"الاستنتاج الأكثر وضوحاً للانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال عامين، هو أن إسرائيل أصبحت أكثر انقساماً عن ذي قبل، وأن النظام السياسي فيها أصبح أكثر تجزئة"، بهذه الكلمات علّق الكاتب والصحفي الإسرائيلي المخضرم يوسي ميلمان على النتائج الأولية للانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال عامين.
وتشير نتائج استطلاعات الرأي للانتخابات الإسرائيلية التي أجريت الثلاثاء 23 مارس/ آذار، إلى أفق سياسي مسدود بعد تشظي القوى والأحزاب التي نجح منها 13 حزباً بكسر العتبة الانتخابية ودخول الكنيست، مقارنة مع وجود 8 أحزاب فقط في الكنيست السابق. في الوقت الذي لم يتمكُّن أي حزب أو تكتل في هذه الانتخابات، من تحقيق الأغلبية لتشكيل الحكومة، فيما تبدو آفاق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للاحتفاظ بالسلطة في إسرائيل غير مؤكدة بعد في ظل هذه النتائج.
أفق مسدود في إسرائيل ومستقبل غير واضح لنتنياهو
رغم عدم استحقاق النتائج النهائية بعد، فإن الكنيست غدا منقسماً بين المعارضين المحتملين لنتنياهو وأنصاره، بحسب ما أشارت إليه التوقعات حتى صباح يوم الأربعاء 24 مارس/آذار 2021. وتقول تقارير إسرائيلية إنه حتى مع إشراف نتنياهو على جلب لقاحات فيروس كورونا، وتقدم إسرائيل في تطعيم سكانها عالمياً -وهذا أكثر ما استخدمه في حملته الانتخابية- كل ذلك لم يكن كافياً لدفع زعيم اليمين وحزب الليكود إلى النصر الحاسم.
وأعطت التوقعات الأولية للقنوات التلفزيونية الرئيسية الثلاث في إسرائيل بعد تصويت يوم الثلاثاء نتنياهو ميزة إضافية، بناءً على الدعم المحتمل من منافسه القومي المتطرف نفتالي بينيت، الذي كان وزير دفاعه، لكن التوقعات المعتدلة أشارت إلى طريق مسدود حتى مع دعم بينيت المرتقب، حيث تم تقسيم مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعداً بالتساوي بين المعارضين المحتملين لنتنياهو وأنصاره.
كما أظهرت الاستطلاعات أن المعارضة الإسرائيلية قدمت أداءً أفضل مما كان متوقعاً، وانخفض الدعم لليكود، بعد أن سلّط منتقدو نتنياهو الضوء على اتهامات بالفساد ضد زعيم الحكومة الأطول خدمة في تاريخ إسرائيل واتهموه بالفشل في التعامل مع الوباء وتبعاته الاقتصادية.
ويدعي نتنياهو على وسائل التواصل الاجتماعي، بتحقيق "انتصار كبير" على مجموعة من أحزاب اليسار والوسط واليمين، التي حاولت الإطاحة به، ولم يكرر الادعاء في خطاب ألقاه ليلة الانتخابات في تجمع لحزب الليكود، واكتفى بالقول إن عدد مقاعده المتوقع في البرلمان، حوالي 30 "إنجاز عظيم"، مضيفاً: "من الواضح أن غالبية الإسرائيليين من اليمين، ويريدون حكومة قوية ومستقرة من اليمين".
مهمة شاقة أمام نتنياهو لبناء ائتلاف يميني متماسك
لكن بينما يبدو أن الليكود احتفظ مرة أخرى بمكانته كأكبر حزب داخل الكنيست الإسرائيلي، فإن الطريق إلى تشكيل تكتل الأغلبية لم يكن واضحاً على الإطلاق.
وتُظهر الاستطلاعات الأولية أن تكتل اليمين بقيادة نتنياهو لم يصل بعد إلى 61 أو 62 مقعداً كما قيل في بداية ظهور نتائج الاستطلاعات، وأنه بدلاً من ذلك لا يزال عند حاجز 59 مقعداً، ولا يزال بحاجة إلى مقعدين حتى يصل إلى "الصدارة الطفيفة".
وإذا لم تكسر محادثات بناء ائتلاف حاكم الجمود، يمكن أن يتجه الناخبون الإسرائيليون نحو انتخابات خامسة. وبإمكان حزب "يمينا" اليميني الصغير، بقيادة نفتالي بينيت الموالي السابق لنتنياهو، أن يضمن للأخير البقاء في السلطة. لكن "يمينا" لم يعلن صراحة حتى الآن موقفه من نتنياهو أو من أحزاب المعارضة التي تسعى للإطاحة به.
ولم يعلن بينيت موقفه بشكل واضح من التحالف مع نتنياهو، وقال في بيان عقب إغلاق مراكز الاقتراع والإعلان عن استطلاعات الرأي "سأفعل فقط ما هو جيد لدولة إسرائيل". وأكد على أنه أخبر نتنياهو أن حزب اليمين الجديد سينتظر النتائج النهائية قبل أن يقرر خطوته التالية.
لكن في الوقت ذاته، وخلال الحملة الانتخابية، قال بينيت إنه لن يخدم تحت قيادة زعيم محتمل لكتلة مناهضة لنتنياهو، "يائير لابيد"، رئيس حزب "يش عتيد". وبحسب الاستطلاعات احتل "يش عتيد" المركز الثاني بعد الليكود بـ18 مقعداً.
"انتصار تاريخي" لليمين الإسرائيلي المتطرف
ويقول محللون إنه رغم أن استطلاعات الرأي لم تظهر فائزاً واضحاً فإنها أظهرت انتصاراً كبيراً لليمين الإسرائيلي بشكل عام، لكن مسألة تشكيل ائتلاف يميني متماسك ستكون مهمة صعبة على نتنياهو.
لكن إذا ما تم تحالف نتنياهو مع بينيت ومجموعة من القوميين المتطرفين الآخرين (الحركة الكهانية) ستؤدي إلى واحدة من أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل. وتشير التوقعات إلى أن تحالف نتنياهو وبينيت سيضم زوجاً من الأحزاب الدينية الأرثوذكسية المتطرفة و"الصهاينة المتدينين"، وهو حزب يتسم قادته بالعنصرية والتطرف. أحد قادتها، إيتمار بن غفير، هو تلميذ الحاخام الراحل مئير كهانا، الذي صنفت الولايات المتحدة حزبه "كاخ" جماعة إرهابية بسبب عنصريته ضد العرب قبل اغتيال كاهانا في نيويورك عام 1990.
ويحذر صالح النعامي، الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية من "اندماج التيار الكهاني في نظام الحكم الصهيوني لأول مرة، بغض النظر إن كان سيشارك في الحكومة أم لا، وهو التيار الذي وضع مخططات لطرد الفلسطينيين، ويدعو لتدمير الأقصى ويدافع عن قتل العرب كونهم عرباً، ويجاهر بحماسه لإحراق الكنائس".
ويقول النعامي في تغريدة أخرى: "دلالة أن تصبح الحركة الكهانية ضمن النظام الصهيوني أكبر وأعمق بكثير من السماح لداعش بالتنافس في الانتخابات والتمثيل في البرلمانات العربية والإسلامية".
في السياق، يقول ستيفن زونس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة، إن "الانجراف العام نحو اليمين المتطرف في إسرائيل قوي للغاية ومقلق للغاية". ويضيف لقناة Aljazeera English: "إنه لأمر مدهش حقاً أن نرى إسرائيل -التي كانت خلال الثلاثين عاماً الأولى من وجودها يسيطر عليها بشكل ساحق تحالف يسار الوسط الذي صاغ نفسه على غرار الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا الغربية- أصبحت الآن في أيدي اليمين بقوة وشخصية سياسية فاسدة مثل نتنياهو"، قال زونس، من سانتا كروز في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
ولكن على الرغم من حقيقة أن نتنياهو قد عاد مرة أخرى إلى القمة، فإنه "لا تزال هناك مسافة طويلة بينه وبين الأغلبية المطلقة المكونة من 61 مقعداً"، كما يقول زونس. وفي النهاية، حتى لو نجح نتنياهو ببناء تكتل الأغلبية من 61 مقعداً لتشكيل الحكومة، ستكون هذه الحكومة "ائتلافية هشة" أخرى، وقد نرى الناس يعودون قريباً لصناديق الاقتراع مرة خامسة، وسيظل نتنياهو يماطل ويشتري الوقت في التهرب من المحاكمات بتهم الفساد، التي قد تودي به إلى السجن.