صنفت كندا "براود بويز Proud Boys"، أبرز جماعات اليمين المتطرف الداعمة لدونالد ترامب، منظمةً إرهابية، وتدرس إدارة جو بايدن اتخاذ نفس الخطوة في أمريكا، فمن هم "براود بويز" ومَن غيرهم ينتظره نفس المصير؟
بنت الحكومة الكندية قرار تصنيف الجماعة اليمينية المتطرفة منظمةً إرهابيةً على أساس تورط "براود بويز" في العنف ضد احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب دور الجماعة "المحوري" في أحداث اقتحام الكونغرس الأمريكي، يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، بغرض الانقلاب على نتيجة الانتخابات الأمريكية التي خسرها دونالد ترامب، بحسب تقرير لموقع Vox الإخباري الأمريكي.
وهذا التصنيف يسمح للحكومة الكندية بأن ترفض دخول أعضاء "براود بويز" إلى حدودها، وأن تحذف أي منشورات لهم على الإنترنت داخل كندا، إضافة إلى فرض غرامات على أي شخص يتعامل مع ممتلكات أو مباني الجماعة، أو يُجري أي تعاملات مالية مع أعضائها. ورغم أن "براود بويز" تأسست في الولايات المتحدة عام 2016، وهناك يوجد انتشارها الرئيسي، فإن هناك بعض الفرق التابعة لها في كندا.
وقال وزير السلامة العامة الكندي بيل بلير في بيان: "لا يوجد مكان في المجتمع الكندي ولا في الخارج لأعمال الإرهاب العنيفة. يتوقع الكنديون من حكومتهم أن تحافظ على سلامتهم، وأن تكون مستعدة لمواجهة التهديدات الناشئة والاتجاهات العالمية، مثل التهديد المتزايد للإرهاب العنيف الذي تغذيه أيديولوجيات".
من هم "براود بويز"، وما علاقتهم بترامب؟
"براود بويز" جماعة يمينية متطرفة تهدف إلى استعادة سيطرة الرجل الأبيض في أمريكا، وتأسست عام 2016 تزامناً مع ترشح دونالد ترامب للرئاسة وقتها. ومؤسس الجماعة اسمه جافين ماكينيس، وهو ناشط يميني متطرف يحمل الجنسية الكندية والبريطانية، ولا تضم الجماعة في عضويتها سوى الرجال البيض، وصنّفها مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2018 "جماعة متطرفة"، وتصفها منظمة ضد التشهير الحقوقية بأنها "جماعة كارهة للنساء معادية للمسلمين وللهجرة"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
والانضمام للأولاد الفخورين له طقوس محددة، وقَسَم يتعهد به العضو الجديد: "أنا شوفيني غربي فخور أرفض الاعتذار عن تأسيس العالم الحديث"، ثم يمر العضو بعملية تأهيل عنيفة، وفي هذا السياق كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن العنف سمة جوهرية في الجماعة، وتوجد أربعة مستويات من العضوية، أولها ترديد الشعار الداعم لقيم الجماعة بصوت عالٍ، ورسم وشم الجماعة، والمشاركة في المظاهرات، بينما المستوى الأعلى فهو خاص بمن يشاركون في أحداث العنف نيابة عن الجماعة.
وللجماعة علم خاص لونه أسود بخيوط ذهبية، ومرسوم عليه ديك ينظر نحو الغرب، وشعارهم "الغرب هو الأفضل"، ولهم مؤتمر سنوي انعقد مؤخراً في لاس فيغاس بعنوان "مهرجان الغرب"، ورغم أن ماكينيس أصر، أمس الأربعاء، على أنه لا يوجد للجماعة "جيش سري" وميليشيات تنتظر أوامر الرئيس للانخراط في حرب شوارع، فإنه استدرك: "لو استمرت الاحتجاجات العنيفة في البلاد، فإن الأمريكيين سوف يقولون إنهم سئموا حرق مدنهم وسيبدأون المقاومة".
ويصر مؤسس الجماعة المتطرفة على أن عدد الأعضاء فيها يزيد على 5 آلاف، وأن لهم تواجداً بجميع الولايات الأمريكية، إضافة إلى فروع في أكثر من 12 دولة، لكن الخبراء الذين تحدثت معهم الصحيفة الأمريكية قالوا إن العدد أقل من ذلك، وإنه لا يزيد عن 3000 ولا يقل عن ألف.
والانضمام لـ"الأولاد الفخورون" له طقوس محددة وقسَم يتعهد به العضو الجديد: "أنا شوفيني غربي فخور أرفض الاعتذار عن تأسيس العالم الحديث"، ثم يمر العضو بعملية تأهيل عنيفة. ويتركز وجود الجماعة في الولايات المتحدة، خصوصاً في الولايات الغربية، ولها أيضا تواجد في كندا والمملكة المتحدة وأستراليا.
وعلى الرغم من أن "براود بويز" ليست الجماعة اليمينية المتطرفة الأكبر أو الأكثر شهرة أو عدداً من حيث الأعضاء أو الأقدم تاريخياً من حيث وجودها في الولايات المتحدة، إلا أن الجماعة أصبحت حديث وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية أيضاً بعد أن وجه لها الرئيس السابق ترامب رسالة أثناء المناظرة الرئاسية الأولى بينه وبين الرئيس الحالي جو بايدن.
ذِكر الجماعة جاء في سياق الحديث المتداخل بين ترامب وبايدن حول العنف في المجتمع الأمريكي والجماعات التي تتخذه أسلوباً لتحقيق أهداف سياسية، وعندما قال بايدن لترامب إنه يجب أن يدين بشكل علني عنف جماعات اليمين المتطرف، وقال له ترامب "أي جماعة تقصد؟ اذكر اسماً!"، رد بايدن "براود بويز"، وهنا قال لهم ترامب: "أيها الأولاد الفخورون تراجعوا وكونوا مستعدين".
واعتبر أعضاء الجماعة أن ذلك "إشارة رئاسية" بالاستعداد للحرب، ووصلت الأمور إلى ذروتها الكارثية يوم 6 يناير/كانون الثاني، عندما اقتحم الآلاف من أنصار ترامب مبنى الكابيتول، حيث كانت تجري جلسة التصديق على فوز بايدن بالرئاسة، وأثبتت التحقيقات الفيدرالية أن أعضاء "براود بويز" كانوا رأس الحربة في تلك الأحداث، وتم بالفعل القبض على البعض منهم.
ماذا يعني قرار كندا لإدارة بايدن؟
القرار الذي اتخذته الحكومة الكندية بتصنيف "براود بويز" منظمة إرهابية وضع ضغوطاً على الإدارة الأمريكية بالطبع، إذ تعالت الأصوات المطالبة بتصنيف الجماعات اليمينية المتطرفة في أمريكا منظمات إرهابية محلية بعد "فضيحة" اقتحام الكونغرس.
وقالت المتحدثة الصحفية باسم البيت الأبيض جين بساكي، الأربعاء 3 فبراير/شباط، إن فريق الأمن القومي الخاص بإدارة بايدن يفحصون حالياً "عنف ذلك النوع من الأنشطة الجماعية المثيرة للقلق عبر البلاد"، وسوف يتخذون قراراً بعد أن تنتهي عملية الفحص والمراجعة.
وقد أكدت خدمة البحث التابعة للكونغرس بالفعل أن تمرد الكابيتول يندرج تحت توصيف الإرهاب المحلي كما يعرفه القانون الفيدرالي ولوائحه، ولفتت إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالية قد وثق النشاط الإجرامي لأعضاء "براود بويز" واعتبره يمثل خطر إرهاب محلي.
لكن الحكومة الأمريكية لا تقوم رسمياً بتصنيف جماعات محلية على أنها منظمات إرهابية، إذ تحتفظ بهذا التصنيف لاستخدامه ضد الأجانب فقط، بحسب تعريفات التصنيف الإرهابي التي تعتمدها.
وكان ترامب قد طالب بتصنيف "أنيفا"، وهي جماعة أيديولجية يسارية لم يُعرف عن أعضائها تورطَهم في أحداث عنف، كمنظمة إرهابية، لكن ذلك الأمر لم يتم لعدم وجود آلية قانونية، وبالتالي ضرورة إصدار تشريع من الكونغرس يسمح بتصنيف جماعات محلية منظماتٍ إرهابية.
والآن في ظل سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، يمكن أن يطلب الرئيس جو بايدن وهو ديمقراطي تمرير مشروع قانون يسمح بتصنيف جماعات اليمين المتطرف كمنظمات إرهابية، لكن هذا الإجراء سوف يثير انتقادات من جانب المدافعين عن حقوق التعبير في الولايات المتحدة، خشية توظيف الإدارة التنفيذية أو الحكومة لذلك التشريع للتخلص من معارضيها السياسيين.
جماعات اليمين المتطرف ليست "براود بويز" فقط
ربما يكون ارتباط جماعة "براود بويز" المباشر بترامب بعد تلك الرسالة التي وجهها لهم خلال المناظرة الرئاسية، وتزامن تأسيس الجماعة مع ترشحه للرئاسة قد وضعها تحت دائرة الضوء، لكنها بالقطع ليست الجماعة الوحيدة، إذ توجد مجموعات يمينية أخرى أقدم في التأسيس وأكبر في الوجود على الأرض.
فهناك جماعة "حماة القسم Oath Keepers"، التي أشارت نتائج التحقيقات الأولية في أحداث اقتحام الكونغرس أنها كانت المشرفة على عملية الاقتحام، وأن الجماعة كانت لديها خطط تم إحباطها لإعدام نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، وآخرين من أعضاء الكونغرس.
وفي أوروبا، استيقظت ألمانيا خلال العام الماضي على تهديد القوميين البيض والنازيين الجدد، بالتسلل المستمر إلى قوات الأمن في البلاد. وفي يوليو/تموز الماضي، حلت الحكومة وحدة عسكرية من النخبة بعد اشتباه في وجود علاقات بين قوات الكوماندوز التابعة لها مع اليمين المتطرف. وقالت مفوضة الدفاع بالبرلمان الألماني إيفا هوغل للصحفيين في ذلك الوقت: "هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراء، لقد قُلل من شأن هذه التهديدات، ولم يُؤخذ الأمر على محمل الجد بما فيه الكفاية".
وهناك طيف واسع من سلوك متعصبي اليمين المتطرف الذي يثير قلق المحللين. فبعيداً عن الجماعات المسلحة على غرار الميليشيات التي تتدرب على العنف، فإن الحشد اليميني المتطرف تلازم مع كيو أنون (QAnon)، وهي مجموعة واسعة من الادعاءات الكاذبة التي تحولت إلى أيديولوجية متطرفة، جعلت من أتباعها متشددين. الدعامة الرئيسية لهذه الأيديولوجية هي الاعتقاد بأن ترامب هو المدمر المقدر لعصابة سرية -تضم الديمقراطيين والمشاهير- تتاجر بالأطفال لممارسة الجنس وتؤكلهم.
وقال جويل فينكلشتاين، المؤسس المشارك لمعهد Network Contagion Research Institute، وهو مجموعة بحثية تدرس المعلومات المضللة عبر الإنترنت: "ما نراه هو شيوع للغة المتدنية والمروعة بشكل متزايد، لقد تحول الأمر من مجرد الحديث عن ثورة إلى نوع من الانهيار الذي قد يودي بالحضارة البشرية".
وقد انتشر الأمر بالفعل إلى أوروبا، حيث اندلعت احتجاجات اليمين المتطرف التي رددت بعض المعتقدات الغريبة المستوحاة عن كيو أنون. وقالت آنا صوفي هارلينغ، رئيسة قسم أوروبا في NewsGuard، وهي شركة تتعقب المعلومات المضللة عبر الإنترنت: "إذا كان هناك أي مؤشر على أن منصات التكنولوجيا الأمريكية كان لها تأثير على الخطاب الدولي بطريقة لا حدود لها، فهذا هو الأوضح".