وصلت العلاقة بين أكبر خصمين لأمريكا إلى نقطة غير مسبوقة، إذ يبدو أن واشنطن قد يكون عليها التعامل مع احتمال قيام تحالف عسكري بين الصين وروسيا ضد أمريكا، يستهدف الصواريخ الباليستية التي تحمل القوى الأمريكية النووية الضاربة.
فخلال الاجتماع السنوي لمركز أبحاث Valdai Discussion Club في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ روسيا والصين تتعاونان من أجل تطوير نظام إنذار مبكر للصواريخ الباليستية (BMEWS).
وشدّد بوتين على أنّ هذا النوع من التعاون يُبيّن مستويات الثقة المرتفعة بين البلدين، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
ويعتقد أنه في أي حرب نووية، يمكن لروسيا استيعاب الضربة النووية الأمريكية الأولى أكثر من أمريكا، حيث يعتقد أن الضربة النووية الأولى قد تسفر عن مقتل أكثر من 25% من سكان الولايات المتحدة و75% من الصناعة الأمريكية، حسبما ورد في تقرير لموقع Real clear defense.
فعلى الرغم من أن الجانبين لديهما أعداد متساوية من الرؤوس الحربية الاستراتيجية (بافتراض أن روسيا لا تغش في معاهدة ستارت الجديدة)، يمكن لروسيا أن تلحق المزيد من الضرر بالولايات المتحدة لأن سكان الولايات المتحدة وصناعتها يتركزون بشكل أكبر في المناطق الصناعية الحضرية الكبيرة.
وفي أي حرب نووية فإن نظام الإنذار المبكر ضد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات يكتسب أهمية خاصة، ويعطي أفضلية للبلد صاحب النظام الأكثر تطوراً وفعالية.
ولكن الصين متأخرة في القدرات النووية الباليستية، وكذلك قدرات الإنذار المبكر والتصدي لها، ومن هنا يمثل التعاون مع روسيا فرصة لتغيير في موازين القوى بينها وبين واشنطن، كما أنه يوفر للروس بدورهم ميزات عدة.
أول محاولة لبناء نظام إنذار مبكر صيني ضد الصواريخ جرت بالتعاون مع روسيا
وجرى تنفيذ أول جهود الصين لتطوير وبناء نظام إنذار مبكر للصواريخ الباليستية ورادارات تتبع دفاعية مضادة للصواريخ كجزء من "مشروع 640″، الذي كان محاولةً لبناء نظام دفاع صاروخي استراتيجي صيني من الستينيات وحتى الثمانينيات.
وقد تمخّض مشروع 640 عن بناء اثنين من الرادارات التجريبية العاملة: رادار 7010 BMEWS ورادار تتبع 110. واستخدم الجيش الصيني الرادارين لبعض الوقت.
بينما جدّدت الصين جهودها لتطوير نظام الإنذار في العقد الأول من القرن الـ21، باستخدام بعض الخبرات المكتسبة من مشروع 640. وبدأ إنتاج أنظمة الإنذار المبكر بعيدة المدى في العقد الثاني من القرن الـ21. وكذلك تجدّدت تجارب باستخدام مكونات الإنذار المبكر للصواريخ الباليستية الفضائية مع إطلاق الأقمار الصناعية التجريبية.
الصينيون يلجأون للروس لمعالجة المشكلات
والنظام الصيني لا ينسخ من أي نظام روسي قائم. لكن الصينيين لجأوا إلى الروس من أجل الحصول على خبراتهم في التغلب على بعض العقبات التقنية.
ولطالما كان التعاون التقني العسكري الروسي-الصيني سرياً، وقد ارتفعت مستويات السرية بالتزامن مع انخراط البلدين في مواجهة مباشرة أكثر مع الولايات المتحدة. وحتى الآن، ذكرت وسائل الإعلام الروسية حتى الآن عقداً واحداً على الأقل يرتبط بالتعاون الثنائي مع الصين فيما يتعلق بأنظمة الإنذار المبكر. وهذا العقد مرتبط بتطوير برمجيات مخصصة لنظام الإنذار المبكر للصواريخ الباليستية، وتصل قيمته إلى نحو 60 مليون دولار، وقد حصلت عليه شركة روسية رائدة في أنظمة الدفاع الصاروخي والجوي.
وهذه على الأرجح ليست الاتفاقية الدفاعية الوحيدة بين البلدين. إذ ينطوي التعاون من أجل نظام الإنظام المبكر على الأرجح من عدة عقود صغيرة لعلاج المشكلات المختلفة في النظام الصيني.
ومعنى ذلك أنهم سيطلعون على أخطر أسرار الصين
وهذه الأنظمة هي من بين الأكثر تطوراً وحساسية في عالم التقنيات الدفاعية. والولايات المتحدة وروسيا هي الدول الوحيدة التي نجحت في تطوير، وبناء، والحفاظ على أنظمة من هذا النوع. إذ كانت الأنظمة المبكرة، الأرضية والفضائية منها، لا يُعتمد عليها. مما أسفر عن العديد من الوقائع التي كادت تكون كارثية إبان الحرب الباردة بسبب التحذيرات الخاطئة من هجمات العدو.
والدعم التقني من روسيا سيساعد الصين على تجاوز العديد من المشكلات في أنظمتها. وهذا سيقلل احتمالية حدوث أعطال النظام، وبالتالي سيعود بالنفع على الأمن العالمي.
وتتيح مشاركة الشركات الروسية في تطوير هذه الأنظمة الصينية لتلك الشركات وصولاً إلى قدر كبير من البيانات حول قدرات الأنظمة الصينية. مما يكشف عن مستويات عالية من الثقة.
هل يتعاون البلدان في التصدي للصواريخ الأمريكية؟
يطرح هذا التعاون تساؤلاً حول احتمالية تحقيق التكامل بين الأنظمة الروسية والصينية، حسب مجلة The National Interest.
وفي حالة تكامل الأنظمة الدفاعية، ستتمكن المحطات المتواجدة في شمال وغرب روسيا من تزويد الصين ببيانات تحذيرية. وفي المقابل، ستزود الصين روسيا بالبيانات التي يجري جمعها في المحطات الشرقية والجنوبية.
وهذا من شأنه أن يمكن البلدين من صنع شبكة دفاعهم الصاروخي العالمي الخاصة. لكن حكومات البلدين لم تفصح عن نيتها فعل ذلك حتى الآن.
والتعاون في مجال الصواريخ الدفاعية يصب في مصلحة جيوش البلدين. إذ أجرت روسيا والصين عدداً من مناورات الدفاع الصاروخي المشتركة بمحاكاة الحاسوب في السنوات الأخيرة. لكن تلك المناورات لم تحاكِ سوى عمل أنظمة الدفاع الصاروخي البسيطة مثل إس-400.
مؤشرات لاحتمال تأسيس تحالف عسكري بين الصين وروسيا ضد أمريكا
ويتجاوز المعنى السياسي لتصريحات بوتين، حول التعاون في مجال أنظمة الإنذار المبكر، الأهمية العسكرية والتقنية الكبيرة لمشاريع التعاون تلك. وقد كشف ذلك للعالم أن البلدين على شفا تحالف عسكري رسمي، الذي يمكن أن يبدأ في حال فاق الضغط الأمريكي الاحتمال.
في وقت واصلت العلاقات الصينية-الأمريكية تدهورها. وفي يناير/كانون الثاني عام 2020، اتّهم وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته مايك بومبيو الصين بارتكاب إبادة جماعية في منطقة الإيغور ذاتية الحكم. ودعم خليفته أنتوني بلينكن تلك الاتهامات في وقتٍ لاحق.
بينما شهدت العلاقات الروسية-الأمريكية في أعقاب صعود بايدن إلى السلطة تطوراً إيجابياً واحداً: إذ وافقت الولايات المتحدة على تمديد معاهدة ستارت النووية لخمس سنوات أخرى. ورغم ذلك، لا تزال التوقعات لشكل العلاقة بين البلدين مستقبلاً قاتمة.
وحقيقة التعاون الدفاعي الروسي-الصيني معقدة بعض الشيء. حيث من الممكن تشكيل تحالف عسكري فعال بسرعة كبيرة إن دعت الحاجة. لكن استراتيجيات السياسة الخارجية القائمة تجعل الخطوة مستبعدة، ما لم يكن هناك خطرٌ حقيقي ووشيك لاندلاع صراع عسكري مع الولايات المتحدة، حسب الصحيفة الأمريكية.