فيما خرج أعضاء النظام الإيراني بمسيرة عبر العاصمة، طهران، لإحياء يوم الثورة في العاشر من فبراير/شباط، كان محمود أحمدي نجاد يعقد تجمُّعه الخاص. إذ تجمَّع أنصار الرئيس السابق، الذي يثير حفيظة رجال الدين والليبراليين على حدٍّ سواء، خارج شقته في أحد أحياء إيران المتواضعة، وسألوا الله أن يمنحه ولاية رئاسية ثالثة. فضَّت الشرطة الجمع في نهاية المطاف، بسبب التجمُّع دون تصريح. واتهم نجاد، الرئيسَ الحالي المعتدل نسبياً، حسن روحاني، بـ"انتهاك حرمة الحرية".
استطلاعات الرأي: أحمدي نجاد الأوفر حظاً
وتقول مجلة The Economist البريطانية، إن نجاد فعل كثيراً من ذلك حين كان رئيساً. ففي عام 2009، بعد الفوز بولاية ثانية في انتخابات مثيرة للشكوك، سحق أكبر احتجاجات شهدتها إيران منذ الثورة في عام 1979. نظر إليه خصومه باعتباره مثير مشكلات شعبوياً. وحتى إن حلفاءه الأقوياء ازداد ضجرهم منه. لكن فيما تتجهَّز إيران للانتخابات في يونيو/حزيران المقبل، يفكر نجاد في الترشح. تقول استطلاعات الرأي إنَّه الأوفر حظاً، هذا في حال سمح له رجال الدين بالترشح.
شهد نجاد انطلاقته في عالم السياسة بالجامعة خلال الثورة، حين شارك في تأسيس مجموعة تُوحِّد الفصائل الطلابية الثورية. اتهمه البعض بالتورط مباشرةً في اقتحام السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز رهائن. لكنَّ نجاد ينفي ذلك. انضم لاحقاً إلى قوات الباسيج، وهي ميليشيا يديرها الحرس الثوري الإيراني، الذي يُعَد بدوره أقوى قوة أمنية لدى النظام. لكنَّ توليه منصب عمدة طهران كان ما ميَّزه باعتباره رجلاً محافظاً من الناس ومُعبِّراً عنهم. فبعد تعيينه في 2003، تراجع عن الإصلاحات الليبرالية التي جاء بها أسلافه، ونجح في نيل الدعم الشعبي بمساعدته كنَّاسي الشوارع على سبيل المثال في تنظيف القمامة.
أجرت إيران انتخابات رئاسية في عام 2005. حينها، كما هو الحال الآن، كان الجمهور غاضباً من الأفراد الفسدة داخل النظام الذين يتلاعبون بالاقتصاد. ورأى كثيرون في نجاد شخصاً سيواجه النخبة ويُجري عملية تطهير. كان ارتداؤه للقمصان الكاروه المتواضعة واستخدامه اللغة العامية في خطابات حملته الانتخابية يتناقضان مع رجال الدين. لكنَّه مع ذلك كان مدعوماً أيضاً من ناخبين محافظين، والأهم، من المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.
نجاد أول شخص من خارج دائرة رجال الدين فاز بالرئاسة في إيران
أصبح نجاد أول شخص عادي (ليس رجل دين) يفوز بالرئاسة منذ عام 1981. وخلال ولايتين رئاسيتين مثيرتين للجدل (من 2005 وحتى 2013)، ندد بأمريكا وإسرائيل والدول العربية، ما أدَّى إلى توتر العلاقات. وفي الداخل، زاد الإنفاق وأبقى على الدعم، فنال دعم الفقراء لكن تسبَّب في عجز كبير، على الرغم من عائدات النفط القياسية. وعانى أيضاً مع رجال الدين بسبب مسائل شخصية، فضلاً عن أسباب أخرى. وقد دعموا إعادة ترشحه في عام 2009 وقمع الاحتجاجات، لكنَّ العداء بين الطرفين تنامى.
فحين طلب نجاد من خامنئي الإذن بالترشح مجدداً في 2017، أخبره آية الله بأنَّ ذلك ليس في مصلحة إيران. ورفض مجلس صيانة الدستور في نهاية المطاف ترشحه، وهو الجهة التي تشرف على المسائل الانتخابية ويسيطر عليها خامنئي. اندلعت احتجاجات بسبب الوضع الاقتصادي في وقتٍ لاحق من ذلك العام. كان رد فعل نجاد حذِراً في البداية (ما أغضب البعض)، لكنَّه انتقد بعد ذلك كافة قادة إيران. وكتب مؤخراً رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يخبره فيها بألا يبقى في الحكم إلى الأبد. نُظِر إلى ذلك باعتباره رسالة مُوجَّهة إلى خامنئي. فأغلقت السلطات موقع نجاد وألقت القبض على بعض مستشاريه.
وفي حين تدهورت علاقة نجاد مع رجال الدين أكثر، يبدو أنَّ عداءه لأمريكا يتضاءل. فخلال مدته في منصب الرئاسة، حشدت أمريكا الدعم الدولي لعقوبات اقتصادية تهدف إلى وقف برنامج إيران النووي. وجعل خطاب نجاد التهديدي ذلك أسهل. لكنَّه دعا في عام 2019، الحكومة الإيرانية إلى التحدث مع الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب. ربما رأى نجاد شيئاً من نفسه في ترامب، وهو الآخر شخصية ديماغوغية شعبوية.
ماذا يفعل نجاد الآن؟
وينشر نجاد تغريدات على منصة تويتر (عكس ترامب الذي حُظِر منها). فيكتب ملاحظات إلى نجمة السينما الأمريكية أنجلينا جولي، ويقتبس عن مغني الراب الأمريكي الراحل توباك شوكار. وتحدث في يناير/كانون الثاني الماضي، مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية التي كثيراً ما يكون ضيوفها متشددين حيال إيران. وقال نجاد: "بعثتُ برسالة إلى الرئيس جو بايدن بعد انتخابه". لا يُعرَف نص الرسالة، لكنَّ الخطوة تشير إلى أنَّه قد يكون منفتحاً على الحوار مع الرئيس الأمريكي الجديد أيضاً. يقول أستاذ العلوم السياسية الإيراني صادق زيبا كلام: "إنَّه جريء بما فيه الكفاية لعمل ذلك، وعكس روحاني، لا يخشى غضب المرشد الأعلى".
لكن هل سيسمح له المرشد الأعلى بالترشح؟ قد ينظر رجال الدين إلى ترشُّحه باعتباره وسيلة للخروج من الانتخابات في وقتٍ تنتشر فيه خيبة الأمل من الوضع الراهن. لكن من الواضح أنَّهم لا يثقون به. من جانبه، يبقى نجاد متكتماً بشأن مستقبله. وبصرف النظر عن ترشحه من عدمه، يعتقد كثيرون أنَّه سيستمر في التأثير بالحياة السياسية.
يصفه المنتقدون، بأنَّه "طفل وقِح لا يمكن ترويضه". يقول سعيد جولكار، وهو مراقب للشأن الإيراني في أمريكا: "إنَّه يحاول أن يبقى مُهماً إلى حين وقت الأزمة. فإذا ما مات المرشد الأعلى أو انهار النظام، يريد أن يكون حاضراً لملء الفراغ".