يتوجَّه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء 23 مارس/آذار 2021، للمرة الرابعة خلال عامين، على أمل كسر دوَّامة الانتخابات التي لا نهاية لها على ما يبدو والمأزق السياسي الذي تَرَكَ الدولة بدون ميزانية وطنية خلال جائحةٍ وبائية.
يأمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يمنحه برنامج التطعيم الإسرائيلي ضد كورونا، الأفضلية والأغلبية المستقرة، التي يسعى إليها هو وحلفاؤه اليمينيون، والتي ثبت أنها بعيدة المنال في ثلاث جولاتٍ سابقة من الانتخابات.
لكن نتنياهو، رئيس الوزراء منذ العام 2009، يرشِّح نفسه لإعادة انتخابة أثناء محاكمته بتهم الفساد -وهي آليةٌ تأمل أحزاب المعارضة أن تدفع الناخبين إلى إقالته أخيراً من منصبه.
ومع ذلك، تُظهِر استطلاعات الرأي في الواقع أن الكتلتين ليس لدى أيٍّ منهما طريق واضح للحصول على الأغلبية، مِمَّا يجعل الإسرائيليين يستعدون لنتيجةٍ أخرى غير حاسمة، وانتخاباتٍ خامسة مُحتَمَلة في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام، بحسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
لماذا تُجري إسرائيل الكثير من الانتخابات؟
أبسط تفسيرٍ هو أنه منذ العام 2019 لم يتمكَّن نتنياهو ولا خصومه من الفوز بمقاعد كافية في البرلمان لتشكيل حكومةٍ ائتلافية بأغلبيةٍ مستقرة. وقد أبقى ذلك نتنياهو في منصبه، إما كرئيس وزراء مؤقَّت وإما على رأس تحالفٍ هش مع بعضٍ من أشرس منافسيه، وإن لم يكن في السلطة بالكامل. وقد أجبر ذلك إسرائيل على التصويت مراراً في محاولةٍ لكسر حالة الجمود.
يقول مُحلِّلون إن هناك شيئاً كامناً وراء هذه الدراما يدفع نتنياهو للسعي لإعادة انتخابه، وهو حدسه بأن أفضل ذلك هو ما يمكنه فعله لمنع مقاضاته. ويقولون إنه مستعد لنقل البلاد إلى انتخاباتٍ بعد أخرى حتى يفوز بأغلبيةٍ برلمانية أقوى يمكن أن تمنحه حصانةً من الملاحقة القضائية.
قال جايل تلشير، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس: "لا أعرف أيَّ مفكِّرٍ جاد يقول إن إسرائيل ستخوض جولةً أخرى من الانتخابات لأسبابٍ أخرى غير مصالح نتنياهو الشخصية".
ومع ذلك، يرفض أنصار نتنياهو فكرة أن مصالحه الشخصية دفعت إسرائيل من انتخاباتٍ إلى أخرى. وهم يزعمون أن منتقديه مستاؤون ببساطة من أنه منافسٌ شرسٌ وداهية، ويلقون باللوم على غانتس لأنه جعل التحالف لا يمكن الدفاع عنه.
ما الذي دفع هذه الانتخابات الرابعة؟
انتهت سلسلةٌ من الخلافات بين نتنياهو وبيني غانتس، منافسه وشريكه في الائتلاف الوسطي، في ديسمبر/كانون الأول، إلى فشلهما في الاتفاق على ميزانية الدولة. وأدَّى ذلك إلى حلِّ البرلمان، مِمَّا أجبَرَ البلاد على انتخاباتٍ جديدة، رغم أن الحكومة لا تزال قائمةً في الوقت الحالي.
ووحَّدَ الخصمان قواهما في أبريل/نيسان الماضي، بعد الانتخابات الثانية، قائلَين إن الهدف هو ضمان أن تكون لإسرائيل حكومةٌ لقيادة البلاد خلال الجائحة. وبموجب اتفاق تقاسم السلطة بينهما، سيتولَّى غانتس رئاسة الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام. لكن شركاء التحالف لم ينسجموا معاً قط، ويتَّهم كلُّ طرفٍ الآخر بعدم التعاون بنيةٍ حسنة.
ويزعم منتقدو نتنياهو أنه تصرَّف من منطلق المصلحة الشخصية حين حارَبَ غانتس على الميزانية، مفضِّلاً خطة مدتها عام واحد، بدلاً من السنتين اللتين دعت إليهما اتفاقية الائتلاف. والجمود الذي أصاب الميزانية، من خلال فرض انتخاباتٍ جديدة، مَنَحَ نتنياهو فرصةً أخرى لتشكيل الحكومة، بدلاً من البقاء في الائتلاف والتنازل عن السلطة لغانتس في وقتٍ لاحق من هذا العام.
لكن نتنياهو ألقى باللوم على غانتس في ذلك، قائلاً إن غانتس رفض المساومة معه بشأن عدة تعيينات حكومية.
كيف أثَّرَ الجمود السياسي على الإسرائيليين؟
أجبر الجمود إسرائيل على الخوض خلال واحدةٍ من أكثر الأزمات الصحية والاقتصادية عمقاً في تاريخها بدون ميزانية حكومية، مِمَّا أدَّى إلى تقويض التخطيط الاقتصادي طويل الأجل، بما في ذلك تطوير مشاريع البنية التحتية الكبرى.
وأدَّى الجمود إلى تأخير تعيين كبار المسؤولين في الدولة، بمن في ذلك النائب العام وكبار المسؤولين التنفيذيين في وزارتي العدل والمالية. واتُّهِمَ أعضاء الائتلاف، بمن فيهم نتنياهو، بتسييس عملية صنع القرار الحكومي أكثر من المعتاد، سعياً وراء أيِّ ميزةٍ مُحتَمَلة في الانتخابات.
أعادت الاضطرابات المستمرة، التي أجَّجتها مشكلات نتنياهو القانونية الطويلة، تشكيل السياسة الإسرائيلية. فالناخبون منقسمون الآن بدرجةٍ أقل من حيث الأيديولوجيا بقدر ما ينقسمون حول ما إذا كانوا مع أو ضد نتنياهو.
ومع احتدام السباق، يتطلَّع السياسيون اليهود الآن بشكلٍ متزايد إلى أفراد الأقلية العربية في إسرائيل للمساعدة في كسر الجمود. ويشكِّل المواطنون العرب في إسرائيل حوالي 20% من السكَّان.
من هم المنافسون الرئيسيون لنتنياهو هذه المرة؟
في إشارةٍ إلى تغييرٍ في الخريطة السياسية، فإن اثنين من المنافسين الإسرائيليين لنتنياهو هذه الدورة الانتخابية هما أيضاً من اليمينيين. جدعون ساعر، وزير الداخلية السابق لحزب نتنياهو، ونفتالي بينيت، رئيس الأركان السابق لنتنياهو أيضاً.
المنافس الرئيسي الثالث هو يائير لابيد، الصحفي الإذاعي السابق، والوسطي الذي يشكِّل حزبه أقوى تحدٍّ لنتنياهو.
لم يعد غانتس يعتبر تهديداً حقيقياً لرئيس الوزراء، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزبه قد يفشل حتى في الفوز بمقعد، إلى حدٍّ كبيرٍ بسبب غضب مؤيِّديه السابقين من قرار تشكيل حكومة وحدة مع نتنياهو في المقام الأول، وهو أمرٌ كان قد وعد بعدم المشاركة فيه.
كيف تجري الانتخابات في إسرائيل؟
يحتوي الكنيست على 120 مقعداً تخصَّص على أساسٍ نسبي للأحزاب التي تفوز بأكثر من 3.25% من الأصوات.
يكاد النظام يضمن عدم فوز أيِّ حزبٍ بأغلبيةٍ مُطلَقة، وغالباً ما يمنح الأحزاب الصغيرة تأثيراً كبيراً في عقد الصفقات التي تشكِّل التحالفات. ويسمح النظام بمجموعةٍ واسعةٍ من الأصوات في البرلمان، لكن تشكيل تحالفاتٍ مستقرة في ظلِّها أمرٌ صعب.
قد يستغرق تشكيل حكومة جديدة أسابيع أو ربما شهوراً -إذا أمكن تشكيلة حكومة جديدة من الأساس- وفي أيِّ مرحلةٍ من هذه العملية يمكن لأغلبية أعضاء الكنيست التصويت لحلِّ الحكومة مرةً أخرى، مِمَّا يفرض انتخاباتٍ أخرى.
في الأيام التي تلي الانتخابات، سيمنح رؤوفين ريفلين، رئيس إسرائيل، أحد النواب أربعة أسابيع لمحاولة تشكيل ائتلاف. وعادةً ما يُمنَح هذا التفويض لزعيم الحزب الذي فاز بأكبر عددٍ من المقاعد، والذي من المُرجَّح أن يكون نتنياهو. لكنه يمكن أن يُمنَح لمُشرِّعٍ آخر، مثل ليبيد، الذي يُعتَقَد أن لديه فرصةً أفضل في تشكيل ائتلافٍ يمكن أن يحيا.
وإذا انهارت جهود ذلك المُشرِّع، يمكن للرئيس أن يمنح مُرشَّحاً آخر أربعة أسابيع أخرى لتشكيل الحكومة. وإذا تعثَّرَت هذه العملية أيضاً، يمكن للبرلمان نفسه تسمية مُرشَّح ثالث لتجربته في ذلك. وإذا فشل، يُحَل البرلمان وتُجرى انتخاباتٌ أخرى.
في غضون ذلك، سيبقى نتنياهو رئيس وزراء تصريف الأعمال. وإذا استمرَّ المأزق بطريقةٍ ما حتى نوفمبر/تشرين الثاني، فقد يخلفه غانتس.
ثلاثة سيناريوهات
يفيد موقع Axios الأمريكي بأنه إذا فشل واحدٌ أو أكثر من الأحزاب الثلاثة الصغيرة المناوئة لنتنياهو، فقد يؤدِّي ذلك إلى تغيير ميزان القوى بالكامل، ويصل نتنياهو إلى الرقم السحري 61، وهذا سيناريو مُحتَمَلٌ للغاية.
وإذا انخفض الإقبال بين أنصار نتنياهو، وفشل الحزب الصهيوني الديني اليميني المتطرِّف في تجاوز العتبة، فقد تكون هناك نافذةٌ لحكومة يمين وسط تتألَّف من معارضي نتنياهو. وهذا سيناريو غير مُحتَمَل.
وإذا أثبتت استطلاعات الرأي الحالية دقتها ولم يتمكَّن أيُّ من الطرفين من تشكيل ائتلاف، فسوف تتجه إسرائيل إلى انتخاباتٍ خامسة في الصيف. وهذا ممكنٌ جداً.
أدَّى انقسام المعارضة في الواقع إلى جعل الأمر أصعب لنتنياهو. فعلى عكس الدورات الثلاث الماضية، ليس لديه خصم واضح على اليسار لحشد مؤيِّديه ضده. وبدلاً من السباق المباشر، حيث يمكن لنتنياهو أن يكرِّر حجة "نحن أو هم"، فإن لديه ثلاثة معارضين يرأسون جميعاً أحزاباً متوسِّطة الحجم.
كيف أثَّرَت الجائحة على الانتخابات؟
في الأسابيع الأخيرة، أعادت إسرائيل الأطفال إلى المدارس، وأعادت فتح المطاعم، وسمحت للمُطعَّمين بحضور الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية.
يأمل نتنياهو أن يساعد نجاح إطلاق اللقاح الإسرائيلي، الذي تلقَّى معظم الإسرائيليين جرعةً واحدةً منه على الأقل، في دفعه إلى النصر.
لكن بعض الناخبين يعتقدون أنه قام بتسييس بعض القرارات الرئيسية -على سبيل المثال، وضع حد أقصى لبعض الغرامات لمخالفة لوائح مكافحة الفيروسات بمستوياتٍ أقل بكثيرٍ مِمَّا أوصى به خبراء الصحة العامة.
واعتبر بعض النقَّاد ذلك بمثابة إهانةٍ للإسرائيليين المتديِّنين، الذين انتهك بعضهم قيود فيروس كورونا المُستجَد على التجمُّعات الجماهيرية. وسيحتاج نتنياهو إلى دعم الحزبين المتشدِّدين في منصبه بعد الانتخابات.