يُصرّ الفلسطينيون على إجراء الانتخابات العامة في مدينة القدس الشرقية المحتلة، كونها "العاصمة المستقبلية" لدولتهم التي يناضلون لتأسيسها، إلا أن إسرائيل، التي ترفض أي مظهر سيادي للفلسطينيين في المدينة المقدسة، لم تكشف بعد عن موقفها حيال عقد الانتخابات الفلسطينية المقررة في وقت لاحق من العام الجاري.
ومنتصف يناير/كانون الثاني الجاري، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مرسوماً حدّد بموجبه موعد الانتخابات التشريعية، في 22 مايو/أيار المقبل، وكذلك الرئاسية في 31 يوليو/تموز المقبل.
أهمية القدس المحتلة في الانتخابات الفلسطينية
تُشير تقديرات غير رسمية فلسطينية، إلى أن نحو 340 ألف فلسطيني يعيشون في القدس الشرقية المحتلة. وتتمتع مدينة القدس بدرجة عالية من الخصوصية، نظراً لأهميتها الدينية والسياسية للشعب الفلسطيني. ونتيجة لاستيلاء إسرائيل على 84% من القدس خلال حرب عام 1948، ثم الاستيلاء على ما تبقى منها وضمها عام 1967، فقد انقسمت دائرة القدس الانتخابية إلى منطقتين: القدس الشرقية، وضواحي القدس التي تقع خارج منطقة القدس الشرقية، ويوجد فيها 30 تجمعاً سكانياً فلسطينياً.
وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، الإثنين الماضي، أن الحكومة "ستطلب رسمياً من إسرائيل عدم عرقلة الانتخابات بالقدس الشرقية". ولم يوضح اشتية موعد تقديم هذا الطلب الرسمي، فيما لم تعلق إسرائيل رسمياً على أقواله.
وشارك الفلسطينيون من سكان القدس الشرقية في الانتخابات الفلسطينية التي جرت في الأعوام 1996 (تشريعية)، و2005 (رئاسية)، و2006 (تشريعية).
وجرت عمليات التصويت في حينه في 6 مراكز بريد إسرائيلية داخل القدس الشرقية، وتم إرسال أوراق التصويت عبر البريد للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية.
كيف ستعرقل إسرائيل الانتخابات الفلسطينية بالقدس الشرقية؟
تقول لجنة الانتخابات المركزية على موقعها الإلكتروني إن اتفاقية المرحلة الانتقالية المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والموقعة بواشنطن، في 28 سبتمبر/أيلول 1995، تتضمّن ملحقاً خاصاً (الملحق الثاني)، يتعلق بالانتخابات الفلسطينية.
وتضيف لجنة الانتخابات "جاء في بنود المادة (6)، أنه يتمّ الاقتراع في القدس الشرقية في مكاتب بريد تتبع سلطة البريد الإسرائيلية، وعددها 6 مكاتب (تضم 11 محطة اقتراع)".
كما تقول لجنة الانتخابات إن قدرة هذه المكاتب الاستيعابية لا تتعدى ما مجموعه 6300 ناخب يوم الاقتراع، وعلى باقي المقدسيين في منطقة القدس الشرقية الاقتراع في مراكز اقتراع تقام في منطقة ضواحي القدس.
وبحسب لجنة الانتخابات، فإن 14 مكتب اقتراع أقيمت في ضواحي القدس، في الانتخابات التي جرت عام 2006، ولكن بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية العام 2017، ونظراً لقرب الانتخابات الإسرائيلية، في 22 مارس/آذار المقبل، فإنه ليس من الواضح إذا ما كانت تل أبيب ستوافق على إجراء الانتخابات بالقدس الشرقية.
"لا انتخابات بدون القدس"
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قال في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية، إن الانتخابات الفلسطينية لن تجري بدون القدس.
وفي المرسوم الذي أصدره، مؤخراً، كتب الرئيس عباس: "الشعب الفلسطيني في القدس وجميع محافظات الوطن مدعو إلى انتخابات عامة حرة ومباشرة".
يقول فادي الهدمي، وزير شؤون القدس الفلسطيني، إن القدس "جزء أصيل من الأراضي الفلسطينية، وستجري فيها الانتخابات كما هو منصوص عليه في المرسوم الرئاسي". مضيفاً لوكالة الأناضول: "الانتخابات جرت في الماضي بالقدس، وستجري في الانتخابات القادمة".
لكن لم يتضح على الفور كيف ستتصرف السلطة الفلسطينية، في حال منعت إسرائيل الانتخابات في القدس الشرقية. وأعرب مسؤول فلسطيني، رفض الكشف عن اسمه، في حوار مع الأناضول، عن توقعه حدوث تحرك من عدد من الدول الأوروبية والأجنبية والعربية في الأسابيع القادمة، للضغط على إسرائيل لمنع عرقلة الانتخابات في القدس.
واختارت الغالبية العظمى من سكان القدس الشرقية عدم الحصول على الجنسية الإسرائيلية، ولذلك فإنه لا يحق لهم المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي. ولكن يسمح لسكان القدس الشرقية بالمشاركة في انتخابات مجلس البلدية الإسرائيلية في القدس، غير أنهم يقاطعون هذه الانتخابات منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
أهل القدس: "الانتخابات لن تُغير واقعنا"
وفي ظل تصاعُد الإجراءات الإسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين بالمدينة المقدسة، فإنهم لا يجدون قدرة لدى السلطة الفلسطينية لتغيير واقع الحال في المدينة.
وبدت آراء المقدسيين حادة ومتشائمة، ومعبّرة عن كمٍّ كبير من الإحباط وخيبة الأمل. يقول صلاح الشاويش، مالك لمطعم بالبلدة القديمة في القدس: "نحن كأهل القدس لا يعترف بنا أحد، لا السلطة الفلسطينية ولا إسرائيل، فالقدس وحيدة".
مضيفاً للأناضول: "لا أعتقد أن الانتخابات ستحقق أي شيء، تتغير الوجوه وتبقى القدس مستهدفة من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، أما سكان القدس فهم وحدهم في المواجهة".
وتابع الشاويش: "مقومات الصمود عند الناس بدأت تنفد، ولا أحد يمد يد المساعدة لهم، وبشكل عام فسواء أجرت انتخابات أم لا فلا أحد ينظر إلينا". مشيراً إلى أنه شخصياً لن يشارك في الانتخابات، وأضاف: "طبعاً لن أشارك، لأنني أريد انتخاب أناس يريدون مساعدتي، أما هؤلاء فلن يقدموا لنا شيئاً". بل إنه اعتبر أن الانتخابات القادمة "مؤامرة جديدة على الشعب الفلسطيني"، وفق تعبيره.
فيما قالت السيدة "أم شادي المحتسب"، إن "السلطة الفلسطينية بالقدس غير موجودة، حتى تجري انتخابات". وأضافت للأناضول: "لا أعتقد أن الانتخابات ستقدم شيئاً لأهل القدس". مشيرة إلى أنها لن تشارك في الانتخابات، وقالت: "لماذا أشارك؟ عندما يقدمون لنا شيئاً فإننا سنشارك، ولكنهم يسرقون أموال الفلسطينيين لأنفسهم"، على حد قولها.
وبحسب معطيات لجنة الانتخابات الفلسطينية، فإن أكثر من 18 ألفاً من أصحاب حق الاقتراع بالقدس الشرقية شاركوا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت عام 2006.
وقالت المحتسب: "يعود السبب الأساسي في ضعف مشاركة المقدسيين في الانتخابات، إلى الإجراءات الإسرائيلية التي أعاقت العملية من الناحيتين الفنية والمعنوية". مضيفة أن "المقدسيين يرغبون في المشاركة في انتخابات حرة ونزيهة ومنظمة، مثلهم مثل أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولهذا السبب فإن الوقت بات مواتياً لإيجاد أساليب وطرق أفضل وأكثر كرامة للاقتراع في القدس الشريف".
وإثر الانتخابات التي جرت في العام 2006، اعتقلت إسرائيل النواب الذين فازوا فيها على قائمة حركة "حماس"، وأبعدتهم لاحقاً عن مدينة القدس إلى الضفة الغربية، بعد اتخاذ قرار بشطب إقاماتهم في المدينة. وبموجب القانون الإسرائيلي فإن سكان القدس الشرقية الفلسطينيين "مقيمون" وليسوا مواطنين.