أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقابلة استمرت 32 دقيقة مع القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، مساء الإثنين الماضي، 15 فبراير/شباط، هي المقابلة التلفزيونية الثانية له خلال 4 أيام. ليست هذه هي الطريقة التي تمضي بها حملات نتنياهو الانتخابية عادةً. فاستراتيجية رئيس الوزراء منذ عودته إلى السلطة في عام 2009 هي تعطيش وسائل الإعلام الإسرائيلية لمقابلاته، لسنوات كاملة أحياناً، ثُمَّ ما يلبث أن يمطرها سريعاً بالمقابلات في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، وبهذا تمنحه الاستوديوهات مقدار الوقت الذي يريد على الشاشة ليطرح أجندته، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وحاول نتنياهو -ونجح في ذلك بعض الشيء- التركيز على برنامج التطعيم في المقابلة التي أجراها مع أكثر البرامج الإخبارية رواجاً في إسرائيل، تُعَد هذه واحدة من أهم القضايا التي قد تحدد نتيجة الانتخابات. لكنَّها ليست القضية الوحيدة، وهناك 8 قضايا ستحدد نتيجة الانتخابات الإسرائيلية القادمة، في 23 مارس/آذار القادم.
1- العامل الأهم والأقوى في الانتخابات الإسرائيلية: المعركة حول سردية كورونا
لدى نتنياهو وجهة نظر قوية حول ذلك، فبفضل عمليات التطعيم التي تبنَّاها مبكراً باتت تل أبيب في طريقها نحو الخروج من الجائحة بصورة أسرع من البلدان الأخرى التي ضربها فيروس كورونا. لكنَّ هذا لم يمنحه دفعة في استطلاعات الرأي حتى الآن، لأنَّ عدداً كافياً من الناخبين الإسرائيليين يتذكرون أنَّ حكومته فشلت على مدار العام الماضي وطوال أشهر طويلة في توفير اختبارات مناسبة للفيروس، وفشلت في تقصِّي المخالطين، ولم تغلق مطار بن غوريون رغم معرفتها بأنَّ السلالة البريطانية تفد من الخارج، وفشلت ثلاث مرات في تجهيز استراتيجيات للخروج من حالات الإغلاق على المستوى الوطني، ولم تفرض تلك الإغلاقات على جمهور حلفاء نتنياهو من الأرثوذكس المتشددين. وهذا مجرد غيضٍ من فيض من طريقة التعامل المخزية والمُسيَّسة للغاية من جانب حكومة نتنياهو مع الجائحة، على حد تعبير "هآرتس".
مع ذلك، قد لا يكون الأوان فات، فخمسة أسابيع قد تكون مدة كافية لتغيير سردية فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في إسرائيل، لاسيما إذا ما كانت هناك المزيد من الأخبار الجيدة بشأن فاعلية اللقاحات من الآن وحتى الانتخابات، وإذا ما كانت خطط الحكومة لإعادة فتح البلاد فعالة ولم يعرقلها تفشٍّ آخر للعدوى.
2- قانون الحصانة من الملاحقة القضائية
واحدة من القضايا التي لا تعتزم أحزاب المعارضة تضييع الكثير من الوقت عليها هي محاكمة نتنياهو الحالية بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. إذ أقنعتهم خبرة الانتخابات الثلاثة الماضية، وكل استطلاعات الرأي الداخلية التي أجروها، بأنَّ الإسرائيليين متمسكون بقناعاتهم بطريقة أو بأخرى. فأولئك الذين يرفضون التصويت لحزب من شأنه المشاركة في حكومة يترأسها رئيس وزراء متهم قد اتخذوا قرارهم بالفعل منذ فترة طويلة.
لكن هناك جانب في محاكمة نتنياهو قد يؤثر على الناخبين، وهو تشريع يرغب في تمريره، من شأنه أن يمنح رؤساء الوزراء القائمين على رأس عملهم حصانة من الملاحقة القضائية، وهو ما يُعرَف بـ"القانون الفرنسي"، في إشارة إلى القانون الذي يحمي الرؤساء في فرنسا.
3- عامل الأرثوذكس المتطرفين في إسرائيل
بحسب أحد استطلاعات الرأي، يقول 61% من الإسرائيليين، بما في ذلك شريحة كبيرة من اليمينيين، إنَّهم لا يرغبون في رؤية حزبي "شاس" و"التوراة اليهودية الموحدة" الأرثوذكسيين المتشددين في الحكومة المقبلة. مع ذلك، لا يوجد إلا حزبان معارضان صغيران، "إسرائيل بيتنا" و"ميرتس"، هما اللذان يستهدفان شركاء نتنياهو الحريديم.
وحتى الآن، لا يستبعد منافسا نتنياهو الرئيسيين، يائير لابيد وجدعون ساعر، التعاون مع الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة بشكلٍ ما. وهما يركزان نيرانهما على نتنياهو، ولا يلمحان إلى تحالفه مع الحريديم إلا في سياق التعهد بـ"حكومة متعقِّلة" (لبيد) و"حكومة مستقرة" (سعار).
4- سقف "لبيد" من المقاعد في الكنيست
رسَّخ حزب لبيد "هناك مستقبل"، تقدماً واضحاً في استطلاعات الرأي أمام حزب ساعر، "أمل جديد"، بنحو أربعة مقاعد. لكنَّ حتى أفضل نتائجه في استطلاعات الرأي لا تمنحه أكثر من 19 مقعداً، ما يجعله الثاني بفارق كبير عن الليكود. وبالمناسبة، يُعَد 19 مقعداً هو أفضل عرض قدَّمه حزب "هناك مستقبل" على الإطلاق، في أول انتخابات شارك فيها في عام 2013. هل سقف لبيد المتمثل في 20 مقعداً بالكنيست غير قابل للكسر إذاً؟ وإن كان كذلك، وفي حال فشل نتنياهو في تحقيق أغلبية لكتلته اليمينية وترأس لبيد ثاني أكبر حزب، هل بإمكان هذا الأخير تشكيل حكومة؟
المرة الوحيدة التي نجح فيها رئيس وزراء في عمل ذلك بأقل من 20 مقعداً كانت في عام 2001، حين فاز أرئيل شارون بالانتخابات الإسرائيلية الوحيدة التي جرت على منصب رئيس الوزراء فقط. إذ منحه انتصاره الكاسح على إيهود باراك (62% مقابل 38%) تفويضاً، رغم حيازة الليكود لـ19 مقعداً فقط هي كل المقاعد التي كان قد فاز بها قبل ذلك بعامين. كانت تلك ظروفاً فريدة، ولبيد يعلم أنَّ أفضل ما يمكن أن يأمله بـ19 مقعداً هو التوصل إلى صفقة "تناوب"، سيتعين عليه فيها اقتسام مدة رئيس الوزراء مع ساعر أو نفتالي بينيت، زعيم حزب "يمينا"، (أو معهما كليهما ربما؟).
5- خُدَّام "العتبة الانتخابية"
قام 39 حزباً بالتسجيل للمشاركة في الانتخابات. يملك 14 منها فقط ما يمكن تسميته فرصة لتجاوز العتبة الانتخابية، ويحوم ما لا يقل عن 6 أحزاب حول مستوى العتبة. أخفق أحدها "الحزب الاقتصادي الجديد" بزعامة يارون زليخة، في تجاوز العتبة في كل استطلاعات الرأي الإعلامية التي أُجريَت منذ تدشينه في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، باستثناء استطلاعٍ واحد، ومن المتوقع أن ينسحب من السباق رسمياً.
وتُظهِر معظم استطلاعات الرأي أنَّ حزب "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، الذي كان قبل عام واحدٍ فقط لا يزال أكبر حزب في الكنيست، يُوشِك أن يدخل الصراع من أجل تجاوز العتبة الانتخابية. لكنَّ غانتس وشركاءه الكبار القلائل المتبقين يتعرضون الآن لضغوط متزايدة من أجل عدم تعريض الكتلة المناهضة لنتنياهو للخطر والانسحاب بصورة لائقة. ولا يُتوقَّع أن يتخذ غانتس قراره إلا قبيل نهاية الحملة الانتخابية، وسيكون حينها متأثراً باستطلاعات الرأي. وأيَّاً كان فقد يكون للقرار تأثير مصيري على النتيجة.
ولم يكن حزب "الصهيونية الدينية" بزعامة بتسلئيل سموتريتش يتجاوز العتبة الانتخابية حتى دبَّر نتنياهو عملية اندماج مع الحزب الكاهاني الجديد "عوتسما يهوديت" (العظمة اليهودية) وحزب "نوام" المناهض للمثلية الجنسية.
6- حزب العمل مقابل "ميرتس"
كان معظم المرشحين الذين يملكون فرصة جيدة للنجاح في دخول الكنيست على قوائم حزبي العمل وميرتس سيتمتعون بنفس القدر من الارتياح لو ترشحوا على قوائم الحزب الآخر. ويمكن قول الشيء نفسه عن الناخبين المتبقين للحزبين. فقبل ثلاثة أسابيع، حين كان حزب العمل ما يزال في حكومة نتنياهو رسمياً، كان الحزب يتراجع إلى ما دون مستوى العتبة الانتخابية وكان ميرتس يبدو آمناً. لكن في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، فازت ميراف ميكايلي، التي كانت قد رفضت الانضمام إلى الائتلاف، بانتخابات قيادة حزب العمل بأغلبية ساحقة وأحيت آمال حزبها. والآن بات ميرتس على الحافة.
إذ يملك الحزبان –اللذان خاضا الانتخابات على بطاقات مشتركة في آخر استحقاقين انتخابيين- في استطلاعات الرأي ما يشبه خزاناً مشتركاً يبلغ 10-11 مقعداً (نحو 9% من الأصوات). لكن كيف لهما أن يضمنا تقسيم الأصوات بينهما بطريقة لا تودي بأحدهما؟
في خطوة يبدو أنَّها مُنسَّقة، سلك الحزبان (اللذان وقعا اتفاق فائض أصوات لا يُفعَّل إلا في حال تجاوز كلاهما العتبة الانتخابية) مسلكين أيديولوجيين متعارضين. فراحت ميكايلي تقول في المقابلات إنَّها "رابينية" –كلمة ترمز إلى صقور الوسط البراغماتيين- وهدَّأت مؤقتاً نبرتها النسوية وبقيت صامتة بشأن الأرثوذكس المتشددين. في الوقت نفسه، صعَّد زعيم حزب ميرتس، نيتسان هورفيتس، حملته ضد الحريديم، ويصف الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بـ"الأبارتيد" (نظام فصل عنصري)، وبدأ -بمساعدة مرشحين بارزين من عرب 48 على قائمته- يستهدف ناخبي القائمة العربية المشتركة.
نجح الأمر في آخر مرة خاض فيها حزبا ميرتس والعمل الانتخابات بصورة منفصلة، في انتخابات 2019 الأولى، حين تجاوز كلاهما العتبة الانتخابية بقليل. وربما يمكنهما النجاح مجدداً.
7- الأحزاب اليمينية التي تعد باستبدال نتنياهو
حزبان آخران لا يمكن التمييز بينهما تقريباً هما حزب يمينا بزعامة بينيت وحزب أمل جديد بزعامة ساعر. وكلاهما حزبان يمينيان يعدان باستبدال نتنياهو بنسخة أصغر، أقل إثارة للإعجاب لكن يُؤمَل كذلك أن تكون أقل فساداً، من نتنياهو.
ويمثل كلا الحزبين مجموعة من السياسيين الذين سيبدون كما لو أنَّهم في بيتهم تماماً في حال انتقلوا إلى الحزب الآخر. الفارق الوحيد هو أنَّ لدى حزب يمينا نسبة أعلى قليلاً من المرشحين المتدينين مقارنةً بحزب أمل جديد، وأنَّه في حين يُصوِّر حزب يمينا نفسه باعتباره بديلاً لنتنياهو، فإنَّه لن يستبعد الانضمام إلى حكومة أخرى برئاسة نتنياهو.
واستناداً إلى الأفضلية البسيطة التي يتمتع بها حزب أمل جديد في استطلاعات الرأي، تحظى استراتيجية ساعر بقبول أوسع. وقد يتمكَّن من تعزيز الحزب ببضع مقاعد، في حين أنَّ مخزون أصوات بينيت أكثر عُرضة للاستمالة من جانب نتنياهو.
لكن حتى لو ظلَّ يمينا هو الأصغر بين الحزبين، فإنَّ بينيت قد يكون في موقعٍ أفضل بعد الانتخابات، لأنَّه قد يلعب دور صانع الملوك بين نتنياهو والكتلة المناهضة لنتنياهو. ولهذا السبب قد تكون المواجهة بين هذين الحزبين بالغة الأهمية.
8- اللغز العربي
تحوم علامة الاستفهام الكبرى في هذه الانتخابات حول الصوت العربي. فقبل عام، كانت نسبة مشاركة هذه المجموعة -64%- هي الأعلى منذ عقود، وصوَّت نحو 90% منها لصالح القائمة المشتركة. لكن ليس من المحتمل كسر أيٍ من هذين الرقمين القياسيين هذه المرة في ظل انقسام القائمة المشتركة، وتبذل الأحزاب "اليهودية" من ميرتس وحتى الليكود جهوداً جادة للفوز بالأصوات العربية.
تخسر القائمة المشتركة في استطلاعات الرأي متوسط ثلث مقاعدها الـ15 التي فازت بها العام الماضي، ومن المرجح جداً أن تخسر أكثر من ذلك. ويُحتَمَل خسارة بعض هذه الأصوات في حال فشلت "القائمة العربية الموحدة" في تخطي العتبة الانتخابية. وقد تضم هذه الأصوات كذلك الأصوات التي ستنقذ ميرتس، أو ربما حتى تمنح نتنياهو مقعده المنشود لتحقيق الأغلبية. لكنَّ تراجع القائمة المشتركة سيكون له تداعيات أخرى فضلاً عن ذهاب مقعد إضافي هنا أو هناك.