كشفت التوقعات الأولية لاستطلاعات الرأي بعد الانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال عامين عن تحقيق حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقدماً، لكن النتائج لا ترسم لتحالف نتنياهو اليميني ولا للكتلة المتنوعة من أحزاب المعارضة طريقاً واضحاً لتحالف أغلبيةٍ يتمكن من تشكيل حكومة مستقرة، ما أوجد حالة من جمود الموقف التي يمكن أن تطيل أمد المأزق السياسي في إسرائيل لأسابيع، إن لم يكن شهوراً.
النتائج المبكرة للانتخابات الإسرائيلية تفرض تحديات كبيرة على قادة الأحزاب المتنافسين
جاءت النتائج المبكرة صباح يوم الأربعاء 24 مارس/آذار تحمل تغييرات عن استطلاعات الرأي الأولية بعد الانتخابات، ومن ثم تغيرات في التوقعات المبنية عليها.
وأظهرت نتائج الفرز الأولية لأصوات انتخابات الكنيست تقدم معسكر نتنياهو، لكن دون أغلبية حتى الآن لتشكيل حكومة، إذ بينت النتائج (بعد فرز 90% من الأصوات) حصول نتنياهو والأحزاب المتحالفة معه حتى الآن على 52 مقعداً، و59 مقعداً حال نجح في إقناع حزب "يمينا" (فاز بـ7 أصوات) برئاسة نفتالي بينيت في الانضمام إلى حكومته.
بموجب القانون، فإن الحكومة يجب أن تحظى بثقة 61 عضواً على الأقل بالكنيست المؤلف من 120 مقعداً، وما زال فرز النتائج مستمراً في إسرائيل، مع تغير مستمر في عدد المقاعد للأحزاب المختلفة.
وحذّر نتنياهو بعد هذه النتائج، من انتخابات خامسة، في حال لم تتشكل حكومة مستقرة برئاسته، وذلك قبل أن يعلن عنها بشكل رسمي الأسبوع المقبل. نتنياهو وفي سلسلة تغريدات على تويتر، قال: "في الأيام المقبلة لن أدّخر جهدي في التحدث مع جميع أعضاء الكنيست (البرلمان) لإحضار حكومة مستقرة إلى إسرائيل"، مضيفاً: "هذا ما يتوقعه منا مواطنو إسرائيل، منع الانتخابات الخامسة وتشكيل حكومة جيدة ومستقرة لإسرائيل".
في إشارة إلى حزب "الليكود"، الذي يتزعمه نتنياهو، والذي حصل على 30 مقعداً، قال: "جعلنا الليكود أكبر حزب في إسرائيل بهامش كبير جداً".
ما الذي يستطيع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد فعله للإطاحة بنتنياهو؟
وفي حديثه عن حزب "هناك مستقبل" برئاسة يائير لابيد الذي حصل على 17 مقعداً، قال نتنياهو إن "هذه هي الفجوة الأكبر بين حزبين رئيسيين في إسرائيل في العقود الماضية".
بناءً على النتائج الأولية للانتخابات، برز اسم يائير لابيد، السياسي يصنف نفسه "وسطياً" والإعلامي الشهير في وقت سابق، كزعيم معارضة قوي في إسرائيل، ومع ذلك، فإن لابيد على يبدو، على الأقل في الوقت الحالي، قد فشل في تحقيق هدفه المتمثل في تشكيل ائتلاف ليبرالي يطيح رئيس وزراء بنيامين نتنياهو من السلطة، كما يقول تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
يُذكر أن لابيد في سعيه للإطاحة بخصمه نتنياهو، فعل ما يعتبره العديد من السياسيين أمراً غير وارد التفكير به. إذ تعهد لابيد "بألا يصرّ على تولي رئاسة الوزراء إذا كان ذلك سيُكشل عقبةً أمام الإطاحة بخصمه اليميني".
لكن هذا التعهد الذي حاول لابيد إظهار نوع من "التواضع" فيه، لم يكن دافعُه "إبداء النُبل"، كما تقول نيويورك تايمز، فقد كان لابيد يدرك جيداً الصعوبات التي يغلُب أن يواجهها فيما يتعلق بإقناع الأحزاب الأخرى المعارضة لخصمه نتنياهو بدعمه زعيماً لتحالف بديل.
واثنان من شركاء لابيد المحتملين في الائتلاف المعارض، هما جدعون ساعر، الوزير اليميني السابق الذي استقال مؤخراً من حزب الليكود، ونفتالي بينيت، زعيم حزب "يمينا" اليميني، اعتبروا أنفسهم أجدر بالترشح لمنصب رئيس الوزراء، على الرغم من الحجم المتواضع نسبياً لحزبيهما. وفي حين تعهد بينيت قبل الانتخابات بأنه لن يشارك في حكومة يقودها لابيد، الذي يعتبره يسارياً أكثر من اللازم، قال ساعر، على الجانب الآخر، إنه سيكون على استعداد للتناوب مع لابيد في قيادة الحكومة.
أما نتنياهو فقد ركز حملته الانتخابية على أنها منافسة وجهاً لوجه ضد لابيد، واصفاً السباق أنه بين اليمين واليسار، وازدرى خصمه باعتباره "لا يتمتع بثقل يذكر".
حزب لابيد عامل رئيسي حاسم في تشكيل الائتلاف الذي سيحكم إسرائيل
في المقابل، تقول صحيفة نيويورك تايمز إن لابيد أدار حملة انتخابية "هادئة" ركزت على الدعوات للحفاظ على "الديمقراطية الليبرالية" وإحباط هدف نتنياهو المعلن بتشكيل حكومةٍ مكونة من أحزاب يمينية ودينية، تعتمد على الحاخامات الأرثوذكس المتطرفين ومنتسبي اليمين المتطرف.
وفي حديثه إلى نشطاء الحزب قبل الانتخابات، وصف لابيد التحالف الحاكم الذي يريد نتنياهو تشكيله، ويعمل هو على منعه، بأنه "حكومة متطرفة، ومعادية للمثليين، وشوفينية، وعنصرية، ومعادية للديمقراطية". وأضاف: "إنها حكومة لا تمثيل فيها للعمال، ولا الأشخاص العاديين الذين يدفعون الضرائب ويؤمنون بسيادة القانون"، بحسب تعبيره.
كما دعا لابيد إلى حماية القضاء من نتنياهو، الذي يُحاكم بتهم فساد والذي ينوي، مع حلفائه اليمينيين والدينيين المتطرفين، الحدَّ من سلطات المحكمة العليا.
عندما كان وزيراً للمالية في الحكومة التي قادها نتنياهو وشكّلها في عام 2013، أجرى لابيد تغييرات تهدف إلى "تقاسم العبء القومي" على نحو متساوٍ بين التيار الرئيسي من الإسرائيليين والأرثوذكس المتطرفين الذين يختارون دراسة التوراة بدوام كامل على العمل والخدمة العسكرية، ويعتمدون من أجل ذلك على مدفوعات الرعاية والتبرعات الخيرية. غير أن سياسات لابيد تراجعت عنها الحكومات المتعاقبة بعده.
خاض حزب لابيد، "يش عتيد"، الانتخابات الثلاثة الأخيرة في تحالف يدعي أنه "وسطي" مكون من 3 أحزاب، يسمى تحالف "أزرق أبيض"، ويقوده بيني غانتس، رئيس أركان الجيش السابق. ومع ذلك، فقد انفصل لابيد عن ائتلاف "أزرق أبيض" بعد أن تراجع غانتس عن وعد انتخابي أساسي وانضم إلى نتنياهو لتشكيل حكومة وحدةٍ غير مستقرة بعد انتخابات العام الماضي.
وتقول الصحيفة الأمريكية إن "لابيد بعد أن حظي بمسيرة ناجحة للغاية في العمل صحفياً ومضيفاً تلفزيونياً شهيراً، برز مفاجأةً في انتخابات عام 2013 عندما تجاوز حزبه التوقعات وحصل على المركز الثاني، ما جعله العامل الحاسم الرئيسي في تشكيل الائتلاف الذي سيحكم". أما والده، يوسف لابيد، فهو "شخصية وقحة في صراحتها وعدائها للدين، وقد ترأس أيضاً حزباً وسطياً وشغل منصب وزير العدل. ووالدته شولاميت لابيد روائيةٌ معروفة".
كيف وصل يائير لابيد إلى السلطة، وما رؤيته لحل الصراع مع الفلسطينيين؟
كان لابيد قد وصل إلى السلطة على خلفية احتجاجات المطالبة بالعدالة الاجتماعية في عام 2011 بعد أن مثّل صوتاً للطبقة الوسطى المتعثرة في أوساط الانتخابات الإسرائيلية المستقطبة بين يمين ويسار، ويرفع حزب لابيد شعارات "العدالة الاجتماعية للطبقة الوسطى" بالذات وصور نفسه كممثل لها، رغم أن ثروته تقدر بأكثر من 22 مليون شيكل.
وفيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد تمسك بالأرضية التي يقف عليها التيار الرئيسي من الإسرائيليين، وعبّر عن مواقف يمينية تندرج تحت الإجماع اليهودي الإسرائيلي.
إذ يؤيد حل الدولتين والانفصال عن الفلسطينيين، كضمان "لبقاء إسرائيل ذات أغلبية يهودية"، لكنه في الوقت نفسه "لا يقبل بحدود 67، ويؤمن بوجوب إبقاء كتل استيطانية كبيرة ضمن حدود إسرائيل"، كما أنه ينادي بالتجنيد الإجباري لليهود المتدينين والعرب.
وعُرف لابيد بمواقفه العنصرية تجاه المواطنين العرب في إسرائيل، وصرح قبل سنوات بأنه "لن يجلس في المعارضة إلى جانبهم". وفي إحدى مبادراته كوزير للمالية لحل أزمة السكن من خلال منح إعفاء ضريبي، اقترح "استثناء العرب من هذا الحق"، حيث لم يكمل هذا التشريع بسبب حل الحكومة.