عندما فتحت الإمارات أبوابها على مصاريعها للزوار على الرغم من استمرار جائحة فيروس كورونا المستجد كانت تراهن على أن طرحها السريع للقاحات يعني أنها ستتمكن من السيطرة على حالات الإصابة بينما تعطي لاقتصادها دفعة ضرورية، لكن تلك الاستراتيجية بدأت تتعرض لضغوط.
فبرنامج "عالمنا في بيانات" البحثي التابع لجامعة أوكسفورد يشير إلى أن الحالات الجديدة في الإمارات التي يبلغ عدد سكانها نحو تسعة ملايين نسمة ارتفعت إلى ثلاثة أضعاف خلال الشهر المنصرم إلى نحو 354 لكل مليون فرد هذا الأسبوع.
ومع ذلك يظل معدل الإصابة في الإمارات أقل كثيراً من نظيره في بريطانيا، والذي يبلغ 574 لكل مليون في الدولة الأكثر تضرراً في أوروبا والخاضعة الآن لعزل عام. لكنه يزيد كثيراً عن معدل العدوى في دول الجوار الخليجية، إذ يبلغ سبعة في المليون في السعودية و33 في المليون في سلطنة عمان رغم أن الإمارات لديها ثاني أعلى معدل تطعيم مقارنة بعدد السكان في العالم.
الوضع ما زال خطراً
وتجنبت الإمارات فرض عزل عام مجدداً بينما تخضع بعض الدول في أوروبا ومناطق أخرى لقيود صارمة للمرة الثانية أو الثالثة. وقالت دبي الخميس 21 يناير/كانون الثاني 2021 إنها منعت العروض الترفيهية الحية لكن المقاهي والحانات يمكنها البقاء مفتوحة. كما أجلت إجراء العمليات الجراحية غير الضرورية أيضاً.
وقال ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأسبوع الماضي "بتكاتف الجميع سنصل إلى المعدلات المستهدفة (من التحصين) سريعاً ونمضي إلى طريق التعافي الكامل بعون الله".
والمخاطر كبيرة بالنسبة للإمارات. فعاصمتها أبوظبي، وأغنى الإمارات السبع، لديها شبكة أمان هائلة من الثروة النفطية لمساعدة اقتصادها على التكيف مع الأوضاع الطارئة.
أما دبي، المركز التجاري، فمطاراتها المزدحمة وأبنيتها المكتبية الشاهقة وفنادقها الراقية تقوم على اقتصاد مفتوح تضررت أسسه بشدة جراء قيود كورونا المفروضة حول العالم.
أسئلة مطروحة
يرى أمير خان، وهو خبير اقتصادي بمجموعة سامبا المالية يعمل انطلاقاً من دبي، أن ارتفاع معدلات انتشار المرض يشير إلى أن إلغاء القيود ربما كان أوسع وأسرع من المطلوب رغم أنه ساعد الاقتصاد.
وقال خان "هذا يطرح بحق أسئلة عن إمكانية استدامة التعافي، الذي بدأ يشهده الاقتصاد الإماراتي، على المدى القريب ومدى قدرته على البقاء محصناً وهو يواجه موجة ثانية تنتشر عالمياً".
تقول السلطات في الإمارات إنها ركزت على الرصد المبكر لحالات الإصابة والتدخل السريع، مما ساعدها على تحقيق أحد أقل معدلات الوفيات بكوفيد-19 في العالم. ويرى محللون أن ذلك يرجع في جانب منه إلى أن الشبان هم النسبة الغالبة من سكان الإمارات التي لديها أيضاً عدد كبير من العمالة الوافدة.
وأحجمت المكاتب الإعلامية للإمارات ودبي وأبوظبي عن التعليق على هذا التقرير. ولم ترد اللجنة الوطنية لمواجهة الكوارث على طلب عبر البريد الإلكتروني للتعليق.
تهدف الإمارات إلى تطعيم نصف سكانها بحلول نهاية مارس/آذار. ووزعت جرعات من اللقاحات توازي ما يزيد عن خمس سكانها حتى أمس الأربعاء 20 يناير/كانون الثاني. ولم تسبقها في ذلك سوى إسرائيل التي وزعت بالفعل لقاحات توازي ثلث سكانها.
وتعتمد الإمارات إلى حد بعيد على لقاح طورته شركة سينوفارم الصينية. ولم يحظ هذا اللقاح بالموافقة في الكثير من الدول بسبب نقص البيانات التفصيلية عن التجارب التي أجريت عليه.
ولا تجبر السلطات السكان على تلقي اللقاح لكنها تشجعهم بقوة على ذلك. وخفضت السلطات من الحد الأدنى لعمر من يمكنهم تلقي اللقاح إلى 16 عاماً، أما بالنسبة لمن يعملون في هيئات حكومية ويقررون عدم تلقيه فيُلزمون بدفع ثمن فحص تفاعل البلمرة المتسلسل (بي.سي.آر) للكشف عن كورونا كل أسبوع.
ويقول علي فهمي، وهو من باكستان ويعمل في أحد المصارف، وحصل على لقاح سينوفارم من أحد المراكز التي يتزايد عددها وتقدمه بالمجان "الناس حول العالم يستميتون للحصول على لقاح وهو متاح لنا هنا على طبق من ذهب حرفياً".
كل الأعمال مفتوحة
سارعت مناطق في الإمارات إلى معاودة فتح أبوابها حتى قبل توزيع اللقاحات للوقاية من المرض. ومنذ يوليو/تموز تمكن زوار من السفر إلى دبي، ومن ديسمبر/كانون الأول إلى أبوظبي. وتجري السلطات اختباراً للكشف عن المرض بالمجان لكل من يصلون إلى البلاد.
وبمجرد تخفيف القيود، عاد الزبائن للاصطفاف انتظاراً لخلو طاولات في المطاعم، بدبي وأعلنت الفنادق أن نسبة الإشغال في ديسمبر/كانون الأول بلغت 71%، وهو ما يقل 10% فقط مقارنة بالعام الماضي وعادت مراكز التسوق الكبرى تعج بالمشترين لكنهم ملزمون بوضع الكمامة.
وساهمت عودة الحياة إلى قطاع السياحة في إعطاء دفعة لأسواق الأسهم المحلية. فقد ارتفع مؤشر سوق دبي المالي بما يقرب من 10% منذ بداية العام وصعد مؤشر أبوظبي 11% مقارنة بزيادة نسبتها 2% فقط في المؤشر السعودي و3% في مؤشر السوق القطرية.
وقال إدوارد موراي وهو خبير بيانات بريطاني "من اللطيف أن ترى كل شيء مفتوحاً" مشيراً إلى أنه مدد عطلته في دبي عندما أعلنت بلاده فرض عزل عام جديد، مضيفاً أن "قرار التمديد كان سهلاً".
ولا تكشف الإمارات عن بيانات تفصيلية لعدد الإصابات والوفيات بكوفيد-19 في كل إمارة، وبالتالي من الصعب الحكم على ما إذا كانت دبي التي كانت أول من خفف قيود كورونا في البلاد قد تضررت أكثر من غيرها من الإمارات من موجة ارتفاع الإصابات في الآونة الأخيرة.
لكن الدول الأخرى ترقب الأوضاع المتغيرة في البلاد. وألغت بريطانيا ممر السفر الآمن الذي كانت فتحته مع الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني والذي كان يعفي المسافرين من الدولة الخليجية من الحجر الصحي لدى الوصول. وتظهر بيانات شركة (أو.إيه.جي) أن الخط بين دبي ومطار هيثرو في لندن كان الأكثر ازدحاماً بين مسارات الطيران الدولية في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني.