في إجراءات لم تكن مفاجئة لدى الفلسطينيين والعديد من المراقبين، حذرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قيادات في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية من خوض الانتخابات الفلسطينية، ثم أتبعت التحذير باعتقالات لعدد من رموز الحركة البارزين والمتوقع ترشحهم.
ويبدو أنه لم يرُق لإسرائيل التوافق الأخير بين الفصائل، حيث تنفَّس الفلسطينيون الصعداء مع نجاح الفصائل في التوافق على إجراء الانتخابات المتعثرة منذ سنوات طوال، ثم صدور المرسوم الرئاسي بتحديد مواعيدها.
وفي تدخُّل مباشر في الانتخابات، اعتقل الجيش الإسرائيلي فجر الثلاثاء 16 فبراير/شباط 2021 في مدينة نابلس شمال الضفة، النائب السابق عن حركة "حماس" ياسر منصور، والقيادي بالحركة عدنان عصفور، وهما من أبرز قادتها بالضفة الغربية. وجاء ذلك بعد اعتقال قياديَّيْن آخرَين الأسبوع الماضي في مدينة جنين هما: عبدالباسط الحاج، وخالد الحاج.
عشرات الاستدعاءات لأعضاء حماس لمنعهم من المشاركة في الانتخابات
تأتي الاعتقالات بعد عشرات الاستدعاءات والاتصالات الهاتفية للمخابرات الإسرائيلية مع قيادات وأعضاء "حماس" تحذرهم فيها من خوض الانتخابات بأي شكل من الأشكال، حسب مصادر في الحركة تحدثت لوكالة الأناضول.
ومنتصف يناير/كانون الثاني الماضي أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسوماً حدد بموجبه مواعيد الانتخابات: التشريعية في 22 مايو/أيار، والرئاسية في 31 يوليو/تموز، والمجلس الوطني في 31 أغسطس/آب.
وعُقدت آخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي (البرلمان) مطلع العام 2006، وأسفرت عن فوز "حماس" بالأغلبية، فيما سبقها بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها الرئيس الحالي محمود عباس.
حماس: إسرائيل تستهدف التأثير على مسار الانتخابات الفلسطينية
واتهمت حركة حماس إسرائيل بأنها تستهدف التأثير على مسار الانتخابات الفلسطينية المقررة ابتداء من أيار/مايو المقبل. وقال مصدر مسؤول في حماس لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، إن إسرائيل بدأت منذ أيام باستهداف واسع للحركة وقياداتها في الضفة الغربية بغرض التأثير على الانتخابات والتحضيرات لها.
وذكر المصدر أن الجيش الإسرائيلي اعتقل عدداً من كبار قادة حماس في الضفة الغربية وعدداً آخر من الصف الثاني فضلاً عن تهديده العشرات من كوادر الحركة بعدم الانخراط في العملية الانتخابية. واعتبرت الحركة أن ممارسات إسرائيل "تعد تدخلاً مباشراً في التحضير الجاري للانتخابات الفلسطينية، ومحاولة مكشوفة لتقويض وإضعاف حماس ومنعها من خوض الانتخابات بقوة في ساحة الضفة الغربية".
من جهته، يرى وصفي قبها، الوزير السابق في الحكومة الفلسطينية العاشرة (التي شكلتها حماس بعد فوزها بانتخابات 2006)، في الاعتقالات "تدخلاً إسرائيلياً مباشراً في الانتخابات الفلسطينية".
ويضيف في حديثه للأناضول أن "التهديدات الإسرائيلية صريحة، وتقول إنهم لن يسمحوا بإجراء عملية انتخابية، ولن يسمحوا لحماس بأن تأتي مرة أخرى". وأضاف أن الملاحقات والاعتقالات تأتي أيضاً ضمن "ضغوط على غزة من أجل إعطاء معلومات حول الجنود والجثث (المحتجزين لدى حماس)".
وتحتجز "حماس" أربعة إسرائيليين في قطاع غزة، وترفض الكشف عن مصيرهم، قبل إفراج إسرائيل عن عشرات المعتقلين الفلسطينيين. وشنت إسرائيل منتصف عام 2006، حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية، طالت أغلب نواب حركة "حماس" في المجلس التشريعي في حينه، عقب أسر الحركة الجندي جلعاد شاليط في غزة.
ويقول قبها إن "حملة الاعتقالات الأخيرة مقصودة وانتقائية، والمعتقلون ليسوا أناساً عاديين، بل لهم مسيرتهم وحضورهم في العقود الأخيرة". وخلص إلى أن "اعتقال الشخصيات المؤثرة والمُلهمة لا شك سيؤثر على العملية الانتخابية، وإن كان بنسبة ضئيلة". ومع ذلك أعرب عن أمله في أن تكون الملاحقات "دافعاً لممارسة الشعب الفلسطيني حقّه في الانتخاب، وإفشال المخططات الإسرائيلية".
اعتقالات استباقية لضرب الانتخابات الفلسطينية
من جهته، يُذكّر فؤاد الخفش، مدير "مركز أحرار لدراسات الأسرى"، بانتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية وبانتخابات المجلس التشريعي في 2006 التي كانت تسبقها اعتقالات إسرائيلية.
ويقول للأناضول: "في كل مرة كان الاحتلال يحاول التدخل في المشهد الانتخابي باعتقال بعض الأشخاص الذين يعتقد أنهم مؤثرون وفاعلون، فهذا شيء متوقع وليس غريباً، بهدف خلط الأوراق". وأشار إلى أن الاعتقالات في الضفة الغربية مستمرة ولا تتوقف، لكن حِدتها تشتد في المناسبات مثل الانتخابات وذكرى تأسيس بعض الحركات وخاصة "حماس".
وأشار الخفش إلى وجود "اتصالات واستدعاءات وتهديدات إسرائيلية، واضحة وصريحة، طالت شخصيات فلسطينية محسوبة على حركة حماس، بعد إعلان مواعيد الانتخابات". ويستبعد الخفش "وجود أي ضمانات بعدم تدخل إسرائيل في الانتخابات"، مضيفاً: "هذا قرار للاحتلال، بأنه لن يسمح لحماس بالعمل في الضفة الغربية".
أما الدكتور أحمد رفيق عوض، مدير مركز القدس للدراسات، فيرى في تقييمه للمشهد أن "من الممكن جداً أن تؤثر الاعتقالات على العملية الانتخابية". ويضيف أن كل السيناريوهات ممكنة للتأثير على الانتخابات، مشيراً إلى "المتابعة الأمنية الإسرائيلية الدائمة، والاعتقالات الممنهجة لقيادات في حركة حماس وغيرها مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".
ويتابع عوض في حديثه للأناضول: "من الممكن أن تؤثر الاعتقالات على الانتخابات". ويلفت مدير مركز القدس هنا إلى "التأثير المباشر للأشخاص في العملية الانتخابية، فالانتخابات في بلدنا (فلسطين) تقوم على الأشخاص". ويكمل: "تغييب أشخاص أو تخويفهم يؤثر سلباً على المشهد الانتخابي، لأنها لا تعتمد على البرامج بقدر ما تعتمد على الأشخاص".
ليس بالاعتقالات فقط.. إسرائيل قد تعرقل الانتخابات بمنع إجرائها في القدس أيضاً
في السياق، يُصرّ الفلسطينيون على إجراء الانتخابات العامة في مدينة القدس المحتلة، كونها "العاصمة المستقبلية" لدولتهم التي يناضلون لتأسيسها، إلا أن إسرائيل، التي ترفض أي مظهر سيادي للفلسطينيين في المدينة المقدسة، لم تكشف بعد عن موقفها حيال عقد الانتخابات الفلسطينية.
تُشير تقديرات غير رسمية فلسطينية إلى أن نحو 340 ألف فلسطيني يعيشون في القدس الشرقية المحتلة. وتتمتع مدينة القدس بدرجة عالية من الخصوصية، نظراً لأهميتها الدينية والسياسية للشعب الفلسطيني. ونتيجة لاستيلاء إسرائيل على 84% من القدس خلال حرب عام 1948، ثم الاستيلاء على ما تبقى منها وضمها عام 1967، فقد انقسمت دائرة القدس الانتخابية إلى منطقتين: القدس الشرقية، وضواحي القدس التي تقع خارج منطقة القدس الشرقية، ويوجد فيها 30 تجمعاً سكانياً فلسطينياً.
وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، في يناير/كانون الثاني المنصرم، أن الحكومة "ستطلب رسمياً من إسرائيل عدم عرقلة الانتخابات بالقدس الشرقية". ولم يوضح أشتية موعد تقديم هذا الطلب الرسمي، فيما لم تعلق إسرائيل رسمياً على أقواله.
وشارك الفلسطينيون من سكان القدس الشرقية في الانتخابات الفلسطينية التي جرت في الأعوام 1996 (تشريعية)، و2005 (رئاسية)، و2006 (تشريعية). وجرت عمليات التصويت في حينه في 6 مراكز بريد إسرائيلية داخل القدس الشرقية، وتم إرسال أوراق التصويت عبر البريد للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية.
ولم توضح الحكومة الفلسطينية بعد كيف ستتصرف في حال منعت إسرائيل الانتخابات في القدس الشرقية. وأعرب مسؤول فلسطيني، رفض الكشف عن اسمه، في حوار سابق مع الأناضول، عن توقعه حدوث تحرّك من عدد من الدول الأوروبية والأجنبية والعربية في الأسابيع القادمة، للضغط على إسرائيل لمنع عرقلة الانتخابات في القدس.