يعمل المسؤولون السعوديون على إصلاح النظام القضائي في البلاد إصلاحاً شاملاً بحلول نهاية هذا العام، وذلك جزئياً لجذب المستثمرين الذين يقلقهم غياب إطار قانوني واضح.
إذ تدرس السلطات إصلاح نظام قضائي اعتاد منح القضاة سلطة تقديرية واسعة لإصدار أحكام تستند إلى تفسيرات فردية للشريعة الإسلامية. ويقول محللون ومسؤولون إن هذا النظام يُشعر المستثمرين في السعودية وخارجها على حد سواء بالخطر، لأنه قد يؤدي إلى أحكام متضاربة من قضاة مختلفين بل وفي قضايا متشابهة، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد قال في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية في وقت متأخر من يوم الإثنين 8 فبراير/شباط، إن التشريعات ستظل متماشية مع الشريعة الإسلامية، لكن هذه الإصلاحات "ستسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام" و"تحد من الفردية في إصدار الأحكام". وأضاف أن بعض هذه الإصلاحات ستساعد النساء بصفة خاصة.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الأمير قوله يوم الإثنين إنه يجري وضع اللمسات النهائية على مشاريع القوانين الجديدة، وهي مشروع نظام الأحوال الشخصية ومشروع نظام المعاملات المدنية ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية ومشروع نظام الإثبات، ثم ستطرح على الحكومة والهيئات المعنية بالإضافة إلى مجلس الشورى قبل الموافقة النهائية عليها.
وقال الأمير محمد، في بيان، إن القوانين الجديدة "ستمثل موجة جديدة من الإصلاحات، التي ستُسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوح حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام".
تقول كريستين ديوان، الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: "هذه الإصلاحات قد تكون لها أهمية كبيرة. إذ إن هذا الافتقار إلى التنظيم يمثل مشكلة حقيقية لتطلعات محمد بن سلمان لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمزيد من الشركات الأجنبية والسياح إلى المملكة".
أحكام بديلة
قال الأمير إن المسؤولين يجهزون أربع لوائح جديدة لتنظيم المعاملات المدنية والقانون الجنائي ونظام الإثبات و"الأحوال الشخصية" أو قانون الأسرة.
وقال مسؤول سعودي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن القواعد الجديدة للمعاملات التجارية ستأخذ في الحسبان التكنولوجيا الحديثة وستوفر حلاً أكثر تنظيماً للنزاعات، مما يقلل من تكلفة المخاطر على المستثمرين الأجانب.
وقال المسؤول إن مشاريع القوانين ستعمل أيضاً على توحيد القانون الجزائي، وفرض عقوبات وأحكام محددة للجرائم. وتدرس السلطات إدخال "عقوبات بديلة" لعقوبة السجن، مثل خدمة المجتمع.
و"قانون الأحوال الشخصية" الذي ينظم أموراً مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال سيجعل المملكة أكثر توافقاً مع دول الخليج الأخرى.
وقالت كريستين ديوان: "أتوقع أن تعزز إصلاحات قانون الأحوال الشخصية الجهود الأخيرة لمنح المرأة استقلالية أكبر".
فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، خفف الأمير محمد بعض القيود الاجتماعية في الدولة الإسلامية التي كانت ذات يوم متشددة، فأنهى الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات وسمح لهن بالسفر دون إذن من ولي الأمر.
على أن كريستين قالت إن هذه الإصلاحات في النظام القضائي "لا تتعلق بحقوق الإنسان".
وقالت: "الإصلاحات ستأخذ السلطة من القضاة وليس من حكام البلاد. وبهذا المعنى، تتكامل هذه الخطوة مع الإجراءات الأخرى المتخذة لتقليص سلطة المؤسسة الدينية".
ووجهت للرياض، على سبيل المثال، انتقادات دولية لفترة طويلة بشأن نظام ولي الأمر وجرى إصلاح هذا القانون في أغسطس/آب 2019.
وتعد قضية القوانين في المملكة العربية السعودية تمثل بين الحين والآخر جدلاً في الأوساط العالمية، مما دفع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز للبدء في تغيير بعض اللوائح عام 2007 عندما أصدر عدداً من الأوامر الملكية في خطوة أولية مهدت الطريق لإجراء تعديل على النظام القضائي في المملكة. وشمل ذلك إنشاء المحكمة العليا باعتبارها أعلى سلطة قضائية، والمحكمة الإدارية العليا بديوان المظالم، ومحاكم الاستئناف التي أنشئت في بعض محافظات المملكة.