اعتقلت روسيا نافالني المعارض الأبرز لفلاديمير بوتين. مستشار جو بايدن يطالب موسكو بالإفراج "الفوري" عنه، فإلى أين تتجه الأمور بين البلدين بعد مغادرة ترامب حليف بوتين وصديقه؟
القصة بدأت أمس الأحد 17 يناير/كانون الثاني عندما اعتقلت السلطات الروسية المعارض أليكسي نافالني فور وصوله إلى مطار "شيريميتيفو" في العاصمة موسكو، قادماً من برلين، حيث كان يعالج من محاولة اغتياله بالسم، بحسب نافالني والسلطات الغربية.
دائرة السجون الفيدرالية الروسية أصدرت بياناً قالت فيه: "احتجزت إدارة السجون الفيدرالية في مطار شيريميتيفو أليكسي نافالني، المحكوم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ، والذي كان مدرجاً في قائمة المطلوبين منذ 29 ديسمبر/كانون الأول 2020 بجرم الاحتيال"، بحسب وكالة "سبوتنيك" المحلية. وأضاف البيان أن "القضاء سيحدد الإجراء اللاحق بحق نافالني، حيث سيبقى محجوزاً حتى صدور القرار النهائي".
كما أوقفت السلطات الروسية عدداً من أنصار نافالني، إثر تجمعهم في المطار لاستقباله قبيل وصوله إلى العاصمة موسكو. ومن بين المعتقلين في المطار، ليوبوف سوبول، المحامية في "صندوق مكافحة الفساد" الذي أسسه نافالني، وشقيقه، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات القيادية في المعارضة الروسية.
وكان نافالني قد أعلن نيته العودة إلى بلاده أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أن مصلحة السجون أصدرت تحذيرها بأنها ستكون "ملزمة" باعتقاله، لكن المعارض الأبرز لبوتين اعتبر الأمر محاولة لـ"تخويفه" ودعا أنصاره لاستقباله في مطار "فنوكوفو" بموسكو.
وتوجهت بالفعل مجموعة من أنصاره إلى مطار "فنوكوفو" وتجمعوا تلبية لدعوته، لكن السلطات الروسية قامت بتوجيه الطائرة إلى مطار آخر بموسكو وهو شيريميتييفو"
تغريدة لافتة لمستشار بايدن
منذ أغسطس/آب الماضي عندما تدهورت الحالة الصحية للمعارض الروسي وتم نقله إلى برلين لتلقي العلاج، تبادلت روسيا والاتحاد الأوروبي الاتهامات بشأن ما حدث لنافالني، حيث رجحت برلين أن يكون "ضحية اعتداء بالسم"، وبناء على ذلك، دعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، موسكو إلى فتح تحقيق في "تسميم" نافالني. وقالت موسكو إنها مستعدة لإجراء تحقيق شامل وموضوعي فيما حدث.
وبالتالي فإن اعتقال نافالني بتلك الصورة يراه بعض المحللين تصعيداً متعمداً من جانب روسيا تزامناً مع التغيير الكبير الذي من المتوقع أن تشهده الساحة السياسية الدولية مع تولي جو بايدن المسؤولية في البيت الأبيض.
فعلى مدى السنوات الأربع الماضية التي تولى فيها دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، شهدت العلاقات الأمريكية – الروسية تحسناً غير مسبوق في ظل العلاقة الجيدة التي جمعت بوتين مع ترامب، وسخر كلاهما من التحقيقات في تورط روسيا في الانتخابات الأمريكية التي أتت بترامب إلى سدة الرئاسة.
وعلى عكس سياسة ترامب الانعزالية وهجومه الدائم على حلف الناتو والتقليل من شأنه، وهي السياسة التي سمحت لبوتين بمد النفوذ الروسي على المسرح الدولي من القوقاز إلى أمريكا الجنوبية في فنزويلا إلى أوروبا والشرق الأوسط، أعلن بايدن أنه قادم لاستعادة الدور الأمريكي في قيادة العالم مرة أخرى، وهو ما يراه البعض محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وفي هذا السياق يمكن قراءة التصعيد الروسي باعتقال نافالني في هذا التوقيت بأنه تحدٍّ مباشر لبايدن قبل حتى أن يتولى منصبه رسمياً. والاطلاع على تغريدة مستشار بايدن للأمن القومي ورد المتحدثة باسم الخارجية الروسية يوضح الصورة أكثر.
جايك سوليفان نشر تغريدة مساء الأحد طالب فيها السلطات الروسية بالإفراج "الفوري" عن نافالني: "هجمات الكرملين على نافالني ليست انتهاكاً للحقوق الإنسانية فحسب، بل إهانة للشعب الروسي الذي يريد أن يكون صوته مسموعاً. يجب محاسبة مرتكبي الهجوم السافر الذي كاد يودي بحياة نافالني".
من جانبها، أصدرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بياناً صحفياً رداً على سوليفان وغيره من "المتعجلين" في نشر تعليقاتهم حول القضية، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية، وقالت زاخاروفا في البيان: "احترموا القانون الدولي ولا تتدخلوا في القانون الوطني للدول ذات السيادة. تعاملوا مع مشاكلكم المحلية أولاً".
عض الأصابع بين بوتين وبايدن
دلالة اعتقال نافالني في هذا التوقيت وطريقة تعامل روسيا مع المعارض الأبرز لبوتين ستمثل على الأرجح نقطة مفصلية في رئاسة بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لإدارته. فبايدن كان نائباً لباراك أوباما صاحب التصريحات الشهيرة التي قللت من قوة روسيا أو مقارنتها بالولايات المتحدة، لكن روسيا اليوم ليست روسيا قبل عقد من الزمان، كما أن الولايات المتحدة اليوم ليست كما كانت من قبل.
فعندما أقدمت روسيا على احتلال شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2008 وقبل أشهر قليلة من تنصيب إدارة أوباما الأولى، فرضت أمريكا عقوبات قاسية على موسكو وطردتها من مجموعة الثمانية التي أصبحت مجموعة العشرين، وقال أوباما في كثير من تصريحاته بعد ذلك إن روسيا "دولة أصغر وأضعف كثيراً من أن تمثل تحدياً للولايات المتحدة".
وفي مذكراته التي نشر الجزء الأول منها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خص أوباما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحكومته بانتقادات لاذعة وصلت إلى حد وصفهم بأنهم أقرب إلى إحدى عصابات الجريمة المنظمة، وكل هذا توثيق للعلاقة شديدة السوء التي جمعت الرئيس الأسبق بفلاديمير بوتين.
ومع عودة بايدن إلى البيت الأبيض محاطاً بغالبية المسؤولين في إدارتي أوباما، يتوقع المراقبون أن تشهد العلاقات الروسية-الأمريكية توتراً كبيراً ربما أسوأ حتى مما كانت عليه أيام أوباما، لكن شتان بين ما كانت عليه ظروف القوتين في ذلك الوقت عما هما عليه الآن.
فبايدن سيدخل البيت الأبيض بعد يومين مثقلاً بتركة ضخمة من المشكلات الداخلية أورثه إياها ترامب قد تجعل تركيزه على السياسة الخارجية مؤجلاً على أفضل تقدير، فجائحة كورونا تعصف بالبلاد وحملة التلقيح التي وعد بها تواجه عقبات كبيرة والاقتصاد الأمريكي في أضعف حالاته منذ عقود بسبب الجائحة، والأخطر من هذا وذاك هو الانقسام الداخلي الخطير الذي كان اقتحام الكونغرس يوم الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني مجرد البداية لما قد يؤدي إليه، بحسب خبراء التطرف.
وحتى على مستوى السياسة الخارجية، هناك ملفات أكثر إلحاحاً تستدعي التركيز التام وسرعة اتخاذ القرار وعلى رأسها ملف التعامل مع إيران، فبايدن يريد العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، لكن الأمور وصلت إلى نقطة من التعقيد الإقليمي والدولي قد تجعل الأمر أشبه بالمهمة المستحيلة، ولن يكون بوتين بعيداً عن هذا الملف أيضاً على الأرجح.
هذه التعقيدات وغيرها من الملفات الأخرى مثل الحرب التجارية المشتعلة مع الصين والخلافات داخل حلف الناتو والشرق الأوسط وصراعاته المتأججة، كلها أمور تجعل من قضية دفاع واشنطن عن حقوق الإنسان والحريات في روسيا أمراً ربما لا يتعدى حدود مطالبة سوليفان لموسكو بالإفراج "الفوري" عن نافالني.