جاء الطلب الإثيوبي من تركيا للتوسط في النزاع مع السودان ليثير تساؤلات حول النفوذ التركي في منطقة القرن الإفريقي واحتمالات حدوث وساطة تركية بين السودان وإثيوبيا، واستعداد أنقرة للقيام بهذه المهمة في ظل تغير علاقتها بالسودان بعد سقوط البشير، وموقف مصر من هذه الوساطة المقترحة في ظل توتر علاقتها مع تركيا.
وقال دينا المفتي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، أمس الثلاثاء، في حديث لوكالة الأناضول التركية إن إثيوبيا ستقدر -إذا عرضت- وساطة الحكومة التركية بشأن النزاع الحدودي الأخير مع السودان.
وجاء ذلك في خضم زيارة لوزير الخارجية الإثيوبي لأنقرة، افتتح خلالها مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو الاثنين الماضي مبنى السفارة الإثيوبية الجديد في العاصمة التركية أنقرة.
أول سفارة لتركيا في إفريقيا جنوب الصحراء كانت في إثيوبيا
في حديثه في حفل افتتاح مبنى السفارة الإثيوبية الجديد في العاصمة أنقرة، لفت جاويش أوغلو إلى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، مشيراً إلى أن تركيا افتتحت أول سفارة لها في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام 1926 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، موضحاً أن العلاقات بين الدولتين تعود إلى عام 1896، أي بدأت قبل 125 عاماً.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإثيوبي إن بلاده مستعدة لتعميق وتقوية التعاون مع تركيا. كما دعا الشركات التركية للاستثمار في بلاده.

وعلى مر السنين، أصبحت إثيوبيا الدولة غير الساحلية في القرن الأفريقي التي لديها ثاني أكبر سكان في إفريقيا وجهة رئيسية للمستثمرين الأتراك في القارة.
إذ تعد تركيا ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا، برأس مال استثماري يبلغ 2.5 مليار دولار، وفقاً لهيئة الاستثمار الإثيوبية، وتستهدف الدولتان حجم تجارة ثنائية بقيمة تبلغ مليار دولار.
ويعود ارتباط تركيا مع إفريقيا إلى اعتماد خطة عمل في عام 1998، لكن العلاقات تبلورت بالفعل في عام 2005 عندما أعلنت أنقرة "عام إفريقيا". منحت تركيا صفة مراقب من قبل الاتحاد الإفريقي (AU) في نفس العام.
سر النفوذ التركي القوي في القرن الإفريقي
ومع أن العلاقة بين البلدين اكتسبت زخماً في العقد الماضي بفضل توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتعميق علاقات بلاده مع الدول الإفريقية، إلا أن العلاقات والنفوذ التركي في القرن الإفريقي اكتسب زخماً خاصاً في ظل تزايد أهمية منطقة القرن الإفريقي في سياسات وصراعات الشرق الأوسط.
وأصبح لتركيا موطأ قدم راسخ في القرن الإفريقي، عبر تحالفها الوثيق هي وقطر مع الصومال.
وتتزامن هذه الشراكة الوثيقة بين تركيا والصومال، مع تحسّن في علاقة مقديشو مع إثيوبيا غريمتها التقليدية، إذ تدعم أديس أبابا العملية السياسية التي تقودها الحكومة الصومالية المدعومة من تركيا وقطر، كما أن لديها قوات حفظ سلام في الصومال ضمن القوة الإفريقية والدولية هناك.
فرّق تسُد أسلوب إثيوبيا مع الخليج وتركيا
تحاول إثيوبيا الاستفادة بشكل كبير من تناقضات منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، إذ عززت العلاقات مع السعودية والإمارات، وكذلك قطر وتركيا، كما حاولت لفترة التفريق بين مصر والسودان في أزمة سد النهضة.
بشكل عام، إثيوبيا هي الهدف الأكثر جاذبية في التدافع المستمر على القرن الإفريقي. ليس فقط بسبب مركزيتها الجغرافية، ولكن أيضاً الآفاق الاقتصادية والديموغرافية للبلاد تجعلها شريكاً لا غنى عنه للجهات الفاعلة الخارجية التي تحاول إنشاء مجال نفوذ في المنطقة.
وفي هذا الإطار، تواصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي مع البلدان الواقعة عبر البحر الأحمر للحصول على المساعدة المالية التي تشتد الحاجة إليها لتعزيز التحول الاقتصادي في البلاد.
السعودية والإمارات تتجاهلان مصر خلال تعزيزهما العلاقة مع إثيوبيا
حتى الآن، لعب الرئيس الإثيوبي بمهارة على الانقسامات بين شركائه لتسخير المساعدات والاستثمار مع البقاء على الحياد مع التركيز على جعل مصر خصمه الأساسي.
واللافت أن النجاح الأكبر لآبي أحمد كان في عزل الخلاف مع مصر عن علاقتها مع حليفيها الخليجيين الإمارات والسعودية، التي يبدو أنها تعززت في كافة المجالات رغم غضب القاهرة من مراوغات أديس أبابا في ملف النيل الذي لم يدفع أبوظبي والرياض لأي موقف حاد تجاه إثيوبيا عكس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي فرضت عقوبات على إثيوبيا بعد إفشالها الوساطة الأمريكية في أزمة سد النهضة.
في المقابل نظراً لقلق السعودية والإمارات من وجود إيران وقطر في إثيوبيا، فقد استثمرت الدولتان الخليجيتان بكثافة في البلاد. وعلى وجه الخصوص، التزمت الإمارات العربية المتحدة بمبلغ 3 مليارات دولار في الاستثمار والمساعدات (تم إيداع مليار دولار منها في بنك إثيوبيا الوطني).
ومن المتوقع أن تستفيد أديس أبابا من مشاريع البنية التحتية الأخرى التي تمولها الإمارات، مثل تطوير موانئ بربرة (أرض الصومال) وعصب، فضلاً عن خط أنابيب النفط من البحر الأحمر إلى إثيوبيا. أخيراً، كما يعتبر الشتات الإثيوبي في الخليج عنصراً حاسماً آخر في العلاقات الثنائية.
ولكن آبي أحمد حافظ على العلاقة مع تركيا وقطر
حافظت أديس أبابا على علاقات متوازنة مع قطر. بعد اندلاع أزمة الخليج في يونيو/حزيران 2017، بدأت الدوحة في التواصل بقوة أكبر مع إثيوبيا عندما أجبر الحصار القطريين على الاعتماد على دول ثالثة لواردات الغذاء. ونتيجة لذلك، بدأ رجال الأعمال القطريون الاستثمار في قطاع الأغذية الزراعية الإثيوبي، بينما أعرب آخرون مؤخراً عن اهتمامهم بقطاعي الضيافة والصحة. تم إرسال إشارة واضحة على العلاقات الثنائية الإيجابية في مارس 2019، عندما زار رئيس الوزراء آبي أحمد قطر.
كما بنت إثيوبيا شراكة قوية ودائمة مع تركيا، فإلى جانب دعم المدارس والمساجد، تعد أديس أبابا الوجهة الإفريقية الأولى للاستثمارات الأجنبية المباشرة التركية.

حتى الآن، كانت إثيوبيا أحد المستفيدين من المنافسة بين المحورين الإماراتي السعودي والتركي على التعاون في القرن الإفريقي. خصصت السعودية والإمارات وقطر وتركيا موارد كبيرة لدعم إثيوبيا، على الرغم من أن أديس أبابا ظلت محايدة بشأن القضايا السياسية الرئيسية المتعلقة بشركائها.
اللافت أن القاهرة وبشكل أقل السودان، هما الأكثر تضرراً من هذه المعادلة، وهذا يعود بشكل أساسي لعزوف حليفي القاهرة الخليجيين عن دعمهما أو ممارسة أي ضغط على إثيوبيا.
إذ يبدو أن مصالحهما الاقتصادية وحرصهما على مواجهة النفوذ التركي القطري أهم من مصالح مصر المائية التي وصفها حليفهما الرئيس عبدالفتاح السيسي بأنها مسألة حياة أو موت.
ما احتمالات حدوث وساطة تركية بين السودان وإثيوبيا؟
يتعلق إجابة هذا السؤال بدينامية العلاقة التركية السودانية، وخلفها العلاقات التركية المصرية الخليجية بقدر تعلقه بالخلاف الحدودي بين الخرطوم وأديس أبابا.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية قد قال في حديثه لوكالة الأناضول: "الحرب ليست على أجندتنا. إذا عرضت الوساطة من قبل تركيا، فإن إثيوبيا ستقدر ذلك"، يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية.
ومع وجود حدود مشتركة بطول 1600 كيلومتر (994 ميلاً)، تواجه إثيوبيا والسودان مشاكل تتعلق بمثلث حدودي متنازع عليها منذ عقود دون ترسيم حدود صعب، ويقول السودان إنه جزء من أراضيها باعتراف إثيوبي سابق، لكنه كان خاضعاً لهيمة عصابات إثيوبية قبل أن تفرض الخرطوم مؤخراً سيطرتها عليه خلال أزمة انشغال إثيوبيا في أزمة تيغراي.
وقبل سقوط نظام الرئيس السوداني عمر البشير الذي كان لنظامه رافد مرتبط بالإسلام السياسي، كان العلاقات التركية القطرية مع السودان جيدة نسبياً، حتى مع تقلب البشير بين المحورين التركي القطري والمصري الخليجي، بحثاً في الأساس عن منافع اقتصادية واستراتيجية لنظامه المتأزم.
ولكن سقوط البشير غيّر المعادلة السودانية، استثمرت المحور الخليجي المصري بكثافة بشكل كبير في دعم القادة العسكريين الذين أطاحوا بالبشير مستغلين الثورة الشعبية ضده.
وكان هذا الدعم نابعاً من الرغبة في إقصاء المكون الإسلامي السياسي في السودان، إضافة إلى دعمهما التقليدي للانقلابات العسكرية نكاية في الديمقراطية والإسلاميين على السواء، إضافة إلى أهمية السودان الاستراتيجية عامة، ودوره في توفير المرتزقة في حربي اليمن وليبيا.
ومنذ الإطاحة بالبشير وسّع الجناح العسكري للنظام رغم أنف الجناح الثوري علاقته مع مصر والسعودية والإمارات، ولعبت الأخيرة تحديداً دوراً محورياً في دفع السودان للتطبيع مع إسرائيل مقابل رفع اسمه من قوائم الإرهاب وتقديم مساعدات اقتصادية للبلد المأزوم اقتصادياً.
لم يحدث انهيار في العلاقات التركية القطرية مع السودان، ولكن الأكيد أنها أصبحت أدنى من السابق، لعوامل مرتبطة بتحالفات النظام السوداني الجديد مع مصر والسعودية والإمارات أكثر منها عوامل داخلية.
ويجعل هذا أي عائق محتمل أمام قبول السودان لأي وساطة تركية في النزاع مع إثيوبيا هو توجسه من إغضاب المحور المصري الخليجي أكثر من أي شيء آخر.
ولكن قد تستحق هذه النقطة التذكير بأن الإمارات والسعودية لم تدعما السودان ولا مصر في مواجهة إثيوبيا في أي خلاف، كما أنه من غير الواضح مدى الدعم المصري للسودان في نزاعه الحدودي الأخير مع أديس أبابا رغم أن ذلك يعد مصلحة واضحة للأمن القومي المصري، وأداة ضغط ثمينة في يد القاهرة على أديس أبابا البعيدة عنها.
على غرار الورقة اليونانية.. كيف ستنظر مصر إلى هذه الوساطة المحتملة؟
من المتوقع ألا تنظر القاهرة بارتياح إلى أي وساطة تركية بين السودان وإثيوبيا بالنظر إلى توتر العلاقات بين تركيا ومصر لأسباب سياسية وأيديولوجية بالأساس وليست استراتيجية.
والجدير بالذكر هنا أن العلاقات التركية مع إثيوبيا يمكن أن تمثل أداة ضغط في يد أنقرة في مواجهة استخدام القاهرة لعلاقتها مع اليونان وخاصة اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينهما الذي أغضب أنقرة.
فلقد وقعت القاهرة، اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع أثينا متجاهلة تركيا، (اليونان بدورها تجاهلت بتوقيعها الاتفاقية تفاهماً أبرم بوساطة ألمانية لعدم تحريك القضية).
واللافت أن مصر وقعت هذا الاتفاق رغم أن تركيا تقول إن عرضها على مصر كان أفضل ويعطي مصر مساحات أكبر، وهو حديث منطقي بما أن عملية ترسيم الحدود المصرية البحرية مع اليونان سيكون نقطة الأساس فيه الجزر اليونانية الأقرب لمصر من البر التركي الرئيسي الذي كان سيصبح نقطة الأساس في اتفاق ترسيم حدود بحرية بين القاهرة وأنقرة.

أي أن القاهرة تخلت عن مساحات بحرية لصالح اليونان (قد تكون غنية بالغاز)، نكاية في تركيا، كما أن القاهرة تعزز تعاونها العسكري مع أثينا في حديقة تركيا الخلفية البحرية، وهو ما قد يفتح الباب لأنقرة للعمل في ملف القرن الإفريقي وخاصة إثيوبيا كورقة ضغط مقابلة على القاهرة.
ولكن سيظل هناك قيود على احتمالات الاستخدام التركي لهذه الورقة في الضغط على القاهرة.
أبرزها أن النظام في تركيا عكس مصر، يتبنى أيديولوجيا إسلامية، تتحدث عن الأخوة بين شعوب المنطقة، ويؤكد العلاقة التاريخية والدينية مع مصر كبلد وشعب، وتؤكد تركيا وخاصة رئيسها رجب طيب أردوغان أن خلافها مع القاهرة ليس خلافاً مع مصر كبلد بل مع ما تصفه بالانقلاب على الديمقراطية وعزل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي المنتخب.
ورغم هذا الموقف التركي، فإن أنقرة حريصة على الفصل بين الخلافات الأيديولوجية والسياسية والشخصية وبين المصالح الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين التي ترى أنها لا تتعارض.
في المقابل فإن القاهرة تصر على الخلط بين الخلافات الأيديولوجية وبين المصالح الاستراتيجية (قد يكون الاستثناء في موقف القاهرة هو إبعادها للعلاقات الاقتصادية مع أنقرة عن الخلافات السياسية).
موقف ليّن مع إثيوبيا ومتصلب مع تركيا
والمفارقة هنا تظهر بين تصلب الموقف المصري مع تركيا وليونته اللافتة مع مواقف إثيوبيا المتصلبة والمراوغة.
فرغم أن ما تفعله إثيوبيا في قضية سد النهضة يتعدى تهديده لمصر مفهوم الأمن القومي إلى تهديد الحياة التي قامت على ضفاف وادي النيل منذ آلاف السنين، فإن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قابل ذلك بليونة مفرطة وصلت إلى جعل رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد يقسم على عدم الإضرار بمصر.
وبينما لم توجه مصر أي تهديد عسكري لأديس أبابا فإن النظام الإثيوبي يتحدث مراراً، عن التهديد العسكري المصري متوعداً بالرد على أي هجوم.
وفي إطار محاولاته إرضاء إثيوبيا، وقع الرئيس المصري اتفاق المبادئ المثير للجدل بشأن مياه النيل مع أديس أبابا والخرطوم، وشاركت القاهرة في كل مسارات التفاوض بما فيها المسار الذي يقوده الاتحاد الإفريقي رغم انحيازه الواضح، وانتهت كل هذه المسارات بالفشل، بل الأسوأ اختتم رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد أحد هذه الاجتماعات التي شارك فيها مع السيسي بالإعلان عن ملء السد دون رد فعل مصري يذكر.
في المقابل، فإن القاهرة تبدو تحفظاً على إشارت أنقرة الإيجابية لتجنيب الخلاف الأيديولوجي وحل القضايا الخلافية بين البلدين بما يحفظ مصالح البلدين، وتصعد خطابها الإعلامي تجاه تركيا (بشكل مبالغ فيه مقارنة بواقع العلاقة).
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن تهديد السيسي الشهير من مغبة تجاوز قوات حكومة الوفاق الليبية، المدعومة من تركيا للخط الأحمر الذي أعلن عنه بين سرت والجفرة، جاء بالتزامن مع تصعيد إثيوبي في ملف سد النهضة، قابلته القاهرة بالصمت ووجهت بدلاً منه تهديدها الشهير لحكومة الوفاق التي تحاول استعادة سرت علماً بأنها جزء من الغرب وكانت دوماً خاضعة لطرابلس قبل أن يستولى عليها حفتر خلال هجومه الشهير على العاصمة الليبية (قوات موالية للوفاق كان قد حررت من داعش قبل سنوات).
ويشير كل ذلك إلى إشكالية غريبة هي أن القاهرة تصعد في الخلافات الأيديولوجية مع أنقرة بينما تهدئ في الخلاف الجذري مع أديس أبابا (مثلما يفعل آبي أحمد مع مصر) وقد يكون ذلك لإلهاء شعبها عن المعضلة الحقيقية أو إعطاء الأولوية للخلافات الأيديولوجية على المصالح الاستراتيجية، أو لأنها في الأغلب لاتستطيع إيجاد حل لأزمة سد النهضة، بينما التصعيد الكلامي مع تركيا ليس هناك ضرر كبير منه.
هل تتحول الوساطة التركية المحتملة إلى أداة للتهدئة والتفاوض مع مصر؟
ولكن المتغير الجديد في العلاقة بين تركيا ومصر، الذي قد يؤثر على أي وساطة تركية بين السودان وإثيوبيا، أن هناك حديثاً عن عروض تركية محددة لمعالجة القضايا الإشكالية مع القاهرة، يقابلها تهدئة مصرية.
وفي هذا الإطار، أعرب نائب وزير الخارجية التركي سليم ياووز كيران، مؤخراً عن استعداد أنقرة لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مصر في البحر المتوسط، قائلاً إن بلاده تنظم عدداً من الفعاليات مع دول مطلة على المتوسط بما في ذلك مصر، من أجل تحديد مناطق النفوذ البحرية، وقبل ذلك تحدث الرئيس التركي عن لقاءات استخباراتية بين الجانبين.
كما أن الأجواء في منطقة الشرق الأوسط عامة تميل للتهدئة وفتح فرص إجراء تسويات مع ذهاب ترامب وقدوم إدارة بايدن للبيت الأبيض، وهو ما ظهر في المصالحة الخليجية والتهدئة السعودية التركية والخطاب الإماراتي الإيجابي تجاه أنقرة.
قد يبدو الخطاب التركي المصري الأقل وضوحاً بالنظر إلى أن القاهرة قد صعدت من خطابها العدائي لأنقرة لسنوات، والتحول لخطاب تصالحي يخالف السردية الأساسية للنظام المصري بشيطنة جماعة الإخوان المسلمين وقوى الإسلام السياسي المعتدل بما فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خاصة أن الأخير يحاول أن يفصل بين عودة العلاقات المصرية التركية لشكل أقرب للطبيعي عن موقفه الرافض للإطاحة بالنظام المنتخب ديمقراطياً في مصر.
وتظل أي وساطة تركية بين السودان وإثيوبيا وأي دور تركي في هذه المنطقة ورقة ضغط محتملة في يد أنقرة مقابل التحالف المصري اليوناني، ولكن تركيا ستستخدمها بحدود ضيقة على الأرجح، وقد يشكل ذلك تلميحات ضمنية أكثر منها صريحة لأن الابتزاز في هذا الملف سيخالف خطابها الذي يرفع من فكرة الأخوة مع مصر دولة وشعباً والخلاف مع النظام.
وقد ظهر ذلك واضحاً في علاقة تركيا مع أديس أبابا التي رغم أنها أصبحت قوية إلا أنها تكاد تخلو من أي إشارات سلبية تجاه مصر، عكس إثيوبيا التي حرص المتحدث باسم خارجيتها في معرض طلبه للوساطة التركية إلى التلميح إلى دور مصري لم يذكره بالأسم في الأزمة مع السودان، قائلاً: "إن بعض القوى تصنع "ثروة" من "الأزمة" في البلدان النامية مثل إثيوبيا".
فاستخدام أنقرة لطلب أديس أبابا وساطة تركية بين السودان وإثيوبيا، سيكون على الأرجح في معرض إبداء تركيا لحسن النوايا تجاه القاهرة من موقف قوة، بهدف حل القضايا الخلافية بين البلدين، وتأكيد أن نفوذ أنقرة في القرن الإفريقي لن يضر مصر، وأن أنقرة تتوقع موقف مماثل في ملف الخلافات التركية اليونانية.