نفوذ باكستان يتضاءل في الخليج والهند تحاول “سرقة” مكانتها.. كيف يمكن لـ”إسلام آباد” تدارك ذلك؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/06 الساعة 14:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/16 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في المدينة المنورة، السعودية، أرشيفية/ واس

تناول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني العلاقات الباكستانية الخليجية التي تراجعت لمستويات كبيرة في الآونة الأخيرة لأسباب عديدة، أبرزها تتعلق بالتحولات في السياسة الخارجية لبعض الدول الخليجية على رأسها السعودية. وتحدث الموقع البريطاني عن زيارة قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا لقطر، والتي استغرقت يومين في أواخر يناير/كانون الثاني، فيما كانت زيارة باجوا التي سبقتها إلى المنطقة الخليجية، في آب/ أغسطس الماضي، وتحديداً في الرياض، لتهدئتها وتخفيف التوتر بين الطرفين على إثر انتقادات إسلام آباد لموقف المملكة من أزمة كشمير. ورغم أن زيارة قائد الجيش الباكستني الأخيرة الدوحة عُرِضَت باعتبارها زيارةً "روتينية"، إلا أنها تأتي بعد عامٍ متوتِّرٍ في العلاقات الباكستانية الخليجية، مِمَّا يشير إلى أن إسلام آباد قلقةٌ بشأن دورها المتضائل في "الهندسة الأمنية الخليجية"، بحسب التقرير.

"راعي الأمن".. خلفية العلاقات الباكستانية الخليجية

لطالما كانت هناك علاقةٌ تربط باكستان بدول الخليج، وكانت هذه العلاقة قائمةً على الدين والعلاقات الإستراتيجية، وامتدَّت لتشمل العلاقات الاقتصادية. وتشمل العلاقة العسكرية التدريب والتعاون الأمني، في حين ترتبط العلاقات الاقتصادية إلى حدٍّ كبير، بمجتمع العمال الباكستانيين المهاجرين، وهو وجودٌ مهمٌّ في المنطقة. 

ولفترةٍ من الوقت، ركَّزَت سياسة باكستان إزاء الخليج إلى حدٍّ كبير، على الحفاظ على الروابط الثقافية والدينية، بدلاً من بناء روابط اقتصادية مستدامة. وعرضت إسلام آباد التوسُّط في التوتُّرات بين الرياض وطهران، مع تجنُّب الوقوع في شَرك الحروب الجارية. ورغم أولوية موارد الطاقة، باتت الجهود الشاملة المبذولة لتحسين العلاقات مع الخليج باهتة. 

لطالما نصَّبَت باكستان نفسها باعتبارها الراعي الأمني لدول الخليج، وبسبب العلاقات الوثيقة بين أنظمة الخليج ومختلف القادة الباكستانيين على مرِّ السنين، كان يُنظَر إلى إسلام آباد عموماً على أنها حليفٌ يمكن الاعتماد عليه حين يتعلَّق الأمر بالدفاع عن مصالح الخليج. لكن في عام 2015، حين منعت الاعتبارات السياسية المحلية باكستان من إرسال قواتها إلى حرب اليمن، اتَّخَذَت العلاقات منحىً هبوطياً، لاسيما من ناحية السعوديين والإماراتيين. سمح ذلك للهند، الخصم اللدود لباكستان، بالحصول على موطئ قدمٍ أكبر في الخليج. 

الهند تحاول "سرقة" مكانة باكستان في الخليج

يقول الموقع البريطاني، إن حكومة مودي في الهند سعت إلى تعزيز الروابط مع الخليج، وأتت هذه الجهود بثمارها من خلال الاستثمار السعودي المكثَّف في مشاريع البنية التحتية والنفط في الهند، فضلاً عن التعاون في جهود مكافحة الإرهاب. ومن الواضح بصورةٍ متزايدة، أن الهند تحلُّ محلَّ باكستان بالساحات التي كانت في السابق تمثِّل معاقل لباكستان، مثل تصدير القوى العاملة. وسلَّطَت الزيارة "التاريخية" التي قام بها قائد الجيش الهندي للخليج، العام الماضي، الضوء على الدور العسكري المتنامي للهند. 

وعلاوة على ذلك، تؤثِّر المواقف المتغيِّرة لدول الخليج تجاه إسرائيل بشكلٍ غير مباشر على العلاقات الباكستانية الخليجية. رفضت القيادة الباكستانية الاعتراف بإسرائيل رفضاً قاطعاً، رغم ضغوط الدول المؤثِّرة المختلفة. وفي هذا الصدد، فإن العلاقات القوية بين الهند وإسرائيل -التي تشترك في روابط بقطاعاتٍ مثل تكنولوجيا المعلومات، جنباً إلى جنبٍ مع الدفاع والاستخبارات- تأتي في مصلحة دول الخليج التي تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل. 

يتمثَّل سببٌ آخر لتدهور العلاقات الباكستانية الخليجية في أن إسلام آباد تشعر بأن دول الخليج لا تجهر بما يكفي بإدانة الفظائع الهندية في كشمير. في أغسطس/آب الماضي، انتقدت باكستان علانيةً منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها المملكة السعودية بشأن هذه المسألة. لكن بينما ركَّزَت باكستان على الخطاب الشفهي، تحرَّكَت الهند، مِمَّا جعلها أهم من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية لهذه الدول. 

العمال المهاجرون بوابة ضمان باكستان للقدرة التنافسية في الأسواق الخليجية 

وسط التغييرات التي تجري في الخليج، لاسيما التقارب الأخير بين الخليج وإسرائيل، ليس لدى باكستان الكثير لتقدِّمه. تتلاشى مساحة المنافسة في الخليج، وعلى المسؤولين الباكستانيين أن يدركوا ذلك، بحسب تقرير MEE.

وفي المقام الأول، يجب على السلطات الباكستانية التركيز على جعل فئة المهاجرين في البلاد أكثر صلة بالعلاقات مع الخليج، إذ تشكِّل هذه الدول تياراً مهماً للغاية من التحويلات. والطريقة الأكثر عملية للقيام بذلك هي التقييم الدقيق لخطط التحديث الوطنية لدول الخليج -مثل "رؤية 2030″ في السعودية، و"رؤية 2035″ بالكويت، و"رؤية 2040" في عُمان- وتدريب العمال على المهارات المناسبة للمشروعات المصاحبة لهذه الخطط. وهذا من شأنه أن يضمن قدرتها التنافسية في أسواق الخليج. 

ثانياً، يجب على المسؤولين الباكستانيين دراسة وتحديد المجالات الاقتصادية المُحتمَلة في الخليج. وأحد السبل إلى ذلك هو التعاون الزراعي، فالأراضي القاحلة، إلى جانب ندرة المياه في الخليج، تجعل الأمن الغذائي مصدر قلقٍ دائم. ونظراً إلى أن قطاع الزراعة يمثِّل مجال تصديرٍ قوي لباكستان، يجب تدشين استثماراتٍ جادة في البحوث الزراعية وتحسين غلة المحاصيل، من أجل الاستفادة من صناعة الأغذية الخليجية. 

وإلى جانب النظر إلى الشركاء التقليديين، يجب على باكستان أن تواصل توسيع العلاقات الثنائية الأخرى في الخليج وإعادة النظر فيها، مثل عُمان والكويت. وانعكست الخطوات الإيجابية بهذا الصدد في اتفاق يوليو/تموز 2020، الذي أرسلت بموجبه باكستان عاملين صحيين إلى الكويت؛ للمساعدة في مكافحة جائحة كوفيد-19. 

لم تأخذ السياسة الخارجية الباكستانية، حتى وقتٍ قريب، في الاعتبار تعزيز العلاقات الاقتصادية مع جميع دول الخليج، لكن مبادراتٍ مثل التأسيس الأخير لاتحادٍ فيدرالي عربي باكستاني تُظهِر أن القيادة الباكستانية جادة في تصحيح أخطاء الماضي. 

تحريك الاستثمار الخليجي نحو باكستان

تكمن أكبر فرصة لباكستان حالياً في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو المشروع الرئيسي لمبادرة الحزام والطريق الصينية الضخمة. وقد أعربت دول الخليج بالفعل عن رغبتها في أن تكون جزءاً من هذا المشروع، إذ يرتبط المشروع بخطط النمو الاقتصادي للقطاع غير النفطي. 

ومن خلال حوافز مثل الإعفاءات الضريبية بالمناطق الاقتصادية الخاصة في الممر الاقتصادي، يمكن تشجيع دول الخليج على جلب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى باكستان، وهو أمرٌ تحتاجه باكستان بشدة في خضم الانكماش الاقتصادي الحالي. 

وتوفِّر المنتديات المختلفة، وضمن ذلك اجتماع منظمة التعاون الإسلامي لوزراء الخارجية بإسلام آباد في وقتٍ لاحق من العام الجاري، منصةً يجب أن تستفيد القيادة الباكستانية منها، لأن مجرد العمل كحَكمٍ بين المملكة السعودية وإيران لن يصل بإسلام آباد إلى أيِّ شيء. لقد حان الوقت لتنفيذ خطواتٍ عملية. باب التغيير مفتوح دائماً للراغبين في الولوج منه.

تحميل المزيد