياه النيل التي تأتي لمصر لو أعادت ترميم السد.
الحرب بالوكالة.. لماذا يقبل السودان هذا الخيار؟
أحد خيارات مصر في أزمة سد النهضة هي دفع دولة أخرى لخوض نزاع مع إثيوبيا.
ولقد أريتريا مرشحاً دائماً، لمثل هذا الدور ولكنها أصبحت حليفاً للنظام الحالي، والصومال الذي تعتبر أن أديس أبابا تحتل جزءاً من أراضيها أضعف من تمثل تهديداً لإثيوبيا.
في المقابل، فإن الخرطوم لديها أسباب عدة للغضب من إثيوبيا، فإذا كانت مصر متضررة من سلوك إثيوبيا في أزمة سد النهضة فقط، فإن السودان متضرر من إثيوبيا جراء أزمات عدة، منها سد النهضة والمشكلات الحدودية والتدخل الإثيوبي في شؤونه الداخلية، علماً بأن الخرطوم لوحت باستعدادها لكل الاحتمالات مؤخراً بعد تصاعد التوترات على الحدود بين إثيوبيا والسودان، وقلق الخرطوم البالغ من تأثيرات سد النهضة.
وعكس مواقفها المرنة السابقة مع أديس أبابا أظهرت الخرطوم موقفاً أكثر صلابة في أزمة سد النهضة من مصر وكذلك المشاكل الحدودية خلال الأشهر الماضية.
وذكر الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون الإفريقية، شفاء العفاري، لموقع Al-Monitor الأمريكي أن هناك تصعيداً عسكرياً عند الحدود السودانية الإثيوبية، مع وجود تعاون عسكري مصري سوداني غير مسبوق يحمل تحذيرات بتدخل عسكري في أزمة سد النهضة، على حد قوله.
كما وقّعت مصر والسودان في 2 مارس/آذار اتفاقية تعاون عسكري في أعقاب زيارة للفريق محمد فريد، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، للعاصمة السودانية الخرطوم.
ويمكن لمصر دعم السودان، في حرب واسعة أو منخفضة الكثافة مع إثيوبيا باعتبار أن الجيش السوداني حتى لو كان أقل في العدد والتسليح بكثير من الجيش المصري (وحتي الإثيوبي) فإن جنوده لديهم خبرة في القتال في مناطق الحدود الإثيوبية السودانية.
وقد يشمل هذا الدعم تزويد السودان بمعدات عسكرية لتقليل الفجوة، مع إثيوبيا، والأهم أنه قد يشمل دعماً جوياً من قبل الطائرات المصرية للقوات السودانية، وقد تمكن الفوضى الناجمة من هذا السيناريو القوات الجوية المصرية من قصف سد النهضة.
وقد يصل الأمر إلى دخول قوات مصرية لمساعدة القوات السودانية، خاصة أن هناك اتفاقية للدفاع العربي المشترك يمكن التحجج بها.
يظل هناك عوائق أمام مثل هذا الخيار أهمها أنه يلقي بأغلب العبء على السودان، في مواجهة إثيوبيا الأقوى عسكرياً، والخرطوم تحتاج إلى ضمانات لأن القاهرة ستقف معها دوماً في مواجهة الجار الإثيوبي الذي يفوقها سكاناً مرتين ونصفاً، كما أنه يتمتع بميزة جغرافية دائمة وهي طبيعة الهضبة الحبشية التي تعطي ميزة عسكرية دائمة لأديس أبابا حتى أمام أعتى الجيوش الغربية.
كما أنه رغم تحسن العلاقات بين النظامين الحاليين في مصر والسودان، فهي علاقة مصلحية بحتة، يصعب أن تصل إلى ثقة تسمح للتحالف معاً في حرب.
خيار استهداف السد بعملية استخباراتية.. هل فات أوانه؟
أحد خيارات مصر في أزمة سد النهضة هو عملية تفجير أمنية استخباراتية للسد قد تستطيع القاهرة أن تتبرأ منها، عكس غارات الطيران.
وسبق أن قامت مصر بعمل مماثل حسب بعض التقارير.
فقد كشفت برقية للسفارة الأمريكية تعود إلى عام 2010، نشرها موقع "ويكيليكس" لاحقاً، أنَّ المصريين فجَّروا معدات كانت في طريقها إلى إثيوبيا في منتصف السبعينيات، حسبما نقل الصحفي البريطاني الشهير ديفيد هيرست عن مصدر مصري يوصف بالموثوق كان على تواصل مع حسني مبارك ومدير الاستخبارات العسكرية في إدارته، اللواء الراحل عمر سليمان.
ولكن تنفيذ أي عملية أمنية استخباراتية لاستهداف السد أصبح أصعب بعد استكمال بنائه، إضافة إلى تأثيراتها على السودان في حال تدمير السد وما قد يؤديه من اندفاع المياه لأراضيه.
كما يمكن أن يؤدي فشل العملية أو إلقاء القبض على منفذيها إلى تحول الأمر لفضيحة.
إثارة النزاعات داخل إثيوبيا.. الخيار الذي أجبر صدام على التنازل
أحد أكثر خيارات مصر في أزمة سد النهضة واقعية وأقلها تكلفة، هو إثارة النزاعات الداخلية في إثيوبيا وتشجيع الحركات الانفصالية بالتعاون مع السودان.
وهو أسلوب طالما استخدمه الغرب في العالم العربي والعالم الثالث، واستخدمه الاتحاد السوفيتي وحتى النظام السوري في لبنان.
ويساعد على ذلك أن إثيوبيا هي في معظم تاريخها كانت إمبراطورية تقوم على هيمنة أقلية عرقية على بقية السكان (هيمنة أمهرية في أغلب الأوقات، والتيغراي خلال العقود الماضية)، بينما تم تهميش الأورومو الذين هم أكبر مجموعة سكانية، ويعتبرون أن آبي أحمد رغم أن والده من الأورومو إلا أنه خيب أمالهم وينظرون له كأمهري الثقافة (الأمهريون دعموه في حرب تيغراي).
كما يعاني سكان الولاية الصومالية من التهميش وهم من المسلمين الذين يعتبرون أن بلادهم قد بترت من الصومال.
ولفهم مدى تعقد التركيبة الاثنية في إثيوبيا، يجب قراءة نسب القوميات في البلاد التي هي كالتالي:
– قومية الأورومو وتمثل 34.4% من السكان.
– قومية الأمهرية وتمثل 27% من السكان.
– القومية الصومالية وتمثل 6.2% من السكان.
– القومية التيغرية وتمثل 6.1% من السكان.
– قومية السيداما وتمثل 4% من السكان.
– قومية الجوراج وتمثل 2.5% من السكان.
وتاريخياً يعاني سكان القوميات الجنوبية مثل الأورومو من التهميش، لصالح أبناء القوميات الشمالية السامية مثل الأمهريين والتيغراي.
كما أن البلاد تشهد انقساماً على أساس ديني (رغم هيمنة المسيحيين التاريخية) حيث يعتقد أن نسب المسلمين أكبر من نسبة الثلث المعلنة رسمياً، وأنها تقارب النصف، أو أكثر .
ومثلما تلعب جبال إثيوبيا وأوديتها دوراً في جعلها محصنة ضد الأعداء الخارجيين، فإنها أيضاً تعمل لصالح القوى المحلية الداخلية في مواجهة الحكومة المركزية خاصة في ظل ضعف الجيش الإثيوبي من حيث الأسلحة التقليدية كالطائرات والدبابات.
واللافت أن مصر والسودان لم نحاولات الإمساك بورقة ضغط قوية ضد أديس أبابا وهي حرب تيغراي التي اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
إذ إن الأوامر التي صدرت للجيش السوداني وقت حرب تيغراي هي الوقوف على الحياد، حسبما ذكرت مصادر سودانية لمجلة Foreign Policy الأمريكية، فيما قاد رئيس وزراء السودان عبدالله حمدوك وساطة إفريقية لا تلقى آذاناً مصغية كبيرة.
واكتفت مصر والسودان بإجراء مناورات مشتركة بينهما في الأراضي السودانية بالتزامن مع حرب تيغراي.
كان دعم التيغراي ليس فقط من أقل خيارات مصر في أزمة سد النهضة تكلفة، بل إن ميزته أيضاً أنه ليس خياراً صفرياً يؤدي إلى قطع القنوات مع أديس أبابا، بل خيار يمكن استخدامه وقت الحاجة كورقة ضغط أو حتى التنصل (يمكن تذكر أن أحد أسباب تنازل صدام حسين لشاه إيران عن جزء من الممر المائي الأساسي للعراق في شط العرب في عام 1975 هو أن يتخلص من دعم الإيرانيين للأكراد العراقيين).
الأهم أنه من بين كل قوى المعارضة في إثيوبيا ومن بين كل القوميات فإن جبهة تحرير تيغراي، كانت تتمتع بقوة عسكرية كبيرة نظراً لأنها كانت تحكم البلاد قبل آبي أحمد، والتيغراي شعب مقاتل، كما أن الإقليم له حدود مع السودان.
واليوم ما زال هناك فرصة لفتح هذا الملف، سواء عبر إقليم تيغراي، الذي ما زال هناك فيه بقية مقاومة من جبهة تحرير تيغراي.
كما أن هناك إقليم بني شنقول-جوموز الذي يقام على أرضه سد النهضة، ويسكنه عدد كبير من المسلمين (ويقال إنه كان جزءاً من السودان)، كما أنه واحد من أكثر أقاليم البلاد معاناة من التهميش، ومؤخراً اتهمت لجنة برلمانية إثيوبية مصر والسودان بالمسؤولية عن العنف في الإقليم.
كما أن محاولة دعم الأورومو باعتبارهم أكبر عرقية في إثيوبيا، يمكن أن يمثل ورقة ضغط بالغة الأهمية، في يد مصر والسودان.
ولكن التعامل مع مثل هذه الملفات يتطلب فهماً عميقاً من الأجهزة المعنية للتركيبة المعقدة للبلاد، واحترام لمكوناتها وتأكيد على الالتزام بقضاياها، لأن أي محاولة ساذجة لاستغلال هذا الملف ستأتي بنتيجة عكسية.
أياً كان خيارات مصر في أزمة سد النهضة، فإن تهديد الرئيس المصري الأخير، قد يكون تطوراً نوعياً يدفع إثيوبيا لمراجعة موقفها، ولكن إذا لم يكن يطبق هذا التهديد ولو جزئياً على الأرض، فإن هذا من شأنه إضعاف موقف مصر أكثر وسيزداد آبي أحمد تجرؤاً.