خسارة ترامب الانتخابات ومغادرته البيت الأبيض وتولي جو بايدن الرئاسة أمر سيئ بالنسبة للسعودية، والأمر نفسه ينطبق على اختيار بوب مينينديز رئيساً للجنة العلاقات الدولية في الكونغرس، فمن هو مينينديز، ولماذا اختيارة خبر سيئ للرياض؟
إعلان جو بايدن نيته "إعادة تقييم" العلاقات الأمريكية مع السعودية يبدو أنه لم يكن مجرد وعد انتخابي قد لا يلتزم به، فاختياراته للمسؤولين الرئيسيين في إدارته الديمقراطية الجديدة، التي ستتولى الحكم رسمياً خلال ثلاثة أيام فقط، وبالتحديد يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، تشير إلى أن هناك تغييراً كبيراً يلوح في الأفق بالفعل.
وما يجعل الأمور أكثر صعوبة هو سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وهو ما يعني أن توجهات إدارة بايدن يمكن تحويلها لسياسات بالفعل، مع محدودية تأثير الجمهوريين، حزب ترامب، في عرقلة تلك السياسات من خلال الكونغرس.
تشكيل لجان الكونغرس
وفي مؤشر على أن هناك مزيداً من الأخبار السيئة في انتظار الرياض، تأتي هذه المرة من جزء آخر من الإدارة الأمريكية الجديدة، إذ مع سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ سيصبح بوب مينينديز -المعارض لمبيعات الأسلحة لدول الخليج والمُنتَقِد الصريح للمملكة- رئيساً للجنة العلاقات الخارجية.
وفي هذا الصدد، علَّق ماركوس مونتغمري، زميل باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في واشنطن، الذي يتابع شؤون الكونغرس، "هذه الأخبار لا تبشر بالخير للرياض". وقال مونتغمري لموقع Middle East Eye البريطاني: "إذا كنت من المملكة العربية السعودية، وأمامك مجلس شيوخ يسيطر عليه الديمقراطيون، فيمكن القول إنَّ مينينديز هو آخر شخص تريد عداوته في الوقت الحالي. ومن الواضح أنه كذلك، إنه مصمم جداً على استعادة السيطرة على النظر في صفقات بيع الأسلحة، ويُكِن غضباً خاصاً تجاه السعودية".
وكان مينينديز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيوجيرسي، أحد الرعاة الثلاثة المشاركين في صياغة مشروع قرار يمنع بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار للإمارات العربية المتحدة الشهر الماضي، لكن فشل تمرير مشروع القانون في الكونغرس بفارق ضئيل.
لكن مع الصلاحيات الجديدة التي سُتمنَح لمينينديز بفضل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، سيحظى بدور أكبر في شؤون السياسة الخارجية ومبيعات الأسلحة.
وقال مينينديز، الشهر الماضي، عند إعلانه التشريع الذي يمنع صفقة الإمارات العربية المتحدة: "إننا نطرح هذه القرارات من الحزبين، من منطلق التفاهم المشترك بأنَّ الكونغرس يجب عليه تأكيد سلطته القانونية على مبيعات الأسلحة الخارجية لبلدنا".
وأضاف: "بينما حاولت تحذير إدارة ترامب، فإنَّ التحايل على العمليات التداولية للنظر في ضخ كميات كبيرة من الأسلحة إلى بلد في منطقة مضطربة بها صراعات متعددة مستمرة هو أمر غير مسؤول تماماً".
انتقاد بيع الأسلحة
وظفر الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ، بعد فوزهم في سباقي جولة الإعادة في جورجيا الأسبوع الماضي. ومن المقرر أن يؤدي الأعضاء الجدد اليمين الدستورية، يوم 19 يناير/كانون الثاني الجاري، وبعدها سيترقى مينينديز من عضو بارز إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجية.
ويتمتع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بسلطة عرقلة أي تشريع أو تمريره، والدعوة إلى جلسات الاستماع، وصياغة مواقف مجلس الشيوخ بشأن الدبلوماسية والحرب.
وقاد مينينديز، حين كان زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، الجهود لفرض مزيد من التدقيق على مبيعات الأسلحة إلى الخليج.
وعندما أصدرت إدارة ترامب إعلاناً طارئاً للالتفاف على الحاجة لموافقة الكونغرس على صفقة أسلحة مع الرياض في عام 2019، كان ذلك لأنَّ مينينديز قد عرقل البيع بمفرده.
وصوَّت مجلسا النواب والشيوخ بالموافقة على مشروع قانون لوقف صفقة البيع، لكن ترامب استخدم حق الفيتو لعرقلة المشروع في النهاية، في يوليو/تموز 2019.
معارض للحرب في اليمن
إضافة إلى مبيعات الأسلحة، انخرط مينينديز في جهود تشريعية لمعاقبة السعودية على ما ترتكبه من انتهاكات لحقوق الإنسان. وفي عام 2019، كان مينينديز الراعي الرئيسي لقانون اليمن ومساءلة السعودية، الذي دعا إلى فرض عقوبات على المسؤولين في المملكة، بسبب الحرب في اليمن ومقتل جمال خاشقجي.
ودعا مشروع القانون، الذي لم ينجح في الوصول لمرحلة التصويت أمام الكونغرس، إلى تجميد أصول سعودية وإلغاء تأشيرات أي فرد من أفراد العائلة المالكة أو المسؤولين السعوديين "المسؤولين عن وفاة جمال خاشقجي، أو المتواطئين في الجريمة، أو من أصدر الأمر بالقتل، أو من وجَّه بأي فعل أو ارتكب أي فعل أسهم في حدوث القتل".
لكن ترامب حمى زعماء السعودية من خلال حجب النتائج التي توصل إليها مجتمع المخابرات بشأن الاغتيال، رغم مطالبات الكونغرس بتقديم تقرير عمّن أمر بالقتل.
وقال مينينديز في عام 2019: "على الرغم من تحقيق المسؤولين الأجانب والدوليين في هذه المسألة، الذين خلصوا إلى أنَّ كبار المسؤولين السعوديين يتحملون المسؤولية عن مقتل خاشقجي، كانت هذه الإدارة معارضة بوضوح لمحاسبة كبار المسؤولين وكبار أعضاء العائلة المالكة".
وأضاف مينينديز: "والآن، على الرغم من وجود جبل من الأدلة الموثوقة، فإن هذه الإدارة لا تسعى إلى تجنب روح القانون بل نصه أيضاً، هذا غير مقبول تماماً لأمة مبنية على سيادة القانون وملتزمة بحماية حقوق الإنسان".
وقبل عام من ذلك، دعم مينينديز جهود الكونغرس لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وقال في ذلك الوقت: "فقط لأنك حليفنا، لا يمكنك القتل والاعتقاد أنه يمكنك الإفلات من العقاب". ووافق الكونغرس على قرار بوقف المساعدة الأمريكية للتحالف، لكن ترامب أوقفه أيضاً باستخدام حق الفيتو.
مدافع عن سياسة حازمة ضد إيران
في عام 2015، عارض مينينديز الاتفاق النووي الإيراني تحت إدارة الرئيس باراك أوباما. وعلى عكس المنتقدين الديمقراطيين الصريحين للمملكة العربية السعودية، يتبنى مينينديز وجهات نظر متشددة ضد أعداء السعودية؛ الإيرانيين.
وقال السيناتور في عام 2015: "تمنح هذه الصفقة تخفيفاً دائماً للعقوبات الإيرانية مقابل قيود مؤقتة على برنامجها النووي. نريد اتفاقاً معهم، لكننا نريد الاتفاق الصحيح".
وظهر مينينديز أيضاً في فعاليات لجماعة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة، الساعية إلى تغيير النظام، التي صنفتها واشنطن منظمةً إرهابية مؤخراً في عام 2012.
وقال مينينديز، في بيان مكتوب تُلِي أمام تجمع حاشد لمنظمة مجاهدي خلق في واشنطن في عام 2019: "شكراً لمواصلة تسليط الضوء على محنة الإيرانيين في ظل نظام قمعي ووحشي. إنني أشارككم رؤيتكم لمستقبل أفضل لإيران وكل الإيرانيين".
ومع ذلك، انتقد السيناتور حملة الضغط القصوى التي شنَّها ترامب على إيران. وعارض انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018.
وقال مينينديز في ذلك الوقت: "بهذا القرار، يخاطر الرئيس ترامب بالأمن القومي للولايات المتحدة، ويقلب بتهور الشراكات التأسيسية مع حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في أوروبا، ويراهن بأمن إسرائيل… الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة يجعل من المرجح استئناف إيران برنامج أسلحتها النووية في المستقبل".
وتعهد بايدن بإعادة إحياء الاتفاق إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل له. وعيَّن الرئيس المُنتَخَب دبلوماسيين ساعدوا في التفاوض على خطة العمل في مناصب عليا في إدارته. وفي هذا الصدد، قال مونتغمري: "أعتقد أنَّ مينينديز صار أكثر تقبلاً لاتفاق لا يمنح بالضرورة المتشددين المعادين لإيران كل ما يريدونه هذه المرة".