كان مجيء إدارة جو بايدن باعثاً للتفاؤل بإمكانية إنهاء الحرب في اليمن التي تسببت في أكبر أزمة إنسانية بالعالم، ولكن ما حدث هو التصعيد في اليمن من قِبَل الحوثيين رداً على بوادر أمريكا الإيجابية تجاههم.
ففي مقابل قرار إدارة بايدن رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب ووقف الدعم العسكري الأمريكي للسعوديين في اليمن، صعَّد الحوثيون بشكل لافت المعارك.
وآخر مظاهر هذا التصعيد في اليمن من قِبل الحوثيين استهدافهم منشآت شركة أرامكو السعودية بنحو 14 طائرة مسيّرة و8 صواريخ باليستية، ورغم الإعلان عن اعتراضها فإن العملية التي تستهدف شركة تحظى بأهمية كبرى لإمدادات الطاقة في العالم كله تشير إلى أن الحوثيين لم يعد يعبأون بردود الفعل الدولية، ولاسيما الأمريكية، خاصة أن الهجوم جاء بعد فرض واشنطن عقوبات على قيادات حوثية.
دوامة التصعيد في اليمن
ودفع ذلك التحالف العربي في اليمن إلى الإعلان عن إطلاق عملية عسكرية "نوعية" تعتمد على ضربات جوية "مُوجعة" ضد قوات جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، حسب تعبيره.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) عن التحالف الذي تقوده الرياض، قوله إن "العملية العسكرية تستهدف القدرات الحوثية بالعاصمة المحتلة صنعاء وعدداً من المحافظات" في اليمن.
وأضاف التحالف: "المدنيون والأهداف المدنية بالمملكة خط أحمر"، مؤكداً "ستُحاسَب القيادات الإرهابية" المتورطة في ذلك.
ولكن المعركة الكبرى التي قد تحدد نتائج التصعيد في اليمن، رغم أنها لا تحظى باهتمام إعلامي كبير، هي معركة مأرب.
ولا يمكن استبعاد أن الهجوم الحوثي على منشآت أرامكو جاء ضمن سياق تطورات معركة مأرب، كما أن الرد السعودي على الهجوم قد ينعكس على معركة مأرب.
فمحافظة مأرب الواقعة شرق البلاد شهدت معارك ضارية بين الحوثيين والقوات الحكومية أسفرت عن خسائر بشرية في الجانبين، إضافة إلى تداعيات إنسانية لأكبر مدن اليمن استضافة للاجئين.
وجاءت هذه المعركة نتيجة هجوم كبير شنته جماعة الحوثي قبل شهر، في محاولة للسيطرة على المحافظة الاستراتيجية، لكنها لم تنجح حتى الآن في اختراق ميداني، رغم المعارك العنيفة التي شهدتها المنطقة.
وبدأ التصعيد الحوثي 7 فبراير/شباط الماضي، بالتزامن مع إعلان إدارة بايدن عزمها رفع الجماعة من قوائم الإرهاب.
وكان يمكن استخدام إدارة بايدن لهذا الكارت في الضغط على الحوثيين لوقف إطلاق النار، ولكنها قدمت لهم تنازلات دون أي مقابل.
سنسيطر على المدينة في غضون أيام
وكان هدف الحوثيين من الهجوم بسط النفوذ على محافظة مأرب، كونها أهم معاقل الحكومة، والمقر الرئيسي لوزارة الدفاع، إضافة لتمتعها بثروات النفط والغاز، وامتلاكها أكبر سدود البلاد المائية ومحطة كهربائية كانت تغذي معظم أنحاء الدولة، قبل اندلاع الحرب.
وكثفت الجماعة حشودها العسكرية على تخوم مأرب، بالتزامن مع انطلاق هجماتها، وقالت إنها ستسيطر على المدينة في غضون أيام، لكنها وجدت مقاومة شرسة من قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، بإسناد جوي من التحالف العربي.
ووفق تقديرات مصادر عسكرية للأناضول، فإن الحوثيين شنوا عشرات الهجمات العنيفة التي يمكن وصفها بـ"الانتحارية" في عدة مديريات بمأرب، أهمها صرواح الواقعة بالجهة الغربية للمحافظة.
واستطاعت القوات الحكومية إفشال معظم الهجمات الحوثية، لكن مسلحي الجماعة تمكنوا أيضاً من إحراز تقدم ميداني عن طريق السيطرة على معسكر كوفل ومواقع أخرى في الجهة الغربية لمأرب.
مذبحة القادة.. خسائر كبيرة للجانبين
ودارت أعنف المعارك بين الحوثيين والقوات الحكومية في جبل البلق الاستراتيجي المطل على سد مأرب، واستمرت لساعات طويلة تمكنت فيها القوات الحكومية من صد الهجمات الكثيفة على الجبل.
لكن شراسة المعارك في الجبل أفقدت قوات الجيش الحكومي قيادات عسكرية بارزة، منهم قائد القوات الخاصة في مأرب العميد عبدالغني شعلان، وقائد عمليات القوات ذاتها العميد نوفل الحوري، إضافة للمقدم أمجد الصلوي، رئيس كتيبة الحماية في القوات الخاصة.
وفي المقابل، سقط في تلك المعارك عشرات القتلى من الحوثيين على الأقل، بينهم ضابط، وفق بيانات سابقة للجيش اليمني.
وبعد أن نجحت القوات الحكومية في صد هجمات الحوثيين على جبل البلق، قامت بتعزيز قواتها في الجبل ومحيطه، لتتصدى لهجمات أخرى شنتها قوات الحوثي على الجبل.
هل ينتصر الحوثيون؟
وحول نتيجة هذه المعارك، قال عقيد في الحكومة للأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام: "كانت مأرب تعيش مرحلة خطيرة للغاية، لكننا نستطيع الآن القول إنها قد تجاوزت مرحلة الخطر".
وأضاف: "خسر الحوثيون الكثير من مقاتليهم في مأرب التي أصبحت معركة استنزاف لهم، وهناك استماتة كبيرة في مقاومتهم".
ومثلت معركة مأرب أكبر استنزاف بشري للحكومة اليمنية والحوثيين معاً، منذ بدء الحرب قبل سبع سنوات.
وفقدت القوات الحكومية عدداً من قادتها البارزين، بعضهم قادة ألوية، منهم قائد اللواء 203 العميد محمد العسودي، وقائد لواء الصقور العميد أحمد الشرعبي، وقائد اللواء الثاني في القوات المشتركة العميد ناصر سعيد البرحتي، إضافة إلى العميد الركن عبده علي الوافي (قائد ميداني)، ورئيس عمليات المنطقة العسكرية الثالثة العميد ناجي علي حنشل.
كما خسرت هذه القوات العديد من جنودها، لكن لا وجود لتقديرات أو إحصائيات دقيقة حول عددهم، فلم يعلن الجيش رسمياً سوى عن مقتل قياداته الكبيرة.
وفي المقابل، خسر الحوثيون مئات من مقاتليهم خلال هذه المعارك بمأرب، بينهم عشرات القيادات الميدانية، يحملون رتب لواء أو عميد أو عقيد.
وتعلن الجماعة بشكل يومي عبر قناة "المسيرة" الفضائية تشييع عناصرها في عدة محافظات، بينهم ضباط رفيعو المستوى.
وفي 14 فبراير/شباط أعلن التحالف العربي مقتل أكثر من 700 حوثي خلال أربعة أيام فقط، جراء غارات جوية ومعارك مع القوات الحكومية.
فيما أعلن الجيش اليمني، في 27 فبراير/شباط مقتل 350 حوثياً في مأرب، خلال 30 ساعة فقط.
ولا توجد إحصائية دقيقة حول قتلى الحوثيين، لكن يُقدر عددهم بالمئات على الأقل.
أكبر ملاذ للنازحين
أدت المعارك العنيفة في مأرب إلى نزوح العديد من الأسر التي باتت تعاني ظروفاً إنسانية صعبة.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، للصحفيين في نيويورك الخميس: "تم إبلاغنا عن حالات نزوح كبيرة في مأرب، وخاصة في مديرية صرواح مع استمرار القتال على طول عدة جبهات هناك في الأيام الأخيرة".
وأضاف: "نزح من أكثر من شهر وحتى الآن أكثر من 14 ألف شخص".
ولفت دوجاريك إلى أن "وكالات الإغاثة تحذر من أن ما يصل إلى 385 ألف رجل وامرأة وطفل قد يجبرون على الفرار نتيجة للهجوم".
بدورها، أعلنت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين التابعة لرئاسة الحكومة اليمنية، الإثنين الماضي، رصد نزوح 2059 أسرة، تتكون من 14 ألفاً و413 فرداً جراء المواجهات في محافظة مأرب منذ 6 فبراير/شباط الماضي، حتى نهاية ذات الشهر".
وناشدت في تقرير لها المنظمات الدولية الإغاثية "التحرك العاجل لتقييم وضع النازحين والتخفيف من معاناتهم".
وتعتبر مأرب أكبر المدن اليمنية التي استضافت نازحين منذ بدء الحرب، حيث تشير التقديرات الحكومية إلى أنها تضم 2.3 مليون نازح، فيما سبق أن قدَّرت تقارير أممية بأن المدينة تؤوي مليون نازح.
وسبق أن حذرت عدة دول ومنظمات إنسانية عالمية من تداعيات إنسانية كارثية في حال تقدَّم الحوثيون تجاه مدينة مأرب المكتظة بالنازحين.