في ثاني مشروع من نوعه خلال 24 ساعة في الكونغرس الأمريكي، قدمت النائبة الأمريكية إلهان عمر، الثلاثاء 2 مارس/آذار، مشروع قانون لمعاقبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لدوره في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ما قد يضع المشرعين التقدميين من الديمقراطيين على خلاف مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والرئيس جو بايدن.
وقبل ساعات من إعلان إلهان عمر، قدّم بعض أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي مشروع قانون يتضمن حظر دخول ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في أعقاب رد إدارة بايدن على تقرير الاستخبارات الأمريكية حول تورط بن سلمان في اغتيال خاشقجي، حيث اكتفت الإدارة بمعاقبة كل بعض رجال ولي العهد المتورطين في الاغتيال، دون معاقبته شخصياً. فما وجهة نظر الديمقراطيين حول هذه القضية، وهل تنجح محاولاتهم في إلحاق العقاب بولي العهد السعودي؟
"قانون محاسبة السعودية على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"
المشروع الأول تقدم به كل من النواب توم مالينوفسكي وجيمس ماكجفرن وآندي كيم، تحت اسم "قانون محاسبة السعودية على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، الذي سوف يتطلب كذلك تصديق إدارة بايدن على أن السعودية لن تعود لمضايقة أو إرهاب الأشخاص في الولايات المتحدة، ليكون شرطاً مسبقاً قبل بيع مزيد من الأسلحة إلى المملكة.
وحذّر عديد من الديمقراطيين من أن العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على بعض رجال بن سلمان لم تكن قوية بما يكفي، وأنها تركت بن سلمان يفلت من تورطه في الاغتيال.
إذ قال النائب توم مالينوفسكي في بيان صحفي إنه "يشيد بإدارة بايدن لأنها حددت اسم محمد بن سلمان بأنه قاتل خاشقجي، لكن ما سيضعف رسالة أمريكا إلى السعودية هو أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية باتهام ولي العهد بارتكاب الجريمة دون أن تفعل شيئاً لمحاسبته".
عضو الكونغرس، الذي يعد صديقاً مقرباً لوزير الخارجية أنتوني بلينكن قال كذلك: "القانون واضح في أن وزير الخارجية يجب عليه أن يفرض حظراً على منح التأشيرة إلى الأشخاص الذين يعرف أنهم مرتبطون بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو ما يحدده تماماً تقرير خاشقجي. إن مشروع القانون الذي نقدمه يضاعف وضوح هذا الأمر، ويُذكِّر العالم بأنه لا أحد في الولايات المتحدة فوق القانون، سواء كان أميراً أو رئيساً".
من جانبه قال ماكجفرن، عضو الكونغرس عن ولاية ماساتشوستس، الذي كان واحداً من أشد نقاد النظام السعودي داخل الكونغرس، إنه لا بد أن تكون هناك عواقب لاغتيال خاشقجي. مثل هذه الجريمة الشنعاء لا يجب أن تُقابل بإفلات من العقاب.
مشيراً إلى أن مشروع القانون الجديد خطوة أولى مهمة، لضمان أن هؤلاء المسؤولين معروفون وخاضعون للمساءلة. مؤكداً أن هناك ما هو أكثر من هذا يمكن القيام به وينبغي القيام به، بما في ذلك إنهاء مبيعات الأسلحة الأمريكية والمساعدات الأمنية إلى الحكومة السعودية.
مشروع قانون ثانٍ.. إلهان عمر تسعى لمعاقبة ولي العهد السعودي
من جهتها، أصدرت عضوة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، من ولاية مينيسوتا، إلهان عمر، بياناً حول تقدمها بمشروع قانون لمعاقبة ولي العهد السعودي.
وقالت إلهان: "هذا اختبار لإنسانيتنا، إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم حقاً حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان فليس هناك سبب لعدم معاقبة محمد بن سلمان، وهو رجل وجدت مخابراتنا أنه وافق على قتل جمال خاشقجي".
ونقلت إلهان عمر عن خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، في بيانها: "إذا لم يُعاقب ولي العهد فسيكون ذلك إشارة إلى الأبد على أن الجاني الرئيسي يمكن أن يفلت من جريمة القتل".
والدعوة لفرض عقوبات على بن سلمان تأتي على خلاف مع بايدن ووزارة الخارجية، وحتى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، إذ رفض بايدن معاقبة ولي العهد السعودي واكتفى بمعاقبة من حوله.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في مؤتمر صحفي يوم الاثنين، إن "البيت الأبيض يعمل على إعادة ضبط وليس تمزيق العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية". وتابع برايس: "نعمل على وضع العلاقات الأمريكية السعودية على أسس صحيحة"، مدافعاً عن قرار إدارة بايدن بعدم معاقبة محمد بن سلمان.
في السياق، قالت بيلوسي في بيان أصدرته، في 26 فبراير/شباط، إن تقرير مكتب مدير الاستخبارات الوطنية "يؤكد ما عرفه العالم منذ فترة طويلة: أن جمال خاشقجي قُتل بوحشية بأمر من كبار المسؤولين السعوديين، بمن فيهم محمد بن سلمان". لكن بيلوسي رددت الدعوات إلى "إعادة تقويم" العلاقة، وقالت إن مجلس النواب "سيقدم تشريعاً تكريماً لذكرى خاشقجي".
رفضت المملكة العربية السعودية النتائج التي توصل إليها تقرير المخابرات الأمريكية، ويوم الإثنين، قال المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي على تويتر، إنها "لا تقترب من إثبات الاتهام بما لا يدع مجالاً للشك". وأضاف: "ولي العهد قبل بشجاعة المسؤولية الأخلاقية، وعرض المتهمين على القضاء، وتعهّد بإصلاح أجهزة المخابرات. تم إغلاق القضية! دعونا نمضي جميعاً إلى الأمام لمعالجة الأعمال الجادة المتعلقة بقضايا العالم!".
وكانت إدارة بايدن قد قالت إنها ستمنع السفر إلى الولايات المتحدة لبعض الأشخاص الـ18 المحددين في تقرير مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، لكنها لن تكشف عن أسمائهم. من غير المرجح أن يكون محمد بن سلمان من بين هؤلاء المحظورين، لأن ولي العهد هو رئيس الدولة السعودية بحكم الأمر الواقع.
ويشمل مشروع قانون إلهان عمر تجميد الأصول المادية لمحمد بن سلمان وحرمانه من التبادلات التجارية مع الولايات المتحدة، وضمان عدم دخول ولي العهد إلى الولايات المتحدة، وتصنيفه بغير المرخص له لحيازة تأشيرة دخول أو أي مكاسب أخرى للهجرة، وإلغاء تأشيرة الدخول الحالية.
"رسالة واضحة للسعودية"
من جهته، علّق عضو الكونغرس الأمريكي عن ولاية نيوجيرسي آندي كيم أن هذه التشريعات تبعث رسالة واضحة وضرورية إلى ولي العهد السعودي بأن مسؤوليته عن اغتيال جمال خاشقجي "لن تمر بلا عواقب". مشدداً على أنه في حال إخفاق أمريكا في التصرف فإن ذلك يعني رسالة واضحة للحلفاء والأعداء بأن القيم الأمريكية والمصالح الأمريكية يمكن تجاهلها وسحقها بالأقدام، على حد قوله.
كانت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، قد دافعت يوم الإثنين 1 مارس/آذار 2021، عن قرار عدم فرض عقوبات على ولي العهد نفسه، وجادلت بأن استهداف "الشبكة المسؤولة عن هذه الأفعال هو الطريق الأفضل لمنع حدوث جريمة كهذه مرة أخرى".
كما أضافت أن "الولايات المتحدة لا تعاقب قادة البلاد الأجنبية الذين تجمعهم بها علاقات دبلوماسية، ومع ذلك احتفظت الإدارة بحق اتخاذ أي إجراء تراه ضرورياً في المستقبل".
في حين قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إن "الإدارة الأمريكية ليست في وضع يسمح بذكر تفاصيل حول أسماء الخاضعين لـ"حظر خاشقجي، ولا أي إجراءات إصلاحية محتملة"، على حد قوله.