في مطلع الأسبوع الجاري، اندلعت في روسيا بعضٌ من أكبر الاحتجاجات وأوسعها انتشاراً منذ عقود، في أعقاب اعتقال أليكسي نافالني، المعارض المناهض للفساد الذي تعرَّض للتسمُّم على يد عملاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصيف الماضي، بمجرد عودته إلى البلاد. للتعرُّف على ما تعنيه المظاهرات، وإلى أين تتجه، وما إذا كانت ستصبح هذه المرة مختلفة، تحدَّثَت مجلة Foreign Policy الأمريكية إلى غاري كاسباروف، بطل الشطرنج الروسي السابق وأعظم لاعب في العالم كما يصفه البعض، والناشط المعارض من أجل الديمقراطية.
بماذا تختلف هذه الاحتجاجات عن سابقاتها في روسيا؟
لا يعتقد كاسباروف أن أحداً يعرف ما هو الوضع الراهن للاحتجاجات، في حين يدعو مناصرو نافالني الناس إلى الخروج في الشوارع ودعمه والتعبير عن غضبهم من النظام. لقد أصبح كلُّ شيءٍ مثل كرة الثلج، على حدِّ تعبيره، فبمجرد أن أصدر نافالني فيلمه عن قَصر بوتين -وهو تحقيقٌ صدر على الإنترنت في صورة فيلم بعد عودة نافالني إلى روسيا الأسبوع الماضي، ويتناول ملكيات بوتين الضخمة في البحر الأسود والتدفُّقات المالية التي موَّلَته بتفصيلٍ كبير- وصلت المشاهدات إلى أرقامٍ فلكية.
والآن يظهر التأثير المتراكم لعشرين عاماً من ديكتاتورية بوتين وخيبة أمل الشعب الروسي المتزايدة بسبب الظروف الاقتصادية، وكذلك الغضب من الفساد وثروات النخب في عهد بوتين. يقول كاسباروف أيضاً: "نحن نشهد رسالةً واضحةً من جيل الشباب في روسيا بأنهم لن يتسامحوا مع حكم بوتين إلى الأبد".
يرى كاسباروف أن هذه الاحتجاجات تبدو مختلفةً عن سابقاتها، إذ يقول: "هذه الاحتجاجات هي الأولى التي يُظهِر فيها الشعب الروسي نوعاً من المقاومة. ويمكنني أن أقول بفخرٍ إن المظاهرات كانت سلميةً أيضاً -لا سيارات محترقة ولا متاجر منهوبة ولا عنف مفرط كما رأينا في الشوارع الأمريكية الصيف الماضي". وذكر أن العنف الوحيد جاء من الشرطة، وكانت هذه وحشيةً برعايةٍ من الدولة.
لكن المفاجأة الكبرى لم تكن بالنسبة لكاسباروف في عدد المشاركين في المظاهرات، بالنظر إلى الطقس البارد، بل الانتشار إلى مدنٍ أخرى بعيداً عن التمحور حول موسكو كما في الاحتجاجات السابقة. فقال: "شهدنا في مطلع الأسبوع أول احتجاجاتٍ على مستوى الدولة منذ عام 1991، امتدَّت من فلاديفوستوك إلى كالينيغراد". وأشار إلى أن أشخاصاً خرجوا للتظاهر في شوارع ياكوتسك، رغم أن درجة الحرارة كانت تحت الصفر.
ماذا سيحدث الآن؟ أنصار نافالني يدعون لمزيد من التظاهرات ضد بوتين
أما ردّ الحكومة، فكان مُتوقَّعاً بالنسبة لكاسباروف، إذ لم تُظهِر أيَّ اهتمامٍ بأن تقدِّم تنازلات. والسؤال هو ماذا سيحدث في الأسابيع القادمة؟ يقول كاسباروف إن أعضاء فريق نافالني يدعون إلى المزيد من الاحتجاجات في 31 يناير/كانون الثاني الجاري، لكنه لا يمكنه التنبؤ بما سيحدث، وقال: "بطولة نافالني غير المسبوقة شجَّعت الناس، وحياته الآن أصبحت على المحك، وهذا دائماً شيءٌ يحشد الناس".
المثير بالنسبة لنافالني أنه قرَّر العودة إلى روسيا، في حين أنه بالكاد تعافى من تسمُّمه على يد عملاء بوتين في أغسطس/آب الماضي، وكان يعرف ما سيواجهه لدى عودته.
يعتقد كاسباروف أن الطريقة الوحيدة لهزيمة ديكتاتور هي حشد الناس من خلال أشخاصٍ مثل نافالني. لكنه حين تحدَّثَ عن نفسه، قال: "منذ أن غادرت روسيا، لم أطلب من الشعب الروسي ملء الشوارع، لأن القيام بذلك سيكون مخالفاً لقواعد الأخلاق. قد يتعرَّضون للضرب أو الاعتقال، أو ربما يقضون وقتاً في المعتقلات. وأنا لا أعتقد أن بإمكان أحدهم إطلاق مثل هذه الدعوة بينما يمكث خارج البلاد. ولكن بإمكانك فعل ذلك إذا كنت حقاً تخاطر بحياتك (مثل نافالني)".
أما عن ردِّ فعل بوتين، يقول كاسباروف: "الشيء الوحيد الجيِّد في الأمر هو أننا نعرف ما سيفعله بوتين. قد تكون هذه أخباراً سيئة بالنسبة لنافالني، لكن بوتين لن يقدِّم أيَّ تنازلٍ ما لم يحدث شيءٌ خطيرٌ يجبره على ذلك".
حتى الآن، لا يبدو أن أصدقاء بوتين يشكِّكون في قوته وقدرته على السيطرة على الوضع، وما نشهده الآن هو أن الطيف السياسي الكامل للمستفيدين من النظام يجدون طرقاً جديدة لإظهار دعمهم له. لكن كاسباروف لا يرى حتى الآن أن البركان قد ثار بالفعل، وفي المقابل يرى أن ما يمكن أن يغيِّر الوضع ويقلب الموازين هو الاستجابة الحاسمة من جانب الغرب.
تأثير الدائرة المحيطة ببوتين
"كان بوتين حريصاً على عدم قتل نافالني وجعله شهيداً؛ سمَّمه لكن كانت هناك طرق أسرع وأكثر موثوقيةً للقتل لم يستخدمها، وحين فشل التسمُّم، تركه بوتين يغادر لتلقي العلاج في ألمانيا".
يقول كاسباروف إن بوتين "لا يقتل علانيةً إذا كان بإمكانه أن يقتل سراً؛ فهو رجل مخابرات. وإذا كان يعتقد أن بإمكانه الإفلات من قصف الناس في حلب أو إرسال مرتزقته إلى أوكرانيا، فسوف يفعل ذلك. لكن قتل نافالني سيكون تحدياً حتى بالنسبة له. ومع ذلك، فقد قتلوا السياسي المعارض بوريس نيمتسوف، حتى لو كانوا يفضِّلون طرقاً أدق للتخلُّص من خصومهم".
عقد كاسباروف مؤتمراً صحفياً في مطلع الأسبوع مع زملائه من دعاة الديمقراطية فلاديمير كارامورزا، وميخائيل خودوركوفسكي، وبيل براودر، ودعوا الغرض لفرض المزيد من المصاعب المالية على بوتين وحلفائه.
قال كاسباروف: "نحن نبحث عن عملٍ حقيقي يمكن أن يجعل بوتين يستمع، ليس فقط بوتين، ولكن الناس من حوله".
وأضاف: "ما لدينا الآن هو عقوبات لا تؤثِّر على رفاهية المُقرَّبين من بوتين. لم يتأثَّر اللاعبون الرئيسيون إلى حدٍّ كبير. ولم يتوقَّف تدفُّق أموالهم إلى الولايات المتحدة وإنجلترا وأوروبا. وتواصل وكلاء بوتين وجماعات الضغط في الخارج العمل نيابةً عنه. ولا يزال بوتين يحظى بالاحترام من جانب العديد من قادة الأعمال وذوي النفوذ في الدوائر السياسية والاقتصادية والمالية في العالم الحر".
والآن ما يطالب به نافالني، وما طالب به كاسباروف في المؤتمر الصحفي، هو الحاجة إلى النظر إلى الأشخاص الرئيسيين لبوتين. فبحسب قول كاسباروف، فإن "اللحظة التي يجد فيها هؤلاء الأشخاص أموالهم مُعرَّضة للخطر، فإن نموذج بوتين لن ينجح في العمل بعد ذلك. سنرى ما سيحدث".