مع استمرار إغلاق مجرى قناة السويس الذي أوقف حركة السفن منذ الأربعاء 24 مارس/آذار، بسبب جنوح سفينة "إيفرغيفن"، يُحتمَل أنَّ هناك الآلاف من بوليصات التأمين المأخوذة على الصناديق الفولاذية المُكدَّسة عالياً على السفينة الضخمة التي أدت إلى قلب حركة التجارة العالمية. وقد يترتب على هذه العقود دفعات بمئات ملايين الدولارات، لكن أولاً، يبدو أن هناك لعبة للتهرب من المسؤولية، كما يقول تقرير لموقع Bloomberg الأمريكي.
وتقول شركة Evergreen Line التايوانية، المُشَغِّلَة لسفينة "إيفرغيفن" العالقة، إنَّ شركة Shoei Kisen Kaisha اليابانية، المالكة للسفينة، هي المسؤولة عن أية خسائر. وتتحمل الجهة مالكة السفينة بعض المسؤولية، لكنها تقول إنَّ الجهة المُستَأجِرة بحاجة إلى التعامل مع أصحاب البضائع. ووفقاً لسياسات قناة السويس الخاصة، لا يقع اللوم عليها في مثل هذه الحوادث، حتى لو كان مرشدوها هم من وجهوا السفينة الجانحة.
حادثة سفينة "إيفرغيفن" ستفجر فيضاناً من مطالبات التعويض لدى جميع المتضررين
وبغض النظر، يُتوَقع أن يطلق هذا الإغلاق العنان لفيضان من مطالبات التعويض من جميع المتضررين، بدايةً من أولئك الذين يعملون في صناعة الشحن إلى أولئك الذين يعملون في مجال السلع الأساسية. وسيطالب مالكو البضائع على متن السفينة "إيفرغيفن" وغيرها من السفن، الذين تعطل عملهم بسبب إغلاق أسرع ممر مائي يربط أوروبا بآسيا، بمبالغ التأمين من شركات التأمين الخاصة بهم، إذا كان لديهم واحدة. بدورها، سترفع شركات التأمين المُؤَمِّنَة على البضائع الموجودة على متن السفينة دعاوى ضد مالكي "إيفرغيفن"، الذين سيتوجهون إلى شركات التأمين الخاصة بهم للحصول على الحماية.
وعلى حد تعبير كريس غريفيسون، الشريك في شركة المحاماة المختصة بالشحن Wikborg Rein في لندن: "هذا أشبه بسيناريو حرب فانية"!
ومن بين الأشياء المُؤَمَّن عليها السفينة نفسها. ووفقاً لوسيط التأمين والاستشارات حول المخاطر Marsh، تتراوح التغطية على السفن عادةً في أي مكان في المنطقة من 100 مليون دولار إلى 200 مليون دولار. لكن الدفع سيعتمد على مدى سوء الحادث. وفي حين أنَّ المروحية الدافعة قد تكون تلفت بسبب عمق الجنوح، تشير الأسطح الرملية إلى أنَّ الضرر كان يمكن أن يصبح أسوأ.
إذا أُعلِن عن عملية باسم العوارية العامة -التي تتضمن تقاسم التكاليف بين جميع الأطراف- فإنَّ المدفوعات، التي ستكون بالملايين، تصبح معقدة للغاية.
قضايا التعويضات قد تستمر لسنوات
وفي هذا السياق، قال ماركوس بيكر، رئيس قسم الممارسات البحرية في Marsh: "يضيف ذلك تعقيداً كبيراً إلى تسوية المطالبات النهائية. وعندما أقول تعقيداً هائلاً، فإننا نتحدث عن مرور سنوات قبل أن نتمكن من الوصول إلى نقطة يعرف الجميع فيها موقفهم".
وفي حين أنَّ مصممي نماذج المخاطر البارزين لم يضعوا تقديراتهم بعد، فإنَّ العائد النهائي من التأمين على السفينة سيغطي مجموعة كاملة من قطاعات التأمين. وأحد الكيانات المشاركة مباشرة هو نادي الحماية والتعويض في المملكة المتحدة -وهو واحد من ثلاث عشرة مجموعة مشتركة تُؤمِّن مسؤولية الطرف الثالث في أسواق الشحن العالمية. وهي تغطي سفينة إيفرغيفن عن أشياء مثل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية ومطالبات التعويض المتعلقة بالتعطيل. وقال نادي الحماية والتعويض في المملكة المتحدة لوكالة بلومبيرغ، إنه سينظر في جميع المطالبات الصحيحة في الوقت المناسب.
ما الذي تقوله التقديرات حول قضايا التعويضات القادمة؟
ستكون سفينة إيفرغيفن السبب الواضح لخسائر متعلقة بتعطيل الأعمال للسفن الأخرى؛ مما يؤدي إلى فيضان من مطالبات التعويض. وقد يُطبق حد الإرسال (أو الحد الأقصى للتغطية في بوليصة التأمين) وإعادة التأمين، مما قد يَقصُر خسائر الصناعة على مئات الملايين من الدولارات بدلاً من المليارات، وفقاً لمحلل Bloomberg Intelligence ماثيو بالازولا.
ويمكن أن يشمل غطاء الحماية والتعويض أيضاً أشياء مثل تكاليف الإنقاذ وفقدان الإيرادات. ولا تزال هذه حتى الآن من بين أكبر التساؤلات المجهولة، ومعها الوقت المحدد الذي ستتمكن فيه السفينة من التحرك بحرية مرة أخرى.
ووفقاً لراهول خانا، الرئيس العالمي لاستشارات المخاطر البحرية في Allianz SE، إذا كان من الضروري جعل السفينة أخف وزناً عن طريق إزالة بعض الصناديق الموجودة على متنها، فسينتج عن ذلك تأمينات أكبر. وقال خانا: "إذا اضطروا إلى نزع الحاويات، فستكون هذه تكلفة ضخمة أخرى. ونتحدث وقتها عن عشرات الملايين، وربما مئات الملايين".
هل هناك قضايا تعويضات لحوادث بحرية سابقة تشابه حادثة سفينة قناة السويس؟
نعم، إذ أدى انقلاب السفينة السياحية Costa Concordia إلى دفع تعويضات بقيمة 1.6 مليار دولار في عام 2012، وفقاً لشركة Marsh للتأمينات. وبالرغم من أنَّ تلك الحادثة لم تُعطِّل حركة التجارة العالمية مثل حادثة قناة السويس، لكنها تطلبت عملية إنقاذ ضخمة.
ولم تكن مهمة إلقاء اللوم على جهة أسهل بسبب قواعد الملاحة لهيئة قناة السويس. إذ تنص على أنَّ ربان السفينة هو المسؤول عن أي حادث يقع، وليس المرشدين الذين يوجهونهم عبر القناة. وقال مالكو السفينة إنَّ مرشدَين من هيئة قناة السويس كانا على متنها وقت وقوع الحادث.
ستُقدَّم مطالبات أخرى من قبل شركة الإنقاذ بمجرد تحرير السفينة. عادةً ما يعمل طاقم من الدرجة الأولى مثل شركة SMIT Salvage الهولندية الموجودة الآن في مصر على ما يُسمى أساس Lloyd's Open Form (نموذج لويد المفتوح) ويُدفَع لهم رسوم نجاح بناءً على قيمة السفينة والشحنة. وقال كريس غريفيسون، من شركة المحاماة المختصة بالشحن Wikborg Rein، إنَّ هذه الرسوم ستكون في حدود عشرات الملايين من الدولارات لسفينة إيفرغيفن.
ماذا عن بقية الشحنات.. من سيدفع ثمن تأخير حركة التجارة العالمية؟
هذا يعتمد على مجموعة كاملة من العوامل. من بين السياسات المشتركة المتاحة هي سياسات بحرية معنية تحديداً بتأخير الشحنات. وعادةً ما تُطبَّق على السفن التي تنقل البضائع القابلة للتلف مثل الفاكهة التي قد تعاني من أي تأخير.
ومن المحتمل ألا تحتوي معظم السفن البالغ عددها 300 سفينة التي تنتظر حالياً المرور عبر القناة المُعطَّلة على سلع قابلة للتلف أو تمتلك تغطية لحالات التأخير. وهذا يعني أنَّ السفن تظل في حالة التشغيل، وقد يتحمل المُستَأجِرون مسؤولية دفع الأموال حتى لو كانوا عالقين في ازدحام حركة النقل.
ويقول كريس غريفيسون، من شركة المحاماة المختصة بالشحن Wikborg Rein، إنَّ السفن التي ستمر الآن عبر رأس الرجاء الصالح، لن تتمكن من رفع دعاوى ضد سفينة إيفرغيفن لتعويضها عن التكلفة والوقت الإضافيين؛ لأن هذه تعتبر "خسارة اقتصادية" ولا يمكن استردادها عادةً، وغالباً ما لا يُؤمِّن عليها مالكو السفن.
ومن هنا تتعقد الأمور المتعلقة بمصلحة الشحنة. إذ من الممكن أنَّ كل طرف في إحدى الحاويات، أو حتى نصف حاوية، حاصل على بوليصة تأمين. وعلَّق راهول خانا، الرئيس العالمي لاستشارات المخاطر البحرية في Allianz SE: "استغرقت تسوية بعض من مثل هذه القضايا سنوات".