قد تمثل الجهود الرامية لإحلال السلام في اليمن وآخرها المبادرة السعودية، خبراً سيئاً في طهران، كما تمثل جهود التسوية هذه اختباراً فاصلاً لطبيعة التحالف بين إيران وميليشيات الحوثيين.
وعلقت إيران على المبادرة التي أطلقتها السعودية لوقف إطلاق نار وإطلاق تسوية في اليمن بالقول "إن طهران على استعداد لدعم أي مبادرة سلام تكون قائمة على إنهاء العدوان ووقف شامل لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال ورفع الحصار الاقتصادي والبدء بمفاوضات سياسية"، مضيفة أنه على "اليمنيين تقرير مستقبل بلادهم من دون تدخل أجنبي".
وأضافت أنه "على الرغم من المزاعم العديدة بإيقاف دعم الحرب، إلا أن تدفق الأسلحة إلى التحالف العربي، بما في ذلك الدعم الفني اللازم، مستمر، وزعمت أن هناك خبراء عسكريين من بعض الدول يعملون إلى جانب السعوديين في الحرب على اليمن" (في إشارة للغرب).
المستفيد الأكبر من حرب اليمن
يستثمر قادة طهران بقوة في الحرب في اليمن، من خلال المعرفة التقنية وتوفير الأسلحة على مدى سنوات الحرب الست، بجانب رأس المال السياسي عبر التحالف الوثيق بين إيران وميليشيات الحوثيين..
فمع استمرار الحرب جرى تصوير الحوثيين بأنهم قوات تمرد من السكان الأصليين قدموا من جبال اليمن، في مواجهة السعودية الغازية.
وفي ظل طبيعة التحالف بين إيران وميليشيات الحوثيين، وتعسر السعوديين وحلفائهم، فإن طهران هي أكبر مستفيد من الحرب، بالنظر لضآلة التكلفة التي تدفعها في مقابل الضغط الكبير لهذه الحرب على السعودية وعلى الدول الغربية الداعمة لها، خاصة من الجوانب الأخلاقية والمالية.
طبيعة العلاقة بين إيران وميليشيات الحوثيين.. تحالف أم تبعية؟
ومن الصعب تحديد طبيعة العلاقة بين إيران وميليشيات الحوثيين، وهل هي تحالف أم تبعية من الحوثيين لطهران.
فعلى عكس حزب الله (التابع مباشرة للمرشد الإيراني) فإن الحوثيين لا يمكن وصفهم بأنهم أتباع دينيون وسياسيون لإيران، رغم أنهم يعدون عضواً مهماً في المظلة الشيعية الواسعة التي تقودها إيران والتي يفضل أعضاؤها تسميتها محور الممانعة.
ورغم أن الحوثيين ينتمون إلى المذهب الجارودي وهو الأقرب في الشيعة الزيدية للمذهب الشيعي الاثني عشري، ورغم أنهم اقتربوا دينياً وسياسياً ولوجستياً بشكل كبير من إيران في العقود الأخيرة، فإن هناك خلافات بين المهتمين بالحوثيين حول حقيقة تحولهم للمذهب الشيعي الاثني عشري أم أنهم ازدادوا اقتراباً منه فقط.
وبالتالي فليس هناك مؤشرات قوية على أنهم يتبعون مرجعية خامنئي الدينية على الرغم من وضوح إعجابهم بالنموذج الإيراني وزعاماته خاصة قائد الثورة الإيرانية الخوميني والمرشد الحالي علي خامنئي، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
ولذا يمكن وصف الحوثيين بأنهم جزء من المظلة الشيعية التي تقودها إيران وأنهم بمثابة حلفاء غير مساوين لإيران، حلفاء يتأثرون بالموقف الإيراني والتوجهات الإيرانية، ولكن ليس بالضرورة أنهم يطبقون الأوامر الإيرانية بنفس دقة حزب الله.
ويمكن اعتبارهم مرحلة وسطى بين الحلفاء غير المتساويين والأتباع لطهران.
لماذا يمثل اليمن أهمية بالغة لطهران؟
تسعى إيران لأن تحصل لنفسها على موطئ قدم أكبر في اليمن خاصرة السعودية والعالم العربي، بل هو خاصرة العالم أجمع بفضل سواحله المطلة على مضيق باب المندب.
وفي ظل العلاقة الحالية بين إيران وميليشيات الحوثيين، وفشل السعوديين في حسم الحرب بعد سبع سنوات من القنال تعتقد طهران أنها تفوقت على السعودية والولايات المتحدة في هذا الملف، حسب وصف صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
وسعت إيران في البداية لاستخدام الحرب هناك لتكون مرحلة تجريبية للذخائر الجديدة، وقدمت خبراتها على صعيد الصواريخ الباليستية طويلة المدى، وتطوِّر كذلك الطائرات المسيرة للحوثيين.
ويُعتقد أن العلاقة العسكرية بين إيران وميليشيات الحوثيين، وفرت فرصة لطهران لتطوير الطائرات المُسيّرة والصواريخ المتعددة عبر خوضها معارك واقعية في اليمن.
المرشد يبدو أنه يريد استمرار حرب اليمن
ومن أجل استيعاب الطريقة التي سعت بها إيران لاستغلال الحرب في اليمن، يمكن للمرء أن ينظر إلى تقارير وسائل الإعلام الإيرانية. يعرض هذا النظام دعمه عن طريق الاحتفاء بكل هجمة للحوثيين بالطائرات المُسيرة ضد السعودية، باعتباره نجاحاً. بل ينشر أحياناً روايات الحوثيين حول استهداف السعودية، عندما تتكشف الهجمات. ويجري كذلك مقابلات مع قادة الحوثيين لإرسال رسائل إلى الولايات المتحدة والسعودية بشأن التهديدات القادمة.
ولكن تغريدات نشرت مؤخراً للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي تظهر طبيعة العلاقة بين إيران وميليشيات الحوثيين أو على الأقل نظرة طهران لهذه العلاقة، وكيف تحاول استغلالها لمصالحها الخاصة.
إذ كتب المرشد الأعلى مساء الأحد 21 مارس/آذار: "بدأ السعوديون الحرب على اليمن بضوء أخضر ومساعدة عسكرية كبيرة من حكومة أوباما الديمقراطية، بهذا التصوّر: إلقاء ما يكفي من القنابل على رؤوس الشعب اليمني الأعزل! فيجعلونهم يستسلمون في شهر مثلاً".
من المثير للاهتمام أنه أشار إلى إدارة أوباما تحديداً وإلى الحزب الديمقراطي على وجه الخصوص، وكأنه يحاول إفساد مساعي إدارة بايدن لوقف الحرب بعد أن خفّضت بالفعل من دعمها للعملية العسكرية السعودية في اليمن.
وأضاف في تغريدته: "الآن مرّت ستّ سنوات ولم يتمكّنوا من إرضاخ هذا الشعب"، وذلك في إشارة إلى الحوثيين. وتابع قائلاً: "لقد ارتكبوا خطأ كبيراً". وواصل حديثه مطالباً بإخضاع الولايات المتحدة للمساءلة فيما يتعلق بإعطاء الضوء الأخضر للرياض في 2015.
وكتب في تغريدات أخرى: "أنتم، الأمريكيّين، هل كنتم تعلمون ما البلاء الذي كنتم تُدخلون السعودية فيه؟ إن كنتم تعلمون، فويلٌ لحلفائكم على تصرّفكم معهم بهذه الطريقة! وإن كنتم لا تعلمون، فويلٌ لحلفائكم الذين يثقون بكم وينفذون ويصممون خططهم بالتوافق معكم".
تُقدم التغريدات وجهة نظر مثيرة للاهتمام حول قيادة إيران وسياستها في اليمن.
فعلى أحد الأصعدة، يصور هؤلاء كيف أنهم يلومون الولايات المتحدة على الحرب السعودية في اليمن.
وتشير تغريدات المرشد إلى استغلال واضح للحرب في اليمن في صراع إيران مع السعودية.
ولكن الأخطر أن تأكيده على صعوبة خروج السعودية من ورطة اليمن، وعدم ترحيبه، أو حتى إشارته لجهود تحقيق تسوية سلمية التي تصاعدت مؤخرا، أمر يؤكد استنتاج توصل إليه كثير من المحللين، وهو أن "إيران لن ترحب بأي تسوية في اليمن تسبق حل أزمة ملفها النووي".
لأنه بين كل الملفات التي تمسك بها في المنطقة، فإن حرب اليمن هي الأداة الأقل كلفة لإيران التي تضغط بها على السعودية، حليف الولايات المتحدة الأكبر، ووجود حرب اليمن في المعادلة سيحسن أوراق طهران التفاوضية في ملفها النووي.
والآن، يبدو أن إيران تشهد انتكاسات للقوات اليمنية التي دعمتها في مأرب. فضلاً عن أن الفوضى في عدن لم تساعدها كذلك في مساعيها.
"فيتنام العرب".. اليمن من أسباب هزيمة مصر في حرب 67
توحي رسائل إيران بأنهم يعتقدون أنهم وضعوا السعوديين في مأزق. وبحسب كلمات المرشد الأعلى، الحملة التي بدت سهلة صارت "مستنقعاً"، وتريد إيران أن تبقيها هكذا. ليست هذه المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الحرب في هذا البلد العربي الجبلي.
دخلت مصر هي الأخرى اليمن في ستينيات القرن الماضي، ووجدت نفسها في مستنقع لا يختلف عن مستنقع فيتنام الذي دخلت فيه أمريكا، وهو ما يُزعم أنه أضر بقدراتها على تحريك قواتها لمواجهة إسرائيل في عام 1967، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
ويوحي تلميح إيران بأن الرياض لا تستطيع تخليص نفسها الآن، أن طهران تريد الإبقاء على السعودية في اليمن، ومحاصرتها واختبار طائراتها المسيرة وصواريخها على السعودية. فالرسالة واضحة. تأمل إيران أن تثبت حرب الوكالة قدرتها على أن تكون حرباً فاصلة، وأنها قادرة حينئذ على استخدام نفس التكتيكات التي استخدمتها في اليمن ضد الولايات المتحدة في المنطقة، وضد حلفائها وشركائها، ومن بينهم إسرائيل.
ولكن الأخطر أن مواقف المرشد قد يمكن الاستنتاج منها أن طهران قد تعرقل جهود تسوية الأزمة اليمنية، وآخرها المبادرة السعودية الأخيرة لتحقيق السلام في اليمن.
وسيمثل ذلك اختباراً حقيقياً لطبيعة العلاقة بين إيران وميليشيات الحوثيين، وهل يرضخون لرغبة طهران في جعل الدماء اليمنية أداة مساومة في أزمة الملف النووي الإيراني، أم سيحقنون دماءهم ودماء اليمنيين ويجنحون للسلم.