“أميرها شاعر رومانسي محصن ضد العقارب”.. هل تتعرض علاقة دبي مع الغرب لأزمة بسبب سجلها الحقوقي؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/02/21 الساعة 17:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/21 الساعة 19:50 بتوقيت غرينتش
الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم/ رويترز

كانت العقارب تهاجم فقط الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عندما كان طفلاً صغيراً، تاركة باقي المقيمين في المخيم الصحراوي الذي يبيت فيه في الصحراء دون أذى، كانت هذه واحدة من الأحداث الغريبة في قصة حياة الشيخ محمد بن راشد

سرعان ما علم الصبي الذي سيصبح حاكماً لدبي أن الأمر لم يكُن محض صدفة، إذا كان أحد شيوخ القبائل ينثر هذه المخلوقات السامة في فراش الصبي البالغ من العمر ثماني سنوات آنذاك.

لقد كان درساً في النجاة في قلب الصحراء، وحتى يومنا هذا يدَّعي الشيخ محمد أنه مُحصَّنٌ ضد سمِّ العقارب، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وكتب الشيخ محمد بن راشد عن الواقعة قائلاً: "ليس كلُّ ما يؤلمك شراً. أحياناً يعلِّمنا الألم ويحمينا".

إنها إحدى أساطير النشأة في قصة حياة الشيخ محمد بن راشد، الرجل الذي سيقوم في المستقبل بتحويل المدينة الساحلية المتواضعة التي حكمتها عائلته إلى مدينة دبي المتلألئة والحديثة، والتي تطمس مظاهرها البرَّاقة- منتجع التزلج الداخلي وأطول مبنى في العالم، إلخ… الجدال والخلافات، التي أصبح الشيخ محمد بن راشد نفسه أحد محاورها على مدار السنوات الثلاث الماضية. 

قام الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بفعل الكثير لتغيير بلاده من بقعة صحراوية تعتمد على النفط في الصحراء إلى وجهة تجارية وسياحية حديثة وغنية ومستقلة عن إيرادات النفط

مؤخراً، تصدرت البلاد عناوين الصحف لبرنامجها الفضائي الناجح على المريخ.

ولكن الذي جذب الاهتمام أكثر لقطاتٌ سرية سجَّلَتها ابنته، الشيخة لطيفة بنت محمد آل مكتوم، ونشرتها عدة وكالات إخبارية أثارت قلقاً على مصير الأميرة البالغة 35 عاماً، والتي قالت إنها كانت تعيش سجينةً في فيلا تحت الحراسة. 

تناقض الفيديوهات المؤلمة مع الصورة التي تروّج عن دبي وعن قصة الشيخ محمد بن راشد كقائدٍ وفارس وشاعر وزعيمٍ عربي تقدُّمي ذي رؤى في الأعمال التجارية. 

الجوانب الخفية في قصة حياة الشيخ محمد بن راشد

وعلى الرغم من أنه أحد أغنى أفراد الأسر الملكية في العالم، إذ تُقدَّر ثروته بنحو 4 مليارات دولار، ويشرف على مدينةٍ تقع في قلب الرأسمالية العالمية، من الغريب أنه لا يُعرَف سوى القليل عن شخصيته، إذ وصفه قاضٍ بريطاني العام الماضي بأنه "فردٌ شديد الخصوصية". 

تأتي معظم المعلومات العامة عن الشيخ محمد بن راشد من أعماله هو نفسه: ثلاث مذكرات، ومجموعات شعرية واسعة الانتشار، ودليل عام 2017 لتنمية السعادة والإيجابية. 

ثم ظهرت لمحاتٌ أكثر قتامة للرجل، حسب تعبير صحيفة The Guardian البريطانية.

دبي شهدت نهضة عمرانية واقتصادية كبيرة/رويترز
دبي شهدت نهضة عمرانية واقتصادية كبيرة/رويترز

إذ خرجت هذه اللمحات لأول مرة قبل عقدين من الزمن في مكالمةٍ هاتفية بين محامٍ بريطاني والشابة شمسة بنت محمد آل مكتوم، التي ادَّعَت أن والدها الشيخ يجافيها. وبعد أسابيع قليلة اختُطِفَت من أحد شوارع كامبريدج بالمملكة المتحدة، واختفت عن الأنظار. 

وفي أوائل عام 2018، نُشِرَ مقطع فيديو لابنةٍ ثانية، وهي لطيفة، تقول أمام الكاميرا إنها تخطِّط لمحاولة هروب، وتضيف: "إذا كنت تشاهد هذا الفيديو، فهذا ليس بالشيء الجيِّد؛ إما أن أكون ميتةً أو في وضعٍ سيئ جداً جداً". 

في السنوات الثلاث التالية، ومع ظهور المزيد من مقاطع الفيديو المؤلمة، أصبحت سيرة الظل للشيخ محمد أوضح. 

تحدى المستشارين وجعل دبي عاصمة للسياحة والطيران

لم تكن دبي دائماً مركزاً للثروة. وُلِدَ الشيخ محمد (71 عاماً) قبل أن تنشئ الإمارة أول مستشفى أو مدرسة عامة أو مطار، ولم تكن قد حرَّرَت نفسها بعد من قيود الاستعمار البريطاني. قال الشيخ محمد لشبكة BBC البريطانية في مقابلةٍ أُجرِيَت معه عام 2014: "لم تكن هناك كهرباء في ذلك الوقت عندما وُلِدت.. ولا ماء". 

يروي الشيخ محمد عن طفولته أنه كان يتعلَّم كيف ينجو في قلب الصحراء القاسية ويتتبَّع الغزلان وطيور الحُبارى والجمال، التي تعلَّم كيف يتعقَّبها من خلال علامات حوافرها على الأرض، وقال إن والده علَّمه "استراتيجية الوصول إلى الطعام في الصحراء". 

لم تكُن الإمارة التي ورثها الشيخ محمد لاحقاً قد اكتشفت النفط، لكن استراتيجية دبي الخاصة للنجاة في قلب الصحراء قد بدأت تتشكَّل بالفعل. حين رفعت مدن الموانئ المجاورة التعريفات الجمركية على التجارة، ألغى حكَّام دبي في أوائل القرن العشرين هذه التعريفات لديهم، وجذبوا التجَّار من إيران والهند الذين جعلوا المدينة تشتهر فيما بعد باللؤلؤ والذهب. 

قال الشيخ محمد إنه استوعب درساً مهماً: "قادة اليوم هم العمالقة الصامتون الذين يمتلكون المال، وليسوا الساسة الذين يحدثون الضجة". 

تطلَّبَت مغازلة هؤلاء العمالقة تعلُّم طرقهم. في عام 1966، أرسله والده إلى الجامعة في كامبريدج بالمملكة المتحدة. 

حين دخلت دبي في اتحادٍ مع المشيخات المحيطة لتشكيل الإمارات العربية المتحدة، كُلِّفَ الأمير الشاب بتأسيس وزارة الدفاع وأول جيش في البلاد. لكنه انجذب إلى الطيران بشكلٍ لم يستطع مقاومته، ولم يتمكَّن من التخلي عن فكرةٍ تسلَّلَت إلى ذهنه منذ كان صبياً، إذ كتب: "مستقبلنا يكمن في جعل دبي وجهةً عالمية". 

ورغم اعتراضات الاستشاريين ومكائد صناعة الطيران، قام الشيخ محمد بذلك على مدار العقود الأربعة التالية، إذ قاد دبي لتتحوَّل إلى مركز الطيران الأكثر ازدحاماً في العالم، وأسَّسَ صناعةً سياحية وخدماتٍ مهنية بمليارات الدولارات. 

أزمات عائلية

إلى جانب قصة النجاح رغم الصعاب، خصَّصَ نائب رئيس الإمارات ثلاثة فصول من كتابه الأخير إلى لطيفة أخرى، وهي أمه. وصفها بأنها مثالية، و"حبه الأول" و"قلبي وروحي"، و"أروع شخصية في حياتي وأكثرها دعماً ولطفاً واستثنائية". دمَّرَته وفاتها عام 1983. 

الأميرة لطيفة هي واحدة من أبناء آل مكتوم الذين يقدر عددهم بـ30 من عدة زوجات ولديها شقيقتان تحملان الاسم نفسه، منذ هروبها وإعادتها قسراً إلى دبي في مارس 2018 ، تم احتجازها في فيلا وصفتها بـ"السجن". 

وأصدرت تينا جوهياينن وديفيد هاي، مؤسسا "حملة حرية لطيفة"، لقطات فيديو مسجلة سراً، بعد أن لم يسمعا من لطيفة منذ أكثر من ستة أشهر. 

وتحظى زوجات الشيخ محمد بتغطيةٍ أقل نسبياً في الرواية الرسمية.

الشيخ محمد بن راشد مع الأمير هيا والملكة إليزابيث/ رويترز
الشيخ محمد بن راشد مع الأمير هيا والملكة إليزابيث/ رويترز

حورية أحمد لامارا، والدة الأميرة لطيفة، الجزائرية المولد هي إحدى زوجات الشيخ محمد الست، ولديها أربعة أطفال آخرين من الشيخ محمد.

الخمسة الآخرون هم هند بنت مكتوم بن جمعة آل مكتوم، والأميرة هيا بنت حسين، ورندا بنت محمد البنا، ودليلا العلا، وزوي غريغوراكوس.

وقد وُثِّقَت قصةٌ واحدة فقط، وهي زوجته السادسة والأصغر، الأميرة الأردنية هيا، على نطاقٍ واسع. بعد تعثُّر زواجهما، قالت هيا، 46 عاماً، إنها أصبحت قلقةً على مصير شمسة ولطيفة. وقالت إنها عثرت على أسلحةٍ تُرِكَت في منزلها مع رسالة مكتوب فيها: "سنأخذ ابنتك. لقد انتهت حياتك". 

هل يغير الغرب مواقفه من دبي بسبب هذه المشكلات؟

توصَّلَت محكمةٌ بريطانية العام الماضي إلى أن مزاعم الأميرة هيا وغيرها من التهديدات والمضايقات، إلى جانب المزاعم بأن الشيخ محمد بن راشد أعدَّ للإعادة القسرية لكلٍّ من لطيفة وشمسة، واقعية.

 ويبدو أن الحكم كان له تأثيرٌ ضئيلٌ حتى الآن على العلاقات الدفاعية والتجارية لدولة الإمارات مع لندن، وكذلك على العلاقات الشخصية الممتدة في المملكة المتحدة، حسب صحيفة The Guardian.

ولكن التسريب الأخير دفع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى الإعراب عن قلقه بشأن أوضاع الشيخة لطيفة الشابة البالغة من العمر 35 عاماً.

يقول الشيخ محمد بن راشد وديوانه الأميري في دبي إنها آمنة في رعاية أسرتها المحبة. 

في 19 فبراير/شباط 2021، أصدرت سفارة الإمارات العربية المتحدة في لندن بياناً قالت فيه إنها "تتلقى الرعاية في المنزل" و"تدعمها عائلتها والمهنيون الطبيون". وفي الوقت نفسه طلبت الأمم المتحدة دليلاً على أنها لا تزال على قيد الحياة.

ما زالت تجتذب النجوم في هذا المجال الصاعد رغم سجلها الحقوقي

عملت دبي على بناء سمعتها بدقة واستثمارها بنجاح كنقطة محورية منفتحة في الإمارات العربية المتحدة.

وباعتبارها وجهة تجارية معفاة من الضرائب ومركزاً للتجارة، فإنها تقدم نفسها على أنها أكثر ليبرالية من جيرانها المملكة العربية السعودية أو سلطنة عمان.

إذ حولت الفنادق الفاخرة وعدد لا يحصى من مناطق الجذب البلاد إلى مغناطيس سياحي وساهمت صناعة السياحة بنحو 12% (حوالي 43 مليار دولار، 35 مليار يورو) من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2019. ومن المتوقع أن يرتفع هذا إلى 12.4% (حوالي 72 مليار دولار) عام 2027 حسب الأرقام الرسمية للإمارة.

كما تتحول دبي تدريجياً إلى ملاذ للشخصيات المؤثرة على الإنترنت، خاصة بعد التغييرات القانونية الأخيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 والتي تجرم "جرائم الشرف"، وتسمح للأزواج غير المتزوجين بالعيش معاً؛ والسماح للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 21 عاماً باستهلاك الكحول في منازلهم الخاصة، وقبل ذلك توفير إعفاءات ضريبية للأرباح التي تتحقق عبر الإنترنت.

ولكن كينيث روث، المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش، يشير إلى قصة الأمير لطيفة قائلاً: "تستفيد دبي من المحيط القمعي لتصوير نفسها على أنها معقل لليبرالية في الشرق الأوسط، ولكن خلف الواجهة المتلألئة توجد حقيقة قبيحة حيث يتم سجن النقاد، وحقوق العمال المهاجرين محدودة، إضافة إلى أن حاكم دبي يحبس ابنته البالغة لرغبتها في الهرب من الحياة تحت سيطرته"، حسب تعبيره.

مؤخراً، انتقد المذيع التلفزيوني الألماني يان بومرمان المؤثرين الألمان على الإنترنت مثل سامي سليمان (1.4 مليون متابع على Instagram) أو سيمون ديسو (2 مليون متابع)، الذين انتقلوا مؤخراً إلى دبي، حسب ماورد في موقع دويتش فيليه (dw)الألماني.

ولكن من الواضح أنه رغم تضرر سمعة دبي البالغة من هذه الأزمات، إلا أن الإمارة في المقابل تواصل محاولتها لجذب المستثمرين الأجانب والسياح الذين يبدو أنهم لا يكترثون كثيراً بهذه الاتهامات المتعلقة بالانتهاكات الحقوقية حتى الآن.

تحميل المزيد