دأب أفراد بعينهم، سياسيون وإعلاميون غربيون ينتمون لليمين المتطرف، على تحويل رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) إلى صناعة، واستخدموا المسلمين كبش فداء لتحقيق مآربهم الخاصة، مستخدمين افتراضات محددة، فما هي، وما مدى صحتها؟
وعلى الرغم من أنَّ المشاعر المعادية للمسلمين كانت موجودة قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، في الولايات المتحدة، فإنه بعد تلك الهجمات الإرهابية أصبح هناك تكثيف في ترديد التعبيرات المجازية العدائية المستخدمة لتوصيف الإسلام والمسلمين.
ومن أبرز تلك الافتراضات أنَّ الإسلام دين عنيف بطبيعته، أو أنَّ المسلمين لديهم نزوع إلى التطرف العنيف، ونشر موقع The Conversation الأسترالي تقريراً رصد فيه كيف تم توظيف الإسلاموفوبيا كصناعة لأغراض سياسية، ووضع تقييماً لتلك الظاهرة بصورة موضوعية كشكل من أشكال التعصب، وفي هذا الشأن تكون الدراسات التجريبية وسيلة فعّالة لفضح التحيّز المتفشي في كلا جانبي الطيف السياسي الغربي.
اليمين المتطرف ليس وحده المتهم
ويعتبر خطاب الكاتب الكندي اليميني مارك ستاين نموذجاً لآراء الجناح اليميني المتطرف بشأن الإسلاموفوبيا، إذ يزعم ستاين أنَّ "معظم المسلمين إما يتمنون أو لا يكترثون بموت أفراد المجتمعات التي يعيشون فيها". وفي هولندا يروج السياسي اليميني المتطرف غيرت فيلدرز إلى أن القرآن الكريم "مصدراً لإلهام الكراهية والتحريض على العنف والإرهاب في جميع أنحاء العالم".
وفي بريطانيا، يشير المُعلّق السياسي البريطاني المحافظ دوغلاس موراي إلى أنَّ المملكة المتحدة بحاجة إلى "تقليص وجود المسلمين على أراضيها للحد من الإرهاب".
لكن هناك أيضاً معلقون يساريون بارزون يساهمون في ترويج نفس الصور النمطية المفزعة مثل نظرائهم اليمينيين، وعلى سبيل المثال يؤكد عالم الأعصاب الأمريكي سام هاريس أنَّ "ثمة صلة مباشرة بين عقيدة الإسلام والإرهاب المنسوب للمسلمين"، ومن جانبها تقول الناشطة والكاتبة الأمريكية الصومالية المولد، آيان هيرسي، إنَّ "العنف متأصل في العقيدة الإسلامية".
تلك هي أبرز الفرضيات والتوصيفات التي يتم الترويج لها في الغرب، وأسهمت في ارتفاع معدلات الإسلاموفوبيا بصورة غير مسبوقة، ويطرح تقرير الموقع الأسترالي السؤال البديهي: هل تعتبر تلك التوصيفات كافية من وجهة نظر علمية أكاديمية لإثبات الطبيعة العنيفة للدين الإسلامي؟ فالمواقف المُسلّم بها بديهياً والمبالغات الجسيمة تميل إلى الانتقاص من القدرة على بحث القضية الرئيسية المتمثلة فيما إذا كان تصوير المسلمين على أنَّهم متطرفون عنيفون هو أمر منطقي أم مضلل.
الغالبية الساحقة من المسلمين يرفضون التطرف والعنف
يرفض المسلمون في جميع أنحاء العالم التفجيرات الانتحارية وجميع أشكال العنف الأخرى التي ترتكب ضد المدنيين بدعوى الدفاع عن الإسلام، إذ وجدت دراسات أنَّ معظم المسلمين في العديد من الدول ينظرون إلى مثل هذا التطرف على أنَّه أمر نادر الحدوث أو لا يمكن تبريره على الإطلاق، من بينهم 96% في أذربيجان، و95% في كازاخستان، و92% في إندونيسيا و91% في العراق.
وفي تقرير بعنوان "What Muslims Want"، نشرت مؤسسة ICM Research عام 2016 نتائج أكبر بحث أجرته على المسلمين البريطانيين. وجد التقرير أنَّ 9 من 10 مسلمين بريطانيين يرفضون الإرهاب تماماً. عندما طُرح عليهم سؤال "إلى أي مدى تتعاطف مع الأشخاص الذين يرتكبون أعمالاً إرهابية كشكل من أشكال الاحتجاج السياسي"، أدان 90% ممّن شملهم البحث مثلَ هذه الأعمال، في حين 3% فقط لم يُظهروا تأييداً أو إدانة واضحين لتلك الأعمال.
وفي استطلاع للرأي العام أجراه معهد "Environics" عام 2016، أظهر 1% فقط من المسلمين الكنديين تأييداً لعبارة أنَّ "معظم المسلمين في كندا يدعمون التطرف العنيف". وعندما سألت دراسة استقصائية واسعة النطاق عما إذا كانت "الهجمات ضد المدنيين مبررة أخلاقياً"، جاءت النتائج متشابهة إلى حدٍّ كبير في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.
وفي استطلاع أجراه مركز "Pew" للأبحاث عام 2017، أكّد 84% من المسلمين الأمريكيين أنَّ قتل المدنيين لأسباب سياسية أو اجتماعية أو دينية "لا يمكن تبريره على الإطلاق".
وفيما يتعلق بمستوى دعم المنظمات الإرهابية تبيَّن أنَّ معظم الأشخاص في الدول التي يعيش فيها عدد كبير من السكان المسلمين لديهم نظرة سلبية للغاية تجاه تنظيم "داعش"، حيث أبدى 100% من المشاركين في الاستطلاع في لبنان رفضهم التام لتنظيم داعش، فضلاً عن 94% في الأردن و84% في الأراضي الفلسطينية.
فرضيات خاطئة عن الإسلام والمسلمين
مصطلح "الإسلاموفوبيا" يعتبر مناسباً لتصنيف الفرضيات غير الدقيقة المُتعلّقة بالإسلام والمسلمين، إذ يعتقد أولئك الذين يتبنون أجندة معادية للمسلمين أنَّ وجهات نظرهم متماسكة، لكن حسبما يقول الكاتبان، إيلي ماسي وناثان روبنسون، إنَّ التحيز "يقودنا إلى الاعتقاد بأن تعميماتنا تستند إلى أساس معقول ومنطقي حتى عندما تشير الأدلة الواقعية إلى اتجاه مختلف تماماً".
في الواقع، الجزم بأنَّ معظم المسلمين يدعمون على نطاق واسع العنف والتطرف هو ادّعاء لا أساس له من الصحة. وفي ضوء أنَّ صناعة "الإسلاموفوبيا" تشوّه صورة المسلمين في أعين الغرب، تؤدي الدراسات العلمية الأكاديمية دوراً تصحيحياً مهماً لهذه الصورة من ناحيتين أساسيتين؛ الأولى من خلال فضح مواقف رهاب الإسلام التي سادت الغرب منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ومن الناحية الثانية، تساعد تلك الدراسات في الحد من انتشار النقد اللاذع الموجه للمسلمين من خلال توفير مساحة عقلانية للمناقشة.
وكانت القمة الإسلامية التي استضافتها العاصمة الماليزية كوالالمبور، في ديسمبر/كانون الأول عام 2019، بمشاركة 52 دولة و450 عالماً ومفكراً إسلامياً قد وصفت "الإسلاموفوبيا" على أنها أحد أبرز التحديات يجب يواجهها المسلمون حول العالم، وسعت القمة لوضع آليات لمكافحتها.
و"الإسلاموفوبيا" مصطلح إنجليزي يتكون من كلمتين "الإسلام" و"فوبيا"، التي تعني "رهاب" أو "خوف"، والمصطلح يعني "رُهاب الإسلام" أو "الخوف المرَضي من الإسلام"، وهو يوحي بالتحامل على الإسلام وكراهيته وكراهية المسلمين والخوف منهم، واتخاذ كون المرء مسلماً أو مسلمة سبباً كافياً للاعتداء عليه.
وظهر المصطلح أول مرة عام 1997، عندما استخدمته جهة بحثية يسارية بريطانية تسمى "رينميد ترست"، لإدانة تنامي مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين، في دراسة بحثيةٍ هدفها تسليط الضوء على الظاهرة، بعنوان "الإسلاموفوبيا: تحدٍّ لنا جميعاً".
ورغم أن المؤشرات على ارتفاع نسبة الإسلاموفوبيا بدأت منذ عقود بعيدة، فإن القضية تحولت إلى ظاهرة عامة منذ نهايات القرن الماضي، وتشكلت على الأرض بصورة لافتة، في أعقاب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، وهي الهجمات التي تبناها تنظيم القاعدة.
لكن انتباه الدول الغربية مؤخراً إلى الخطر الداهم الذي يمثله اليمين المتطرف والذي يصفه البعض بأنه الوحش الذي يهدد العالم بالفناء، وضع ظاهرة الإسلاموفوبيا في دائرة الضوء وتعالت الأصوات بضرورة التصدي لتلك العنصرية والحض على الكراهية بصورة أكثر جدية.
وعلى سبيل المثال كان التقرير الحكومي الذي صدر في نيوزيلندا بعد مجزرة مسجدي كرايست تشيرش التي ارتكبها أحد أعضاء اليمين المتطرف بحق المسلمين، الذين كانوا يؤدون صلاتهم في سلام، قد أظهر أن تركيز الأجهزة الأمنية في البلاد على مراقبة "التطرف الإسلامي" وتجاهل المؤشرات البارزة على خطر إرهاب اليمين المتطرف كان أحد أسباب الفشل في منع وقوع المجزرة، وهو ما يجعل المسلمين في نيوزيلندا لا يشعرون بالأمان رغم الإجراءات الحكومية لحمايتهم.
وفي السياق ذاته ألقى اقتحام الكونغرس الأمريكي، يوم الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني، من جانب أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب بغرض تعطيل جلسة التصديق على فوز منافسه جو بايدن، مدى عمق الخطر الذي تمثله جماعات اليمين المتطرف المنظمة والمسلحة والتي لا تتعامل معها أجهزة الأمن الأمريكية بنفس القدر من اليقظة الذي تتعامل به مع أي إشارة على احتمال وجود تهديد من جانب مهاجرين أو مسلمين، وهو ما يعتبره كثير من الخبراء انعكاساً لظاهرة الإسلاموفوبيا في عمل الأجهزة الأمنية.
ففي حين تسارع الإدارات الأمريكية في تصنيف دول وجماعات إسلامية كمنظمات إرهابية أجنبية أو دول راعية للإرهاب لأسباب سياسية في أغلب الأحيان، إلا أن هناك معارضة شرسة لتصنيف جماعات اليمين المتطرف كمنظمات إرهابية، رغم تكرار جرائمها العنيفة والدموية، والتي يرى كثير من الخبراء أن اقتحام الكونغرس لن يكون آخرها على الأرجح.