أعلنت إيران عن زيادة كبيرة في معدلات إنتاج النفط، تزامناً مع تخفيض السعودية إنتاجها بمعدل مليون برميل يومياً، فمن أين لطهران بأموال تطوير منشآتها، ومن سيشتري نفطها؟ اتفاقها الاستراتيجي مع الصين يحمل الإجابة.
ففي الأسبوع الماضي أعلنت طهران أنَّ الشركة الوطنية الإيرانية للنفط وقعت عقوداً بقيمة 1.2 مليار دولار لـ8 مشروعات نفطية جديدة، تهدف إلى الحفاظ على معدل إنتاج النفط الخام للبلاد، وزيادته بصورة كبيرة. ورغم أنَّ تلك المشروعات ستديرها على نطاق واسع شركات إيرانية فإنّها تعد جزءاً من مجموعة مشروعات صيغت جنباً إلى جنب مع صفقة يمتد عقدها لـ25 عاماً، أبرمتها طهران مع بكين عام 2019.
وبموجب تلك الصفقة أو الشراكة الاستراتيجية تستثمر الصين في صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، بالإضافة إلى عقود أخرى لضخ استثمارات صينية في كافة قطاعات العمل في إيران.
وكانت السعودية قد أعلنت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن تخفيض إنتاجها اليومي من النفط بمقدار مليون برميل بغرض الحفاظ على معدلات أسعار النفط الحالية، في ظل تراجع الطلب بفعل استمرار تداعيات جائحة كورونا، وإن كان الطلب قد تحسن إلى حد ما بعد عودة ماكينة العمل الصينية إلى مستويات تقترب من مستويات ما قبل الجائحة.
لكن يبدو أن إيران تسعى لاقتناص جزء من حصة السعودية في أسواق النفط، وهو ما أصبح هدفاً لطهران، منذ هجمات سبتمبر/أيلول عام 2019، التي استهدفت منشآت النفط الرئيسية في شركة أرامكو بالمملكة، والتي تقف وراءها إيران، بحسب السعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، رغم نفي طهران، بحسب تقرير لموقع Oil price البريطاني.
الشراكة بين الصين وإيران
وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لنظيره الصيني وانغ يي، في أغسطس/آب 2019، بغرض تقديم خارطة طريق تهدف إلى توسيع نطاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران، التي كان قد جرى التوقيع عليها في الأساس عام 2016.
من جانبها، كان يتعيّن على إيران منح الصين مجموعة كبيرة من المزايا التعاقدية، من بينها منح الأولوية لعطاءات الشركات الصينية في المناقصات المطروحة لتطويرات حقول النفط (أو الغاز) الإيرانية الجديدة أو المتوقفة أو غير المكتملة، ويحق للصين أيضاً -وفقاً للعقد- تجنّب الدولار وأداء مدفوعاتها لإيران بالعملة الصينية الرائجة، أو العملات الأضعف التي اكتسبتها من تعاملاتها التجارية في إفريقيا ودول الاتحاد السوفييتي السابقة، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الصين خصماً إضافياً نسبته 12%، ليصل إجمالي الخصم على جميع مشتريات الصين من المنتجات النفطية الإيرانية إلى حوالي 32%.
من جانبها، يركز التزام الصين الرئيسي إزاء النفط الإيراني -علاوة على التزامها السياسي الرئيسي بدعم طهران في مجلس الأمن الدولي- على زيادة إنتاج النفط الخام من حقول غرب كارون في جنوب غرب إيران.
في ذلك الوقت، كانت حقول غرب كارون -التي تشمل مكامن النفط الضخمة في حقلي أزاديجان الشمالي والجنوبي، من بين مواقع أخرى أقل شهرة- تنتج حوالي 355 ألف برميل نفط يومياً فقط، على أساس معدل استخراج نفط يتراوح بين 3.5% و5.5%. ووفقاً لوزارة البترول الإيرانية فإن كل زيادة بنسبة 1% في معدل استخراج النفط من حقول غرب كارون ستزيد الاحتياطيات القابلة للاستخراج بمقدار 670 مليون برميل، أي 33.5 مليار دولار من الإيرادات الإضافية.
حرب ترامب التجارية ضد الصين وعقوبات إيران
واتفق محمد جواد ظريف ووانغ يي مجدَّداً، في أغسطس/آب 2019، على أنَّ الشركات الصينية ستزيد إنتاج النفط البالغ 355 ألف برميل يومياً من حقول غرب كارون، بمقدار 145 ألف برميل يومياً في المرحلة الأولى (ليصل إجمالي الإنتاج إلى 500 ألف برميل يومياً)، ثم بمقدار 500 ألف برميل إضافي (ليصل إجمالي إنتاج النفط حقول غرب كارون إلى مليون برميل يومياً).
وعند هذه المرحلة بدأ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تصعيد الحرب التجارية ضد الصين، جنباً إلى جنب مع مواصلة تشديد العقوبات ضد إيران، وأولئك المتعاملين معها تجارياً بعد الانسحاب الأحادي الجانب للولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني) في عام 2018.
وكان هذا يعني أنَّ الصين شعرت بضرورة التريث وتوخي مزيد من الحذر في تعاملاتها مع إيران، التي كانت في حاجة ماسة إلى مساعدتها أكثر من أي وقت مضى، إذ ألقت إجراءات ترامب المتشددة بظلالها السلبية على الاقتصاد الإيراني.
وأبرز موقع "OilPrice" الأرقام الحقيقية القاتمة للاقتصاد الإيراني بعد عام واحد من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. فقد سجل نمو الناتج المحلي الإجمالي الإيراني في مايو/أيار 2020 نمواً سالباً نسبته 22% مقارنة بشهر نوفمبر/تشرين الثاني ،2019 وبلغ معدل البطالة حوالي 37% وتجاوز معدل التضخم 65% وتراجعت قيمة الريال الإيراني بنسبة 65% على الأقل، خلال تلك الفترة، أمام سلة العملات العالمية الأساسية. وتعاني إيران حالياً من عجز في الميزانية بنسبة 80%، بالإضافة إلى عجز في الميزان التجاري قيمته 6.5 مليار دولار.
من أين تأتي إيران بالأموال؟
ونتيجة لهذه الديناميكيات، بدأ ظهور نوعين غريبين من الإعلانات الحكومية الرسمية غير المفهومة فيما يتعلق بالتطورات الجديدة في إيران (وكذلك العراق الذي يحظى أيضاً برعاية إيرانية). تضمن الإعلان الأول خطط تنفيذ مشاريع عالية التكلفة في إيران، وهو أمر مُحيّر بالنظر إلى حقيقة أنَّها كانت مفلسة من الناحية التقنية، فيما أفصح الإعلان الثاني عن إبرام عقود جديدة مع عدد من الشركات -جميعها صينية- التي تعمل في مجالات مختلفة.
تمثّلت حقيقة الوضع في أنَّ العديد من الشركات الصينية قد مُنحت 11 مشروعاً في عدد من المجالات التشغيلية المختلفة، بهدف تطوير حقل أزاديجان الجنوبي، من بينها عقود تقتصر على أعمال محددة فقط مثل عقود أعمال الحفر وعقود الأعمال الإنشائية وعقود أعمال صيانة الحقول، من بين أمور أخرى.
ومع ذلك، صرّح مصدر رفيع المستوى في صناعة النفط والغاز في إيران لموقع OilPrice: "في الواقع لا يوجد أي فرق في نوع التعاقد، أو الاسم الوارد في العقد المتاح للجمهور، فالصين تمضي قدماً في تنفيذ ما اتُفق عليه بالفعل في صفقة الـ25 عاماً التي أبرمتها مع إيران عام 2019".
وعلى نفس المنوال بالضبط، لا يهم ما هو الاسم الوارد في عقود تمويل المشاريع المعلن عنها الأسبوع الماضي، لتعزيز إنتاج النفط الخام من حقول غرب كارون، لأنَّ بكين ستوفر بكل سعادة كل الأموال التي تحتاجها إيران لتحقيق الأهداف المتفق عليها في صفقة الـ25 عاماً مع الصين، بالنظر إلى مدى ثقل إيران الذي لا غنى عنه في مستقبل مبادرة "الحزام والطريق" الصينية (حزام واحد، طريق واحد".
صحيح أنَّ وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، أعلن الأسبوع الماضي أنَّ المشاريع النفطية ستمول من خلال إصدارات السندات، لكن من الصحيح أيضاً أنَّ الصين أو كيانات تابعة لها ستشتري أياً من تلك السندات المطروحة التي لا تُشترى بسهولة في الأسواق.
بالإضافة إلى ذلك، نشرت المواقع الإلكترونية التابعة للحكومة الإيرانية منشوراً صغيراً -يبدو غير مثير للاهتمام وتجاهلته وسائل الإعلام الدولية- يخص التصديق على لائحة داخلية متعلقة بإصدار الصكوك. ومع ذلك، فإن هذا المنشور الخالي من الكلمات الذي وقّع فيه النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانجيري، على صكوك متوافقة مع الشريعة الإسلامية في السنة التقويمية 1399 بالتقويم الهجري الشمسي الإيراني (والتي بدأت في 20 مارس/آذار 2020)، يعني أنَّ إيران ستتمكّن من الوصول إلى تدفق جديد هائل من رأس المال الذي ستستخدمه لدفع برنامجها الخاص بتطوير إنتاج النفط والغاز إلى الأمام.
وستقدم الصين الدعم الشامل لكل هذا التطوير، وهذا بالضبط ما كان يلمح إليه المدير العام للشركة الإيرانية الوطنية للنفط، مسعود كارباسيان، الأسبوع الماضي، عندما تحدّث عن بيع سندات بقيمة 30 تريليون ريال إيراني (712.5 مليون دولار) لتمويل المشروعات النفطية الجديدة لإيران، مع خطط لإصدار سندات أخرى بقيمة 20 تريليون ريال إيراني على الأقل في المستقبل القريب، إذا اقتضى الأمر.