مع توجه الجزائر نحو تغيير قانون الانتخابات الحالي لتطبيقه في الاستحقاقات البرلمانية والمحلية المقبلة، يبرز التساؤل حول احتمالات نجاح القانون الجديد في القضاء على المال السياسي وشراء الأصوات.
ورغم أنه لم يتم بعد تحديد مواعيد لإجراء انتخابات البرلمان والمجالس المحلية القادمة في الجزائر، فإن هناك توقعات بإجرائها خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران المقبلين، بعد تعديل قانون الانتخاب وانقضاء شهر رمضان، بحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية.
وكان رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر محمد شرفي، قال خلال يناير/كانون الثاني الماضي، إن مشروع قانون الانتخابات الجديد يهدف إلى وضع آليات جديدة لاستئصال "الفساد والاحتيال"، بحسب تقرير لصحيفة الحوار الجزائرية، مضيفاً أن القانون الجديد سيعتمد "نظاماً انتخابياً جديداً يجعل المال الفاسد غير ذي قيمة بالنسبة لمن يدفعه ومن يتلقاه".
محاصرة دور المال السياسي في الجزائر
يقوم النظام الجديد، الذي اقترحته لجنة خبراء مكلفة بتعديل قانون 2016، على مبدأ إلغاء التصويت المغلق على القائمة الانتخابية، وتعويضه بنظام الاقتراع النسبي على القائمة المفتوحة. ومن شأن ذلك النظام أن يُسقط القيمة السياسية لـ"متصدر القائمة"، الذي كانت تُصرف لنيله داخل الأحزاب الكبيرة أموال معتبرة، لضمان فوز المتصدر، وربما من يليه بالقائمة، في الانتخابات.
إذ إن النظام الانتخابي الحالي لا يسمح للناخبين بالتصويت لمرشحين منفردين داخل القائمة، بل يصوتون لقائمة مغلقة، على أن يتم توزيع ما تحصل عليه القائمة من مقاعد بالترتيب بداية من صدارة القائمة، أي كلما تقدم ترتيب المرشح في القائمة زادت حظوظه في الفوز.
وقبل أيام وزعت الرئاسة الجزائرية مسودة القانون المُعدل على الأحزاب السياسية لتقديم ردودها إلى لجنة الخبراء، بقيادة أحمد لعرابة. وتقول السلطات إنها تحاول وقف وصول "المال الفاسد" إلى المجالس المنتخبة، من خلال تمكين الناخبين من اختيار مرشح أو مرشحين ضمن القائمة الواحدة، عبر التأشير على الأسماء، بدلاً عن التصويت على القائمة ككل.
وشدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في مناسبات عديدة، على أن فصل المال عن السياسة هدف استراتيجي له، وقال تبون، في أحد حواراته لوسائل الإعلام المحلية، إن "شراء المراتب الأولى في القوائم الانتخابية أوجد مجالس منتخبة ضعيفة، وحال دون وصول الشباب المتخرج في الجامعات إلى هذه المجالس، لأنه لا يمتلك الأموال اللازمة".
وكان عام 2017 قد شهد تفجر قضية شراء المرتبتين الأولى والثانية في القوائم الانتخابية للأحزاب الكبرى في الانتخابات البرلمانية، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تناول القضاء الجزائري قضية تتعلق بشراء المراتب في قوائم تلك الانتخابات، داخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم آنذاك.
وكشف البرلماني المثير للجدل، بهاء الدين طليبة، أمام القاضي، أن قوائم الحزب بيعت بـ7 ملايين دينار (545 ألف دولار أمريكي) للمرشح الواحد. وقضت المحكمة بالسجن 8 سنوات بحق طليبة، بجانب أحكام أخرى متفاوتة بالسجن بحق أبناء الأمين العام الأسبق للحزب، جمال ولد عباس، لضلوعهم في القضية نفسها.
وخلّفت اعترافات طليبة، أمام القضاء، سخطاً شعبياً واسعاً على البرلمان الحالي، وألحقت أضراراً جسيمة بمصداقيته وأهليته للتشريع والمصادقة على القوانين.
ماذا يعني القانون الجديد؟
في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، دافع أعضاء لجنة الخبراء، خلال مؤتمر صحفي في الجزائر العاصمة، عن تبني نظام التصويت على القائمة المفتوحة، وقال البروفيسور نصر الدين بن طيفور، أحد أعضاء اللجنة، إن إلغاء متصدر القائمة الانتخابية جاء بعدما أثبتت التجارب منذ 1997 (أول انتخابات برلمانية)، فشل القوانين في منع تسلل المال الفاسد إلى المجالس النيابية.
وأفاد البروفيسور بشير يلس شاوش، بأن اعتماد النمط الجديد، الذي يمنح الناخب حق التصويت لمن يراه مناسباً داخل القائمة الواحدة هو "حتمية وليس خياراً"، من أجل التصدي للمال الفاسد في العمليات الانتخابية.
ووضع تبون تعديل قانون الانتخابات كثاني أولوياته السياسية بعد تعديل الدستور، لإعادة تشكيل مجالس نيابية تتمتع بالشرعية المعنوية والقانونية، لتسند لها مناقشة وتبني الإصلاحات الاقتصادية والهيكلة المراد إنجازها ضمن مشروعه "الجزائر الجديدة".
وكان الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي طرحها تبون، وأُجري مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قد شهد إقبالاً ضعيفاً، إذ جاءت النسبة بأقل من 24%، لكن التعديلات تم إقرارها وأصبحت قانوناً بالفعل، رغم رفض قوى معارضة لتلك التعديلات، بدعوى أنها غير توافقية، وتهدد هوية البلاد.
ومن أبرز بنود تعديل الدستور التي تم إقرارها منع الترشح للرئاسة لأكثر من فترتين (5 سنوات لكل واحدة)، سواء كانتا متتاليتين أو منفصلتين، وتعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، والسماح بمشاركة الجيش في مهام خارج الحدود، بشرط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
ويتولى تبون الرئاسة الجزائرية، منذ 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، إثر فوزه بأول انتخابات رئاسية، في أعقاب استقالة عبدالعزيز بوتفليقة من الرئاسة (1999: 2019)، في 2 أبريل/نيسان من العام نفسه، إثر احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه.
الكرة في ملعب الأحزاب الجزائرية
من جانبه، قال د. نذير عميرش، أستاذ القانون الدستوري، في جامعة قسنطينة للأناضول، إن النمط الانتخابي المقترح سيقضي على "رؤوس القوائم"، وبالتالي يقضي مبدئياً على المال الفاسد، الذي يوظف عادة في شرائها، موضحاً أن "النمط الانتخابي المعمول به حالياً يجعل فوز متصدر القائمة ووصيفه مضموناً بالنسبة للأحزاب الكبرى (أحزاب الموالاة)؛ فالناس يصوتون على القائمة، وما تحصله من مقاعد يوزع على شاغليها بالترتيب".
وأفاد عميرش أن التصويت على المرشحين، داخل القائمة الواحدة، سواء كانت حزبية أو مستقلة، يُبعد التهافت على شراء المراتب داخل القوائم. وحذر من أن هذا النظام المقترح لن يكون "حصناً منيعاً في وجه المال الفاسد، إذا لم تتوفر الإرادة السياسية للأحزاب".
وأوضح أن شراء المرتبة الأولى قد يتحول إلى شراء الختم الرسمي للحزب لوضعه على قائمة من أجل شخص معين، وأن تُصرف كل الأموال للتعبئة من أجل مرشح معين دون سواه، مردفاً أن "السلطة أثبتت أن لديها الإرادة لمحاربة المال الفاسد وتشكيل مجالس نيابية نظيفه، وسيقع الباقي على الأحزاب".
أما مصطفى بلعريبي، ناشط سياسي، فرأى أن إلغاء متصدر القائمة قد يُعوض بصراع أفقي بين المترشحين داخل الحزب الواحد، وأوضح بلعريبي للأناضول أن قيادات الأحزاب "قد تُفسد جودة النص القانوني، بإبعاد الأشخاص ذوي الشعبية والكفاءة من القائمة النهائية لتُصمم على مقاس مرشحين معينين".
وختم بأنه ليس من صالح أي حزب الاستمرار في الممارسات السابقة، فالقوائم المستقلة ووجود آليات الإدارة النزيهة للعملية الانتخابية ستقضي على الرداءة السياسية في القوائم الانتخابية.