كثير من الأمور تلك التي ينتظرها الليبيون الآن من حكومة الوحدة الليبية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بعدما حصلت على ثقة البرلمان، الذي كان وربما لا يزال منقسماً.
فقد التقت ولأول مرة منذ سنوات طويلة، الفصائل المتعارضة في البرلمان الليبي المنقسم بمدينة سرت، التي تسيطر عليها حالياً قوات خليفة حفتر، لينج البرلمان في عقد جلسة رسمية كاملة النصاب، حضرها 132 نائباً من إجمالي نحو 175 نائباً، ويمنح الثقة للحكومة بعد 3 أيام من المداولات.
وفي الوقت الذي أعلن فيه الدبيبة أن التوسع في التشكيلة الجديدة كان سببه ضمان مشاركة كل الليبيين في الحكومة، إلا أن القراءة المعمقة في تشكيل الحكومة يعكس وجود أطراف أكثر ربحاً من غيرها. كذلك، تدور التساؤلات حول قدرة هذه الحكومة في إنهاء الانقسام الليبي وتوحيد المؤسسات التي تبعثرت بين الشرق والغرب الليبيين.
أنصار القذافي أكبر الرابحين
أوضح المحلل السياسي عمر التهامي لـ"عربي بوست" أن تمثيل تيار النظام السابق في هذه الحكومة كان الأكثر حظاً، وهو ما لم يعتبره تقسيماً عادلاً في توزيع السلطة كما أراد الدبيبة وأعلن سابقاً.
وشملت الحكومة 5 وزراء محسوبين على أنصار النظام السابق أبرزها وزارات النفط والمالية والعدل.
وأشار التهامي إلى أنه لم يتم الكشف عن الذمم المالية لمرشحي الوزارات لدى هذه الحكومة حتى الآن.
وأضاف أنه لم تراعَ في تشكيلة الحكومة مشاركة كل الأطياف السياسية في ليبيا، وعلى رأسها حزب العدالة والبناء الذي كان يقود العملية السياسية طيلة الست سنوات الماضية.
بينما قال الدبيبة إن الحكومة الجديدة تمثل 15 دائرة انتخابية تعبر عن جميع الليبيين، وإن أي وزير ممثل عن أي مدينة سوف يخدم ليبيا بأكملها وليس مدينته فقط.
نيل الثقة كانت الأولوية
وكان الدبيبة صرح خلال جلسة البرلمان قائلاً إنه لم يختَر إلا وزيراً واحداً في تشكيل الحكومة، وإنه استبعد كل من تولى منصب وزير في الحكومات السابقة، مؤكدا أنه ليس مرتاحاً لكثرة عدد الوزراء؛ لأن الفترة قصيرة جداً.
ويرى التهامي أن هذه التصريحات تعكس أن الهدف الأول لرئيس الحكومة كان ضرورة نيل الحكومة الثقة، وهو ما كان واضحاً في تقديمه البدائل أثناء جلسات منح الثقة لحكومته عند اعتراض بعض النواب على بعض الوزراء، "دون مراعاة الكفاءات والسير الذاتية للمرشحين"، على حد تعبيره.
وجاء في كلمة رئيس حكومة الوحدة الوطنية أمام البرلمان أنه اشترط على جميع المرشحين للوزارات أن يكون لديهم القدرة على التنقل في كل المدن الليبية.
وتابع أنه سيجري التواصل مع البعثة الأممية ومندوبي الدول لإخراج المرتزقة، لافتاً إلى دعم إجراء الانتخابات وفق قاعدة دستورية، مضيفاً: "لن نتمسك بأي وزير عليه شبهات فساد".
تعنُّت عقيلة وشرعية منقوصة
قال عضو مجلس النواب عن مدينة الأصابعة عبدالوهاب عمر زوليه، لـ"عربي بوست"، إن رئيس حكومة الوحدة الوطنية استطاع تمثيل أغلب الدوائر الانتخابية في حكومته دون اشتراط الكفاءة في اختياراته. ورفض زوليه مبدأ المحاصصة الذي استخدم لتنال حكومة الدبيبة الثقة من البرلمان الليبي.
وأضاف أنه بسبب تعنُّت رئيس البرلمان عقيلة صالح، وعدم تضمينه مخرجات اجتماع جنيف في الإعلان الدستوري خلال جلسة منح البرلمان الثقة للحكومة، أصبح المجلس الرئاسي الجديد والحكومة الجديدة محلاً للطعن، وهو ما يجعلهما لا تمارسان مهامهما بالشكل المطلوب.
أول مشكلة ستقابل شرعية المجلس الرئاسي والحكومة هي أداء اليمين الدستورية في بنغازي، لأن هناك مخاوف كبيرة من عدم توفر النصاب القانوني لعقد الجلسة البرلمانية هناك.
كذلك هناك تلك الاشتراطات التي فرضها بعض أعضاء مجلس النواب التي تتعلق بالمحاصصة في اختيار الوزارات، والتي -كما يرى زوليه- سوف تكون سبباً في ضعف الحكومة والحد من صلاحياتها.
وأكد أنه ما لم يتم تضمين اتفاق جنيف في الإعلان الدستوري، فإن الحكومة والمجلس الرئاسي الجديد يمتلك شرعية منقوصة يجوز الطعن فيها أمام المحكمة الدستورية.
وأوضح زوليه أن الأوضاع غير المستقرة في البلاد وضيق الوقت، ربما لن يساعدا الحكومة في تحقيق أهدافها، والتي على رأسها إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول 2020.
أولويات الحكومة الليبية الجديدة
بالعودة إلى التهامي، فقد ذكر أن الليبيين يتطلعون الآن من حكومة الوحدة الوطنية، إنهاء الاقتتال في ليبيا وإخراج المرتزقة بشكل كامل وعاجل، وإدارة عجلة الاقتصاد وتحسين ظروف المواطن والخروج بليبيا من النفق المظلم الذي دخلت فيه منذ أكثر من ست سنوات.
كما شدد على محاسبة كل من وصفهم بـ"المجرمين" الذين كانوا سبباً في إفساد الحياة السياسية في ليبيا أو من تورط في الإضرار بالمال العام أو الفساد وأيضاً من تحالف أو تخابر مع جهات أجنبية دون صفة رسمية كانت سبباً في إقحام ليبيا للصراعات الدولية والإقليمية وفرضت عليها وصاية.
وأكد رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة أنه سيلتزم بالاستحقاق الانتخابي في موعده نهاية العام الجاري، وسيعمل على دعم المجلس الرئاسي والمفوضية العليا للانتخابات لإنجاز الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول.
كارثة على طرابلس
المحللون والمتابعون للشأن الليبي يرون أن اجتماع مجلس النواب في سرت تحديداً لمنح الحكومة الثقة، سيكون له تأثيرات سلبية على الحكومة نفسها.
ويعتبر المحلل السياسي عمر التهامي أن اجتماع مجلس النواب في سرت ودعوة الدبيبة للتجول في المدينة هو أمر مدبّر ومرتب له بعناية، ويعد كارثة على العاصمة كمركز للقرار والمؤسسات السيادية، على حد تعبيره.
وأوضح أن الغرض من هذا الاجتماع بهذه الصورة هو تسويق مدينة سرت للعالم ولليبيين على أنها مدينة آمنة، ومن الممكن أن تكون مركز القرار السياسي والمؤسسات السيادية.
وذكر أن هذا الأمر يهدف لنقل جميع المؤسسات الليبية السيادية إلى سرت لتصبح تحت قبضة اللواء حفتر ومرتزقته بالمدينة مثل فاغنر وغيرهم.
ربما يرتبط هذا مع بعض أحداث القلاقل والاضطرابات على المستوى الأمني في طرابلس، والتي يرى المتابعون أنها ستزداد في الايام القادمة داخل العاصمة، بل وحذروا من إمكانية تحولها إلى مواجهات بين المجموعات المسلحة بغرض استهداف المؤسسات السيادية والسياسية داخل العاصمة في الأيام القادمة.
وانتقد بالقاسم دبرز، عضو مجلس الدولة بطرابلس، في تصريحاته لـ"عربي بوست"، تركيبة الحكومة الجديدة، واصفاً إياها بأنه حكومة جهوية وقبلية وليست حكومة كفاءات ولو نسبياً.
ويعتقد دبرز أنه من الجيد أن تتواجد حكومة تركز على الملفات الخدمية، وهذا قد يحقق لها النجاح، مؤكداً أن الصراع العسكري "أصبح خياراً مستبعداً"، مما يعني أن ليبيا ستشهد فترة استقرار لتهيئة الأجواء لتحسين الخدمات من كهرباء وسيولة وغيرها، على حد تعبيره.