تسعى السعودية لتشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار في المملكة وإقامة مكاتب إقليمية لها في الرياض إما عن طريق التحفيز أو التحذير كما حدث مطلع العام الجاري 2021.
وقالت الحكومة السعودية للشركات الأجنبية إنها لن تتمكن من الحصول على عقود حكومية اعتباراً من عام 2024 إلا إذا كان لها مكتب في المملكة. كما أطلقت مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في إطار رؤية المملكة 2030 لجذب الاستثمارات.
فعندما اختارت شركة سي.إس.جي نقل مقرها الإقليمي هذا العام من دبي إلى الرياض كان ذلك بمثابة نصر مبكر للسعودية، وثبت أن الانتقال كان سهلاً على غير المتوقع لشركة التكنولوجيا الأمريكية إذ بدأ المكتب الجديد نشاطه خلال شهرين فحسب.
وشركة سي.إس.جي واحدة من عدة شركات أجنبية وافقت في وقت سابق من العام الجاري على إقامة مكاتب إقليمية لها في السعودية بدلاً من الإشراف على عملياتها عن بعد من دبي مركز النشاط التجاري الإقليمي في دولة الإمارات.
وكان إنذار سعودي في منتصف فبراير/شباط قد دفع بعض الشركات لإعادة التفكير في استراتيجيتها وكان فحواه أنه يتعين اعتباراً من 2024 على الشركات الراغبة في الحصول على تعاقدات حكومية في السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، أن يكون لها مكاتب على أرض المملكة.
غير أن الحكومة عملت بالتوازي مع هذا النهج الخشن على البدء في إصلاحات اقتصادية واجتماعية واسعة لجذب المستثمرين، وذلك بهدف تسهيل العيش والعمل في المملكة وقلصت الإجراءات الروتينية التي كانت تثنيهم عن القدوم إلى المملكة.
وقال جيمس كيربي، رئيس عمليات سي.إس.جي في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في لندن، لرويترز: "الثقل الكبير الذي تقف به الحكومة السعودية وراء مبادراتها ودعم ذلك بتحركات حقيقية مشجع جداً حقاً".
وأضاف: "أتوقع أن تقتدي شركات أخرى بنا".
وربما تظل دبي المركز الرئيسي للأعمال في المنطقة. ودبي مدينة عالمية يوجد بها واحد من أكثر مطارات العالم ازدحاماً، على الأقل قبل الجائحة، وتوجد بها فنادق ومطاعم خيالية.
غير أن السعودية تنفذ خطة جريئة للحاق بها. ففي أوائل فبراير/شباط قالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إن 24 شركة عالمية وقعت اتفاقات لإنشاء مكاتبها الإقليمية الرئيسية في الرياض عاصمة أكبر دول العالم المصدرة للنفط.
وقالت "واس" إن هذه القائمة اشتملت على شركات بيبسيكو وشلومبرجر وديلويت وبي.دبليو.سي وتيم هورتونز وبكتل وروبرت بوش وبوسطن ساينتيفك.
ورداً على طلبات من رويترز للتعليق أكدت شركة بكتل أنها أقامت مكتباً إقليمياً في السعودية. وقالت "بي.دبليو.سي" إن لها مكتباً استشارياً إقليمياً في الرياض، وذكرت "ديلويت" أنها مستعدة للعمل "كشريك استراتيجي" لمساعدة السعودية في تحقيق أهدافها. وقالت "بوش" إنها تستكشف فرص العمل في المملكة.
ولم ترد الشركات الأخرى في القائمة.
تقدم كبير
بموجب التغييرات الاقتصادية التي دفع بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة، قفزت المملكة 30 مركزاً منذ 2019 في قائمة سهولة أداء الأعمال التي ينشرها البنك الدولي. وأصبحت السعودية الآن في المركز الـ62 وإن كان الفارق كبير بينها وبين الإمارات التي تحتل المركز الـ16.
وقال خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودي، لرويترز في رسالة بالبريد الإلكتروني إن المملكة حققت تقدماً كبيراً في السنوات الأخيرة في إصلاحات رئيسية فسمحت بالملكية الأجنبية بنسبة 100% في عدد من القطاعات وطبقت عدداً من الإصلاحات الأخرى.
وأصبح الحصول على ترخيص لمستثمر أجنبي يتطلب الآن وثيقتين فقط بدلاً من 12 وثيقة ويمكن استخراجه في ثلاث ساعات بدلاً من ثلاثة أيام.
وقالت الهيئة الملكية لمدينة الرياض لوسائل الإعلام السعودية إنها تعتزم جذب 500 شركة أجنبية بحلول 2030.
وللمساعدة في تحقيق ذلك كشفت السعودية النقاب عن سلسلة من المبادرات. ويهدف صندوق الثروة السيادي السعودي لإطلاق شركة طيران جديدة للتنافس مع الشركات الخليجية ومن المقرر إقامة فنادق جديدة.
وتعمل الرياض على إنشاء شبكة لقطارات المترو في الوقت الذي تم فيه تخفيف بعض القيود الاجتماعية مثل رفع الحظر على دور السينما.
إلا أن الثغرات التي يتعين سدها لا تزال كثيرة إذا كان للرياض أن تنافس دبي. وليس أقلها حاجة الرياض إلى المزيد من المدارس الدولية لاجتذاب الوافدين من أصحاب المهارات وأفراد أسرهم على حد قول مديرين تنفيذيين.
وقال علي السالم، الشريك المؤسس لشركة أركان بارتنرز، وهي شركة استشارية للاستثمارات البديلة: "دبي لم تُبنَ في يوم واحد وكان مسار نموها عضوياً نسبياً. والسعودية تتطلع لتحقيق أهدافها بوتيرة غير مسبوقة…".
تريث للتفكير
لدى المستثمرين مخاوف أخرى أيضاً إذ تواجه السعودية سلسلة من الانتقادات الغربية لسجلها في مجال حقوق الإنسان ولا سيما مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 على أيدي عملاء سعوديين في قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول التركية.
وفي حملة على الفساد عام 2017 تم احتجاز مجموعة من الأمراء السعوديين والوزراء السابقين وكبار رجال الأعمال لعدة أسابيع أو أشهر في فندق تحول إلى مركز اعتقال.
وبالنسبة للسعودية التي كونت ثروتها من احتياطيات النفط الضخمة تتزايد الحاجة الملّحة لجذب المستثمرين وتنويع النشاط الاقتصادي مع سعي العالم لتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري.
غير أن جيم كرين الزميل الباحث بمعهد بيكر في جامعة رايس بمدينة هيوستن قال إن توجيه إنذار للشركات الأجنبية لإنشاء مكاتب لها في المملكة ربما يعرقل مساعي السعودية بدلاً من أن يفيدها.
وأضاف أن الإنذار "تفوح منه رائحة الإحباط والتعسف".
وقال "هذا واحد من الأمور التي ربما ستدفع الشركات ومديريها التنفيذيين للتريث بعض الشيء قبل المضي قدماً".
وقد أبدت دبي، التي اقتنصت التاج الإقليمي من البحرين في التسعينيات، استعدادها للمقاومة من أجل الاحتفاظ باللقب.
فقد أعلن حاكم دبي خطة خمسية لزيادة حركة النقل الجوي والبحري بنسبة 50% وزيادة حركة السياحة والسعة الفندقية إلى مثليها خلال العقدين المقبلين.
غير أن السباق لجذب الأعمال لا يعني بالضرورة الاختيار بين الرياض ودبي مثلما برهنت شركة سي.إس.جي المدرجة في سوق ناسداك. فرغم أن الشركة نقلت عملياتها الإقليمية إلى الرياض فهي لا تعتزم إغلاق مكتبها في الرياض.
وقال دانييل بيتمان، بشركة أسترولابز التي تساعد الشركات في إنشاء مكاتب في السعودية: "أنا شخصياً لا أتوقع أن تطوي الشركات عملياتها في دبي وتنتقل فحسب إلى السعودية".
وأضاف: "أتصور هجوماً على محورين على الشرق الأوسط… يكون لها فيه وجود قوي في الاثنتين، الإمارات والسعودية".
قائمة الشركات التي فتحت مكاتب لها في الرياض
ذكرت وكالة الأنباء السعودية في فبراير شباط أن 24 شركة دولية وقعت اتفاقات لإقامة مكاتب إقليمية في الرياض.
سعت رويترز للتواصل مع الشركات في تلك القائمة وشركات أخرى.
وفيما يلي بعض ردود تلك الشركات والتفاصيل المتعلقة بتأسيسها لمكاتب في السعودية:
- بكتل
قالت شركة التشييد الأمريكية بكتل إنها اتخذت من الرياض مقرها الإقليمي ليغطي الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية والإمارات وعمان وقطر والبحرين والكويت.
– سي.إس.جي
أعلنت شركة التكنولوجيا الأمريكية أنها ستنقل مكتبها الإقليمي من دبي إلى الرياض لكنها لن تغلق مكتب دبي.
روبرت بوش
قالت روبرت بوش الألمانية لقطع غيار السيارات إنها وقعت مذكرة تفاهم لبحث أعمال محتملة في السعودية. وقالت متحدثة إن للشركة مكتباً في المملكة وتواجداً في أماكن أخرى بالمنطقة من بينها الإمارات.
أويو
قالت شركة أويو الهندية الناشئة للفنادق إنها ستقيم مقرها الإقليمي في مركز الملك عبدالله المالي وهو منطقة اقتصادية خاصة بالرياض، مشيرة إلى أنها سترسل عدداً من المديرين التنفيذيين إلى هناك.
– فرانكلين تمبلتون
ذكرت شركة الاستثمار فرانكلين تمبلتون أنها ستراقب القواعد التنظيمية لتقييم النهج الذي ستتبعه لكنها تظل ملتزمة بالأعمال في الشرق الأوسط. ويظهر على موقع الشركة أن لها مكاتب في الإمارات وتركيا.
– ديلويت
قالت متحدثة باسم الشركة "تعمل ديلويت في السعودية منذ عام 1950 ويشرفنا أن نكون شريكاً استراتيجياً للمدينة في رحلتها لتحقيق طموحها بموجب رؤية 2030".
– بي.دبليو.سي
أشارت الشركة إلى بيان من مديرها في السعودية رياض النجار الذي قال إن الشركة تدعم التحول الذي تستهدفه المملكة من مقر الشركة الاستشاري الإقليمي في الرياض.
– بوينج
قال أحمد جزار رئيس بوينج السعودية "لدينا أكثر من 2200 موظف في كيانات وشركات مشتركة عدة في المملكة. بوينج السعودية شركة سعودية قيادتها سعودية وأغلبية قاعدة موظفيها من السعوديين. ونحن ملتزمون بنجاح رؤية 2030".
– شيفرون
قالت شركة الطاقة الأمريكية إن شيفرون السعودية لديها خطط لتأسيس مقر جديد في مدينة الخفجي بشرق المملكة وأضافت أنها "تتطلع لمواصلة شراكتها القائمة على المنفعة المتبادلة مع المملكة".
– جوجل
صرح مصدر مطلع بأن شركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة تبحث إقامة مكتب في السعودية لتوسيع خدماتها السحابية. ولم يستجب متحدث باسم جوجل بعد لطلب بالتعليق على هذه الخطة.
كانت شركة تابعة لعملاق النفط أرامكو قد تعاونت مع جوجل كلاود مؤخراً لتقديم خدمات سحابية.
– ستاندرد تشارترد
قال البنك المدرج في بورصة لندن إنه يعمل في السعودية منذ عام 2010 عبر عملياته في أسواق رأس المال كما حصل على رخصة مصرفية كاملة في 2019. وأضاف البنك أن مديره التنفيذي لشؤون الشرق الأوسط مقره في الرياض بما "يمكننا من الحصول على المزيد من الفرص المثيرة للاهتمام في المملكة".
– فورد
ذكرت متحدثة باسم شركة تصنيع السيارات الأمريكية أنها أسست مكتبًا لها في الرياض قبل عقد ولها شريكان للتوزيع هناك منذ فترة طويلة. وقالت "سنواصل متابعة الإعلانات التي تنشرها الحكومة السعودية ليكون لدينا فهم أفضل للقواعد الجديدة قبل أن ندلي بمزيد من التعليق".
– جرينبرير
ذكرت صحيفة عرب نيوز أن شركة السكك الحديدية الأمريكية تنشئ مقراً في الرياض لدخول السوق السعودية. ولم يتسنّ التواصل بعد مع الشركة للحصول على تعليق.