للمرة الأولى خلال القرن الحالي تجرى انتخابات عامة في إسرائيل وفلسطين في وقت متقارب، ورغم الاختلافات الكبيرة بين الانتخابات هنا وهناك، فإن الفلسطينيين يترقبونها هذه المرة بصورة مختلفة لأن نتائجها تؤثر عليهم في الناحيتين.
ويعود الناخبون إلى صناديق الاقتراع في إسرائيل للمرة الرابعة في غضون عامين، بعد أن فشلت الانتخابات الثلاثة الماضية في ميلاد حكومة تحظى بالدعم الكافي للاستمرار في الحكم وذلك بسبب تمسك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالبقاء في منصبه، تفادياً لمصير مجهول، إذ يواجه اتهامات بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة.
وسيكون التصويت الثلاثاء 23 مارس/آذار الجاري في تلك الانتخابات بمثابة الفرصة الأخيرة لنتنياهو، بحسب مراقبين، للفوز بأغلبية تجعله يتمكن من تشكيل الحكومة هذه المرة، لكن استطلاعات الرأي العامة لا تبشر بالخير بالنسبة له.
على الجانب الآخر، من المقرر إجراء الانتخابات الفلسطينية في مايو/أيار المقبل، وهي الانتخابات الأولى منذ 2007 بعد أن تسبب الصراع العنيف بين حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، وحركة فتح أو السلطة الفلسطينية التي تتمتع بحكم ذاتي محدود على أجزاء من الضفة الغربية في إبقاء الأوضاع على حالها دون انتخابات.
الفلسطينيون في إسرائيل
ونبدأ من عرب إسرائيل الذين يمثلون 20% من سكانها البالغ تعدادهم 9 ملايين نسمة، يمثلهم حالياً في الكنيست أو برلمان إسرائيل 15 عضواً من إجمالي 120 عضواً، لكن استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن تمثيل الفلسطينيين أو عرب 1948 سينخفض هذه المرة إلى ما بين 9 و10 مقاعد فقط.
ويرجع السبب في هذا الانخفاض المتوقع إلى دخول عرب إسرائيل الانتخابات هذه المرة بقائمتين متنافستين على عكس المرة الماضية، ويتبادل أطراف "القائمة المشتركة"، وهي الجبهة الديمقراطية للسلام، والقائمة العربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي، من جهة، والقائمة العربية الموحدة (الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية) من جهة أخرى، الاتهامات بشأن المسؤولية عن هذا التراجع المحتمل.
فالقائمة العربية الموحدة (الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية)، برئاسة النائب منصور عباس، ستخوض الانتخابات القادمة منفردة، فيما تخوض باقي الأحزاب الانتخابات ضمن القائمة المشتركة، وجاء قرار خوض الانتخابات ضمن قائمتين، بعد أسابيع من الاتهامات المتبادلة بين الأطراف، دون أن تتمكن المساعي العديدة من الإبقاء على وحدة القائمة المشتركة.
وتُشير استطلاعات الرأي العام في إسرائيل إلى أن "القائمة المشتركة" بتركيبتها الحالية، ستحصل على ما بين 9-10 مقاعد بالكنيست، دون أن تتمكن القائمة الأخرى (العربية الموحدة)، من تجاوز نسبة الحسم البالغة 3.25% من أعداد المشاركين بالانتخابات.
وقال النائب أحمد الطيبي، رئيس القائمة العربية للتغيير للأناضول: "بسبب انفصال القائمة العربية الموحدة أو الحركة الاسلامية الجنوبية، فإنه ما من شك في أن الاستطلاعات تعطي أقل من 15 مقعداً التي كانت لنا في الماضي"، وأضاف: "هذا الانفصال غير مبرر على الإطلاق، ونعتقد أنه خاطئ، ويضر بمصالح الجماهير العربية وكان من الممكن تخطيه والتوصل إلى تفاهمات واتفاقات، ولكن يبدو أن القرار بالانفصال عن القائمة المشتركة تم اتخاذه قبل فترة طويلة".
ومن جانبها ترفض القائمة العربية الموحدة تلك الاتهامات، إذ قال النائب السابق والقيادي في القائمة مسعود غنايم للأناضول: "لم نكن نحن المسؤولين عما جرى، ولم نكن نحن من خرجنا من القائمة المشتركة، وإنما تعرضنا لحملة تشويه واسعة جداً"، واعتبر غنايم أن من "الأهمية بمكان الابتعاد عن المناكفات والاتهامات وتركيز الجهود على إقناع أكبر عدد ممكن من المواطنين بالمشاركة في الانتخابات".
وقال أيضاً: "أما وقد حصل ما حصل، فأعتقد أن وجود قائمتين يساعد بالتنافس الحضاري، فكل إنسان يصوّت للقائمة التي يعتقد أنها تمثله وتعبر عن مواقفه سواء السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية".
نتنياهو وأصوات عرب إسرائيل
كانت الخلافات ما بين مكونات القائمة المشتركة، قد برزت بعد أن سعى نتنياهو إلى محاولة إظهار قربه من رئيس القائمة العربية الموحدة، النائب منصور عباس، وقال وديع أبونصار، المحلل في الشؤون الحزبية، للأناضول: "لا شك أن نتنياهو سعى بقوة من أجل إحداث شرخ ما بين مكونات القائمة المشتركة".
وأضاف للأناضول: "أهداف نتنياهو واضحة وهي تفكيك القائمة المشتركة وخفض التصويت للأحزاب العربية، وإن أمكن حصول حزبه (الليكود) على جزء من الأصوات العربية".
وتخلل هذه المحاولات، زيارات قام بها نتنياهو إلى بعض المدن والبلدات العربية بداعي تشجيع السكان على تلقي لقاح كورونا ومن ثم إعلانه احتمال تعيين عربي كوزير في حكومته القادمة.
لكن اليوم الإثنين 22 مارس/آذار- قبل الانتخابات بيوم واحد- أجرى نتنياهو لقاءً صحفياً مع موقع "بانيت" العربي وقال فيه إنه يطرح قيام دولة فلسطينية منقوصة السيادة وإن السلام مع الفلسطينيين سيتحقق من خلال اتفاقيات السلام مع الدول العربية، في إشارة للتطبيع الذي تم بالفعل مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وجدد التأكيد على أنه ستكون هناك رحلات سفر مباشرة من تل أبيب إلى مكة لنقل الحجاج المسلمين.
وتأتي تصريحات نتنياهو في محاولة منه لاستمالة أصوات المواطنين العرب في إسرائيل، وفي هذا الصدد، وضع حزب الليكود لافتات في المناطق العربية، تُطلق على نتنياهو كُنية "أبو يائير"، في محاكاة للعادات الفلسطينية.
ورداً على سؤال حول السلام مع الفلسطينيين، قال نتنياهو في المقابلة مع الموقع العربي: "أعتقد أن هذا سيتحقق ولكن بشكل عكسي، من خلال اتفاقيات السلام مع الدول العربية أولاً". وأضاف: "لا أعتقد أننا لن نقيم علاقات مع الفلسطينيين، نحن الآن نُقيم علاقة مع السلطة الفلسطينية بما يتعلق بالتطعيمات (لقاح كورونا) لأننا نعيش في نفس المكان، وعلينا التعامل مع الأمر بصورة مسؤولة".
وقال رداً على سؤال إذا ما كان يقبل قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل: "ليس وفقاً للمفهوم المتطرف الذي يتطرق له الناس (قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة)، لأن السيطرة الأمنية يجب أن تبقى في أيدينا، وإلا فسنحصل على (حركة) حماس". وأضاف: "هذا يعني أن القوة السيادية الأمنية يجب أن تبقى بيد إسرائيل في المنطقة الصغيرة بين نهر الأردن والبحر (الأبيض المتوسط)، بغير هذا سنحصل على حماس والقاعدة وإيران، هذا ما سيحدث، وهذا عملياً ما حدث في الأماكن التي لم يكن فيها أمن قوي".
وفي هذا السياق، تتفق الأحزاب العربية في إسرائيل على أمر واحد وهو الوقوف ضد نتنياهو، وهذا ما عبر عنه الطيبي بقوله: "لن ندعم، بأي شكل من الاشكال، حكومة بنيامين نتنياهو الذي أدخل إليها أيضاً المرشح إيتمار بن غفير، العنصري والفاشي، ولا يمكن أن نؤيد نتنياهو وننقذه من المحكمة، كما يطالب هو نفسه، وكل من يتواصل معه يجد أن همه الأساسي هو الخروج من هذه المحكمة وإلغاؤها".
ورداً على تلميحات الطيبي، ضد القائمة العربية المشتركة، بأنها قد تدعم نتنياهو، أكد غنايم أن هذا الأمر "لن يحدث"، وقال في هذا الصدد: "القائمة العربية المشتركة لن تدعم أي مرشح، لا من اليمين ولا من اليسار، وهي لم ولن تكون في جيب نتنياهو، وليست ولن تكون محسوبة على نتنياهو ومعسكره ولن تدعمه".
ماذا عن نظرة الفلسطينيين لانتخابات سلطتهم؟
ونترك إسرائيل إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، لنجد أن كثيراً من الفلسطينيين، الذين كانوا أصغر من السن القانونية للتصويت في الانتخابات الأخيرة، يتوقون للتصويت في انتخابات مايو/أيار ويحلمون بقيادة فلسطينية جديدة وأكفأ مع فكرة أوضح عن كيفية تحقيق الدولة، إذ سجَّل أكثر من 93% من الفلسطينيين أسماءهم بالفعل للتصويت، وهي حقيقة يقول محللون إنها توضح الحماس الأولي لهذه العملية، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وفي هذا السياق، علَّق المحامي الفلسطيني صبحي خازندار للصحيفة قائلاً إنَّ الانتخابات "تشعره بالكثير من الحماس. فدائماً ما أقرأ في الصحافة عن كل هؤلاء الناس الذين يتحدثون باسم الشعب الفلسطيني أو الشباب الفلسطيني. لكننا لم نختَر أياً منهم".
لكن العديد من الفلسطينيين والنشطاء الحقوقيين الدوليين يحذرون من أنَّ الانتخابات الفلسطينية لن تقلب الموازين فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، وإلى جانب ذلك، لا يستطيع الفلسطينيون في الأراضي المحتلة التصويت في الانتخابات التي سيكون لها أكبر الأثر على حياتهم، وهي الانتخابات الإسرائيلية.
إذ بينما تسيطر حماس على الشؤون الداخلية لغزة وتحكم السلطة الفلسطينية بقيادة فتح أجزاء من الضفة الغربية، لا تزال إسرائيل هي التي تقرر العديد من الجوانب الحاسمة في الحياة الفلسطينية.
ففي الضفة الغربية، لا تزال إسرائيل تحكم بالكامل أكثر من 60% من الأراضي، وتسيطر على التحركات بين معظم البلدات التي يديرها الفلسطينيون، وكثيراً ما تشن غارات عسكرية حتى داخل الأماكن التي تخضع اسمياً لحكم أبومازن.
وعلقت إيناس عبدالرازق، مديرة المناصرة في معهد فلسطين للدبلوماسية العامة المستقل في رام الله، على ذلك بقولها لنيويورك تايمز: "لا يمكن لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال التصويت للأشخاص الذين يحكمون حياتهم اليومية ويسيطرون فعلياً عليها. هذه ليست ديمقراطية".
وقال مخيمر أبوسعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة: "يريد الشباب الفلسطيني التغيير، ويريدون حياة مختلفة. بينما سئم الإسرائيليون وتعبوا من التوجه إلى صناديق الاقتراع أربع مرات في غضون عامين، لم نحظَ نحن بانتخابات منذ 15 عاماً".
وفي غزة إذا انتُخِبَت حكومة وحدة خلفاً لحماس، فإنَّ القيادة الجديدة قد تنزع فتيل بعض التوترات، على الأقل مع إسرائيل، وتُحسِّن الظروف المعيشية، بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية، ومع ذلك يكمن تحت مشاعر الحماس الأولية تجاه الانتخابات الفلسطينية تشاؤم متزايد حول ما إذا كانت العملية ستؤدي إلى تغيير ذي مغزى.
إذ لم تتفق فتح وحماس على تفاصيل كيفية توحيد إدارتيهما ودائرتيهما الأمنية بعد الانتخابات. ويخشى المنتقدون أنه ما لم يتوصلوا إلى إجماع واضح مقدماً، فلن تتمكن الجماعتان أبداً من الالتفاف حول اتفاق؛ مما يسمح لهما بالاحتفاظ باحتكارات كل منهما على السلطة في غزة والضفة الغربية.
إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون المرشحون أكبر من 28 عاماً، وعلى كل قائمة حزبية تقديم إيداع بقيمة 20000 دولار، وهي قيود تستبعد معظم المشاركين المحتملين. وأصدر محمود عباس مؤخراً قرارات رئاسية يقول منتقدوها إنها تُقيِّد استقلال القضاء والمجتمع المدني.
ويعلق داوود غنام، 29 عاماً ومؤسس مساحة عمل مشتركة في رام الله: "يبدو أنها محاولة لإضفاء الشرعية على الأشخاص الذين كانوا في السلطة منذ وقت طويل". وأضاف لنيويورك تايمز: "في البداية كنا مثالاً رائعاً، لدينا انتخابات أخيراً.. ثم قرأنا التفاصيل، والآن لا نرى أي تغيير، بل ستكون مجرد عرض".