يتميز كل جيل من الطائرات المقاتلة بسمات أساسية لا تكون موجودة في الجيل السابق، فإذا كان الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة يتميز بالقدرة على التخفي والتحول لشبح، فماذا يمكن أن يميز الجيل السادس؟
تصنيف أجيال الطائرات المقاتلة بشكل عام لا توجد له قاعدة متفق عليها، ويختلف التصنيف من دولة لأخرى، أو من خبير لآخر، لكن بشكل عام تميل الأغلبية للتصنيف على أساس المميزات الأساسية في الطائرة وانتشار تلك المميزات في غالبية الطائرات من نفس الطراز.
الجيل الأول حتى الرابع من المقاتلات
فالطائرات المقاتلة من الجيل الأول ظهرت في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، وكان ميزته الرئيسية أنه جيل من المقاتلات التي تعمل بالدفع النفّاث، وكان نظام الملاحة بها نظاماً بدائياً، ولا تحمل أنظمة رادار أو إجراءات وقاية ذاتية، وكان تسليحها عبارة عن مدفع رشاش ومدافع، أو قنابل وصواريخ لا تحمل نظام توجيه. ومن أبرز موديلات تلك المقاتلات الإف-86 الأمريكية وميغ-15 وميغ-17 السوفييتية.
أما مقاتلات الجيل الثاني، التي ظهرت بعد الحرب الكورية 1950-1953، فقد تميزت بوجود ما يعرف بجناح الاجتياح الذي يضاعف سرعة الطائرة إلى ماك-2 عند الحاجة، إضافة إلى وجود رادار لتحديد المدى، لكن الميزة الأهم كانت تسليحها بالصواريخ الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، لتوفير دقة نسبية في إصابة الهدف، ومن أبرز موديلات الجيل الثاني المقاتلة إف-104 ستارفايتر الأمريكية، من إنتاج لوكهيد-مارتن، والميغ-21 الروسية.
وقامت فلسفة الجيل الثالث من المقاتلات على قاعدة أساسية، هي القدرة على القيام بأدوار متعددة من خلال تسليحها بأنواع متعددة من الذخائر مثل الصواريخ جو-أرض والقنابل الموجهة بالليزر، إضافة إلى القدرة على الاشتباك في معركة جوية مع مقاتلات خارج نطاق الرؤية البصرية من خلال الرادار النبضي، الذي أصبح ميزة أساسية في ذلك الجيل من المقاتلات.
وكانت السرعة الأسرع من الصوت أيضاً من مميزات الجيل الثالث من المقاتلات، إضافة إلى الصواريخ ذاتية التوجيه، القادرة على إسقاط أهداف خارج نطاق الرؤية البصرية، علاوة على وجود أنظمة تحذير من التضاريس الأرضية عند الطيران المنخفض، ومن أبرز موديلات مقاتلات هذا الجيل فانتوم-4 والإف-111 وميغ-23 وسوخوي-17 الروسية.
ثم ظهرت مقاتلات الجيل الرابع، التي تتميز بمستويات عالية من الحركة، ودرجة من دمج وسائل الاستشعار، ورادار دوبلر نبضي، وتقليص التوقيع الراداري، وواجهات التحكم الإلكترونية، والصواريخ الموجهة للأسفل، وغيرها من الإمكانات.
ولا يزال يجري إنتاج مقاتلات جديدة من الجيل الرابع، لذا ربما قد يكون ذلك الجيل هو الأكثر غموضاً بين كل أجيال الطائرات المقاتلة. ونتيجة لذلك، غالباً ما تُقسّم مقاتلات الجيل الرابع إلى أجيال فرعية، مثل 4، و4+، و4++. وكثيراً ما تحمل تلك الطائرات الأكثر تقدماً من الجيل الرابع بعض قدرات وإمكانات مقاتلات الجيل الخامس، ولكن ليس جميعها.
ماذا يميز مقاتلات الجيل الخامس؟
في عام 2005، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة في العالم تستخدم طائرة مقاتلة من طراز الجيل الخامس Lockheed Martin F-22 Raptor، وعند مقارنة المقاتلة F-22 بسابقاتها من مقاتلات الجيل الرابع، نجد أن الميزة الأوضح التي تنفرد بها، إضافة إلى المواصفات الأخرى بالطبع، تمثلت في القدرة على التخفي، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
وفي هذا السياق غالباً ما تأتي مسألة تحديد أجيال الطائرات من داخل مجتمع الطيران نفسه، إذ يأتي كل جيل بقائمة ذاتية من القدرات والإمكانات التي قد تكون موجودة في بعض الطائرات السابقة، ولكنها أصبحت من المتطلبات العامة للطائرات المقاتلة في الجيل الجديد.
وفي حالة أول طائرة مقاتلة من الجيل الخامس، F-22 Raptor، فإن السمة المميزة الأهم فيها عن سابقاتها من مقاتلات الجيل الرابع هي أن قدرات التخفي أصبحت جزءاً أساسياً من تصميم الطائرة. بعبارة أخرى، بدلاً من تصميم طائرة مقاتلة مع مراعاة الديناميكا الهوائية والأداء، ثم البحث عن طرق للحد من التوقيع الراداري، صُممت الطائرات F-22 مع وضع قدرات التخفي على رأس الأولويات من اليوم الأول.
وبالتأكيد ليس هذا هو كل ما يجعل المقاتلة F-22 مميزة، بالرغم من أنها في الواقع أول مقاتلة شبحية فعلية على سطح الكوكب. تمتلك الطائرة العديد من السمات الأخرى المميزة لمقاتلات الجيل الخامس، إذ تأتي بأنظمة اتصالات حاسوبية عالية التكامل مع قدرات شبكية أخرى. وهي أيضاً طائرة عالية الأداء قادرة على العمل في عدة أدوار. ونتيجة لذلك، تمتاز الطائرة بدرجة أعلى من "الوعي بالموقف" عن الطرازات الأقدم.
كما تمتلك المقاتلة F-22 قدرات فائقة في الانطلاق، وهو ما يعني قدرتها على الحفاظ على سرعات تفوق سرعة الصوت، دون استخدام وحدات الدفع الإضافية. ونتيجة لذلك، عند اعتراض مقاتلة مثل F-22، ستتمكن بفضل الانطلاق الفائق من الاقتراب من طائرات العدو بسرعات عالية للغاية، مع توفّر الوقود الكافي للقتال بمجرد وصولها. بينما في المقابل، ستحرق طائرة الجيل الرابع متعددة الأدوار في القوات الجوية الأمريكية، F-16 Fighting Falcon، كل الوقود الموجود على متنها في ظرف دقائق عند تشغيل محركات الدفع الإضافية.
ماذا عن مقاتلات الجيل السادس إذن؟
ولهذا السبب اعتبروا أن قدرات الانطلاق الفائق من السمات المميزة لمقاتلات الجيل الخامس، ولكن لم يستمر ذلك الطرح لعدم امتلاك أي طائرة أخرى من الجيل الخامس لتلك السمة حتى الآن؛ إذ لا تتوفر قدرات الانطلاق الفائق إلا في المقاتلة F-22 من بين طائرات جيلها حتى وقتنا الحالي، ما يجعلها سمة إضافية قيّمة، ولكنها ليست خاصية مميزة لمقاتلات هذا الجيل.
حتى الآن، توجد 4 طرازات من مقاتلات الجيل الخامس في العالم: F-22 وF-35 الأمريكتين، وJ-20 الصينية، وSu-57 الروسية، في مقابل أكثر من 25 طرازاً مختلفاً من مقاتلات الجيل الرابع. ويمكن تلخيص ما يميز تلك المقاتلات الأربع على وجه التحديد عن المقاتلات الأحدث والأكثر تقدماً من الجيل الرابع، مثل F-15EX في النقاط التالية:
"قدرات التخفي ودرجة عالية من الحركة والقدرة على المناورة وأنظمة إلكترونيات طيران متقدمة وقدرات أداء متعددة الأدوار وقدرات دمج الشبكات أو البيانات".
ورغم أن المقاتلة الروسية "سو-27" هي آخر مقاتلات الجيل الرابع الرئيسية التي دخلت الخدمة، فإن تصميمها الناجح للغاية، وكونها كبيرة وقوية بما يكفي لتحمل عدداً من التعديلات والتحسينات، ربما يستمر إنتاجها ومشاركتها في الخدمة لبعض الوقت.
وبينما لا يزال البعض يناقش السمات الدقيقة لمتطلبات مقاتلات الجيل الخامس، تتوفر بعض تلك القدرات في مقاتلات الجيل الرابع، ولكن يجب أن تكون جميعها موجودة معاً في أي مقاتلة تنتمي إلى الجيل الخامس. وهذا يدفعنا إلى التساؤل: ما المعايير المرتقبة لمقاتلات الجيل السادس بينما لا تزال مقاتلات الجيل الخامس نادرة جداً؟.