مرت عشر سنوات على فرار الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي وأسرته وحاشيته من البلاد في أعقاب ثورة الياسمين التي أطلقت شرارة الربيع العربي، وحتى الآن لم تنجح الحكومات المتعاقبة في استرداد الأموال المنهوبة، والشعب ما زال يحلم بتحقيق ما ثار من أجله.
فتونس تشهد احتجاجات متقطعة منذ نحو شهرين في عدد من المناطق للمطالبة بتحسين ظروف العيش وتوفير فرص عمل للعاطلين، تزامناً مع الذكرى العاشرة للثورة التي أطاحت بالنظام السابق، مهدت لانتقال سياسي لا يزال متوتراً ويواجه صعوبات اقتصادية.
وفي مؤشر على أن الاحتجاجات الحالية ربما تكون أوسع نطاقاً من سابقاتها، أعلنت وزارة الدفاع التونسية أمس الأحد 17 يناير/كانون الثاني انتشار وحدات عسكرية أمام المنشآت العامة ومقرات السيادة، تحسباً لأعمال الشغب، حيث تتواصل الاحتجاجات لليوم الرابع على التوالي وسط بعض أعمال الشغب التي يقوم بها محتجون.
ويرى البعض أنها احتجاجات طبيعية ومتكررة مع كل ذكرى للثورة التونسية، فيما يرى آخرون أنها احتجاجات قد تكون مختلفة، وقد تتصاعد أكثر خلال الفترة المقبلة في ظل التأزم السياسي الذي تشهده البلاد.
ملف الأموال المنهوبة
وفي ظل الحالة الاقتصادية الصعبة التي تواجهها تونس والتي فاقمتها أزمة وباء كورونا، تقترب مدة تجميد الأموال المهربة من تونس إلى جنيف من نهايتها عند منتصف ليل غد الثلاثاء 19 يناير/كانون الجاري، إذ وصلت مدة التجميد إلى الحد الأقصى، أي عشر سنوات، حسب القانون السويسري دون أن تكمل السلطات التونسية الإجراءات القانونية لاستعادتها.
وهو ما يعني أن تلك الأموال أصبحت قريبة للغاية من يد حاشية الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي التي أودعتها في البنوك السويسرية خلال فترة حكمه، وكان مسؤول في الرئاسة التونسية قد قال لفرانس برس السبت 16 يناير/كانون الثاني طالباً عدم الكشف عن اسمه إن "المجلس الفيدرالي السويسري أعلن أن التجميد الإداري لجزء من هذه الأصول التابعة لمعسكر بن علي سينتهي منتصف ليل 19 يناير/كانون الثاني، وقد أُبلغنا بهذا الأمر من خلال قنوات دبلوماسية".
وأكد المسؤول في الرئاسة التونسية أن نتيجة رفع تجميد هذه الأصول منتصف ليل الثلاثاء ستكون أن بين 30 و50 شخصاً من أوساط بن علي خصوصاً زوجته ليلى الطرابلسي وشقيقها بلحسن الطرابلسي، "سيتمكنون من استعادة الأموال".
حق ضاع مرتين على الشعب
وقد بحث الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي ضرورة التحرك بأقصى سرعة حتى لا تنقضي المدة القانونية وتضيع معها حقوق الشعب التونسي، وذلك يوم السبت بعد وصول الإخطار من المجلس الفيدرالي السويسري على ما يبدو.
وكان المجلس الفيدرالي السويسري قد أمر يوم 19 يناير/كانون الثاني 2011 وعلى سبيل الاحتياط بتجميد أصول بن علي وأوساطه في سويسرا، وتمتدّ فترة التجميد القانونية إلى عشرة أعوام تنتهي مساء غد الثلاثاء.
وعلى الرغم من أن السلطات التونسية كانت قد أنشأت في فبراير/شباط 2011 لجنة خاصة لاسترجاع الأموال المنهوبة لوضع تخطيط وقيادة وتعاون استراتيجي على المستويين المحلي والدولي، إلا أن عقداً من الزمان انتهى دون أن تعود تلك الأموال إلى بلد يعاني اقتصاده بشدة.
وقال رئيس منظمة رقابة (مستقلة) عماد الدايمي لوكالة الأناضول إن "الأموال المنهوبة حق للشعب التونسي الذي نُهب مرتين، الأولى قبل الثورة والثانية بعدها"، مضيفاً: "في المرة الأولى عندما تمّ نهبه من قبل بن علي وعائلته خاصة في سنوات التسعينات والألفين وحُرم التونسيون من الاستفادة منها، والمرة الثانية عندما عجزت الدولة عن استرجاع تلك الأموال (إلى حد الآن)".
كم تبلغ أموال تونس المنهوبة؟
وحتى الآن لم تعلن تونس بشكل رسمي قيمة الأموال التي هربها بن علي ومقربون منه إلى مصارف أجنبية، بينما قدر فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس هذه الأموال بنحو 23 مليار دولار، وتحدثت تقارير أخرى عن 13 مليار دولار.
وقبل أيام قالت صحيفة "لوتان" السويسرية إن فرصة استرجاع 200 مليون فرنك سويسري (نحو 225 مليون دولار) اختلستها جماعة بن علي سوف تضيع مع انتهاء مهلة تجميد الأصول مساء الثلاثاء، لافتة إلى أن جزءاً من الأموال بقيمة 60 مليون فرنك تم تجميده بأمر قضائي وسيظل آمناً مهما حدث، وقد استعادت منها الدولة التونسية حتى الآن 4.27 ملايين دولار.
وتشير تلك الأرقام التي تختلف من جهة لأخرى إلى أن القيمة الإجمالية للمبالغ المهربة أو المنهوبة غير معلومة حتى الآن على الأقل لوسائل الإعلام، حيث أفادت منظمة "بابليك آي" السويسرية غير الحكومية من قبل بأن قريبين من بن علي قد نقلوا 320 مليون دولار عبر مركز جنيف المالي إلى سويسرا، كما نقلت وسائل إعلام سويسرية أرقاماً مشابهة. وجدير بالذكر أن الرئيس المخلوع توفي عن عمر يناهز 83 عاماً في 2019 في منفاه في السعودية.
ما أسباب عدم استرداد الأموال المنهوبة؟
ويرى مهاب القروي عضو الهيئة التنفيذي لمنظمة "أنا يقظ" التونسية أن هناك أسباباً عديدة وراء الفشل في استرداد الأموال المنهوبة، معتبراً في حوار له مع الأناضول أنه "لا توجد إرادة سياسية حقيقية لاسترجاع هذه الأموال، فمعظم من حكموا بعد الثورة كانت لهم مصالح مباشرة وغير مباشرة مع عائلة بن علي".
وأضاف القروي أن "الصعوبات الكبيرة التي واجهتها تونس في استرداد الأموال المنهوبة والمجمدة في أرصدة بنكية بعدد من الدول، كانت بسبب تعقيدات قانونية وتقنية وعدم إبداء الدول التي تحتضن مصارفها الأرصدة المصادرة تعاوناً في هذا الشأن"، مشيراً إلى أن عدم التعاون "أثر على الإجراءات المتبعة".
والسبب الآخر الذي أشار إليه القروي يتعلق بأن الدول الأوروبية ترفض إعادة الأموال المنهوبة إلى تونس إلا بعد صدور أحكام قضائية نهائية بشأن تلك الأموال، ومع استمرار هروب المتهمين خارج البلاد وتجنب مواجهة القضاء التونسي تصبح مسألة الأحكام القضائية النهائية أمراً لم يتحقق رغم مرور عشر سنوات.
ولخص الدايمي للأناضول الموقف بقوله إن "الأصعب من كلّ هذا أن الدولة لم تستطع إلى حد الآن تقدير الرقم الصحيح لهذه الأموال المنهوبة، فإلى الآن لا نعرف الرقم الحقيقي لما نهبه بن علي وعائلته طيلة سنوات حكمهم".
واعتبر أن بلاده "في وضع لا تحسد عليه، فعملية استرجاع الأموال باتت صعبة بعد هذا التأخير الكبير"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "ضرورة ضغط الدولة عبر دبلوماسيتها في الخارج على الدول التي توجد فيها الأموال حتى تتمكّن من استرجاعها ولا تضيع إلى الأبد".