يبدو أن قمة العلا التي احتضنتها المملكة العربية السعودية قد تفتح الباب أمام "تصفير" المشاكل في المنطقة، بعد حالة من التوتر استمرت لأعوام، خاصة تلك التي كانت بين مصر وقطر، عقب إطاحة الجيش المصري بالرئيس الراحل محمد مرسي.
موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر مقالاً للكاتب جورجيو كافييرو، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics لاستشارات المخاطر الجيوسياسية، يستعرض فيه آفاق العلاقات المصرية القطرية في أعقاب إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في 20 يناير/كانون الثاني، ما يشكل خطوة مهمة نحو تخفيف التوتر في العالم العربي، الذي تفاقم بسبب حصار الدوحة، الذي قادته السعودية والإمارات في منتصف 2017.
ويرى الكاتب أن التقارب بين البلدين يضغط بقوةٍ أكبر على الدول الموقعة في قمة العلا -ولاسيما الإمارات والبحرين- من أجل السير على خطى القاهرة، وتجاوز أزمة دول مجلس التعاون الخليجي المستمرة لـ3 أعوام ونصف العام.
وبدأت العلاقات بين مصر وقطر تتخذ اتجاهاً إيجابياً للغاية بين الخامس من يناير/كانون الثاني، الذي شهد عقد قمة العلا، وبين الإعلان الرسمي عن استنئاف العلاقات الثنائية بين القاهرة والدوحة. عقب قمة العلا مباشرة، عقدت شركة الديار القطرية، المملوكة لصندوق الثروة السيادي لدولة قطر، حفل افتتاح فندقها سانت ريجيس في القاهرة، الذي تملكه بالكامل.
قال وزير المالية القطري، علي شريف العمادي: "يمثل هذا المشروع إضافة جديدة للاستثمارات القطرية في مصر، التي تتجاوز الخمسة مليارات دولار في مختلف المجالات". فيما ردّ نظيره المصري محمد معيط، بتهنئة شركة الديار القطرية قائلاً: "نبارك لشركة الديار القطرية افتتاح هذا الفندق الرائد اليوم، والذي جاء نتيجة قرار الشركة بالاستثمار في القطاع السياحي، أحد أهم القطاعات للاقتصاد المصري". وقد حضر الحفل كذلك ستيفن منوشين، وزير الخزانة الأمريكي. وبعد 13 يوماً، شهد البلدان أول رحلة مباشرة بينهما منذ 2017.
هل لبايدن علاقة؟
يعتقد كافييرو أنه من الصعوبة عدم الربط بين دفء العلاقات القطرية المصرية وبين دخول بايدن إلى البيت الأبيض، إذ إن القيادة في القاهرة مثل نظيرتها في الرياض، لديها مخاوف كبيرة من نوايا الإدارة الأمريكية الجديدة. يتذكر المسؤولون المصريون جيداً إدارة أوباما، التي شغل فيها بايدن منصب نائب الرئيس، والتي أوقفت بعض مبيعات الأسلحة إلى مصر لمعاقبة النظام على حملته القمعية في أعقاب الانقلاب العسكري في 2013.
والآن ينتابهم القلق من ممارسة الإدارة الجديدة ضغوطاً على مصر فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. من خلال استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، فإن مصر تتخذ خطوة استباقية لإظهار نوايا حسنة لواشنطن، التي ارتأت أن الحصار يضر المصالح الأمريكية، حتى في ظل حكم ترامب.
لكن التحول في واشنطن ليس العامل الوحيد وراء التقارب بين مصر وقطر، إذ إن التصور الذي تحمله القاهرة بالتهديد الذي تجسده قطر ودعمها الأحزاب الإسلامية في العالم العربي، صار أقل في السنوات الأخيرة.
ماذا تغير؟
إذ قال أندرياس كريج، المحاضر في كلية الدراسات الأمنية بجامعة كينجز كوليدج لندن، في حديثه مع موقع Responsible Statecraft: "أدرك المصريون أن قطر صارت أهدأ على مدار السنوات السبع الماضية. وفي هذا الصدد، ليس هناك شكاوى حقيقية من الجانب المصري، والشكوى الوحيدة الحقيقية الباقية للمصريين تأتي من قناة الجزيرة، ولكن حتى قناة الجزيرة لم تكن في السنوات الأخيرة تسلط الضوء على مصر في تغطيتها".
يرى كريج أن نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي صار في وضع آمن أكثر بكثير من وضعه عندما وصل إلى السلطة بعد إطاحة حكومة محمد مرسي في 2013، أو حتى عندما حدثت أزمة الخليج في 2017. برغم استمرار رؤية مسؤولي القاهرة بأن الإخوان المسلمين يمثلون الخطر الأعظم، فإن الحقيقة التي تشير إلى أن غالبية أعضاء الحركة الإسلامية المصريين انتقلوا من قطر إلى تركيا، تسهل على القاهرة التصالح مع الدوحة. واليوم، لا يرى صناع السياسة المصريون "أي قيمة استراتيجية من الاضطلاع بدور الشوكة التي تجعل القطريين حذرين"، وذلك حسبما قالت سينزيا بيانكو، الباحثة لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، خلال حديثها مع موقع Responsible Statecraft.
ماذا ستستفيد القاهرة؟
ترى القاهرة كذلك مميزات مالية من تطبيع العلاقات مع الجانب القطري، فضلاً عن تجدد ينبوع الاستثمار الأجنبي من قطر، فإن ما يقرب من 300 ألف مصري يعملون في قطر، وتمثل تحويلاتهم إلى ذويهم في مصر مصدر دخل مهماً للعملة الصعبة، يُفترض أن يحظوا بثقة واستقرار أكبر في الدولة الخليجية الصغيرة، فلن يعود هؤلاء في حاجة إلى الاعتماد على السفارة اليونانية لأي نوع من المساعدات الاستشارية التي كان الوضع السابق يتطلبها.
برغم التطورات الأخيرة الإيجابية للغاية في العلاقات المصرية القطرية، فإن العلاقة سوف تكون في أفضل الأحوال "سلاماً بارداً"؛ بسبب عدد من القضايا التي أجّجت التوترات بين الجانبين.
لعل الحرب الأهلية في ليبيا، حيث يجد البلدان أنهما في طرفين متناقضين، تجسد أشد الملفات حساسية. تؤيد الدوحة تركيا في دعمها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها أممياً، بينما تدعم مصر مع الإمارات قوات الجنرال خليفة حفتر.
تخشى القاهرة من أن ترسّخ الجماعات الإسلامية في حكومة الوفاق الوطني أقدامها في بلد يتشارك مع مصر حدوداً طويلة يسهل اختراقها. وفي غياب أي تقدم دبلوماسي نحو إنهاء الصراع، تبقى الحرب نقطة مؤلمة بين الدوحة، التي لطالما فضّلت التعامل مع الأحزاب الإسلامية بوصفها أطرافاً سياسية شرعية في العالم العربي، وبين القاهرة، التي ترى أن الإسلاميين إرهابيون.
وخلافاً للشأن الليبي، ثمة ملفات إقليمية أخرى تمتد من التحول السياسي المستمر في السودان، وتنامي نفوذ قطر في جنوب السودان، وتصل إلى الدعم المقدم إلى حماس في غزة، وجميعها سوف تواصل على الأرجح إسهامها في عدم استقرار العلاقات بين القاهرة والدوحة.
في ظل المخاطر الكبيرة التي تراها القاهرة نتيجة الخلاف حول تشييد سد النهضة الإثيوبي، فإن التعاون مع السودان وجنوب السودان يحمل أهميةً كبرى للجهود المصرية الرامية إلى تأمين مصالح القاهرة الوطنية، فيما يتعلق بشرق إفريقيا، في الوقت الذي لا يزال التوتر بين مصر وإثيوبيا شديداً.
مِمَّ يقلق السيسي؟
الأرجح أن القاهرة لن ترحب بمساعي قطر الطموحة في هذه المنطقة المتوترة. ومثلما ارتأت القاهرة أن الدعم القطري للفصائل الإسلامية في السودان يجسد تهديداً مباشراً على مصر خلال عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، فإن نظام السيسي يمكن أن يشعر بالاضطراب بكل سهولة نتيجة احتمالية استعادة الدوحة نفوذها في الخرطوم، وهو نفوذ تراجع في أعقاب خلع عمر البشير في 2019، أو إحراز القطريين مزيداً من التقدم في جوبا، برغم التقارب المصري القطري هذا الشهر.
واختتم المقال بأن مصر، وهي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، تتخذ خطوات جريئة تبشر بالخير في خلق مساحة لحوار توجد حاجة ماسة إليه في منطقة محاطة بصراعات واستقطاب أيديولوجي. وأكد كافييرو على أن العلاقات بين مصر وقطر سوف تواجه صعوبات؛ نظراً إلى أن انعدام الثقة الذي تشكّل منذ 2013 لن يزول بسرعة، بيد أن القاهرة يُحسب لها أنها أدركت قيمة الدبلوماسية عند مقارنتها بسياسة المواجهة والصدام، وذلك على صعيد التعامل مع الشواغل المتعلقة بسياسات قطر الإقليمية.