أعادت أزمة جنوح السفينة في قناة السويس الأضواء على جدوى مشروع تطوير القناة الذي يعرف إعلامياً في مصر باسم قناة السويس الجديدة.
وجلبت الأزمة التي انتهت بتحريك السفينة ليلة الأحد 29 مارس/آذار 2021 تدقيقاً غير مرغوب في مشروع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحفر قناة السويس الجديدة الذي تكلّف مليارات الدولارات لجعل الممر المائي مزدوجاً في بعض مناطق القناة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
"ميلاد جديد لمصر"
ففي عام 2015، افتتحت حكومة السيسي القناة الموازية قائلة إنها تُمثل "ميلاداً جديداً لمصر". وكان من المفترض أن تُساعد "قناة السويس الجديدة"، التي تكلّفت 8.5 مليار دولار، البلاد على قلب صفحة اضطرابات الربيع العربي واستيلاء الجيش على السلطة. كما أملت الحكومة أن يُحفّز المشروع حركة الشحن، ويزيد إيرادات الدولة المصرية، ويُعزّزة مكانة السيسي العالمية، حسب Wall Street Journal .
لكن طفرة الإيرادات المنتظرة من القناة لم تتحقّق، وارتبط اسم القناة بأزمة عصفت بسلسلة التوريد العالمية بعد جنوح سفينة الشحن الضخمة إيفرغيفن يوم الثلاثاء 23 مارس/آذار.
وأدت هذه الأزمة إلى تكدس نحو 300 سفينة عالقةً على جانبي القناة. بينما تكبدت شركات الشحن والتأمين خسائر تُقدّر بمليارات الدولارات. وتعرض السيسي لضغطٍ هائل من أجل إعادة فتح القناة بأسرع وقتٍ ممكن.
سلسلة من كوارث النقل
وتأتي هذه الأزمة في القناة عقب سلسلةٍ من كوارث النقل التي حدثت في عهد السيسي، حسب الصحيفة الأمريكية.
ففي عام 2015، أسقطت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) طائرة ركاب روسية فوق سيناء، ما أسفر عن مصرع 224 شخصاً. وفي عام 2016، تحطمت طائرة شركة مصر للطيران في المتوسط، ليذهب ضحيتها 66 شخصاً.
وفي عام 2019، تسبّب حادث قطار وحريقٌ أعقبه في مصرع أكثر من 20 شخصاً بمحطة القطار الرئيسية وسط القاهرة.
ويوم الجمعة 26 مارس/آذار، تصادم قطاران في صعيد مصر، ما أسفر عن مصرع 32 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات.
قناة السويس الجديدة مشروع شخصي
وتُمثل أزمة انسداد القناة تحدياً جديداً من نوعه على السيسي لتداخلها مع مكانة مصر -والسيسي- شخصياً في العالم.
إذ جعل الجنرال العسكري السابق من مشروع توسعة قناة السويس بقيادة الجيش حجر الزاوية لبرنامجه الاقتصادي. وسعى السيسي إلى تحفيز الروح الوطنية بالاحتفالات بافتتاح قناة السويس الجديدة التي شملت زيارة من رؤساء الدول وتحليق الطائرات الحربية.
ويبلغ طول قناة السويس نحو 193 كلم، فيما يتضمن المشروع الجديد حفر تفريعة جديدة لها (سميت من قبل الإعلام الحكومي قناة السويس الجديدة)، بطول 35 كلم، بهدف تقليل زمن عبور السفن للقناة وزيادة قدرتها الاستيعابية من متوسط 67 سفينة يومياً إلى نحو 97 سفينة.
واعتبرت حكومة السيسي المشروع إنجازاً تاريخياً. وكانت الحكومة المصرية تهدف إلى بثِّ الشعور بالأمل والاعتزاز القومي بعد ثورة 2011 وانقلاب 2013 الذي أوصل السيسي إلى السلطة، حسب وصف تقرير آخر لصحيفة Wall Street Journal.
اللافت أن السيسي أصر على حفر القناة الجديدة بالكامل في عام واحد فقط، وهو ما أدى إلى زيادة التكلفة، بسبب الاستعانة بمقاولين من الخارج تلقوا مستحقاتهم بالدولار، في الوقت الذي كانت تعاني فيه مصر أزمة في النقد الأجنبي، وكان يمكنها حفرها بإمكاناتها المحلية إذا تم الأمر دون مهلة العام التي أعلنها السيسي.
المفارقة أن السيسي اعترف بعد ذلك بأنه هدفه من حفر القناة الجديدة خلال عام فقط، لم يكن وراءه دافع اقتصادي بالأساس؛ بل رفع معنويات الشعب.
هل تحققت الزيادة الموعودة في العوائد؟
كما وعدت الحكومة بعائدٍ هائل على الاستثمار في المشروع. ففي عام 2015، قال الرئيس السابق لهيئة قناة السويس إنّ التوسعة ستُضاعف إيرادات القناة على أقل تقدير من خمسة مليارات دولار في السنة إلى أكثر من 13 مليار دولار بحلول عام 2023.
وحينها أشارت دراسات الحكومة الداخلية إلى عائدٍ متواضع على الاستثمار فقط بحسب ما نقلته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
ولا تُمثّل عائدات القناة سوى 1.5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، لكنّها مصدرٌ مهم للعملات الأجنبية في بلدٍ يُعاني من عجزٍ تجاري كبير.
وقد زادت الإيرادات منذ توسعة القناة، لكنّها لم تكُن الزيادة التي توقّعتها الحكومة على الإطلاق. إذ جنت مصر 5.6 مليار دولار من القناة العام الماضي، بانخفاض عن الـ5.8 مليار دولار التي حققتها عام 2019 نتيجة تباطؤ التجارة العالمية على خلفية جائحة فيروس كورونا.
والاحتمال الأكثر خطورة هو أن يتسبب التنافس على الممرات المائية في تآكل مكانة القناة التي كانت مربحةً للغاية يوماً من الأيام على صعيد التجارة الدولية.
إذ أدى انخفاض أسعار النفط إلى تقلّيل تكلفة طريق الشحن حول جنوب إفريقيا. بينما فتح الاحترار العالمي الباب أمام إمكانية فتح طريقٍ ملاحي عبر البحر المتجمد الشمالي. وربما لن تجني مصر نفس العائدات الكبيرة من القناة بعد الآن وفقاً لتحذيرات الخبراء.
إذ قال يزيد صايغ، الزميل البارز في مركز كارنيغي الشرق الأوسط: "متى تراجعت أسعار النفط، فسوف تسافر أي سفينة بإمكانها الانتظار لأسبوعٍ إضافي حول جنوب إفريقيا، مستفيدة بذلك من أسعار النفط الرخيصة".
لماذا لم تُحفر القناة الجديدة في الجزء الذي شهد جنوح السفينة؟
وهدفت "قناة السويس الجديدة" إلى استيعاب تدفق السفن التي تنقل النفط، والملابس، والأجهزة الإلكترونية، وغيرها من البضائع بين أوروبا وآسيا. وتضمن المشروع توسعة أجزاء من القناة وحفر ممرٍ ثانٍ من القناة بطول الجزء الشمالي من القناة الأصلية بين البحر المتوسط والبحيرة المرة الكبرى.
وبالتالي فإن قناة السويس الجديدة تعد ممراً ثانياً يسمح بحركة مرور متزامنة في الاتجاهين على امتداد 35 كيلومتراً في القناة، غير أنها لم تكن مفيدة في الأزمة الحالية لأنها تقع شمالاً، بينما "إيفرغيفن" جنحت في الجزء الجنوبي من القناة، الذي ما يزال به ممرٌ واحدٌ فقط، على بعد عدة كيلومترات من مدينة السويس في منطقة لا يوجد بها تفريعات أو قنوات جانبية.
ولم تحفر الحكومة المصرية ممراً ثانياً في الجزء الجنوبي من القناة لأنها رأت أنه لا يستحق تكلفة الاستثمار الإضافية وفقاً لأحمد درويش، الرئيس السابق لمنطقة قناة السويس الاقتصادية في عهد السيسي، حسب صحيفة Wall Street Journal.
وحين تدخل السفن مجرى قناة السويس يصعد مرشدون على متنها ويوجهونها في قوافل بمساعدة قاطرة واحدة أو اثنتين. وبين حين وآخر يحدث جنوح لسفينة ما لكن سرعان ما يتم إنهاؤه دون تأثير يُذكر على السفن الأخرى.
ولكن كانت مشكلة السفينة "إيفرغيفين" التي يبلغ طولها 400 متر أنها جنحت بشكل عرضي في منطقة من القناة يبلغ عرضها 250 متراً.