أصبحت منظومة الدفاع الصاروخية الروسية إس-400 الأكثر ترديداً ليس فقط عسكرياً ولكن سياسياً منذ اشترتها تركيا قبل عامين، فما قصة هذه المنظومة، ولماذا أصبحت الأكثر إثارة للجدل عالمياً؟
لم تكن تركيا أول دولة تشتري الإس-400، فقد كانت الصين أول دولة تتعاقد على شرائها من موسكو عام 2014، والآن أصبحت المنظومة موجودة في بلاد كثيرة وهدفاً لبلاد أخرى منها الهند وباكستان والسعودية، بينما إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى لديها الجيل السابق من المنظومة وهو إس-300 بنسخه المتعددة.
وعلى الرغم من أن منظومة إس-300 تقدم دفاعاً جوياً بارعاً، فإن منظومة إس-400 قصة أخرى، إذ أصبحت طرازاً عالمياً يرى بعض خبراء التسليح أنه يتفوق في بعض الجوانب على المنظومة الصاروخية الأمريكية المقابلة وهي الباتريوت.
ما خصائص منظومة إس-300؟
مجلة The National Interest الأمريكية تناولت تاريخ تطور منظومة الدفاع الجوي الروسية منذ بدايتها وصولاً إلى جيل إس-400، واصفة المنظومة بأنها تعد في الوقت الحالي واحدة من المنظومات الصاروخية الأكثر إثارة للجدل عالمياً، وطرح التقرير تساؤلاً عن السبب المحدد الذي يجعل منظومة إس-400 ورقة رابحة في العالم اليوم، وكذلك كيفية تطورها من نسختها السابقة إس-300.
كان التطور الرئيسي الذي حظيت به منظومة إس-300 مقارنة بالمنظومات السابقة هو قدرتها على تعدد قنوات الإطلاق: أي استخدام حزم توجيه متعددة لتوجيه الصواريخ إلى أهداف متعددة في نفس الوقت. كان لدى منظومة إس-25 السابقة قدرة على تعدد القنوات، ولكنها كانت ثقيلة للغاية وكانت تُنشر في قواعد ثابتة، بينما كانت منظومة سام-دي (التي صارت لاحقاً منظومة إم آي إم-104 باتريوت) أول منظومة صواريخ أرض جو أمريكية ذات تكنولوجيا متعددة القنوات، ودخلت هذه المنظومة الخدمة بعد ثلاث سنوات، وتحديداً في عام 1981.
وكانت قوات الدفاع الجوي السوفييتية المشتري الرئيسي لهذه الصواريخ الجديدة، وتبنت هذه القوات أول نسخة من منظومة إس-300، وهي منظومة إس-300 بي تي. تضمنت منظومة إس-300 بي تي ناقلات وناصبات وقاذفات (TEL) قابلة للسحب وراداراً قابلاً للسحب، اعتمدت جميعها على شاحنات ثقيلة لإعادة تمركزها، وتضمنت المجموعة كذلك منظومة تحكم في إطلاق النار. كان هذا جيداً بما يكفي لواجبات قوات الدفاع الجوي السوفييتية التي اتسمت بأنها ثابتة نسبياً، لكنه لم يقدم حلاً مثالياً.
نظر الجيش السوفييتي إلى استخدامات الصواريخ أرض جو في فيتنام والشرق الأوسط، وأقر بأن إعادة التمركز الأسرع هي الحل للوصول إلى أقصى قدر من الفعالية بالنسبة لاستخدام الصواريخ أرض جو. وكانت مشكلة منظومة إس-300 بي تي أنها تستغرق أكثر من ساعة كي تُنصب وتصبح جاهزة للتشغيل، بسبب طبيعة القاذقات والرادار القائمة على السحب، واعتُقد أن هذا الجانب بحاجة إلى تطوير. كانت منظومة إس-300 بي تي الأصلية تستخدم صواريخ 5في 55، التي يصل مداها إلى 75 كيلومتراً.
ونتيجة لهذا، صارت منظومة إس-300 تعرف الآن بأنها تُثبت على مركبة إم إيه زد-7310. كانت الناقلات والناصبات والقاذفات والرادار ومنظومة التحكم في إطلاق النار، تُثبت جميعها فوق هذه المركبات. أما معدات الدعم الإضافية، مثل المعدات التي تعمل على تصحيح الفارق بين الرادار وارتفاع القاذفات، فكانت تُثبت فوق مركبات أخفّ وزناً. دخلت المنظومة الكاملة، المعروفة بـ إس-300 بي إس، الخدمة في عام 1980. النسخة المعدلة قليلاً الصالحة للتصدير، كانت تعرف باسم إس-300 بي إم يو. واستخدمت هذه النسخة المعدلة صواريخ 5 في 55 آر، ذات المدى الأطول البالغ حوالي 90 كيلومتراً.
منظومة دفاعية متعددة المهام
وفي الوقت الذي كانت فيه منظومتا إس-300 بي تي وإس-300 بي إم يو قيد التطوير، كانت منظومة إس-300 إف الخاصة بالبحرية ومنظومة إس-300 في الخاصة بالجيش، قيد التطوير هما الأخريان. طُورت منظومة إس-300 في الخاصة بالجيش بهدف محدد يرمي إلى التصدي للصواريخ الباليستية التكتيكية التي على شاكلة لانس وبيرشينغ، إضافة إلى التهديدات الجوية.
إحدى السمات الرئيسية لمنظومة إس-300 في، تجسدت في أنها تمتلك مجموعتي ناقلات وناصبات وقاذفات متباينتين: واحدة لديها 4 صواريخ 9 إم 83 ذات مدى أقصر (75 كليومتراً) وثانية لديها صاروخان 9 إم 82 بمدى أطول (100 كيلومتر). كانت الناقلات والناصبات والقاذفات والرادار ومواقع القيادة الخاصة بمنظومة إس-300 في، مُثبتةً فوق شاسيه مجنزر لتسهيل الحركة في الطرق الوعرة، على النقيض من طبيعة منظومة إس-300 بي إس. أُقر بالموافقة على دخول منظومة إس-300 في الخدمة في عام 1985.
وحدث مزيد من التطور لمنظومة إس-300 في، ومنظومة إس-300 بي. أما سلسلة إس-300 بي إم الصاروخية، فقد وُلدت من رحم الرغبة في دمج قدرة سلسلة إس-300 في على اعتراض الصواريخ الباليستية مع سلسلة إس-300 في. عُرفت نسخ التصدير من منظومة إس-300 بي إم، باسم إس-300 بي إم يو، ويمكن للمرء تتبع التطور الأحدث لمنظومة إس-300 في القدرات المذكورة لهذه الصواريخ، التي أفضت إلى ظهور منظومة إس-400.
وهكذا ظهرت منظومة إس-400
بكل تأكيد، كانت النسخ السابقة لمنظومة إس-400 تُعرف باسم إس-300 بي إم يو-3، مما يشير إلى تحديث ثالث لنسخة منظومة الدفاع الجوي إس-300 القابلة للحركة في الطرق الوعرة. عندما عُرضت المنظومة للمرة الأولى في معرض ماكس الدولي للطيران، لوحظ أن أغلب المركبات كانت تشبه من الخارج منظومة إس-300 بي إم يو-2.
لكن التطورات التي طرأت على الصواريخ وتكنولوجيا الرادار مهدت الطريق أمام إحداث تطور بمقدار الضعف تقريباً في منظومة إس-400، وذلك مقارنة بمنظومات الصواريخ السابقة. إذ إن الرادارات الجديدة المستخدمة في منظومة إس-400 جعلتها بارعةً أمام جميع الأهداف الجوية تقريباً.
وهناك جانب آخر يتعلق بمنظومة إس-400، ويكمن في قدرتها على استخدام 4 أنواع من الصواريخ بأوزان مختلفة وقدرات مختلفة، مما سمح للصواريخ نفسها أن تشكل جزءاً كبيراً من دفاع جوي متعدد الطبقات، وهذا يجعل منظومة إس-400 أكثر مرونة. كذلك يمكنها استخدام الصواريخ المستخدمة في النسخ السابقة من منظومات إس-300 المتعددة.
الصواريخ الجديدة لمنظومة إس-400 يمتد مداها لأكثر من ذلك لتصل إلى 240 كيلومتراً أمام الأهداف الجوية، وهو تطور تدريجي من صواريخ منظومة إس-300 بي إم يو-1، التي استطاعت الوصول إلى 150 كيلومتراً، ثم منظومة إس-300 بي إم يو-2 التي استطاعت الوصول إلى 200 كيلومتر. أما الصواريخ الأحدث، التي على شاكلة 40 إن 6، فيمكنها تعزيز مدى الصواريخ لتصل إلى 400 كيلومتر.
وطرح تقرير المجلة الأمريكية سؤالاً عما يعنيه هذا لمنظومة إس-400. وكانت الإجابة أنها في جوهرها لا تزال منظومةً مؤهلةً نسبياً للطرق الممهدة ومصممة لقوات الدفاع الجوي. وبرغم أنها تجسد قفزة هائلة في القدرات (ولا سيما عند مقارنتها بالأجيال الميدانية الأولى لمنظومة إس-300 بي تي ومنظومة إس-300 بي إس)، وأكثر مرونة بدرجة هائلة من سلسلة إس-300، فإن تطوير منظومة إس-300 لتكون منظومة أكثر مرونة وبراعة كان قائماً بالفعل مع إصدار منظومات متنوعة تفرعت من منظومة إس-300 بي إم يو.
على النقيض من هذا، واصل الجيش الروسي تطوير منظومة إس-300 في لتصبح إس-300 في 4 وإس-300 في إم (وتعرف نسخة التصدير باسم أنتيي-2500)، التي تدمج صواريخ وتكنولوجيا رادار أكثر تطوراً مما يمنحها مدى أطول بـ 200 كيلومتر، الموجود في نسخة إس-300 بي إم يو اللاحقة. ويضيف التطوير ناقلات وناصبات وقاذفات جديدة، لديها رادار توجيه صواريخ صغير، مُثبت في المركبة، مما قد يؤدي إلى تقليل عدد المركبات اللازمة للمنظومة في ميدان المعركة.
وبرغم أن قدرات منظومة إس-400 قد تبدو قفزة هائلة، فقد وصلت إلى هذه المكانة عبر تطورات بطيئة من النسخ السابقة لمنظومة إس-300. إذ إن عديداً من السمات المتطورة، مثل اعتراض الصواريخ الباليستية، والقابلية للتبديل بين الصواريخ، والصواريخ النموذجية، والاشتباك متعدد القنوات، كانت موجودة بالفعل في المنظومة منذ عهد طويل، ولم يحدث في منظومة إس-400 إلا أنها اعتمدت على نقاط القوة الكامنة بالفعل في منظومة إس-300، مما يجعلها تهديداً أكثر فتكاً.