تناول تقرير لصحيفة The Independent البريطانية إعلان المملكة العربية السعودية المفاجئ هذا الأسبوع، عن "مبادرة السعودية الخضراء" و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، في إطار تعهدها بتقليل انبعاثات الكربون والحد من سرعة التصحر، وهي من أكبر الدول التي ترتكز ثروتها الهائلة على الوقود الأحفوري.
وتقول المملكة إنها تتطلع إلى تقليل انبعاثاتها عن طريق زراعة 10 مليارات شجرة وتوليد 50% من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وإنها أيضاً ستتعاون مع جيرانها في المنطقة لزراعة 40 مليار شجرة جديدة.
هل بدأت السعودية تعي أنها مهددة بتبدُّل اتجاه إنتاج الطاقة العالمية؟
خرج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتقييم صريح لهذه المشكلة العالمية، واصفاً تغير المناخ بأنه "أزمة". وقال يوم السبت 27 مارس/آذار: "بصفتنا إحدى الدول الرائدة في إنتاج النفط، فإننا نعي جيداً نصيبنا من المسؤولية في التصدي لأزمة المناخ، وأن دورنا الرائد في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة في عصر النفط والغاز يقتضي تحركنا لقيادة العصر الأخضر المقبل".
وبحسب ابن سلمان فإن حصة إنتاج الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط لا تتجاوز حالياً 7%، إلا أن السعودية ستتعاون مع جاراتها لتقليل الانبعاثات الناتجة عن إنتاج الهيدروكربونات في المنطقة بأكثر من 60%.
وتقول صحيفة The Independent إن هذا التصريح "الخالي من المجاملات" يشير إلى مدى جدية المملكة في حل هذه الأزمة، إذ كانت السعودية تحمل لقب "المُعرقِلة" على مدار عقود من محادثات المناخ، واتُهمت بمحاولة عرقلة اتفاقية باريس لعام 2015. وكان وزير النفط السعودي علي النعيمي، في قمة باريس، قد طالب بـ"سياسات خفض انبعاثات غير متحيزة ضد أي من مصادر الطاقة".
وربما يكون هذا التحفظ مفهوماً عند أخذ تاريخها في الاعتبار. فالسعودية ثاني أكبر دولة منتجة للنفط بعد الولايات المتحدة، ووصل حجم إنتاجها إلى 1.8 مليون برميل يومياً عام 2019، بنسبة 12.4% من مجمل الإنتاج العالمي.
ويُنظر إليها على أنها العمود الفقري لمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، ولا يزال لها دور كبير في التحكم في أسعار النفط على مستوى العالم. وتملك المملكة ما يقرب من خُمس احتياطيات النفط المثبتة على مستوى العالم، ويشكل قطاع النفط والغاز حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي، أي 70% من عائدات التصدير.
لكن اتجاه رياح إنتاج الطاقة العالمية يتبدل، والسعودية ليست بمنأى عنها. فمع ارتفاع درجة حرارة الكوكب بحوالي 1.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ثبت أن أزمة المناخ لها عواقب بالغة بالفعل: عواصف شرسة لا يمكن التنبؤ بها، وارتفاع منسوب مياه البحر، وذوبان الجليد القطبي. ويقول العلماء إن منع وقوع كارثة يتطلب الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية.
هل تتجه السعودية لتقليل اعتمادها على النفط؟
والمرجو أن تضاعف الدول الأهداف المتعلقة بالانبعاثات في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، المعروف باسم COP26، في نوفمبر/تشرين الثاني في غلاسكو.
والوقت ضيق؛ إذ قالت الأمم المتحدة العام الماضي إنه من الضروري خفض الانبعاثات العالمية بنحو 45% عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، لتصل إلى "الصافي الصفري" بحلول منتصف القرن، وهو ما يتطلب تحولاً غير مسبوق في جميع المجالات، وخاصة في مصادر الطاقة. والعالم بحاجة إلى أن تنضم السعودية، أحد أكبر 10 دول في انبعاثات الكربون، إلى هذا البرنامج.
وحتى الآن، كانت المؤشرات بعيدة كل البعد عن الإيجابية. إذ يقول متعقب نشاط المناخ، وهو عبارة عن تحليل علمي مستقل صممته ثلاث منظمات بحثية لتتبع النشاط المناخي، إن السعودية متوانية في تقليل اعتمادها على النفط وإن التزاماتها فيما يخص المناخ مبهمة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، اعتُبر نشاطها المناخي "غير كافٍ" إلى جانب بعض الدول المذنبة الأخرى: الولايات المتحدة وروسيا والأرجنتين وتركيا وأوكرانيا وفيتنام.
وتوسُّع النشاط السعودي فيما يخص المناخ لن يكون قريباً، لا في الجهود العالمية ولا لسكان البلاد البالغ عددهم 34 مليون نسمة، الذين يقل عمر ثلثيهم عن الخامسة والثلاثين وسيتحملون وطأة هذه الآثار المتفاقمة.
والبلاد تواجه مخاطر جسيمة من درجات الحرارة المرتفعة. ففي مدينة الأحساء، موطن إحدى أكبر الواحات في العالم، وصلت درجة الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية في يوليو/تموز الماضي. وينتشر التصحر -زيادة جفاف الأراضي واستنزاف الإنتاجية البيولوجية- في أنحاء شبه الجزيرة العربية.
ونوعية الهواء في السعودية تعتبر غير آمنة وفقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية، وفقاً لتقارير IqAir. وهذا يرجع إلى انبعاثات المركبات والصناعة والعواصف الترابية الطبيعية كذلك.
ورغم أن تأثير جائحة كوفيد-19 وتراجع الطلب العالمي للنفط أثر سلباً على الاقتصاد السعودي، لا تزال الموارد كبيرة لتنفيذ خطة محمد بن سلمان "رؤية السعودية 2030" بتنويع مصادر اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط.
كيف سيتم العمل بهذا المشروع الضخم؟
أفادت تقارير أن زراعة 10 مليارات شجرة داخل السعودية في العقود المقبلة ستزيد من مساحة غطاء الأشجار بمقدار 12 مرة، وستصلح 40 مليون هكتار من الأرض. وتتعاون الرياض أيضاً مع دول أخرى في المنطقة مثل قطر والكويت والبحرين والعراق والسودان لزراعة 40 مليار شجرة جديدة.
على أنه لا يبدو واضحاً في الوقت الحالي كيف سيجري تنفيذ هذا المشروع الضخم في دولة ذات موارد مياه متجددة محدودة. فالصين، التي تنفذ مشروعاً مشابهاً وزرعت 66 مليار شجرة منذ عام 1978، شهدت موت العديد منها بسبب قصور التخطيط. ولا يزال مشروع "السور الأخضر العظيم" الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات، والذي يفترض أن يمتد لمسافة 5000 ميل (حوالي 8 ملايين متر) في إفريقيا، في مراحله الأولى.
وقد فتحت المملكة، التي تهدف إلى تحقيق 10% من الناتج المحلي الإجمالي من السياحة بحلول عام 2030 (يبلغ 3% الآن)، الأبواب أمام السياح الأجانب عام 2019. ومن بين مشروعاتها مشروع البحر الأحمر، الذي يمتد على أرخبيل مكون من 90 جزيرة وسيعتمد على "تنفيذ مجموعة من السياسات مثل خفض النفايات إلى الصفر، والتخلص من انبعاثات الكربون بنسبة 100%، وحظر شامل للمواد البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة فقط".
وتخطط العاصمة الرياض لتحسين نوعية الهواء وخفض درجات الحرارة وزراعة 7.5 مليون شجرة وريها بالمياه المعاد تدويرها.
هل تكون محاربة المناخ جزءاً من خطة السعودية لتلميع صورتها؟
ثم هناك مشروع "نيوم"، الذي هو عبارة عن مدينة مستقبلية في الصحراء تعمل بالطاقة الشمسية، بتكلفة يتوقع أن تبلغ نصف تريليون دولار.
وتحتل الرياضة مكانة مهمة أيضاً في خطة التنويع الاقتصادي في المملكة. إذ من المقرر أن تبدأ سلسلة سباقات Extreme E التي تعتمد على سيارات دفع رباعي كهربائية بالكامل على الطرق الوعرة في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان في مدينة العلا، بعد الجولة الافتتاحية لموسم الفورمولا إي الخالي من الكربون الشهر الماضي في الرياض.
وينتهي تقرير الصحيفة البريطانية بالقول، إن إعلان السعودية صحيح أنه من الأخبار السارة لمعركة المناخ العالمية، إلا أنه يبدو أيضاً جزءاً من حملتها المستمرة لتلميع صورتها وسط انتهاكات حقوق الإنسان المقلقة التي ما انفك المجتمع الدولي يدينها.