يحتاج اقتصاد الجزائر أن يصل سعر النفط إلى 135 دولاراً للبرميل؛ حتى لا تزداد الأوضاع الحالية سوءاً، فكيف وصلت الأمور إلى هذه النقطة الحرجة، وكيف يمكن الخروج منها؟
وكان آلاف من الجزائريين قد خرجوا إلى الشوارع يوم 16 فبراير/شباط الجاري، في مدينة خراطة بمحافظة بجاية؛ لإحياء الذكرى الثانية للحراك الشعبي، في تذكير بالمطالب التي نادى بها المتظاهرون ولم تتحقق بعد.
والواضح أن تلك الحقيقة ليست غائبة عن أذهان الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي استبق عودة الحراك الشعبي في ذكراه الثانية، بالقرارات الأخيرة التي اتخذها وكان "عربي بوست" قد انفرد بنشرها في تقرير سابق، ومنها حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة في ظل قانون الانتخابات الجديد، الذي تقول السلطة الحالية إنه يهدف إلى منع "شراء الأصوات"، من خلال المال السياسي، ومحاربة الفساد.
لكن بعيداً عن الجانب السياسي، يظل الوضع الاقتصادي عاملاً حاسماً في مدى قدرة السلطة الحالية على تفادي غضب شعبي واسع لا تريده، فكيف يمكن تحقيق ذلك الهدف؟
الجزائر والنفط
ونبدأ قصة الاقتصاد الجزائري من تصريح الوزير المكلف بالتنبؤ بالأوضاع الاقتصادية، شريق بلميهوب، مؤخراً، بأن "الجزائر لم تعد من بلدان النفط".
وعلى الرغم من الدهشة التي انتابت البعض من تصريح بلميهوب، فإن أحد تفسيرات ذلك التصريح ربما يزيل أسباب تلك. صحيحٌ أن الجزائر بلد غني بالنفط والغاز وهي إحدى دول منظمة أوبك، فإنَّ تراجع أسعار النفط واعتماد اقتصاد البلاد بصورة أساسية على صادرات النفط والغاز، جعلا الإيرادات لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، وربما كان هذا ما قصده بلميهوب.
وفي هذا السياق نشر موقع Al-Monitor الأمريكي تقريراً عن الوضع الاقتصادي للجزائر حالياً، شبَّه الأوضاع بسيارة نفد منها الوقود، ولذلك أسباب متعددة لا تتعلق فقط بتراجع أسعار النفط ولا حتى بالتداعيات الاقتصادية الكارثية لوباء كورونا، بل تمتد إلى ما هو أبعد وأعمق وتقف عند عتبات اندلاع الحراك الشعبي قبل عامين.
ففي الوقت الراهن وبينما تُواصل أسعار النفط ثباتها منذ عام 2014، ينفد وقت الحكومة الجزائرية وفرصها للمناورة، وبالتوازي، شهدت البلاد انخفاضاً هائلاً في حجم الصادرات، تزامناً مع انخفاض مبيعات النفط في الخارج بنسبة الثلث تقريباً بين عامي 2011 و2019، كما تشير الدلائل إلى مواصلة الانخفاض في المستقبل.
وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، تحتاج الجزائر إلى بلوغ سعر النفط 135 دولاراً للبرميل فقط للحفاظ على وضعها الراهن، فيما بالكاد تجاوز سعر خام برنت 60 دولاراً الأسبوع الماضي، وهو أعلى مستوى حققه منذ فترة طويلة.
والخيارات تبدو قليلة، ففي ظل خمول القطاع الخاص المنوط به تحمُّل جزء على الأقل من العبء الضريبي الذي يضمن الدعم المالي المقدم للجزائر، تدير البلاد اقتصادها -بالمعنى الحرفي للكلمة- كمركبةٍ نفد وقودها، بحسب تقرير "المونيتور".
وعلى سبيل المثال، ساعدت الاحتياطيات الأجنبية الهائلة الموجودة -في وقتِ تراجع أسعار النفط والغاز عام 2014- على دعم ميزانية البلاد، لكن الآن، بعد سبع سنوات، وبينما لم يتبقّ من احتياطات النقد الأجنبي سوى نحو 29 مليار دولار، لم يبق أمام الجزائر سوى عام تقريباً قبل أن تسقط نحو الهاوية.
تآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي للجزائر
وقصة الاحتياطي من النقد الأجنبي ربما تكون أكثر العناصر الكاشفة في الوضع الاقتصادي الراهن للجزائر.
فقبل عام من الآن، أي في فبراير/شباط 2020، أعلن محافظ البنك المركزي الجزائري وقتها، بن عبدالرحمن أيمن، أن الاحتياطيات الأجنبية للجزائر انخفضت 10.6 مليار دولار في تسعة أشهر، بسبب هبوط إيرادات الطاقة في البلاد، وفي ذلك التوقيت لم تكن جائحة كورونا قد بدأت بعد في الانتشار وإصابة الطلب على النفط بالشلل.
وفي ذلك الوقت قبل عام، قال أيمن إن الاحتياطي من النقد الأجنبي بلغ 62 مليار دولار. وكان هذا الرقم يقترب من 100 مليون دولار بنهاية عام 2017، وخلال السنوات الست منذ 2014 وحتى 2020، انخفض الاحتياطي من النقد الأجنبي في البلاد بأكثر من النصف.
وخلال العام الماضي، زاد الاستهلاك المحلي للهيدروكربونات؛ مما أدى إلى تقلص الاحتياطي المتاح للتصدير، وبعدما وافقت دول أخرى في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على خفض الإنتاج العام الماضي استجابة للوباء، لا تزال معظم الدول المنتجة للنفط تنتهك الحصة المقررة، فيما وجدت "سوناطراك" الجزائرية المملوكة للدولة، والمتعثرة بسبب إدارتها وسوء تخطيط استثماراتها، صعوبة في إنتاج الحصة المقررة.
وقال خبير شؤون الشرق الأوسط، جوناثان هيل، الباحث بكلية كينجز لندن، في حديث أجراه مع Al-Monitor الأمريكي: "الأمر يتعلق بالسيطرة مثلما هو الحال على الأصعدة الأخرى كافة، فعندما انخفض سعر النفط في الماضي، أثيرت ضجة حول السماح بالاستثمار الدولي على صعيد استكشاف آبار النفط والغاز، لكن مسؤولي البلاد غيروا رأيهم بسرعة ما إن انتعشت أسعار النفط مرة أخرى".
وبينما أثبتت الدولة ترحيبها بالتعديلات الجزئية للسياسة، فإن الإصلاح الشامل المطلوب للاقتصاد لا يزال بعيداً عن متناول البلاد. يقول هيل: "ليس لدى المسؤولين أي أفكار حقاً. لقد رأينا الاستعانة بالأشخاص أنفسهم للتعامل مع الأزمة مراراً وتكراراً على مدار سنوات، ولم تطرأ أفكار أو أشخاص جدد قادرون على القيادة، وهذا هو الوضع القائم منذ فترة".
هل هناك حلول لإنعاش اقتصاد الجزائر؟
وفي هذا السياق، قال جليل حرشاوي، الزميل البارز بالمبادرة العالمية ومقرها جنيف، لموقع Al-Monitor: "على مدى سبع سنوات، لم تفعل الحكومة شيئاً يُذكر فيما يتعلق بتنويع الاقتصاد".
وأضاف حرشاوي، إنه بالنظر إلى خطورة وضع احتياطيات الجزائر، فإن زيادة الصادرات من خلال استكشاف حقول نفطية جديدة تبدو مقامرة كبيرة للغاية. وقال: "من الممكن أن يعودوا إلى صندوق النقد الدولي أو الأسواق الدولية لجمع الأموال، لكن هذا سيبدو استسلاماً مهيناً"، مشيراً إلى أن الفخر باستقلال البلاد يتجاوز الحكومة ويعدّ جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الجزائري.
وأضاف: "بدلاً من ذلك، قد تتطلع الحكومة الجزائرية إلى صفقة مع الصين، أو إحدى دول الخليج. قد لا تكون التنازلات أكثر مرونة أو أفضل مما هي عليه مع صندوق النقد الدولي، لكن الاستسلام المهين المشار إليه لن يكون آنذاك بهذا الوضوح".
لكن، بغض النظر عن الحلول التي قد تعتمدها الحكومة الحالية، يجمع المحللون على أنه لابد من أن يكون حلاً دراماتيكياً يتناسب مع خطورة الموقف الاقتصادي، إذ يبدو أن الإعانات التي كانت توطّد العقد الاجتماعي الجزائري لا تفي بمتطلبات الجيل الجديد. كما أنه في مواجهة احتمالية تأجج الاضطرابات الشعبية، فإن مسار العمل الوحيد الذي تفضله الحكومة -وهو مواصلة عدم اتخاذ أي موقف- لن يصمد على الأرجح أمام ظروف البلاد التي تنقلب انقلاباً هائلاً.
وكان آلاف من الجزائريين قد خرجوا إلى الشوارع يوم 16 فبراير/شباط الجاري، في مدينة خراطة بمحافظة بجاية؛ لإحياء الذكرى الثانية للحراك الشعبي، في تذكير بالمطالب التي نادى بها المتظاهرون ولم تتحقق بعد.
والواضح أن تلك الحقيقة ليست غائبة عن أذهان الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي استبق عودة الحراك الشعبي في ذكراه الثانية، بالقرارات الأخيرة التي اتخذها وكان "عربي بوست" قد انفرد بنشرها في تقرير سابق، ومنها حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة في ظل قانون الانتخابات الجديد، الذي تقول السلطة الحالية إنه يهدف إلى منع "شراء الأصوات"، من خلال المال السياسي، ومحاربة الفساد.
لكن بعيداً عن الجانب السياسي، يظل الوضع الاقتصادي عاملاً حاسماً في مدى قدرة السلطة الحالية على تفادي غضب شعبي واسع لا تريده، فكيف يمكن تحقيق ذلك الهدف؟
الجزائر والنفط
ونبدأ قصة الاقتصاد الجزائري من تصريح الوزير المكلف بالتنبؤ بالأوضاع الاقتصادية، شريق بلميهوب، مؤخراً، بأن "الجزائر لم تعد من بلدان النفط".
وعلى الرغم من الدهشة التي انتابت البعض من تصريح بلميهوب، فإن أحد تفسيرات ذلك التصريح ربما يزيل أسباب تلك. صحيحٌ أن الجزائر بلد غني بالنفط والغاز وهي إحدى دول منظمة أوبك، فإنَّ تراجع أسعار النفط واعتماد اقتصاد البلاد بصورة أساسية على صادرات النفط والغاز، جعلا الإيرادات لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية، وربما كان هذا ما قصده بلميهوب.
وفي هذا السياق نشر موقع Al-Monitor الأمريكي تقريراً عن الوضع الاقتصادي للجزائر حالياً، شبَّه الأوضاع بسيارة نفد منها الوقود، ولذلك أسباب متعددة لا تتعلق فقط بتراجع أسعار النفط ولا حتى بالتداعيات الاقتصادية الكارثية لوباء كورونا، بل تمتد إلى ما هو أبعد وأعمق وتقف عند عتبات اندلاع الحراك الشعبي قبل عامين.
ففي الوقت الراهن وبينما تُواصل أسعار النفط ثباتها منذ عام 2014، ينفد وقت الحكومة الجزائرية وفرصها للمناورة، وبالتوازي، شهدت البلاد انخفاضاً هائلاً في حجم الصادرات، تزامناً مع انخفاض مبيعات النفط في الخارج بنسبة الثلث تقريباً بين عامي 2011 و2019، كما تشير الدلائل إلى مواصلة الانخفاض في المستقبل.
وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، تحتاج الجزائر إلى بلوغ سعر النفط 135 دولاراً للبرميل فقط للحفاظ على وضعها الراهن، فيما بالكاد تجاوز سعر خام برنت 60 دولاراً الأسبوع الماضي، وهو أعلى مستوى حققه منذ فترة طويلة.
والخيارات تبدو قليلة، ففي ظل خمول القطاع الخاص المنوط به تحمُّل جزء على الأقل من العبء الضريبي الذي يضمن الدعم المالي المقدم للجزائر، تدير البلاد اقتصادها -بالمعنى الحرفي للكلمة- كمركبةٍ نفد وقودها، بحسب تقرير "المونيتور".
وعلى سبيل المثال، ساعدت الاحتياطيات الأجنبية الهائلة الموجودة -في وقتِ تراجع أسعار النفط والغاز عام 2014- على دعم ميزانية البلاد، لكن الآن، بعد سبع سنوات، وبينما لم يتبقّ من احتياطات النقد الأجنبي سوى نحو 29 مليار دولار، لم يبق أمام الجزائر سوى عام تقريباً قبل أن تسقط نحو الهاوية.
تآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي للجزائر
وقصة الاحتياطي من النقد الأجنبي ربما تكون أكثر العناصر الكاشفة في الوضع الاقتصادي الراهن للجزائر.
فقبل عام من الآن، أي في فبراير/شباط 2020، أعلن محافظ البنك المركزي الجزائري وقتها، بن عبدالرحمن أيمن، أن الاحتياطيات الأجنبية للجزائر انخفضت 10.6 مليار دولار في تسعة أشهر، بسبب هبوط إيرادات الطاقة في البلاد، وفي ذلك التوقيت لم تكن جائحة كورونا قد بدأت بعد في الانتشار وإصابة الطلب على النفط بالشلل.
وفي ذلك الوقت قبل عام، قال أيمن إن الاحتياطي من النقد الأجنبي بلغ 62 مليار دولار. وكان هذا الرقم يقترب من 100 مليون دولار بنهاية عام 2017، وخلال السنوات الست منذ 2014 وحتى 2020، انخفض الاحتياطي من النقد الأجنبي في البلاد بأكثر من النصف.
وخلال العام الماضي، زاد الاستهلاك المحلي للهيدروكربونات؛ مما أدى إلى تقلص الاحتياطي المتاح للتصدير، وبعدما وافقت دول أخرى في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على خفض الإنتاج العام الماضي استجابة للوباء، لا تزال معظم الدول المنتجة للنفط تنتهك الحصة المقررة، فيما وجدت "سوناطراك" الجزائرية المملوكة للدولة، والمتعثرة بسبب إدارتها وسوء تخطيط استثماراتها، صعوبة في إنتاج الحصة المقررة.
وقال خبير شؤون الشرق الأوسط، جوناثان هيل، الباحث بكلية كينجز لندن، في حديث أجراه مع Al-Monitor الأمريكي: "الأمر يتعلق بالسيطرة مثلما هو الحال على الأصعدة الأخرى كافة، فعندما انخفض سعر النفط في الماضي، أثيرت ضجة حول السماح بالاستثمار الدولي على صعيد استكشاف آبار النفط والغاز، لكن مسؤولي البلاد غيروا رأيهم بسرعة ما إن انتعشت أسعار النفط مرة أخرى".
وبينما أثبتت الدولة ترحيبها بالتعديلات الجزئية للسياسة، فإن الإصلاح الشامل المطلوب للاقتصاد لا يزال بعيداً عن متناول البلاد. يقول هيل: "ليس لدى المسؤولين أي أفكار حقاً. لقد رأينا الاستعانة بالأشخاص أنفسهم للتعامل مع الأزمة مراراً وتكراراً على مدار سنوات، ولم تطرأ أفكار أو أشخاص جدد قادرون على القيادة، وهذا هو الوضع القائم منذ فترة".
هل هناك حلول لإنعاش اقتصاد الجزائر؟
وفي هذا السياق، قال جليل حرشاوي، الزميل البارز بالمبادرة العالمية ومقرها جنيف، لموقع Al-Monitor: "على مدى سبع سنوات، لم تفعل الحكومة شيئاً يُذكر فيما يتعلق بتنويع الاقتصاد".
وأضاف حرشاوي، إنه بالنظر إلى خطورة وضع احتياطيات الجزائر، فإن زيادة الصادرات من خلال استكشاف حقول نفطية جديدة تبدو مقامرة كبيرة للغاية. وقال: "من الممكن أن يعودوا إلى صندوق النقد الدولي أو الأسواق الدولية لجمع الأموال، لكن هذا سيبدو استسلاماً مهيناً"، مشيراً إلى أن الفخر باستقلال البلاد يتجاوز الحكومة ويعدّ جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الجزائري.
وأضاف: "بدلاً من ذلك، قد تتطلع الحكومة الجزائرية إلى صفقة مع الصين، أو إحدى دول الخليج. قد لا تكون التنازلات أكثر مرونة أو أفضل مما هي عليه مع صندوق النقد الدولي، لكن الاستسلام المهين المشار إليه لن يكون آنذاك بهذا الوضوح".
لكن، بغض النظر عن الحلول التي قد تعتمدها الحكومة الحالية، يجمع المحللون على أنه لابد من أن يكون حلاً دراماتيكياً يتناسب مع خطورة الموقف الاقتصادي، إذ يبدو أن الإعانات التي كانت توطّد العقد الاجتماعي الجزائري لا تفي بمتطلبات الجيل الجديد. كما أنه في مواجهة احتمالية تأجج الاضطرابات الشعبية، فإن مسار العمل الوحيد الذي تفضله الحكومة -وهو مواصلة عدم اتخاذ أي موقف- لن يصمد على الأرجح أمام ظروف البلاد التي تنقلب انقلاباً هائلاً.