سيكون تعامل بايدن مع الأزمة السورية واحداً من أصعب الملفات الخارجية بالنسبة للإدارة الجديدة، وسط تساؤلات هل تخفف واشنطن العقوبات على نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
إحدى الصعوبات في مسألة تعامل بايدن مع الأزمة السورية أنه على عكس أزمات عديدة، خلقت فيها إدارة ترامب السابقة الفوضى، فإنه من الإنصاف القول إنّ الإرث السوري من إدارة دونالد ترامب ليس مسمماً بقدر ما تركته إدارة باراك أوباما، حسبما ورد في تقرير لموقع Atlantic Council الأمريكي.
ومن هناك سيكون تعامل بايدن مع الأزمة السورية أصعب.
ولكن الصعوبة تزداد من حقيقة أن إدارة بايدن، التي تسلّمت السلطة بعد أسبوعين من تمرّد مسلح، تُركّز بكل وضوحٍ وحزم على الجائحة وتداعياتها الاقتصادية. ومنح سوريا أولويةً عملياتية هو أمرٌ شبه مستحيل، وفقاً للتقرير.
الأسد سيستغل انشغال إدارة بايدن بالمشكلات الداخلية وسط دعوات لتخفيف العقوبات
وبالنسبة للأطراف المهتمة بتعزيز الحظوظ السياسية للأسد- بدءاً بالديكتاتور شخصياً، فهذا يعني أنها ستُحاول جاهدةً استغلال انشغال الإدارة الجديدة.
وقد جادل النظام السوري مراراً بأنّ العقوبات الاقتصادية الأمريكية- وليس الفساد، ونقص الكفاءة، والوحشية- هي المسؤول الأول والأخير عن فشل الاقتصاد السوري.
وهذا الرأي يدعمه مركز Carter Center، الذي يُؤكّد على رأي جيمي كارتر في مقالته الافتتاحية بصحيفة New York Times عام 2018، حين قال إنّ رفع العقوبات هو أمرٌ أساسي لتحقيق الانتعاش الاقتصادي في سوريا ودعا إلى إعادة الانخراط الدبلوماسي تدريجياً مع الأسد- أعظم مجرمي الحرب في القرن الـ21 على الإطلاق حتى الآن، حسب وصف التقرير.
ولا شكّ أنّ على إدارة بايدن مراجعة العقوبات المفروضة على أباطرة النظام والمؤسسات لمحاولة ضمان أن ما ستفعله الولايات المتحدة لتحميلهم المسؤولية لن يزيد ولو بشكلٍ هامشي من أوجاع السوريين بسبب سوء حكمهم.
والعقوبات تكون في كثيرٍ من الأحيان أدوات فظة تُخلّف تأثيرات غير مقصودة. ولكن ليست هناك حاجة لأن تأخذ الإدارة الجديدة تعليماتها من الساعين لترسيخ حكم المدمر الرئيسي لسوريا.
المساعدات تذهب لجيوب حاشية النظام
وما لم تتعرّض إدارة بايدن لتحدٍّ عسكري من الروس أو داعمي النظام الآخرين، فسوف تحاول على المدى القريب إبقاء سوريا إما في حالة تأهّب أو بعيداً عن الحراك السياسي، وتواصل توفير المساعدات الإنسانية للاجئين والسوريين الذين يعيشون في مناطق لا يُسيطر عليها النظام.
ويجب ان يشمل تعامل بايدن مع الأزمة السورية، بذل كل الجهود الممكنة لتقديم المساعدات الطارئة لجميع السوريين المحتاجين بغض النظر عن محل إقامتهم. ومع ذلك فإنّ فعل ذلك في المناطق التي يُسيطر عليها النظام أمرٌ صعب، كما اكتشفت الأمم المتحدة. خاصةً بعد أن وصل أعضاء حاشية النظام بنجاح إلى عقود المساعدات التي أثرتهم.
الأسد هو سبب ظهور داعش
ويجب أن يحظى السؤال التالي بأولوية المراجعة الداخلية: ما الذي يجب القيام به عملياتياً في مناطق شمال شرق سوريا، حيث تسعى القوات الأمريكية والحلفاء إلى منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)؟ إذ اقترح دبلوماسيٌّ أمريكيٌّ بارز سابق تسليم مهمة مكافحة داعش إلى روسيا والنظام، إلى جانب المناطق المحررة من داعش في شمال شرق سوريا.
ويريد المتشددون الإسلامويون الذين يحاولون يائسين العودة من جديد من إدارة بايدن تُقبُّل تلك النصيحة، حسب التقرير، لأنّهم يُدركون جيداً أنّ الخلافة لم تكن لتظهر في حال غياب سوء حكم الأسد في سوريا ونوري المالكي في العراق.
يتساءل التقرير هل صحيحٌ أنّ البلد الذي أشرف على الاستقرار في ألمانيا واليابان بعد الحرب يفتقر الآن إلى المهارات اللازمة للعمل مع السوريين والشركاء الدوليين من أجل تمكين الحوكمة الشرعية المحلية في الشمال الشرقي- وإنشاء البديل المنتظر للأسد؟.
يقول التقرير "يجب على وزارات الدفاع والخارجية مراجعة ما خلصت إليه إدارة ترامب".
تعامل بايدن مع الأزمة السورية يجب أن يتضمن ضبط الأمور بين الأكراد والعرب والأتراك
لا يجب أن يحكم الأكراد السوريون الأكراد العرب، ولا يجب أن يُحكَم الأكراد السوريون من قبل الأتراك، حسب تقرير الموقع الأمريكي.
فبعد أن تعرضت الأغلبية العربية السنية لعملية تطهير طائفي من النظام عبر القتل والتهجير (والذي أدى على الأرجح لفقدان سوريا أغلبيتها السنية العربية)، فإن الأكراد بدورهم يقيمون في شمال شرق سوريا دويلة تشبه حالة الأبارتهايد في جنوب إفريقيا حيث تحكم أقلية كردية أغلبية عربية سنية.
يقول السكان المحليون في المدن ذات الأكثرية العربية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد "قسد" إنَّ تهميش العرب من آلية الحكم في مناطقهم يولِّد مشاعرَ استياء لدى العرب المثقَّفين والمتمرِّسين، الذين يعتبرون أنفسَهم غير معنيين بإدارة مناطقهم.
وغالب الظنّ أنَّ السكان العرب السنة المحليين ينظرون إلى وجود "قسد" في المنطقة على أنه احتلال أجنبي، في ظل تمثيل حقيقي لأبناء المنطقة، حسب تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
وقد حذَّر الرئيس المشترك لأحد المجالس المدنية في شرقي سوريا من أن ظهور داعش في العراق مردّه إلى حرمان السنّة من حقوقهم، ومن أن السيناريو نفسه قد يتكرر في شرقي سوريا، بسبب حرمان العرب السنّة من حقوقهم.
ونجح الأسد ونظامه في تحويل سوريا إلى جرحٍ متسع ونازف عن طريق مجادلة الأقليات والعرب السنة بأنّه لا بديل عن حكم العائلة الوحشية سوى المتشددين الإسلامويين. وكان شمال شرق سوريا هو المكان المناسب لإثبات مدى خطأ النظام والمدافعين عنه. ولكن هل ما يزال كذلك؟
الهدف العام في سوريا
تعامل بايدن مع الأزمة السورية يجب أن يتوجه نهاية هدف عام، وهو التحول السياسي الذي يُسفر عن حوكمةٍ عادلة في سوريا. ولن يتحقّق ذلك بين ليلةٍ وضحاها. لكن سوريا في عهد الأسد وحاشيته لن تكون أقل من تهديد خطير للسلام. وستظل خطراً على جيرانها، ومروجاً للتشدد الإسلاموي والإرهاب، ومنصةً للهيمنة الإقليمية الإيرانية.
وتحت حكم الأسد، ستظل سوريا تُهدّد دائماً بإفراغ نفسها، حتى لو جرى تمويل إعادة الإعمار بوجود نظامٍ لا يشبع.
وليس هناك حلٌّ على المدى القريب بالنسبة لسوريا. والخيار الأكثر ضرراً للمصالح الأمريكية ومستقبل سوريا هو الافتراض بأن الأسد قد انتصر والزحف إلى أحضانه. ومن الضروري مواصلة دعم المبعوث الأممي الخاص، والتمسك بقرارات الانتقال السياسي التي وضعها المجتمع الدولي. وتجب مضاعفة جهود بناء سجل كامل يدعم المساءلة القانونية النهائية للأسد وشركائه، وتحقيق في جرائم الحرب الروسية داخل سوريا.
ويجب أن تلتزم الإدارة الجديدة بالعقاب العسكري لأي حملة متجددة تتسبّب في قتلٍ جماعي وحالة إرهاب للمدنيين بواسطة نظام الأسد. إذ كان أنصار النظام على وشك الفرار في صيف عام 2013 حين هدد أوباما بالتدخل العسكري بعد استخدام النظام للأسلحة الكيماوية. وقد أقرّ مسؤولون بارزون في إدارة بايدن علناً بالأسف على سياسات إدارة أوباما تجاه سوريا. وسيتعرّض صدق ذلك الأسف وأهميته العملياتية للاختبار في حال واصل نظام الأسد المذابح الجماعية.
والتقاعس الأمريكي في سوريا أرشد خصوم الولايات المتحدة إلى أي مدى يمكنهم الضغط في أوكرانيا وغيرها من المناطق خارج سوريا.
ولم تكُن سوريا من قبل مرشحةً للاحتواء الذاتي. ومن المحتمل أن تكون 10 سنوات من سوء الإدارة الأمريكية قد جعلت التفكير والانضباط في تحديد الأهداف ووضع الاستراتيجيات أمراً عديم الجدوى.
والأسد ونظامه ليسوا على وشك إفراغ سجونهم فوراً والترحيب باللاجئين، أو مشاركة السلطة مع أحد. بل ينتظرون بصبر استسلام الغرب الذي أكّد لهم حلفاؤهم أنّه بات وشيكاً. وإدارة بايدن لا يجب أن تحتضن نظام الأسد أبداً، مع تجنّب التغيير العنيف للنظام في سوريا.