تحولت صواريخ إسكندر الروسية الشهيرة إلى محور لأزمة داخلية كبيرة في أرمينيا، تطورت إلى ما وصف بمحاولة انقلاب، كما امتدت الأزمة إلى روسيا، متسببة في تراشق غير مسبوق بين البلدين.
فلقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان حول سبب عدم انفجار صواريخ إسكندر الباليستية الروسية الصنع أثناء نزاع ناغورنو قره باغ ضجة كبيرة في الأوساط السياسية الأرمينية.
قدرات صواريخ إسكندر الروسية
وصواريخ إسكندر الروسية هي نظام صاروخي باليستي قصير المدى يستخدمه الجيش الروسي، ويستطيع حمل العديد من الرؤوس الحربية التقليدية المختلفة، كما يمكن للصاروخ أيضاً حمل رؤوس حربية نووية.
ويطير صاروخ إسكندر-إم بسرعة تفوق سرعة الصوت 2100-2600 م / ث (6-7 ماخ) وعلى ارتفاع 50 كم. ويبلغ مداه 500 كم ويحقق خطأ دائرياً محتملاً من 5 إلى 7 أمتار، ويشاع أنه أثناء الطيران يمكنه المناورة على ارتفاعات ومسارات مختلفة للتهرب من الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، تسبب هذه الشائعات جدلاً كبيراً بين النقاد حيث جادل الكثيرون بأن تخطيط إسكندر الديناميكي الهوائي والارتفاع الذي يطير به لن يسمح له بأداء مناورة عالية الجاذبية بسبب نقص الرفع.
يقال إنه يمكن للنظام تدمير كل من الوحدات العسكرية النشطة والأهداف الثابتة لتقويض قدرة العدو على شن الحرب.
وتعتبر روسيا أن هذه الصواريخ ذات قدرات تدميرية هائلة، وكانت أرمينيا أول دولة تحصل عليها بعد موسكو (نسخة تصديرية).
يزن كل صاروخ 3.8 طن ويطير بسرعة تقارب ثلاثة أضعاف سرعة رصاصة من بندقية هجومية من طراز AK-47. حسبما ورد في تقرير لموقع Radio Free Europe
استخدمناها ولم تنجح
وفي مقابلة في 23 فبراير/شباط 2021 مع التلفزيون المحلي، زعم باشينيان أن الصواريخ الروسية استخدمت ضد أذربيجان ولم تنجح.
وقال إن صواريخ إسكندر التي تم إطلاقها خلال الحرب "لم تنفجر، أو ربما انفجر 10% منها". عند سؤال المحاور عما إذا كان هذا صحيحاً حقاً، أجاب باشينيان بشكل غامض: "لا أعرف.. ربما كانت أسلحة من الثمانينيات".
كان باشينيان يرد على مزاعم سلفه سيرج سركسيان، الذي أطيح به من السلطة في ثورة 2018 المخملية، والذي قال إن الجيش الأرميني لم يستخدم صواريخ إسكندر بشكل كاف ضد القوات الأذربيجانية المتقدمة بسبب أوامر حكومية خاطئة.
بعد بيان باشينيان، ثار الجيش في البلاد ضد رئيس الوزراء وطالب بإقالته من منصبه، وجاهر الجنرالات العسكريون الساخطون باعتراضاتهم، بعد أن كانوا غير راضين أصلاً عن باشينيان منذ أن أقال العديد من كبار المسؤولين العسكريين في محاولة لتحديث الجيش، حسب قوله.
وأعلن الجيش مطلبه في وثيقة مكتوبة يطلب فيها من باشينيان ترك منصبه، وهو تطور ألقى بالبلاد التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة في خضم أزمة سياسية.
وبعد ذلك أدان رئيس الوزراء ما تردد عن محاولة الانقلاب التي ألقى باللوم فيها على الجيش، وقاد مسيرة حاشدة لآلاف المؤيدين في استعراض للقوة، قائلاً إن الجمهور فقط هو من يملك سلطة تقرير مستقبله.
ويلقي البعض في الأوساط السياسية الأرمينية باللوم على روسيا في الانقلاب، مشيرين إلى علاقة الرئيس فلاديمير بوتين المتوترة مع باشينيان.
روسيا تتهمه بالكذب
كانت موسكو غاضبة أيضاً من تصريحات رئيس الوزراء الأرميني التي زعم فيها أن الصواريخ الروسية اتضح أنها لم تنفجر أثناء الحرب.
وأدان المشرعون والمحللون الروس المؤيدون للحكومة رئيس الوزراء نيكول باشينيان بشدة لتلميحه إلى أن الصواريخ روسية الصنع أثبتت عدم جدواها خلال الحرب الأخيرة مع أذربيجان.
ووصف نائب رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما، فيكتور زافارزين، تصريح باشينيان بأنه "كذبة مطلقة"، معتبراً أنه كان يحاول فقط صرف اللوم عن إخفاقاته.
ونقلت صحيفة كومسومولسكايا برافدا الروسية عن مهندس صواريخ روسي كبير قوله: "إذا ادعى أن صواريخ إسكندر الروسية كانت غير فعالة، فإن باشينيان يحتاج إلى مراقبة فمه".
وأضاف المهندس الروسي أنه بتقديم رئيس وزراء أرمينيا مثل هذه الادعاءات الجادة ضد مجمع الصواريخ ومن ثم الاعتراف علناً بأنه "لا يعرف " القضية يعني أنه يعبر عن جهله المتهور.
وأبدى استغرابه من حديث رئيس وزراء أرمينيا عن أسلحة روسية تعود للثمانينات، قائلا: "ما نوع أسلحة الثمانينيات التي يمكن أن نتحدث عنها إذا انتهى الجيش الروسي فقط من تجهيز نفسه بصواريخ إسكندر فقط في نهاية عام 2019؟ بينما أرمينيا حصلت على بعض هذه الوحدات منه حتى قبل ذلك؟!".
وقالت وزارة الدفاع الروسية: "لقد تم استخدام صواريخ إسكندر بنجاح في سوريا وهي معروفة دولياً باعتبارها الأفضل في هذه الفئة من الأسلحة". وأضاف بيان الوزارة أن باشينيان قد خدع على ما يبدو من قبل شخص ما.
هل استخدم الأرمن صواريخ إسكندر أم لا؟
تدعي موسكو أن أقصى مدى لجميع صواريخ إسكندر الروسية المستخدمة هو 500 كيلومتر- وهو الحد الأقصى المسموح به بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى لعام 1987 (INF) مع واشنطن والتي كانت سارية حتى عام 2019.
في أوائل عام 2016، أصبحت أرمينيا الدولة الأولى التي تشتري Iskanders من روسيا، حيث اشترت ما لا يقل عن أربعة من أنظمة الصواريخ بتكلفة تقديرية تتراوح بين 70 و100 مليون دولار.
إصدارات التصدير من إسكندر لها مدى أقل يبلغ 280 كيلومتراً، مما يجعل أي هدف تقريباً في أذربيجان في متناول الصواريخ المملوكة للأرمن، على الرغم من أن منصات الإطلاق ستحتاج على ما يبدو إلى دخول منطقة ناغورنو قره باغ الانفصالية لتتمكن من ضرب عاصمة أذربيجان باكو.
وزعم المسؤولون الروس والأذربيجانيون أنه لا يوجد دليل على أن أرمينيا استخدمت صواريخ إسكندر خلال نزاع 2020. يبدو أن هذا قد تناقض مع تصريحات المسؤولين العسكريين الأرمن ومقطع فيديو تمت مشاركته على نطاق واسع حيث يهتف الجنود الأرمن لما يقترحون أنه صاروخ أطلق باتجاه أذربيجان في الأيام الأخيرة من هذا التصعيد للنزاع.
ولذا يُعتقد على نطاق واسع أن الأسلحة استخدمت من قبل أرمينيا في الحرب، لكن وزارة الدفاع الروسية سبق أن أعلنت أن "جميع صواريخ إسكندر 9K720-E التي تم توريدها لأرمينيا مخزنة بأمان".
هل بالغت روسيا في قوة صواريخ إسكندر؟
بصرف النظر عن استخدام أرمينيا لصواريخ إسكندر أم لا، ولكن تقريراً لموقع مؤسسة Jamestown الأمريكية، يرى أن موسكو قد بالغت في قدرات صاروخ إسكندر إم، ونسخة صاروخ كروز إسكندر- كيه بالإضافة إلى صاروخ Kinzhal الذي يفوق سرعة الصوت، والذي يُعتقد أنه مجرد تكرار محمول جواً لصاروخ إسكندر الجوي الباليستي (القادر على المناورة داخل الغلاف الجوي).
يصل مدى Kinzhal إلى 1500 كيلومتر بسبب إطلاقه في الجو على ارتفاع حوالي 10 كيلومترات، حسب تقرير Jamestown.
على الرغم من إنتاج أنظمة الأسلحة هذه خلال فترات قريبة، فلقد تم تصميمها في الأصل في الثمانينيات، ولذا دقتها متخلفة، والوقت المطلوب لبرمجة وإدخال مسار طيران يستغرق وقتاً (أحياناً أيام)، وهي ليست مصممة لضرب أهداف متحركة، حسب تقرير المؤسسة الأمريكية.
يمكن لصواريخ إسكندر بالإضافة إلى الصواريخ غير الاستراتيجية الروسية الأخرى أن تكون فعالة حقاً فقط برأس حربي نووي.
ورأى التقرير أن استخدام العديد من صواريخ إسكندر في حرب قره باغ الثانية بالكاد كان سيغير النتيجة الإجمالية للحرب.