سيكون شرياناً اقتصادياً حيوياً لعمّان.. ما حكاية أنبوب النفط العراقي الذي ينتظره الأردن منذ 3 عقود؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/23 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/23 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
النفط العراقي، صورة تعبيرية/ رويترز

يحث الأردن الخطى لتنفيذ مشروع يعتبره حيوياً، يتمثل في مد أنبوب لنقل النفط من مدينة البصرة عاصمة البترول العراقية، حتى مدينة العقبة جنوب الأردن على البحر الأحمر. المشروع الذي يدور الحديث بشأنه منذ أكثر من 33 عاماً، دخلت مباحثاته مرحلة من الجدية في العامين الماضيين، تخللها اجتماعات لترتيب الأمور الفنية. فهل يتحقق على أرض الواقع أخيراً بعد كل هذه السنوات من التأخير، ولماذا يتمسك الأردن به بشدة؟ وما العراقيل التي أدت لتأخيره حتى الآن؟

أنبوب النفط العراقي شريان اقتصادي للأردن طال انتظاره

يمثل أنبوب النفط الذي سيربط العراق بالأردن لعقود شرياناً اقتصادياً هاماً لعمّان. وكان البلدان وقعا في 9 أبريل/نيسان 2013، اتفاقية إطار لمد أنبوب لنقل النفط العراقي الخام من البصرة إلى مرافئ التصدير في ميناء العقبة بكلفة إجمالية للمشروع تصل لنحو 18 مليار دولار.

لكن في 2019، أعلن العراق أنه يدرس إعادة النظر بدراسة الجدوى لمشروع خط النفط مع الأردن بشكل كامل، بهدف تأكيد تحقيقه لأعلى منفعة اقتصادية، بحيث يتم إيصال الخط إلى مصر، بدلاً من انتهائه في العقبة.

وكان رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، قال في تصريحات صحفية في منتصف فبراير/شباط 2021، إنه من المهم العمل على تسريع الخطوات العملية للمشروعات الاستراتيجية المرتقب تنفيذها. وذكر أن أبرز تلك المشروعات تتمثل في مشروعي المدينة الاقتصادية على الحدود بينهما ومد أنبوب النفط العراقي.

وأضاف: "سيوفر مشروع مد أنبوب النفط من البصرة إلى العقبة ثم إلى مصر، نافذة تصديرية للعراق وتزويد الأردن بجزء من احتياجاته النفطية، وإقامة مناطق لوجستية وصناعات بتروكيماوية في الدول الثلاث".

وبالتزامن مع تصريحات الوزير الأردني، قال رئيس مجلس الأعمال العراقي الأردني سعد ناجي، إن المشروع في مرحلة التصاميم الفنية، تمهيداً لطرحه للاستثمار.

وبين ناجي في تصريحات صحفية، أن الحكومة العراقية أعدت قائمة بالشركات المؤهلة لهذه الغاية، استعداداً لطرح عطاءات المشروع، الذي يشكل أهمية كبيرة بالنسبة للعراق كمنفذ تصديري من خلال العقبة.

ويقول الخبير في شؤون النفط فهد الفايز، إن المشروع يسهم في تأمين النفط للمملكة على مدار العام، فضلاً عن أن مروره عبر أراضي الأردن سيحقق فائدة من خلال رسوم التمرير والعبور وبدلات استئجار الأراضي.

مضيفاً في حديث لوكالة الأناضول، أن المشروع سيتيح منفعة من خلال قيام العديد من الأنشطة الموازية، مثل المقاولات والنقل وتشغيل الأيدي العاملة، و"الاستفادة التي ستجنيها المجتمعات في مناطق مرور الخط".

وترى عمّان في المشروع خياراً استراتيجياً لأن عمره المتوقع طويل، بالتالي فإنه سيكون له أثر إيجابي طويل على الاقتصاد الأردني، لأنه سيوفر فرص عمل جديدة. وسيتقاضى الأردن أجوراً عن مرور النفط في أراضيه، وسيمكنه من الحصول على كميات بأسعار تفضيلية وبكلفة أقل، بحسب خبراء أردنيين.

ما أهمية المشروع للعراق، وما الدور المصري فيه؟

في تصريحات منشورة بموقع "سبوتنيك" الروسي في أيلول/سبتمبر الماضي، يقول الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني إن "الجدوى الاقتصادية لخط أنابيب النفط الاستراتيجي الذي يمتد من البصرة العراقية مروراً بالأردن والذي تم تطوير فكرته ليصل إلى الموانئ المصرية، هو البحث عن منافذ جديدة لتصريف النفط العراقي، لأن وزارة النفط وقعت في العام 2010 عقود تراخيص للتنقيب مع عدد من شركات النفط العالمية لتطوير الحقول، في ذلك الوقت لم تدرس الحكومة أحوال أسواق النفط والأوضاع الاقتصادية العالمية".

ويضيف المشهداني: "كان التوقيع مع تلك الشركات على أساس استلام ما تنتجه تلك الشركات عند فوهة البئر، فالشركات المطورة للحقول النفطية مهمتها الأساسية هي الإنتاج وأن تسلم هذا الإنتاج عند فوهة البئر وليس عند منافذ التصدير، وكان هذا التعاقد متفائل جداً لأن الحقول كانت تنتج 12 مليون برميل يوميا، لكن بعد مرور 4 أو 5 سنوات بدأ العراق يتكبد خسائر نتيجة التطوير الجزئي وليس الكلي من جانب الشركات، وعندما وصل الإنتاج إلى 3 ونصف مليون برميل بدأ العراق يدفع تكاليف الإنتاج المتوقف، وكلما كان هناك انخفاض في الإنتاج كان العراق يدفع للشركات".

وبحسب الخبير العراقي، فإن "الطاقة التصديرية العراقية محدودة، حيث أن الطاقة القصوى لموانىء البصرة حوالي 4 ونصف مليون برميل، كما أن لدينا تصدير عبر ميناء جيهان التركي وكانت طاقة الخط اليومية حوالي مليون و600 ألف برميل، ولكن بسبب تقادم الخط والذي تم افتتاحه في العام 1976 وتعرضه للعديد من العمليات الإرهابية جعل طاقته الإنتاجية تنخفض إلى ما يقارب نصف مليون برميل".

وحول الجوانب لمد أنبوب النفط العراقي إلى من الأردن إلى مصر أيضاً، والفوائد التي ستحققها القاهرة منه، يقول خبير الطاقة المصري رمضان أبو العلا، للموقع الروسي إن "هناك جدوى اقتصادية وسياسية لخط الأنابيب النفطي الذي يخرج من البصرة العراقية إلى العقبة الاردنية ثم إلى مصر، حيث يساعد على تصدير النفط العراقي بعيدا عن التوترات الموجودة في الخليج والتي تهددها إيران من وقت إلى آخر، كما أن هناك تهديدات للتصدير عبر سوريا نتيجة الأوضاع الراهنة".

مضيفاً أن "وصول النفط العراقي إلى الموانئ المصرية سوف يمكنها من عمل قيمة مضافة عن طريق تكرير النفط الخام وتصديره كمشتقات بترولية وأيضا توفير احتياجاتها بالإضافة إلى رسم المرور الذي ستحصل عليه، وهذا يعود بالفائدة على مصر وعلى العراق، كما أن هذا الخط يتيح للأردن تأمين احتياجاته من النفط بأي كميات، كما أن الفائدة الكبرى للعراق هو تأمين صادراته النفطية، الأمر الذي يعني عدم توقف واردات النقد الأجنبي".

وبحسب أبو العلا، فعلاوة على الفوائد أو المكاسب الاقتصادية لخط النفط العراقي، "هناك جوانب سياسية مثل توطيد العلاقات وإعطاء زخم للتعاون العربي على حساب إيران والتي تسيطر على الجانب السياسي في العراق، حيث بدأ العراق يأخذ منحى آخر بتعاون أكبر مع محيطه العربي مثل المملكة العربية السعودية" حسب تعبيره. مشيراً إلى أن "بدء العمل في هذا الخط لن يستغرق وقتاً طويلاً، لأن ما سيتم هو استكمالات فقط، لأن الخط ممتد داخل العراق، وهناك خط موجود بالفعل بين الأردن ومصر، فكل ما سيتم هو عمليات توصيل فنية غير باهظة التكاليف ولن تستغرق وقتاً طويلاً، وفي كل الأحوال المصالح الاقتصادية هي التي توجه سياسات الدول".

"عراقيل إقليمية" تتسبب في تأجيل المشروع في كل مرة

وكانت صحيفة الرأي الأردنية (رسمية) قد تحدثت قبل عدة أشهر عن "عراقيل إقليمية"، تسببت في تأخير المضي قدماً بالمشروع، أبرزها "التجاذبات في المنطقة من ناحية تأثيرها على القرار العراقي". ورغم أن مسؤولين عراقيين وأردنيين أكدوا على مدى السنوات الماضية وما زالوا يؤكدون أن مد الأنبوب بين البلدين قاب قوسين أو أدنى فإن "الأمر لم يتجاوز إطلاق التصريحات وصولاً إلى واقع مرئي"، بحسب الصحيفة ذاتها.

ويقول الخبير الأردني في قطاع النفط، هاشم عقل، لصحيفة الرأي إن "المعيق الرئيسي أمام مشروع أنبوب النفط لسنوات يعود إلى حسابات سياسية أكثر منها اقتصادية، تقف عائقاً في وجه مد أنبوب النفط العراقي الأردني، لافتاً إلى أن إنجاز هذا المشروع يتطلب توافقاً مع دول إقليمية لها نفوذها على الساحة العراقية".

خط الأنابيب سيمتد من البصرة العراقية إلى العقبة الأردنية ومن ثم إلى الموانئ المصرية/ تعبيرية، بترا

وبيّن أن الأنبوب يمثل مصلحة أردنية عراقية مشتركة تخدم الطرفين، من خلال نقل النفط وتجاوز أي معيقات قد تقف في وجه نقل النفط العراقي عبر الموانئ العراقية في الخليج، إضافة لما يقدمه للأردن من تخفيض أجور نقل النفط وما يجنيه الأردن من عوائد ضريبية على نقله من خلال أراضيه.

وكان خبراء أردنيون قد قالوا لصحيفة "الرأي"، إن مشروع مد أنبوب النفط العراقي الأردني ما زال في إطار خطة بين البلدين، وإن الشركة المنفذة التي رسا عليها عطاء المشروع طلبت مؤخراً إعادة دراسة خط الأنبوب، إذ إن هناك تعديلات طرأت على مسيرة الخط في داخل الأردن، وإن الشركة تعمل حالياً من خلال دراسة حديثة تجريها، أن يكون الخط محاذياً لطريق الجفر، اختصاراً للمسافات. في حين تقول الصحيفة الأردنية إن "جهات إقليمية تحاول إعاقة المشروع، رغم أن هناك فائدة كبيرة للجانب العراقي من مد الخط".

هل يصمد المشروع أمام "العواصف السياسية في المنطقة"؟

وفي تصريحات للأناضول، يقول خبير الطاقة الأردني عامر الشوبكي، إن الأردن سيستفيد من المشروع منذ البداية، بتشغيل أيدٍ عاملة في الجانب الأردني، وسيضمن وصول النفط بسعر تفضيلي".

وأوضح: "إنّ تسلمنا للخام بسعر تفضيلي سينعكس على أسعار المشتقات المباعة للمواطن، وبالتالي له أثر إيجابي على عجلة الاقتصاد الأردني". وزاد: "لكن مشروعاً بهذا الحجم يجب أن يكون واضحاً في كل ما يتعلق به، حتى نضمن استمراره في ظل العواصف السياسية التي تجتاح المنطقة".

وبين أن "المشروع قديم، كانت فكرته متداولة منذ عام 1988 لحاجة العراق المتزايدة لوجود منفذ ثان لتصدير النفط، لكن وبعد الحرب العراقية وعدة تعقيدات شابت الواقع السياسي توقف الحديث عنه".

جدير بالذكر أن الجزء الواقع في الأردن من المشروع سيتم تنفيذه كاستثمار كامل من قِبل شركة "ماس" العراقية الدولية، التي أحيل عليها العطاء في وقت سابق.

وأعلنت وزارة النفط العراقية في وقت سابق من العام الجاري، أنها باشرت بتسليم العروض التجارية والفنية الخاصة بإنشاء الأنبوب، بطاقة مليون برميل يومياً، حيث توقع أن يشهد الربع الأول من 2021، إحالة المشروع بشكل كامل.

ويرتبط الأردن والعراق بعدد من اتفاقيات التعاون في مجالات الطاقة والزراعة والصحة والتعليم والتجارة وغيرها. ووفق تصريحات سابقة للسفير العراقي في عمّان حيدر العذاري، فإن حجم الاستثمارات العراقية في الأردن بلغ 18 مليار دولار، تتوزع على قطاعات الصناعة والعقارات والمستشفيات، والقطاع المالي والمصرفي.

تحميل المزيد