على نحو مغاير ومفاجئ، لوح الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، القائد العام للجيش، بتشكيل "حكومة طوارئ" برئاسة عبدالله حمدوك، رئيس الحكومة الانتقالية الراهنة. ذلك التلويح أطلقه البرهان خلال اجتماع لمجلس شركاء الفترة الانتقالية، الإثنين، وهو يضم المكون العسكري في السلطة وائتلاف "قوى إعلان الحرية والتغيير" وحركات "الجبهة الثورية" الموقعة على اتفاق السلام، وفق وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة "اليوم التالي" الخاصة.
وقالت الصحيفة إن البرهان انتقد ما سماه تلكؤ "قوى إعلان الحرية والتغيير" و"الجبهة الثورية" في تقديم ترشيحاتهما للحكومة المقبلة، مع حرج الأوضاع التي تمر بها البلاد.
وأفادت بأن البرهان غاضب بشدة من حالة التنازع التي عطلت تكوين الحكومة، ولوح باحتمال إقدامهم على تشكيل "حكومة طوارئ" برئاسة حمدوك، في حال عدم التزام الشركاء بتكوين الحكومة بالسرعة اللازمة. فهل يفعلها؟
ترقب في السودان لحكومة حمدوك القادمة
منذ 8 سبتمبر/أيلول 2019، يترأس حمدوك حكومة انتقالية هي الأولى منذ أن عزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل/نيسان من العام نفسه، عمر البشير من الرئاسة (1989ـ 2019)، تحت ضغط احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.
ويعاني السودان أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي؛ بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية (غير الرسمية) إلى أرقام قياسية.
وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اعتمد مجلسا السيادة والوزراء تعديلات لوثيقة دستورية، تشكلت الحكومة الحالية بموجبها. وتضمنت التعديلات تشكيل حكومة جديدة برئاسة حمدوك، تختار الفصائل الموقعة على اتفاق السلام مع الخرطوم 25% من وزرائها.
وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جرى توقيع اتفاق السلام بين الحكومة وممثلين عن حركات مسلحة منضوية في تحالف "الجبهة الثورية". والإثنين تسلم حمدوك قائمة ترشيحات "قوى إعلان الحرية والتغيير" لمجلس الوزراء، وتتضمن 17 وزيراً.
فيما تتبقى ترشيحات "الجبهة الثورية"، وهي 7 وزارات، بالإضافة إلى وزارتي الداخلية والدفاع اللتين يقوم المكون العسكري في السلطة بترشيحهما لرئيس الوزراء، قبل الإعلان المرتقب عن تشكيلة الحكومة، الخميس، وفق مجلس شركاء الفترة الانتقالية.
وبدأت بالسودان، في 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهراً، تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش و"قوى إعلان الحرية والتغيير"، التي قادت الاحتجاجات ضد نظام البشير.
"انقلاب على الوثيقة الدستورية"
حديث البرهان عن "حكومة الطوارئ" أطلق جدلاً واسعاً في السودان، واعتبره البعض خطوة تمهد لانقلاب بحجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. ويستدل هؤلاء على ذلك بأن التصريح جاء في اليوم نفسه، الذي اتفق فيه مجلس شركاء الفترة الانتقالية على إعلان تشكيلة الحكومة المقبلة، الخميس.
وقال القيادي في "قوى الحرية والتغيير" جعفر حسين، في تصريح صحفي الأحد، إنه "ليس من حق أيّ جهة تشكيل الحكومة الانتقالية، باستثناء ما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية".
وأضاف: "أيّ محاولة لتشكيل حكومة، وإن اشترك فيها أيّ شخص، بعيداً عن الحرية والتغيير، تعني انقلاباً على الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية".
والسبت، قال عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، في تصريح صحفي، إن "المكون العسكري لن يحكم البلاد وحده، وهذا أمر مفروغ منه". وتابع أن المدنيين يريدون أن يحكموا البلاد وحدهم مع وجود للعسكريين في الملفات التي تتبعهم، وكذلك العسكريون يريدون أن ينفردوا بالسلطة، لكن تم التوصل إلى "المعادلة شديدة التعقيد"، في إشارة إلى الشراكة بين المدنيين والعسكريين.
هل يفعلها البرهان ويشكل "حكومة طوارئ"؟
لا يملك البرهان، وفق محللين، خيار تشكيل "حكومة طوارئ"، وإنما يحاول إلقاء اللوم على الحكومة المدنية في تدهور الأوضاع الاقتصادية، وكأن العسكر ليسوا شركاء في الحكم.
ويشدد هؤلاء على أن الوثيقة الدستورية هي التي تحكم الفترة الانتقالية، وأي محاولة من البرهان أو العسكر عامة للتنصل منها كفيلة بإثارة سخط شعبي رافض لعودة العسكر إلى الحكم، تحت أي ذريعة.
ويحذر هؤلاء من إغراق الشوارع باحتجاجات شبيهة بتلك التي انطلقت في ديسمبر/كانون الأول 2018، رفضاً لنظام البشير الذي وصل الحكم عبر انقلاب عسكري عام 1989.
ويستند المحللون إلى تجارب سابقة، حيث حاول العسكر الاستيلاء على السلطة عقب الإطاحة بالبشير، لكن فشلت محاولتهم عقب إسقاط عوض بن عوف، وزير الدفاع آنذاك، بعد يوم من إعلانه الاستيلاء على السلطة، في 11 أبريل/نيسان 2019.
كما أن المجلس العسكري المنحل (تولى السلطة مؤقتاً بعد عزل البشير)، برئاسة البرهان، حاول الاحتفاظ بالسلطة، ففي 4 يونيو/حزيران 2019، أعلن المجلس إلغاء كل الاتفاقات السابقة مع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، وتشكيل حكومة لتسيير الأعمال، وتنظيم انتخابات خلال تسعة أشهر، بإشراف دولي.
لكن عودة الاحتجاجات إلى الشارع أجبرت المجلس العسكري على توقيع الوثيقة الدستورية مع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، في أغسطس/آب 2019، ما سمح بقيام سلطة انتقالية.
وتنص الوثيقة على أن تختار "قوى الحرية والتغيير" رئيس الوزراء، ويعتمده مجلس السيادة، وأن يعين رئيس الوزراء أعضاء الحكومة، ويجيزهم مجلس السيادة.
"تحركات البرهان ستقابل برفض محلي ودولي"
يقول المحلل السياسي عبدالله رزق، إن "البرهان أعرب، في أكثر من مناسبة، عن تبرمه وضيقه من الفترة الانتقالية ونزوعه إلى التحرر من قيودها، ممثلة في الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية". ويضيف لوكالة الأناضول: "البرهان ربما يختزن في ذاكرته ما يشبه مخطط انقلاب على الفترة الانتقالية".
ويرى رزق أنه "لا تتوفر قناعة كافية لدى البرهان وزملائه العسكر بمواثيق الفترة الانتقالية، والنية مبيتة لإلغائها، فضلاً عن ظواهر الخروج المتكرر عن تلك المواثيق، ومنها التغول المضطرد في صلاحيات الجهاز التنفيذي، وتبني سياسات غير متفق عليها ومحاولة فرضها كأمر واقع، مثل التطبيع مع الكيان الصهيوني (إسرائيل) من دون تفويض".
معتبراً أن "من ظواهر هذا التأطير تلويحه (البرهان) السابق بالانتخابات المبكرة وإمكانية إجرائها، وفي هذا الإطار يجيء تلويحه بتكوين حكومة طوارئ، برئاسة حمدوك".
ويشدد رزق على أن "محاولة قطع الطريق على استكمال مهام الفترة الانتقالية، وعرقلة التطور باتجاه قيادة مدنية لما تبقى من تلك الفترة، لن يواجه بمعارضة قوى ثورة ديسمبر فحسب، وإنما من المجتمع الدولي أيضاً، وفي مقدمته وسطاء ورعاة اتفاق الشراكة ومواثيقها".
وفي 2 يناير/كانون الثاني الماضي، أقر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان. ويتضمن القانون تقييماً لإصلاحات القطاع الأمني من جانب الحكومة، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية.
ويطلب القانون من الخارجية الأمريكية تقديم استراتيجية تفصل دعم واشنطن لعملية انتقالية نحو حكومة بقيادة مدنية في السودان، ويعرب عن دعم المشرعين الكبير لتقديم مساعدات تسهل من عملية الانتقال السياسي.