6000 قنبلة ذرية تستطيع اليابان صنعها من مخزوناتها الحالية من البلوتونيوم، رغم أن البرنامج النووي الياباني ليس عسكرياً على الإطلاق.
تمثل اليابان اليوم حالة فريدة فيما يتعلق بعلاقتها بالأسلحة النووية، حيث تمتلك نحو 90% من جميع البلوتونيوم الذي يمكن أن يستخدم في صنع الأسلحة والذي تملكه دول غير مسلحة نووياً.
إذ إنها الدولة الوحيدة في العالم غير المسلحة نووياً التي لديها برنامج لإعادة معالجة الوقود النووي المستهلك من المحطات النووية، ولكن يبدو أن هذا الاحتياطي الهائل قد بدأ يثير حتى مخاوف أمريكا أقرب حلفاء طوكيو.
الدولة الثالثة في مخزون البلوتونيوم الصالح للأسلحة النووية بعد أمريكا وروسيا
فقط الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان "بلوتونيوم" يمكن أن يستخدم في صنع الأسلحة أكثر من اليابان.
وبلغت احتياطيات البلوتونيوم في اليابان مع نهاية العام الماضي 45.7 طن، وفقاً للجنة الطاقة الذرية بمكتب مجلس الوزراء، بعد انخفاض سنوي قدره 1.6 طن.
تمتلك اليابان احتياطيات محلية تبلغ 10.5 طن، بالإضافة إلى 36.7 طن تمت إعادة معالجتها من قبل بريطانيا وفرنسا، حتى نهاية عام 2017، لكن الاحتياطات المحلية انخفضت خلال العام التالي بسبب إعادة استخدام البلوتونيوم في وقود أكسيد البلوتونيوم المختلط (MOX) لتوليد الطاقة الحرارية، حسبما ورد في تقرير لموقع نيبون الياباني.
لماذا يحتاج البرنامج النووي الياباني لهذه الكميات؟
يمثل وقود أكسيد البلوتونيوم المختلط (MOX) المستخرج من البلوتونيوم المستهلك في محطات الطاقة النووية والمختلط باليورانيوم المستنفد وسيلة لتوليد الطاقة الكهربائية، إلا أنه أيضاً يمكن أن يستخدم في صناعة أسلحة نووية.
يتمثل أحد الجوانب المهمة والأساسية للطاقة النووية في أنه بدلاً من مجرد استخدام الوقود النووي الجاهز مرة واحدة ثم التخلص منه كنفايات، فإن معظمه يمكن إعادة تدويره، وهو ما يسمى إغلاق دورة الوقود النووي.
الوسيلة الحالية للقيام بذلك هي فصل البلوتونيوم وإعادة تدويره، مخلوطاً باليورانيوم المستنفد، لينتج وقود أكسيد البلوتونيوم المختلط ( (MOX).
يوفر وقود أكسيد البلوتونيوم المختلط، حالياً 5% من الوقود النووي الجديد المستخدم اليوم على مستوى العالم ويغذي حوالي 10% من الاستهلاك الفرنسي للوقود النووي.
ولكن مما يثير الريبة في اعتماد البرنامج النووي الياباني على إعادة استخدام الوقود النووي المستخرج من المفاعلات أن عملية إعادة المعالجة أغلى من استخدام اليورانيوم كوقود مباشرة.
وكان هناك جدل في العديد من دول العالم على رأسها الولايات المتحدة حول إعادة معالجة البلوتونيوم.
والحجة العملية لصالح إعادة المعالجة أنه على الرغم من أن اليورانيوم قد يكون وفيراً، فإن الأرض المناسبة للتخلص من النفايات النووية ليست كذلك، فإن المعالجة وسيلة للتخلص من النفايات النووية بدلاً من أساليب التخزين التي قد تكون غير آمنة.
رخصة استثنائية
يدار البلوتونيوم دولياً بشكل صارم لأنه يمكن استخدامه لصنع أسلحة نووية.
وعلى الرغم من أن اليابان بلد غير نووي، فقد سُمح لها بالحق الاستثنائي في امتلاك كميات كبيرة من البلوتونيوم المستخرج من وقود محطات الطاقة النووية الخاصة بها لأنه يُعاد استخدامه كوقود أكسيد البلوتونيوم المختلط بهدف إغلاق "دورة الوقود النووي". ويقال إن الحرب الباردة كانت دافعاً آخر للتخزين.
زادت احتياطيات البلوتونيوم في اليابان من حوالي 10 أطنان في عام 1993، إلى 40 طناً بحلول عام 2003. وتجاوزت الاحتياطيات 45 طناً منذ عام 2013، وهو ما يكفي لصنع 6000 قنبلة ذرية.
وقد أثار هذا مخاوف في الولايات المتحدة من أن خطر الإرهاب النووي سيزداد إذا قامت البلدان الأخرى بتقليد نهج اليابان باستخدام دورة الوقود النووي كمبرر لامتلاك البلوتونيوم، وهو ما دعا الكونغرس الأمريكي ودولاً أخرى لحث اليابان على معالجة هذا الوضع.
في يوليو/تموز 2018، وفي وقت تجديد اتفاقية التعاون النووي بين الولايات المتحدة واليابان، طلب الجانب الأمريكي من اليابان أن تسعى جاهدة لتقليل احتياطياتها من البلوتونيوم.
ورداً على ذلك وضعت الحكومة اليابانية سياسة بحيث لا تتجاوز الاحتياطيات المستوى في ذلك الوقت، الذي كان حوالي 47 طناً.
ومع ذلك ليس من السهل تنفيذ سياسة تخفيض احتياطيات البلوتونيوم بدقة. في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية التي حدثت عام 2011، والتي أدت إلى وضع طوكيو لقواعد صارمة بشأن إعادة تشغيل محطات الطاقة النووية، أصبح من الصعب على البرنامج النووي الياباني زيادة استهلاك البلوتونيوم بسرعة لأن كثيراً من المحطات خرجت من الخدمة.
المشكلة أن تقييد استخدام البلوتونيوم في معالجة وقود أكسيد البلوتونيوم المختلط والذي كان سبباً لزيادة الاحتياطيات، منذ وقوع الكارثة، يزيد من خطر تراكم الوقود النووي المستنفد.
انتقادات من الحلفاء
تهدف إعادة معالجة البلوتونيوم إلى إنشاء مصدر وقود جديد وخالٍ من الانبعاثات لليابان الفقيرة بالموارد، لكن حجم مخزونها بدأ يجلب الانتقادات، حتى من الحلفاء الذين يبدو أنهم قلقون من تضخم البرنامج النووي الياباني.
يمكن استخدام البلوتونيوم لصنع أسلحة نووية. على الرغم من تعهد اليابان بعدم استخدام هذه المواد للأغراض العسكرية، إلا أنها جمعت كميات من البلوتونيوم أكبر بكثير مما يمكنها استخدامه، نظراً لأن العديد من محطاتها النووية لا تزال غير متصلة بالإنترنت بعد كارثة فوكوشيما عام 2011.
يحذر الخبراء من أن المخزون المتزايد في البرنامج النووي الياباني قد يكون خطيراً في حالة وقوع كارثة طبيعية، مثل الزلزال والتسونامي الذي تسبب في انهيار فوكوشيما، وهو أيضاً هدف جذاب للإرهابيين.
الصين قد تسعى إلى أن تفعل مثلها
ولكن الخشية الأكبر من أن يشجع البرنامج النووي الياباني وزيادة احتياطي البلوتونيوم به القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك الصين، للضغط من أجل قدرة إعادة معالجة مماثلة، مما يزيد من كمية البلوتونيوم القابل للاستخدام في صنع الأسلحة النووية في آسيا.
بل إن البعض حذر من أن كوريا الشمالية يمكن أن تشير إلى المخزون على أنه ذريعة لتجنب نزع السلاح النووي.
تعهدت الحكومة اليابانية "بمعالجة خفض مخزونات البلوتونيوم" لكنها لم تقدم خريطة طريق.
تواصل العمل في الاتجاه ذاته رغم تعهداتها
على الرغم من الانتقادات، وما قابلها من تعهدات، واصلت الحكومة اليابانية العمل في مشروع يمتد على مدى عقود بمليارات الدولارات لبناء مصنع جديد لإعادة معالجة البلوتونيوم باستخدام التكنولوجيا الفرنسية والمحلية.
تتم معظم عمليات إعادة المعالجة حالياً في الخارج، ولا سيما في فرنسا، وقد واجهت اليابان مشاكل فنية في المنشأة الجديدة.
بلغت تكلفة محطة إعادة المعالجة المخطط لها، في أوموري بشمال اليابان، حتى الآن حوالي 27 مليار دولار، لكن المشكلات الفنية تعني عدم وجود أي مؤشر على موعد افتتاحها على الرغم من عقود من العمل.
يقول الخبراء إن تكلفة إعادة معالجة البلوتونيوم إلى وقود تصل إلى عشرة أضعاف تكلفة إنتاج وقود ثاني أكسيد اليورانيوم، مما يشير إلى عدم وجود دافع اقتصادي لليابان لاستخدام البلوتونيوم المستهلك في المحطات النووية.
وقال فرانك فون هيبل، الأستاذ بجامعة برينستون الذي يبحث في الحد من الأسلحة النووية وصنع السياسات: "فصل البلوتونيوم في اليابان مكلف للغاية وليس له أي فائدة اقتصادية أو بيئية".
ولكن البعض يرى أن العامل الاقتصادي ليس الدافع الوحيد لهذه العملية المثيرة للجدل.
سباق إقليمي
وسبق أن حذر توماس كنتريمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الحد من التسلح وعدم الانتشار، من أن برنامج طوكيو لإعادة المعالجة ينطوي أيضاً على خطر إثارة سباق إقليمي.
وقال للمشرعين اليابانيين: "في المنطقة ليس من مصلحة الولايات المتحدة أو اليابان أو العالم أن نرى كوريا الجنوبية أو الصين تقلد اليابان وتدخل في مجال إعادة المعالجة للوقود النووي".
هذا سيزيد من المنافسة الإقليمية في تكنولوجيا تقدم مخاطر أكثر مما تقدم فوائد".
تسعى الصين بالفعل لتطوير قدرتها على إعادة المعالجة بمساعدة شركائها الفرنسيين والروس، بينما تبحث كوريا الجنوبية عن تقنيات إعادة المعالجة ولكنها تواجه اعتراضات من دعاة حماية البيئة.
وتصر اليابان، الدولة الوحيدة في العالم التي تعرضت لهجوم بقنبلة ذرية، على أنها لن تستخدم البلوتونيوم أبداً لأغراض عسكرية.
وتخضع الاحتياطيات للرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لم تثر أي مخاوف مماثلة بشأن المخزونات اليابانية، علماً بأن طوكيو تقول إن البرنامج النووي الياباني يخضع إلى رقابة مشددة من الوكالة.
لكن بعض النشطاء يخشون أن تنظر اليابان إلى المخزون على أنه وسيلة لإبقاء خياراتها مفتوحة بشأن الأسلحة النووية.
وقال هيديوجي بان، المدير المشارك لمركز المعلومات النووية للمواطنين، وهو منظمة غير حكومية مناهضة للأسلحة النووية: "يبدو أن اليابان منخرطة في فكرة أنه في حالة الطوارئ يمكنها إنتاج أسلحة نووية بتقنية إعادة المعالجة".
كم من الوقت تحتاج اليابان لإنتاج قنبلة نووية؟
وهناك تقديرات أن علماء اليابان يحتاجون ما بين 6 إلى 12 شهراً لبناء قنبلة نووية.
عندما بدأت إيران تخترق الاتفاق النووي إثر خروج الولايات المتحدة منه، قيل إن طهران تحتاج إلى عام لإنتاج قنبلة نووية، ولكن العديد من الدبلوماسيين والخبراء النوويين يقولون إن القول بأن الوقت اللازم لإنتاج القنبلة النووية الإيرانية هو "سنة" هو تقدير مبالغ به وإن إيران ستحتاج إلى وقت أطول لتحقيق ذلك.
يعني ذلك أن اليابان على الأرجح تستطيع إنتاج قنبلة نووية أسرع من إيران التي يطارد العالم برنامجها النووي.
البعض يريد أسلحة نووية
ولا يخفي بعض القوميين اليابانيين الراديكاليين دعوتهم إلى ضرورة قيام اليابان بإعادة تسليح نفسها والحصول على أسلحة نووية.
يرى هؤلاء القوميون الخطر في كل اتجاه. فهناك الصين التي عوملت بوحشية من قبل اليابان، لكنها الآن قوية جداً بحيث يمكنها على الأرجح صد هجوم من الولايات المتحدة (وقد يعني هذا أن واشنطن قد لا تخاطر بدخول حرب معها دفاعاً عن اليابان).
في شبه الجزيرة الكورية هناك ديكتاتور مسلح نووياً، هو كيم جونغ أون، كان متهوراً بما يكفي لإطلاق الصواريخ على جزر اليابان الشمالية ذات مرة.
شرقًا عبر المحيط الهادئ الشاسع، سبق أن تساءل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بصوت عالٍ لماذا لا تحصل اليابان على أسلحة نووية خاصة بها، وتبدأ في الدفاع عن نفسها وانتشال القوات الأمريكية من المتاعب؟!
لكن كيف يمكن لدولة ممنوعة من امتلاك أسلحة هجومية حتى توجيه رأس حربي إلى هدفها؟
"ليس لدى اليابان صواريخ بعيدة المدى، لكن لديها قدرات إطلاق صاروخية فضائية.
إذا قرر اليابانيون، فيمكنهم بالتأكيد بناء ونشر صواريخ طويلة المدى مسلحة بأسلحة نووية"، حسبما يقول ستيف فيتر، الخبير النووي الأمريكي الذي عمل مع البيت الأبيض في عهد باراك أوباما لمدة خمس سنوات.
ويشتبه فيتر في أن بعض المسؤولين اليابانيين يحبون الاحتفاظ بهذا المخزون من البلوتونيوم لإرسال رسالة إلى جيرانهم، "كرمز لقدراتهم على إنتاج أسلحة نووية إذا اختاروا ذلك".
ويعتقد الأكاديميون اليابانيون ذوو الميول اليسارية أن الحزب الحاكم يضع اليابان على "منحدر زلق خطير"، عبر إعطاء الأولوية للنواحي العسكرية.
وبغض النظر عما إذا قررت اليابان الحصول على أسلحة نووية، فإن هناك من يرى أن مثل هذا القرار لن يأتي أبداً دون موافقة حلفائها وشعبها: "حتى في المستقبل، إذا قررت اليابان امتلاك أسلحة نووية سيكون ذلك بموجب معادلة.. تشمل موافقة الولايات المتحدة ".