“معارضة لطيفة تمتنع عن انتقاد الرئيس”.. ما خطة بوتين الجديدة للقضاء على “صُداع” حركة نافالني؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/24 الساعة 14:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/16 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
ما الذي يخطط له بوتين للقضاء نهائياً على "صُداع" حركة نافالني التي تقود المعارضة الروسية؟

خلال الأشهر الأخيرة أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل صراحة أنه لا يتسامح مع المعارضة، لكن الساحة السياسية تشهد انتعاش حزب جديد من أحزاب المعارضة. وعلقت صحيفة The New York Times الأمريكية على ما سمعته عن خطة الرئيس الروسي الجديدة، بالقول إنه من الغريب أن يثير هذا الحزب موضوعات مكافحة الفساد والقمع نفسها، التي جعلت من زعيم المعارضة ألكسي نافالني العدو الأول للكرملين، حيث توشك الحكومة على إرساله إلى "مستعمرة عقابية". مشيرة إلى وجود خطة لبوتين للقضاء على حركة المعارضة الحالية واللجوء لأسلوب "الديمقراطية المُدارة".

خطة بوتين لتقسيم المعارضة الروسية وإضعافها

تقول الصحيفة الأمريكية إن الحزب الجديد ينتعش في الوقت الذي يُحظر فيه حزب نافالني. ويقول محللون روس إن الدافع وراء ذلك إضعاف نافالني، وتشتيت الانتباه عن حركته، وتقسيم المعارضة الليبرالية، وفي الوقت نفسه خلق صورة سياسية زائفة توحي بتعدد الأحزاب في بلد لا يوجد فيه خيار انتخابي ذو مغزى.

ويبدو أن الهدف من الحزب الجديد، المسمى "New People" أو "الشعب الجديد"، يتمثل في جذب أتباع نافالني. وجاء في موقع الحزب: "عشنا عقدين من الزمن في منظومة اختيار خاطئة: إما الحرية أو النظام"، ولا بد أن تتوقف الحكومة "عن اعتبار من لديهم آراء مختلفة أعداء وخونة".

وقد أسس هذا الحزب صاحب شركة مستحضرات تجميل، أليكسي نيتشايف، العام الماضي، لتوجيه ما وصفه بـ"مشاعر المعارضة في المجتمع"، مثلما يفعل نافالني إلى حد كبير، لكن نيتشايف يمتنع عن انتقاد الرئيس بوتين ولا يدعو إلى إطاحته.

مؤتمر لحزب "New People" أو "الشعب الجديد"، الذي يسعى لجذب أتباع نافالني من المعارضة الروسية/ تاس

ما وجهة نظر حركة نافالني في حزب المعارضة الروسي الجديد؟

ينظر نافالني وحلفاؤه إلى حزب "الشعب الجديد" بازدراء، قائلين إن حزب نيتشايف هو الأحدث في سلسلة طويلة من الأحزاب السياسية الزائفة التي اخترعها الكرملين، في سعية لإزاحة نافالني عن قيادته للشباب الساخطين.

تقول ليوبوف سوبول، إحدى أنصار نافالني، عن الحزب المؤيد لحكم بوتين في تحليل على موقع يوتيوب بعد ظهور الحزب العام الماضي: "هم يحاولون دفعنا لابتلاع الطعم وتصديق أن حزب الشعب الجديد سيكون المنافس الحقيقي لحزب روسيا الموحدة".

وأضافت: "وهذا مضحك نوعاً ما. فهم يقولون أشياء صحيحة، بشكل أو بآخر، لكن من الواضح أنهم لن يفعلوا أي شيء على الإطلاق".

على أن نيتشايف أنكر تشاوره مع الكرملين قبل تشكيل الحزب، الذي لديه الآن 72 مكتباً على مستوى البلاد، بعد إقامته مكتبين جديدين الأسبوع الماضي فقط، وقد فاز بالفعل بعدد من المقاعد في الانتخابات المحلية الخريف الماضي.

لكن المحللين السياسيين ما زالوا رافضين لفكرة أن الحزب ظهر دون مباركة الكرملين. وكان أندريه كوليسنيكوف، أستاذ العلوم السياسية في مركز كارنيغي بموسكو، قد قال في مقابلة هاتفية، إن "المعارضة الحقيقية في روسيا هي الأحزاب غير المسجلة".

ما وجهة نظر الحزب "المعارض" الجديد وما برامجه؟

وفي مقابلة لنيويورك تايمز مع نيتشايف، في المقر الفسيح للحزب في أحد أبراج المكاتب الراقية في موسكو، أوضح الشروط الثلاثة لتسجيل حزب سياسي: الامتناع عن انتقاد بوتين أو عائلته، والامتناع عن تلقي تمويل أجنبي والامتناع عن الاحتجاجات غير المصرح بها في الشوارع. وقال: "نحن لا نتعدى هذه الخطوط الحمراء الثلاثة".

وأضاف: "في كثير من الأحيان، وخاصة في الغرب، تُختزل روسيا في بوتين ونافالني، لكن العديد من الروس يريدون معارضة معتدلة. ومعظم الناس يدركون أن العالم ليس أبيض وأسود".

"معارضة روسية على مزاج بوتين".. أسس أليكسي نيتشايف حزب "الشعب الجديد" في عام 2020/ تاس

ورغم فائدة الديمقراطية المُوجَّهة التي تعتمدها روسيا في تحجيم الحركات المعارضة مثل حركة نافالني، فلم تمر دائماً دون مشكلات. ففي حالات نادرة هَزَأ بعض الساسة بتحول "دُمى الكرملين" إلى معارضة حقيقية.

وهذا ما فعله أعضاء حزب "Just Russia"، الذي ساعد المستشار الداخلي السابق لبوتين، فلاديسلاف سوركوف، في تشكيله عام 2006 لملء الفراغ الزائف في معارضة يسار الوسط في السياسة الروسية، تحديداً عام 2011 بتأييدهم حركة احتجاج شعبية سابقة بقيادة نافالني.

وأحد هؤلاء الساسة، غينادي غودكوف، هرب بعدها من روسيا وكشف عن ضلوع الكرملين في تشكيل أحزاب معارضة زائفة تعد واحدة من التهديدات التي تواجهها المعارضة الحقيقية بالتوازي مع حملات الشرطة القمعية. وقال غودكوف في مقابلة هاتفية من بلغاريا، عن دور سوركوف المحوري في تشكيل حزب Just Russia: "لم يكن سراً".

وفي تطور مخيف، لقيت شخصية سياسية يُعتقد أنها نشأت لتصبح نسخة زائفة أو موجهة عن نافالني مصرعها إثر ما وثقته منظمة الأبحاث مفتوحة المصدر Bellingcat بأنها عملية اغتيال محتملة بالسم.

وهذا السياسي الذي يُدعى نيكيتا إيساييف، الذي كان يكتب عن مكافحة الفساد، ومجموعته "روسيا الجديدة" كانا يقلدان العديد من استراتيجيات نافالني، ويكشف عن الفساد بين المسؤولين من المستويات الدنيا. وكان يطلق عليه "نافالني الجديد". على أنه كان ممتنعاً عن انتقاد بوتين.

وكان إيساييف قد توفي فجأة عن عمر يناهز 41 عاماً في رحلة ليلية بالقطار عام 2019. ومن بين الدوافع المحتملة التي أشارت إليها Bellingcat تعرضه لمؤامرة. فوفقاً لهذه النظرية كان يُنظر إلى إيساييف على أنه مرتبط بسوركوف، وبعد سقوط الأخير رتّب خصومه في الكرملين لمحو نسخته الزائفة من نافالني أيضاً.

بوتين يعيد نافالني للسجن فيما تغدو حركته بلا رأس

وكان نافالني قد خسر السبت الماضي، 20 فبراير/شباط، استئنافاً على حكم قضائي صدر ضده بالسجن لانتهاكه شروط الإفراج المؤقت بعد الحكم عليه في قضية مع إيقاف التنفيذ.

وقضت محكمة روسية، مطلع الشهر الجاري، بسجن نافالني لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة بفعل حكم سابق صدر ضده في عام 2014، وذلك بعد إدانته بانتهاك الإفراج المشروط عنه. وسوف يتم استقطاع الفترة التي قضاها قيد الإقامة الجبرية في ذلك العام حين صدر عليه الحكم.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/ رويترز

وكانت السلطات قد ألقت القبض على نافالني الشهر الماضي بعد عودته إلى روسيا قادماً من ألمانيا، حيث كان يُعالج من هجوم بغاز أعصاب قاتل. وألقى المعارض الروسي باللوم على بوتين في الهجوم، وقال إن التهم الموجهة إليه ملفقة.

وتقول المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وروسيا عضو فيها، إنه يجب إطلاق سراح نافالني خوفاً على حياته، لكن روسيا قالت إن دعوة المحكمة الأوروبية "غير قانونية".

ويرى أنصار نافالني الاتهامات على أنها محاولة لإسكاته وإحباط طموحاته السياسية. ولطالما كان نافالني شوكة في خاصرة الرئيس بوتين، واتهمه بالفساد المالي، وادعى أنه يمتلك قصراً فخماً على البحر الأسود.

ويسعى حلفاء نافالني لتحدي الأحزاب الموالية للكرملين في الانتخابات البرلمانية هذا العام، وحذر الرئيس بوتين الأسبوع الماضي من "التدخل الخارجي في شؤون روسيا والانتخابات".

والإثنين 22 فبراير/شباط، قرر وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، فرض عقوبات على روسيا على خلفية اعتقال نافالني. وأوضح الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في تصريح صحفي عقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد، أن "روسيا أصبحت استبدادية وابتعدت عن الاتحاد الأوروبي".

وقال: "اتخذنا قراراً سياسياً بخصوص فرض تدابير تقييدية ضد روسيا، على أن تضم الأشخاص المسؤولين عن اعتقال ومعاقبة نافالني"، دون تفاصيل عن طبيعة العقوبات.

تحميل المزيد