تصاعدت الدعوات في المملكة المتحدة لإلغاء نظام عضوية مجلس اللوردات البريطاني بالوراثة، باعتباره نظاماً إقطاعياً عفى عليه الزمن.
وقال مترشحان لمنصب رئيس مجلس اللوردات، إنَّ نظام النبلاء الوراثي قد تجاوزه الزمن، ولا بد من إلغائه، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وأضاف النبيلان في مداخلتيهما أنَّ الدوقات والإيرلات والبارونات الـ85 الأعضاء في المجلس بحكم الحق المُكتَسَب بالولادة "يحطون من قدر" الديمقراطية، ولا يمكن تبرير الأمر.
مجلس اللوردات البريطاني تركيبة معقدة، وسلطات دقيقة
تعود جذور مجلس اللوردات البريطاني إلى عهد مملكة إنجلترا التي نشأت عام 927 من توحد مختلف الممالك الأنجلوساكسونية، عندما تم دعوة ما يعرف بالمجلس العظيم، وهو تجمُّع ضمَّ قادة الكنيسة وملاك الأراضي الأثرياء لمناقشة شؤون البلاد مع الملك، ومع تطور الديمقراطية البريطانية تراجعت سلطات مجلس اللوردات مع الزمن مقابل تزايُد سلطات مجلس العموم.
وحالياً، مجلس اللوردات يدقق في مشاريع القوانين التي وافق عليها مجلس العموم، ويقوم بانتظام بمراجعة وتعديل مشاريع القوانين القادمة من مجلس العموم، في حين أنه غير قادر على منع تمرير مشاريع القوانين، إلا في ظروف محدودة معينة، فإنه يمكن أن يؤخر مشروعات القوانين ويجبر مجلس العموم على إعادة النظر في قراراته، وبهذه الصفة يعمل مجلس اللوردات كرقابة على مجلس العموم بشكل مستقل عن العملية الانتخابية.
وعضوية مجلس اللوردات تنقسم إلى عدة أنواع، منها اللوردات الروحيون، وهم الأساقفة البالغ عددهم 26 من كنيسة إنجلترا، والذين يخدمون في مجلس اللوردات، والنبلاء المعينون (يكتسبون هذه الصفة بقرار ملكي وليس الوراثة)، والنبلاء بالوراثة، أي الذين ورثوا العضوية بحكم الألقاب الوارثية التي يحملونها.
عدد أعضاء مجلس اللوردات غير ثابت، ولكنه حالياً به 800 عضو، وهو ثاني أكبر غرفة تشريعية في العالم بعد المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني.
كانت العضوية ذات يوم استحقاقاً لجميع النبلاء بالوراثة في المملكة المتحدة باستثناء أيرلندا (إجمالي عدد النبلاء في بريطانيا حالياً 814 وهي طبقة تعود جذورها لأكثر من ألف عام)، لكن قانون مجلس اللوردات لعام 1999 قصرها على 92 من النبلاء بالوراثة، وجعل عملية اختيارهم تتم عبر انتخابات داخلية بين النبلاء بالوراثة.
ونتيجة لذلك خفض القانون أعضاء مجلس النواب من 1330 في أكتوبر/تشرين الأول 1999 إلى 669 في مارس/آذار 2000، وكنتيجة أخرى للقانون أصبح غالبية اللوردات الآن من النبلاء المعينين من قبل الملكة، بتوصية من رئيس الوزراء، كما يسمح رئيس الوزراء لقادة الأحزاب الأخرى بترشيح بعض الأعضاء من أجل الحفاظ على التوازن السياسي في مجلس اللوردات. علاوة على ذلك، يتم ترشيح بعض الأعضاء غير الحزبيين (العدد الذي يحدده رئيس الوزراء) من قبل لجنة التعيينات المستقلة في مجلس اللوردات.
نبلاء الوراثة يكلفون بريطانيا أكثر من المعينين
وجد تحقيق لصحيفة The Times أنَّ نبلاء الوراثة يكلفون دافعي الضرائب البريطانيين أكثر من النبلاء المُعيَّنين مدى الحياة، ويسهمون بشكل أقل منهم.
ووفقاً لتحليل البيانات الأكثر تفصيلاً حتى الآن:
– كلَّف نبلاء الوراثة دافعي الضرائب نحو 50 مليون جنيه إسترليني (69.4 مليون دولار) من نفقات المطالبة (النفقات التي تُدفَع أثناء تأدية العمل) منذ عام 2001.
– بلغ متوسط عدد مرات تحدث نبلاء الوراثة في المجلس 50 مرة فقط في السنوات الخمس الماضية، مقارنةً بـ82 مرة بين النبلاء المعينين مدى الحياة. وحين يتحدثون، فإنَّهم أكثر احتمالاً بنسبة 60% لذكر أعمالهم أو مصالحهم الشخصية.
كان من المفترض أن يكون وجود نبلاء الوراثة حلاً وسطاً مؤقتاً بعد إقصاء معظمهم عام 1999، لكن بعد مرور عقدين من الزمن لا يزالون يحتفظون بحق تشريع قوانين أو إدخال تعديلات عليها، ويحصلون على 323 جنيهاً إسترلينياً (448 دولاراً) يومياً مُعفاة من الضرائب، فضلاً عن نفقات السفر، مقابل عملهم البرلماني.
قالت البارونة هايتر، بارونة بلدة كينتش -التي تترشح هذا الأسبوع لرئاسة المجلس إلى جانب لورد ألدردايس ولورد مكفول من ألكويث- إنَّ نبلاء الوراثة "ليسوا شيئاً يقبله الجمهور البريطاني اليوم".
كيف يتم انتخاب نبلاء الوراثة؟
قالت هايتر إنَّ الانتخابات التكميلية، التي يُعوِّض بها نبلاء الوراثة أعدادهم حين يموت أو يتقاعد أحد الأعضاء "خاطئة"، إذ لا يحق التصويت فيها إلا لأعضاء نفس الحزب الذي كان ينتمي إليه الراحل، وقد ظلَّ عدد نبلاء كل حزب ثابتاً عند مستويات عام 1999، ما يعني أنَّ بعض الانتخابات لا يكون عدد المصوّتين فيها إلا ثلاثة فقط.
وقد توقفت المنافسات الانتخابية مؤقتاً بسبب الجائحة. وقالت هايتر إنَّ المجلس يجب أن يصوت على استئناف كل المنافسات الانتخابية من عدمه. ودعا لورد ألدردايس، مرشح حزب الديمقراطيين الأحرار، إلى تعليق المنافسات الانتخابية بشكل دائم، قائلاً إنَّه يجب ترك نبلاء الوراثة "يتلاشون".
وقال مكفول، المرشح الأخير، إنَّه "معجب" بعمل أولئك الذين يدعون للإصلاح، وإنَّ الانتخابات التكميلية صارت "عبثية".
وحثَّ المرشحون الثلاثة رئيس الوزراء بوريس جونسون على تسريع الإصلاحات، قائلين إنَّ الأمر منوط بالحكومة لاستعادة الثقة في الحياة السياسية من خلال تحديث المجلس. وتجعل عضوية مجلس اللوردات، التي تتجاوز 800 عضو، منه ثاني أكبر مجلس تشريعي في العالم بعد المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني.
وفي المجلس، تُعد كتلة نبلاء الوراثة كبيرة، وتتباهى بامتلاكها نواباً أكثر من نواب أحزاب ويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية مجتمعة، بالإضافة إلى حزب الديمقراطيين الأحرار وحزب الخضر.
يمتلكون ما يعادل نصف مساحة لندن
مع ذلك، يُعد عددهم من بين الأقل في بريطانيا الحديثة. وكلهم من ذوي البشرة البيضاء، ونصفهم تقريباً ارتاد مدرسة إيتون الداخلية، ومتوسط أعمارهم هو 71 عاماً، ويمتلكون 170 ألف فدان على الأقل مجتمعين، ما يعادل تقريباً نصف مساحة لندن الكبرى.
وتعود حقيقة أنَّهم كلهم رجال إلى فكرة البكورة الذكورية، والتي تعني أنَّ الألقاب الأرستقراطية تذهب تلقائياً إلى الابن البكر، ومن بعده أقرب الأقارب من الذكور. وقد تخلَّت العائلة الملكية عن هذه الممارسة عام 2013.
تعود أقدم الألقاب المُمثَّلة في مجلس اللوردات إلى أكثر من 700 سنة، ويصل إجمالي السنوات التي تمتعت فيها عائلات نبلاء الوراثة الـ85 الحاليين، مجتمعة، بعضوية المجلس إلى نحو 19 ألف سنة.
جزء من تاريخ بريطانيا، وأقل تحزباً
ويقول أولئك الذين يدافعون عن هذا النظام إنَّ العائلات تُشكِّل جزءاً من التاريخ البريطاني وأقل تحزُّباً من النبلاء المختارين من جانب قادة الأحزاب، لكنَّ تحليل صحيفة The Times يشير إلى أنَّ عدداً كبيراً من الأعضاء الـ85 (ومعظمهم محافظون) يضغطون بشكل غير متناسب من أجل مصالحهم.
ومن هؤلاء لورد بالمر (69 عاماً)، وهو مساهم بـ"الشركة البريطانية الأمريكية للتبغ"، وقال إنَّ الاقتصاد "سينهار حرفياً" إذا حُظِر التدخين، ودعا لفرض قواعد تنظيمية أخفّ بشأن عبوات التبغ الآن بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي.
ويُعَد لورد كارينغتون (73 عاماً) من بين عدد كبير من ملاك الأراضي الذين كثيراً ما تركز مشاركتهم في النقاشات ومراجعات التشريعات على مسألة دعم الحكومة للزراعة.
لكنَّ الكثير من نبلاء الوراثة أنفسهم يفضلون وضع حد لوجودهم في المجلس. فقال إيرل كلنكارتي (68 عاماً)، وهو مستقل، إنَّه يفضل وجود مجلس لوردات يتألف من 80 عضواً يكونون جميعاً "منتخبين من خلال نظام تمثيل نسبي، ويمثلون مختلف مناطق المملكة المتحدة".
وقال جاك سترو (74 عاماً)، الذي كان وزيراً للداخلية إبَّان الكشف عن الإصلاحات الرامية لتقليص عدد نبلاء الوراثة مع الإبقاء على 92 منهم: "لم يكن أيٌّ منا سعيداً كثيراً بهذا، أعني أنَّه لم يكن حلاً وسطاً رائعاً".
وقالت البارونة جاي، بارونة بادينغتون (81 عاماً)، وهي رئيسة مجلس اللوردات آنذاك، إنَّها ظنَّت "بسذاجة" أنَّ الإصلاحات ستكون "نقطة انطلاق" نحو تغييرٍ أوسع.
وقال متحدث باسم مجلس اللوردات: "إنَّ مجلس اللوردات مجلس فاعل ونشط، يحسن التشريعات ويُسائل الحكومة، ويأخذ كل الأعضاء -بما في ذلك المنتخبون لشغل أحد المقاعد ضمن مقاعد نبلاء الوراثة الـ92 المتبقية- عملهم على محمل الجد، ويصيغون ويصوتون على القوانين التي تؤثر علينا جميعاً".