يعقد زعماء دول الساحل الإفريقي الخمس ونظيرهم الفرنسي إيمانويل ماكرون قمة على مدار يومين هذا الأسبوع لمناقشة الوجود الفرنسي في البلاد، والحرب ضد الجماعات المسلحة في المنطقة المضطربة، حيث تبحث باريس عن دعم يتيح لها خفض العديد من قواتها فيها.
وتخوض فرنسا حرباً بلا أفق في الساحل الإفريقي منذ عام 2013، وبدل أن تطرد الإرهابيين والانفصاليين، انتشرت التنظيمات المسلحة في بلدان الساحل حتى وصلت إلى حدود كوت ديفوار، المطلة على المحيط الأطلسي. فيما تواجه باريس رفضاً شعبياً لتواجدها في كل من (مالي، النيجر، بوركينافاسو، تشاد، وموريتانيا)، وتتهم بتعزيز نفوذها في مستعمراتها السابقة.
ومن المقرر أن يلتقي رؤساء دول ما يسمى دول الساحل الخمس، أو "G5" في العاصمة التشادية نجامينا، في حين سيحضر الرئيس الفرنسي عبر الفيديو، في القمة التي ستعقد على مدار يومي الإثنين والثلاثاء 15 و16 فبراير/شباط 2021، لمناقشة هذه الملفات.
هل يسحب ماكرون قواته من الساحل الإفريقي؟
أدى الصراع في الجزء الغربي من منطقة الساحل بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة المرتبطة بداعش والقاعدة إلى تدمير المناطق شبه القاحلة بجنوب الصحراء الكبرى خلال معظم العقد الماضي، مما تسبب في أزمة إنسانية كبيرة في الساحل الإفريقي.
وظهرت الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل في شمال مالي أولاً في 2012، خلال تمرد قام به انفصاليون من الطوارق، وتدخلت فرنسا لدحر المتمردين، لكن المسلحين تفرقوا إلى وسط مالي ثم إلى بوركينافاسو والنيجر.
ولقي ما يقرب من 7000 شخص مصرعهم بسبب تفاقم القتال العام الماضي. في أواخر يناير/كانون الثاني، حذرت الأمم المتحدة من أن "العنف المستمر" أدى إلى نزوح أكثر من مليوني شخص داخلياً.
ويتمركز نحو 5100 جندي فرنسي في جميع أنحاء منطقة الساحل، إلى جانب شركاء من الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا. ومن المتوقع أن تعلن القمة عن سحب مئات الجنود من عمليتها العسكرية التي تسمى "برخان" في المنطقة.
ورغم حديث باريس عن تحقيق "نجاحات عسكرية" في دول الساحل الإفريقي، لا تزال التنظيمات المسلحة تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي وتشن هجمات إرهابية دامية بلا هوادة. وقتل ستة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي هذا العام وحده، وخسرت فرنسا خمسة جنود منذ ديسمبر/كانون الأول.
ورفعت الهجمات الأخيرة أيضاً عدد القتلى الفرنسيين في المعارك في مالي إلى 50، ما استدعى نقاشاً في الداخل الفرنسي حول كلفة "عملية برخان" والفائدة منها. وفتح ماكرون الشهر الماضي الباب أمام إمكانية الانسحاب، ما يشير إلى أن فرنسا قد "تعدّل" التزامها العسكري، بحسب "فرانس برس".
شركاء ماكرون محبطون من خططه التي فشلت في تغيير الأوضاع في الساحل الإفريقي
وقبل عام، سعت باريس في قمة باو الفرنسية، إلى إعادة تأكيد "دعم حكومات دول الساحل في مواجهة المشاعر المعادية لفرنسا المتزايدة مؤخراً"، و"مضاعفة حلولها العسكرية لأزمة المنطقة". وبموجب هذا النهج، أرسلت فرنسا قوات إضافية إلى عملية برخان، ووعدت بتنفيذ اتفاقية تبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق عسكري متكامل مع الدول الخمس، وقالت إنها ستكثف التدخل في منطقة "الحدود الثلاثية"، وهي النقطة الواقعة بين بوركينافاسو ومالي والنيجر، والتي تشهد أعنف عمليات القتال.
خلال خطاب ألقاه أمام جيشه في فرنسا الشهر الماضي، أشار ماكرون إلى أن "الإجراءات المتخذة في قمة باو قد نجحت" ووصف عام 2020 بأنه "عام من النتائج في منطقة الحدود الثلاثية"، مضيفاً أن "القمة الجديدة ستمضي في مسار لم يتغير: الاستقرار والنصر على الإرهابيين"، حسب تعبيره.
ومع ذلك، دعا تقرير صادر عن مجموعة الأزمات الدولية (ICG) في وقت سابق من هذا الشهر إلى "تصحيح المسار" في نهج فرنسا، مشيراً إلى أن العديد من داعميها الدوليين وحتى بعض المسؤولين الفرنسيين "محبطون من نتائج خطط ماكرون إلى حد كبير".
وتقول هانا أرمسترونج، كبيرة المحللين الاستشاريين في (ICG) لمنطقة الساحل الإفريقي: "في المناطق التي تم فيها تحقيق انتصارات ضد الجماعات الإرهابية، لم تعد الأمور إلى طبيعتها.. فكرة ماكرون كانت تقول: تخلصوا من الإرهابيين وبعد ذلك يمكن انتشار الدولة، لكن هذا في الحقيقة هذا لا يحدث".
وأضافت أرمسترونج أن المشاعر المعادية لفرنسا في الساحل الإفريقي تتصاعد، وهي إحدى القضايا التي وعد ماكرون بمعالجتها في قمة باو العام الماضي، لكن لم تتحسن على الإطلاق. وفي 20 يناير/كانون الثاني 2021، فرقت القوات المالية حشداً من المتظاهرين ضد الوجود العسكري الفرنسي في البلاد بالغاز المسيل للدموع.
وتقول أرمسترونج: "أعتقد أن قادة الساحل في وضع صعب للغاية، إنهم عالقون إلى حد كبير بين ما تريده فرنسا وما يريده شعوبهم".
الخلافات ليست محصورة فقط بين شعوب الساحل الإفريقي وفرنسا
بالإضافة إلى الرفض الشعبي للوجود الفرنسي، تتصاعد الخلافات بين حكومات الساحل الإفريقي وباريس، حول أساليب وخطط ماكرون لحل الأزمة في المنطقة، وبرز المزيد من الاختلاف بعد رغبة بعض قادة الساحل في التفاوض مع الجماعات المسلحة بعد فشل كل الخيارات العسكرية، وهو أمر تقول فرنسا إنه لا ينبغي أن يكون ضمن جدول الأعمال.
وفي 4 فبراير/شباط 2021، قال رئيس وزراء بوركينافاسو إن البلاد تتطلع إلى بدء مفاوضات السلام مع الجماعات المسلحة النشطة في شمال وشرق البلاد. وفي العام الماضي، بدأ الرئيس المالي السابق إبراهيم بوبكر كيتا مفاوضات مماثلة. ومن المرجح الآن أن يتم تناول هذه القضية مع القادة في قمة نجامينا.
وأحد الأشياء التي استغلتها فرنسا لإظهار نجاح عملياتها، هو أن جماعة "نصر الإسلام والمسلمين" -فرع تنظيم القاعدة في الساحل- وداعش في الصحراء الكبرى، بعد أن توحدوا في حملتهم ضد الفرنسيين العام الماضي، قد بدأوا يقاتلون بعضهم البعض. وقال مصدر استخباراتي لقناة الجزيرة الإنجليزية، إن المعارك قد تكون بسبب خلافات على طرق التهريب، لكن مهما كان السبب، فقد أدت إلى إضعاف الجانبين.
ويقول جود ديفيرمونت، مدير مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة: "لقد ساء الوضع في منطقة الساحل بشكل واضح خلال العام الماضي.. إن مبادرات قمة باو التي تم تضخيم نتائجها إعلامياً، كانت مخيبة للآمال. كما أن "التحالف من أجل الساحل"، الذي يقول إنه يهدف إلى الجمع بين بلدان الساحل والشركاء الدوليين، بالكاد يحرز أي تقدم.
فرنسا تبحث عمن يخفف عنها أعباء المهمّة عنها لتبرير الانسحاب
في السياق، تسعى فرنسا لإقناع شركائها الأوربيين بتقاسم بعض الأعباء العسكرية وتبرير الانسحاب المتوقع للقوات. ومن خلال ما يعرف بقوة "تاكوبا" -مهمتها تدريب القوات المالية وتوسيع نطاق المشاركة في عملية مكافحة التنظيمات الجهادية- قد يتم نشر ما يصل إلى 150 من القوات الخاصة من دول الاتحاد الأوروبي في الساحل الإفريقي، مع إرسال التشيك وإستونيا والسويد بالفعل قوات محدودة.
وربما يعكس التخفيض في أعداد القوات السياسات الداخلية الفرنسية، حيث تعارض أصوات كثيرة للعمليات في مالي، خصوصاً في ظل استمرار تصاعد المشاعر المعادية لفرنسا بين سكان الساحل. وربما تعتمد فرنسا على الدول الأوروبية، من خلال "قوة تاكوبا"، لإعادة ملء أي تعديلات أو انسحابات، بين قوات مهمة "برخان" الفرنسية.
في السياق، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش يوم الجمعة 12 فبراير/شباط، بياناً حثت فيه دول الساحل على "معالجة المزاعم المتكررة طوال عام 2020 بشأن الفظائع التي ارتكبتها قوات الأمن في دول الساحل". وجاء في البيان: "على رؤساء الدول المتجمعة في تشاد الالتزام بحماية حقوق المدنيين والمحتجزين والتحقيق في الانتهاكات المزعومة خلال عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل".