الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تخلى عن فكرة تأسيس حزب جديد، وقرر على ما يبدو أن يوظف شعبيته داخل الحزب الجمهوري للتخلص من خصومه فيما يوصف بالانقلاب الترامبي، وأبرز أسلحته لتحقيق ذلك هو جمع الأموال، فما القصة؟
يرى بعض المحللين أن ترامب بعد أن فشل في الانقلاب على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها لصالح الرئيس الحالي جو بايدن، من خلال دعوة أنصاره لوقف التصديق على النتيجة، وما نتج عن ذلك من الاقتحام الدامي للكونغرس، يوم 6 يناير/كانون الثاني الماضي، يبدو أنه قرر السعي لانقلاب من نوع آخر يتعلق بالسيطرة المطلقة على الحزب الجمهوري.
ففي أول خطاب رسمي له منذ مغادرته البيت الأبيض، تحدث ترامب يوم 28 فبراير/شباط الماضي في الظهور العلني له أمام مؤتمر العمل السياسي للمحافظين في أورلاندو بولاية فلوريدا، مكرراً مزاعمه حول سرقة الانتخابات، رغم أن الرئيس السابق وفريقه القانوني والسياسي قد فشلوا في إثبات تلك المزاعم أمام المحاكم بدرجاتها المختلفة، وصولاً إلى المحكمة العليا، وصدق على نتائجها المسؤولون في حزبه الجمهوري في الولايات التي خسرها.
لماذا يصر ترامب على "كذبة" سرقة الانتخابات؟
إصرار ترامب على أنه الفائز في الانتخابات الماضية وأنها تمت سرقتها منه، بحسب مراقبين، يمثل حجر الزاوية في استراتيجيته للبقاء في دائرة التأثير السياسي بشكل عام، وإحكام قبضته على الحزب الجمهوري بشكل خاص، وذلك من خلال تحويل دعم مناصريه وقاعدته الشعبية إلى وسيلة لاستمرار تدفق الأموال إلى حسابات يتحكم فيها ترامب نفسه وليس الحزب الجمهوري من خلال لجانه المتعددة.
وكان موقع Vox الأمريكي أول من كشف عن كيفية استفادة ترامب من رفضه الاعتراف بالهزيمة، وإصراره على أنها تمت سرقتها وتزويرها من خلال تقرير بعنوان "كيف تفسر إيميلات ترامب الخادعة لجمع التبرعات ورفضه التسليم بالهزيمة"، رصد جمع حملة ترامب الانتخابية أكثر من 170 مليون دولار خلال شهر من تاريخ انتهاء التصويت، يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
واليوم الأربعاء 10 مارس/آذار، نشر موقع Vox أيضاً تقريراً فصّل فيه محاولة ترامب "الاستيلاء العدواني" على الحزب الجمهوري، والتي خرجت للعلن بعد النزاع الأخير مع اللجنة القومية للحزب الجمهوري، إذ إن ترامب غير راضٍ عن رفض الحزب التخلص من النواب الجمهوريين الذين صوتوا لصالح إدانة ترامب في محاكمة عزله الثانية، بسبب التحريض على اقتحام الكونغرس.
والمعروف عن ترامب أنه لا يقبل أي انتقاد أو معارضة، ويحول الأمر إلى معركة شخصية، إذ يهاجم منتقديه بعنف وسخرية مهينة من خلال حسابه على تويتر، لكن بعد تجريده من ذلك السلاح في أعقاب حظر جميع حساباته على منصات التواصل الاجتماعي، يريد الآن إحكام قبضته على الحزب الجمهوري كي ينتقم من خصومه داخل الحزب، بحسب مراقبين.
حرب شعواء ضد خصومه الجمهوريين
وقبل أيام صعد ترامب من حربه ضد الجناح المعارض له داخل الحزب الجمهوري، وأرسل محاميه خطاباً يطالب اللجنة الوطنية الجمهورية وهيئات الحزب الجمهوري البارزة الأخرى "بالتوقف والكف" عن استعمال اسم ترامب وصورته وأي شيء يتعلق به، في مراسلاتهم وتواصلهم مع أعضاء الحزب.
وردت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري على محامي ترامب برفض طلبه، على أساس أن ترامب شخصية عامة، وجاء الرد الترامبي مساء الإثنين 8 مارس/آذار في بيان يشبه تغريدات الرئيس السابق، لكنه كان موجهاً لأعضاء الحزب وأنصار ترامب بشكل مباشر.
قال ترامب في بيانه: "لا مزيد من الأموال للجمهوريين بالاسم فقط"، وهو مصطلح صاغه ترامب في إشارة إلى أي عضو جمهوري لا يدين بالولاء المطلق للرئيس السابق، مضيفاً: "إنهم لا يفعلون شيئاً سوى إلحاق الضرر بالحزب الجمهوري وبقاعدتنا الانتخابية العظيمة، ولن يقودونا إلى العظمة أبداً. أرسلوا تبرعاتكم إلى Save America PAC على موقع DonaldJTrump.com".
ولم تكن هذه المرة الأولى منذ غادر ترامب البيت الأبيض التي يطلب فيها من أنصاره التبرع بالأموال له مباشرة وليس للحزب الجمهوري، فقد فعل الأمر نفسه أثناء المؤتمر العام للمحافظين يوم 28 فبراير/شباط الماضي.
وقال ترامب في بيانه: "لا توجد سوى وسيلة واحدة للمساهمة في جهودنا لانتخاب الجمهوريين المؤيدين لمشروع أمريكا أولاً، وبالتالي جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، وهذه الطريقة هي التبرع للحسابات التي أخبرتكم عنها".
خطاب "التوقف والكف" الذي أرسله ترامب للجان الحزب الجمهوري جاء بعد يوم واحد من إعلان الرئيس السابق أنه سيقف ضد إعادة انتخاب ليزا ميركويسكي، عضوة مجلس الشيوخ عن ألاسكا العام القادم، وهي واحدة من 7 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ لصالح قرار إدانة ترامب في محاكمته الثانية، والتي تمت تبرئته فيها بتصويت 57 مؤيداً و43 رافضاً (الإدانة تتطلب 67 صوتاً مؤيداً). وميركويسكي هي الوحيدة بين الأعضاء السبعة التي ستخوض انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ العام القادم 2022.
وكان ترامب قد وظف خطابه الرسمي الأول أمام مؤتمر المحافظين في فلوريدا لشن هجوم لاذع ضد خصومه داخل الحزب الجمهوري، وخص منهم بالذكر أعضاء مجلس الشيوخ ميت رومني وبات تومي وليزا ميركويسكي، وعضوي مجلس النواب آدم كينزنغر وليز تشيني، وأشار إلى أنه سيدعم المرشحين الذين سينافسونهم في انتخابات الحزب، قائلاً: "تخلصوا منهم جميعاً".
كما اختص ترامب زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بهجوم عنيف، إذ وصفه بالسياسي الضعيف الذي كان على وشك أن يخسر مقعده في مجلس الشيوخ في الانتخابات الماضية لولا دعم الرئيس السابق، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الفترة المقبلة ستشهد استمرار الحرب داخل أروقة الحزب الجمهوري بين جناح ترامب وجناح الرافضين لترامب.
تبرعوا لترامب وليس للحزب
والحساب الذي أسسه ترامب Save America PAC هو نوع من اللجان السياسية التي يؤسسها مسؤول حالي أو سابق لتلقي التبرعات مباشرة من الداعمين له، ولا يخضع هذا النوع لنفس القيود والتدقيق المتعلقة بكيفية إنفاق تلك الأموال، وبالتالي يمكن أن يحقق ترامب من خلاله أكثر من مجرد الانتقام السياسي من خصومه داخل الحزب.
وقال جوردان ليبويتز، مدير الاتصالات في مؤسسة مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاقيات في واشنطن لموقع Vox، إنه "لو أراد شخص تحويل أموال كثيرة من لجنة سياسية إلى حسابه الخاص، فإن هذه الطريقة (التي يتبعها ترامب) هي الأداة الأمثل".
والفكرة نفسها تناولتها CNN في تقرير لها رصد سببين لإصرار ترامب على استخدام وضعه السياسي داخل الحزب الجمهوري، وتأسيسه لجنة سياسية (Save America PAC)، السبب الأول هو انخفاض عائدات أعماله الخاصة بنسبة 40%، بحسب السجلات المالية لشركاته هذا العام، والسبب الثاني هو أن الرئيس السابق يواجه مأزقاً مالياً حقيقياً بسبب قروض شخصية تبلغ 421 مليون دولار يستحق معظمها في السنوات القليلة المقبلة.
والخلاصة هنا هي أن ترامب بحاجة ماسة إلى أدوات أو وسائل جديدة لجمع الأموال، وفي ظل الآثار السلبية الضخمة لرئاسته وأحداثها الصاخبة، وصولاً إلى اقتحام الكونغرس، على علامته التجارية داخل وخارج البلاد، تقلصت إلى حد كبير طرق جمع الأموال أو تحقيق الأرباح أمام الرئيس السابق، بحسب محللين.
وفي هذا السياق، تأتي محاولة ترامب السيطرة على الحزب الجمهوري وتحويل وجهة التبرعات للحزب إلى حساب خاص بترامب، توظيفاً للدعم المستمر من قاعدته الانتخابية وأنصاره المتحمسين والذين يصدقون أي شيء يقوله لهم، وما زال أغلبهم مقتنعين بأنه فاز في الانتخابات الأخيرة لكن تمت سرقتها منه.
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد نشرت تقريراً مفصلاً عن الأموال التي جمعتها لجنة ترامب السياسية حتى آخر يناير/كانون الثاني الماضي، كشف أن اللجنة أنفقت فقط 343 ألف دولار من الأموال التي جمعتها، وبلغت حتى ذلك التاريخ أكثر من 31 مليون دولار، والمبلغ الذي تم إنفاقه عبارة عن أتعاب الشركة التي تتولى جمع التبرعات. كان الغرض من التبرعات في ذلك الوقت هو الإنفاق على المعركة القانونية، التي أوهم ترامب أنصاره أنها مضمونة، وأنه سيكون الفائز بالانتخابات في نهاية تلك المعركة، لكن ذلك لم يحدث.